الأحد مايو 12, 2024

الفصل الرابع:
التحذير من كتاب
«قصص الأنبياء» للثعلبيّ أو الثعالبيّ
ومواضع في تفسير الزمخشريّ
([1])

ومما يجب التحذير منه الكتاب المسمّى «قصص الأنبياء» للثعالبيّ، ففيه القصة التي تروى أن الدود كان يتناثر من جسد أيوب عليه السلام في مرضه فصار يردّها إلى جسده ويقول لها: كلي فقد جعلني الله طعامك، ويُرجع في بيان الردّ على الافتراءات في هذه القصة إلى الفصل السادس من الباب الثاني من هذا الكتاب.

وكذلك يجب التحذير من مواضع في «تفسير الزمخشريّ» المعتزليّ وبعضها كفر صراح، إذ يتضمن الكثير مِن سوء الأدب مع رسول الله ﷺ كما بيَّن ذلك الكثير من العلماء، ومنهم المفسر اللغويّ أبو حيان الأندلسّ، الذي يقول في التحذير منه في تفسير سورة النمل من تفسيره البحر المحيط ضمن أبيات: [الطويل]

فيُثبتُ موضوعَ الأحاديثِ جاهلا
ويحتالُ للألفاظِ حتى يُديرَها

 

ويعزو إلى المعصومِ ما ليسَ لائقَا
لمذهبِ سوءٍ فيهِ أصبحَ مارِقَا([2])

وفي كتاب «البحر المحيط» بيان وافٍ للمغالطات والانحرافات التي وقع فيها الزمخشريّ الذي كان يجاهر باعتزاله ويدافع كثيرًا عن معتقدات المعتزلة القائلين بأن الله لا يخلق الشرّ والعياذ بالله تعالى وأمثالها من الضلالات التي توقع قائلها في الكفر. فيقول أبو حيان في تفسيره بعد أن يورد العقيدة السنية الصحيحة في معنى ختم الله تعالى على قلوب بعض عباده وإظلامها بالكفر: «ونسبة الختم إلى الله تعالى بأي معنى فُسّر إسناد صحيح، إذ هو إسناد إلى الفاعل الحقيقيّ، إذ الله تعالى خالق كل شيء، وقد تأول الزمخشريّ وغيره من المعتزلة هذا الإسناد، إذ مذهبهم أن الله تعالى لا يخلق الكفر ولا يمنع من قبول الحق والوصول إليه، إذ ذاك قبيح والله تعالى يتعالى عن فعل القبيح»([3]).اهـ.

وفي موضع آخر يقول أبو حيان: «ويقال: خلد بالمكان أقام به، وأخلد إلى كذا سكن إليه، والمخلد: الذي لم يشب، ولهذا المعنى، أعني: من السكون والاطمئنان سمي هذا الحيوان اللطيف الذي يكون في الأرض خُلْدًا. وظاهر هذه الاستعمالات وغيرها يدل على أن الخلد هو المكث الطويل، ولا يدل على المكث الذي لا نهاية له إلا بقرينة. واختار الزمخشريّ فيه أنه البقاء اللازم الذي لا ينقطع تقوية لمذهبه الاعتزاليّ في أن من دخل النار لم يخرج منها؛ بل يبقى فيها أبدًا، والأحاديث الصحيحة المستفيضة دلت على خروج ناس من المؤمنين الذين دخلوا النار بالشفاعة من النار»([4]).اهـ.

ويقول أبو حيان كذلك: «وأما الزمخشريّ فجرى على مذهبه الاعتزاليّ من أنه يشترط في استحقاق الثواب بالإيمان والعمل أن لا يحبطهما المكلف بالكفر والإقدام على الكبائر، وأن لا يندم على ما أوجده من فعل الطاعة وترك المعصية، وزعم أن اشتراط ذلك كالداخل تحت الذكر. وقد عُلِمَ من مذهب أهل السُّنَّة أن من وافى على الإيمان فهو من أهل الجنة، سواء كان مرتكبًا كبيرة أم غير مرتكب، تائبًا أو غير تائب»([5]).اهـ. أي: أن المؤمن العاصي تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه وإن شاء عفا عنه، قال رسول الله ﷺ: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور، ومن ستره الله فذلك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له»([6]).

ولسنا بصدد تتبُّع اعتزاليات الزمخشري في تفسيره «الكشاف» وغيره، فليس المقام مقام ذكرها وإحصائها، وقد اعتنى بذلك العلماء قديمًا، كابن عطية([7]) وأبي حيان والساج البلقيني([8]) وقد ذكر السيوطي في الإتقان عن البلقيني أنه قال: «استخرجت من الكشاف اعتزالًا بالمناقيش من قوله تعالى في تفسير: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]»([9])، حتى إن الإمام أبا علي عمر السكوني([10]) أفرد كتابًا في استخراج الاعتزاليات وتفنيدها مسألة مسألة، وسماه التمييز لِـما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسير الكتاب العزيز.

 

 

[1])) محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزميّ الزمخشريّ (ت538هـ)، أبو القاسم، كان معتزليّ المذهب، مجاهرًا، شديد التعصب لمذهب المعتزلة حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبًا واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب، وقد أكثر من التشنيع على الصوفية في كتابه: (الكشاف) في تفسير القرآن وغيره. من كتبه: (أساس البلاغة)، و(المفصل)، و(المستقصى) في الأمثال. وفيات الأعيان، ابن خلكان، (5/71). الأعلام، الزركلي، (7/178).

[2])) البحر المحيط، أبو حيان، (8/252).

[3])) البحر المحيط، أبو حيان، (6/80).

[4])) البحر المحيط، أبو حيان، (1/178).

[5])) البحر المحيط، أبو حيان، )1/182).

[6])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب الحدود، باب: توبة السارق، (8/201)، رقم 6801.

[7])) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي، أبو محمد، مفسّر فقيه أندلسي عارف بالأحكام والحديث، له شعر، ولي قضاء الـمَرِيَّة، وتوفي بلورقة، له: (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، توفي سنة 542هـ. الأعلام، الزركلي، (2/282).

[8])) عمر بن سلان بن نصير بن صالح الكناني، العسقلاني الأصل ثم البلقيني المصري الشافعي، أبو حفص سراج الدين، مجتهد حافظ للحديث، وُلِد في بلقينة (من غربيّة مصر) وتعلم بالقاهرة، وولي قضاء الشام سنة 769هت، من كتبه: (تصحيح المنهاج)، و(محاسن الاصطلاح) في الحديث، و(حواش على الروضة)، و(الفتاوى)، توفي بالقاهرة سنة 805هـ. الأعلام، الزركلي، (5/46).

[9])) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، (4/243).

[10])) عمر بن محمد بن حمد بن خليل، أبو علي السكوني، مقرئ من فقهاء المالكية، له كتب منها: (التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسير الكتاب العزيز)، و(لحن العوام في ما يتعلق بعلم الكلام)، توفي سنة 717هـ. الأعلام، الزركلي، (5/63).