السبت مايو 18, 2024

الحمد لله حمدًا يرضاه لذاتِه والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي الله عن الصحابة والآل وأتْباعِهم من أهلِ الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ الله وابنُ أمَتِه وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه وأنّ الجنةَ حق وأنّ النارَ حق

اللهم صلِّ صلاةً كاملةً وسلّم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمدٍ الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائب وحسنُ الخواتيمِ ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آله وصحبِه وسلِّم.

اللهم اجعل نيّاتِنا وأعمالَنا خالصةً لوجهِكَ الكريم

يقولُ الوليُّ الكبيرُ الإمامُ الغوثُ القطبُ الجامعُ أحمدُ الرفاعيُّ رضي الله عنه في البرهانِ المؤيد

“الصَقوا بأولياءِ اللهِ {ألا إنّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}[يونس/٦٢]”

 ذكرَ اللهُ عز وجل أولياءَه الصالحين في هذه الآياتِ الكريمة من سورةِ يونس عليه السلام، جاء ذكرُ شروطِ الولاية

ما هي شروطُ الولاية؟ كيف يصيرُ العبدُ من الأولياء؟ ماذا يُشترَطُ له حتى يصيرَ وليًّا من أولياء الله؟

مَن سمعَ ما لأولياءِ اللهِ منْ مقاماتٍ سألَ اللهَ تعالى أن يكونَ من الأولياء

كيف ينالُ العبدُ تلك الدرجة؟ كيف يصيرُ وليًّا لله؟ والَى اللهَ بطاعتِه فتوَلّاهُ برحمتِه

ذُكرَ في هذه الآية شرطان {الذين آمنوا وكانوا يتقون} الشرطُ الأولُ الإيمانُ بالله عز وجل شرطٌ لقَبولِ العمل الصالح، لا يقبلُ اللهُ تعالى عملًا من عبدٍ ولو بلغَ قدْرًا كالجبال إذا كان من غيرِ إيمانٍ بالله عز وجل.

{ومَن يعملْ من الصالحاتِ مِن ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئكَ يدخلونَ الجنةَ ولا يُظلَمونَ نقيرًا}[النساء/١٢٤]

كما قال صلى الله عليه وسلم “أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ بالله ورسولِه” مَن كان على غيرِ الإيمان لا يقبلُ اللهُ تعالى منهم صلاةً ولا صيامًا ولا زكاةً ولا حجًّا ولا يقبلُ اللهُ تعالى منهم أيّ عملٍ من الأعمال.

الإيمانُ شرطٌ لقبولِ العملِ الصالح، مَن كان على غيرِ الإيمانِ بالله عز وجل لا يقبَلُ اللهُ تعالى منه، أما مَن كان على الإيمانِ بالله عز وجلّ وعملَ العملَ صحيحًا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ اللهَ تعالى يقبلُ وأقلُّ ما تُضاعَفُ الحسنة إلى عشر أمثالِها إلى سبعِمائةِ ضعفٍ وإلى أكثرَ من ذلك في بعضِ العبادات، قد تُضاعَفُ الحسنة الواحدة إلى مائة أو إلى ألف أو إلى أكثرَ من ذلك لكنْ الشرطُ في ذلك الإيمانُ بالله عز وجل، الإيمانُ بالله معناه الاعتقادُ الجازمُ بأنّ اللهَ عز وجل موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا كيف ولا مكان، الاعتقادُ الجازم الإيقانُ بأنّ اللهَ تعالى منزَّهٌ عن الزوجة، منزّهٌ عن الولد منزّه عن الشريك منزّهٌ عن المثيل، منزّهٌ عن الجسمية ولوازِمها، منزّهٌ عن الكمية منزهٌ عن الأينية منزّهٌ عن الجلوس منزهٌ عن الحلولِ في الأماكن منزّهٌ عن مشابهةِ الخلق سبحانه ليس كمثلِه شىءٌ وهو السميعُ البصير، هذا معنى الإيمانِ بالله عز وجل.

ومَن كان على غيرِ الإسلامِ لا يصيرُ مسلمًا مؤمنًا إلا بالنطقِ بالشهادتين ما دامَ قادرًا على النطقِ مع الاعتقادِ بمعناهما فإذا صار العبدُ مؤمنًا فعليه بعد ذلك أنْ يؤَدّيَ ما افترضَ اللهُ تعالى عليه من الواجبات ويجتنبَ ما حرّمَ اللهُ تعالى عليه من المحرّمات.

فالشرطُ الأولُ إذًا للولاية الإيمانُ بالله عز وجل والشرطُ الثاني التقوى {الذين آمنوا وكانوا يتقون}[يونس/٦٣] التقوى أداءُ الواجبات واجتنابُ المحرّمات، ومِن جملة الواجبات تعلُّمُ ما افترضَ اللهُ تعالى علينا من علمِ الدينِ الواجب.

يقولُ سيدُنا الشافعيُّ رضي الله عنه “ما اتّخَذ اللهُ وليًّا جاهلًا” الذي لم يتعلم علمَ الدين ولو كان أبوه قطبًا من الأقطاب لا يصيرُ وليًّا إنْ ماتَ أبوه ولبِسَ عباءَتَه وأخذَ عمامتَه لا يصيرُ وليًّا بالنسب، لا بد له من العلم ثم العمل.

ما اتّخذَ اللهُ وليًّا جاهلًا، الذي لم يتعلم ما افترضَ اللهُ عليه كيف سيؤدّي ما افترضَ اللهُ عليه؟ والذي لم يتعلم ما حرّمَ اللهُ تعالى عليه كيف سيتجَنَّبُ ما حرّمَ اللهُ عليه؟

التقوى شرطٌ للولاية، الذي لا يتّقي اللهَ تعالى لا يصيرُ وليًّا، ليست الولاية مجرّدَ لباسَ خِرقة أو ادّعاءَ زهد، ليست الولاية ثمرةً تُقطَفُ مِن شجرة، الولاية لا بد لها من العمل.

محمدُ بنُ المنكدر رضي الله عنه يقول “جاهدتُ نفسي أربعينَ عامًا حتى اسْتقامَت” أربعين عامًا من مجاهدةِ النفس.

مَن ثبتَ على التقوى لا بد أنْ يصيرَ وليًّا، من ثبتَ على التقوى صار يؤدي الواجبات تعلّم علمَ الدين عمِلَ بهذا العلم يؤدي الصلاةَ المكتوبة يُخرِجُ الزكاةَ إنْ كان عليه زكاة عندَه مالٌ تجبُ فيه الزكاة، يحجُّ إنْ كان قادرًا مستطيعًا يصومُ رمضان يأمرُ بالمعروف ينهى عن المنكر يحذِّرُ من أهلِ البدع يحذِّرُ من أهلِ الضلال، لا يسكت على كلمة الحق لأنّ الساكتَ عن الحق كما قال أبو عليٍّ الدقاق شيطانٌ أخرس

لا يكونُ الساكتُ عن الحق وليًّا صالحًا، الذي يسكتُ عند حصولِ البدع والمنكرات وهو قادر على الإنكار ونحن في زمن كثُرَ فيه مَن يتكلم والعياذ بالله تعالى بالبدع في العقيدة في زمن كثُرَ فيه المشبّهة المجسمة الذين يشبّهونَ اللهَ تعالى بخلقِه يصفونَ الله والعياذ بالله بصفاتِ خلقِه يقولون عن الله بأنه قاعد جالس مستقر يسكن في السماء يتغيّر وينزل نزولًا بذاتِه من مكانٍ إلى مكان، نحن في زمن كثُر فيه مَن يتجرأُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيسُبُّ رسولَ الله ويفتري على رسولِ الله وينهى الناس عن زيارةِ رسول الله ويحرّمُ التوسلَ والتبركَ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، نحن في زمنٍ فيه مَن يُعادي أولياءَ الله يسبُّ الصوفيةَ العارفين ويكذبُ عليهم ويفتري عليهم

كيف يصيرُ وليًّا مَن يسكتُ على إنكارِ هذه المنكرات؟

يقعدُ مع مريديه ليُحَدِّثَهم في القصص باسمِ أنه يتكلم في السيَر، كلُّ ما كان من علمِ الدين  فهو خير لكنْ عندما تكونُ المنكرات في العقيدة فيها ما فيها مِن إفسادِ عقائد الناس فماذا يكونُ الواجب وماذا يكونُ الأوْلى؟

قال بعضُ السلف “إذا ظهرت البدع وسكتَ العالِم فعليه لعنةُ الله”

فهذا الساكت عن الحق بعيدٌ من الولاية.

من التقوى أنْ نأمرَ بالمعروف وننهى عن المنكر، من التقوى أنْ نعلّمَ الفرضَ العيني.

نحنُ الآن لسنا في زمن الرفاعي على أنه في زمن الرفاعي رضي الله عنه في القرن السادس الهجري كلَّ يومٍ كان يعقدُ مجلسًا يُعطي فيه من علمِ الدين الضروري مجلسًا أولَ النهار ومجلسًا آخرَ النهار، فكيف بنا في هذا الزمن وكثيرٌ من الناس لا يعرف أنه يوجدُ قدْرٌ واجبٌ من علم الدين يجبُ على كلّ مسلم مكلفٍ أنْ يتعلَّمه.

كم من الناس الذين يعيشون بين المسلمين لا يعرفون ذلك ولا يطلبون الفرضَ العيني بل ومنهم من المسلمين مَن عاش ولم يسمع بكلمة الفرض العيني أو بعلمِ الدين الضروري، مَن أراد أن يصير من أولياء الله فرضٌ عليه أنْ يتعلم هذا العلم الواجب، فرضٌ عليه ما دام قادرًا أنْ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر {الذين آمنوا وكانوا يتقون}[يونس/٦٣] التقوى

إذًا بعد الإيمانِ بالله عز وجل شرطُ الولايةِ تقوى الله تبارك وتعالى.

إذا ثبت العبدُ زمانًا على التقوى هذا إن شاء الله يصيرُ من أولياء الله. ثم هذا الذي يثبتُ على تقوى الله فبعد ذلك يحبِّبُ اللهُ تعالى له النوافل فيُكثِرُ منها

وهذا في وصف الأولياء ذُكر في الحديث.

فالوليُّ مَن آمنَ بالله واتّقى وأكثرَ من النوافل لو لم يأتِ بكلِّ النوافل عندها يصيرُ هذا العبدُ من أولياء الله.

يقول الرفاعي “الوليُّ مَن وادَّ الله” أطاعَ الله سبحانه وتعالى أدّى ما يُرضي اللهَ أحبَّ الله عز وجل، محبةُ الله عظيمة في قلب هذا الولي فتجدُه مُستأنِسًا بذكرِ الله ما له أنسٌ بشىءٍ كأُنسِه بذكرِ الله عز وجل، يستحضرُ هذا الولي {لا تحزن إنّ اللهَ معنا}[التوبة/٤٠] فتجدُه دائمَ الذكرِ لله عز وجل

الوليُّ مَن وادَّ اللهَ وآمنَ به واتّقاه فلا تُحادّوا مَن وآدَّ الله الويلُ لمَن عادى أولياءَ الله.

جاء في بعض الكتب السماوية “مَن آذى لي وليًّا فقد آذَنتُه بالحرب” أعْلَمْتُه أنّ اللهَ تعالى مُحاربٌ له ومَن كان اللهُ مُحاربَه فمَن يُسلِّمُه؟

كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في آل بيتِه الأطهار “حربٌ لمَن حاربَهم سلْمٌ لمَنْ سالَمَهم”

حربٌ من الله ومن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لمَن عادى أولياءَ الله

صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي “مَن عادى لي وليًّا فقد آذَنْتُه بالحرب”

مَن عادى أولياء الله آذى أولياءَ الله شتم أولياءَ الله اللهُ تعالى يُحاربُهم، فالذي يَوَدُّ أولياءَ الله أيريدُ أنْ يُحشرَ في جملةِ مَن عادى أولياءَ الله؟

 مَن أحبَّ أولياءَ الله ونصرَهم ودافعَ عنهم من المؤمنين أحِبّوه لحبِّه لأولياء الله لأنّ حبّ الأولياءِ في الله، ألسنا نقول هذا وليُّ الله؟ هذه الإضافة تدلُّ على أنّ هذا العبد قد صار في مقامٍ رفيع وليُّ الله، وأما الفجار أولياءُ الشيطان فهل تُجعَلُ المودة لأولياءِ الشيطان؟ هل تُجعلُ المودة لمَن يُعادي ويُحاربُ أولياءَ اللهِ عز وجل؟

هذا الذي يُعادي أولياءَ الله هو يحاربُ اللهَ ويحاربُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

اللهُ تعالى يقول {إنّ اللهَ يدافعُ عن الذين آمنوا}[الحج/٣٨]

يقولُ الرفاعي “اللهُ ينتقمُ للأولياءِ ممنْ يؤذيهم ويُكرِمُهم بصوْنِ مُحِبّيهم وعونِ مَن يَلوذُ فيهم هم أخصُّ المخاطَبينَ بآيةِ {نحنُ أوليآؤُكم في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة}[فصلت/٣١] عليكم بمحبّتِهم والتقربِ إليهم تحصلُ لكم بهمُ البركة كونوا معهم {أولئكَ حزبُ الله ألآ إنّ حزبَ اللهِ همُ المفلِحون}[المجادلة/٢٢]

الله ينتقمُ للأولياء ممن يؤذيهِم.

مرّ سعدُ بنُ أبي وقاص رضي الله عنه وهو وليٌّ كبيرٌ من المبشرينَ بالجنة ودعا له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال “اللهم سدِّدْ رَميَتَه وأجِبْ دعوَته” فكان رضي الله عنه مُجابَ الدعوةِ، مرّ سعدٌ رضي الله عنه في ناحيةٍ يقالُ له أحجارُ الزيت وإذ برجلٍ هناك على دابةٍ وسطَ جمعٍ من الناس يشتمُ عليَّ بنَ أبي طالب كرّمَ اللهُ تعالى وجهَه، فانتصرَ سعدٌ لعليٍّ رضي الله عنهما، عليٌّ كبير، وليُّ كلِّ مؤمنٍ من بعدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم “منْ كنتُ موْلاه فعليٌّ مولاه اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه” فانتهضَ سعدٌ منتصِرًا لعليّ قال مُنكرًا على هذا الرجل “ألستَ تعلمُ أنّ عليًّا قال فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا؟ ألستَ تعلم أنّ عليًّا هو الذي حملَ رايةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألستَ تعلم ألستَ تعلم؟ ثم رفعَ سعدٌ يديه ودعا اللهَ تعالى قال

ما معناه اللهم إنّ هذا يشتمُ عليًّا فأرِنا فيه آثارَ قدرتِك، وقعَ الرجل عن دابتِه وقد ساخَت أقدامُها في الأرض فنزلَ رأسُه فارتطمَ في الأرض فانفلَقَ دماغُه فمات من فورِه.

اللهُ ينتقم للأولياء ممن يؤذيهم.

كان رجلٌ يطعنُ في الإمام النووي رحمه الله والإمام النووي فقيهٌ شافعيّ صوفي كبير من الصالحين وهو رضي الله عنه أشهر مَن شرحَ صحيحَ مسلم، هذا الإمامُ النووي كان ذاك الرجل يطعن فيه فلما مات ذاك الرجل وكان وسَطَ الناس جاءت هرة تخترفُ الصفوف والناسُ ينظرون حتى وصلَت إلى رأسِ ذلك الرجل الذي كان بلسانِه يَلوكُ الإمامَ النووي ثم قطعَت لسانَه وذهبَت به

الله ينتقم للأولياء ممن يؤذيهم ويُكرِمُهم بصَوْنِ محبِّيهم وعونِ مَن يلوذُ فيهم

اللهم إنا قد لُذْنا إليك بأولياءِ الله فأمِدَّنا بمددِهم بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوبُ إليك سبحان ربّكَ ربِّ العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.