الجمعة مارس 29, 2024

الحمد لله حمدًا يرضاه لذاته والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاته ورضي الله عن الصحابة والآل وأتباعِهم من أهلِ الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ الله وابنُ أمَتِه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأنّ الجنةَ حقٌّ وأنّ النار حق.

اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلِّم سلامًا تامًّا على سيدنا محمدٍ الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به العقد وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الحوائج وحسنُ الخواتيم ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آله وصحبِه وسلِّم.

اللهم اجعل نيّاتِنا وأعمالَنا خالصةً لوجهِكَ الكريم

مما جاء في مقالات الإمامِ أحمدَ الرفاعيِّ رضي الله عنه في البرهان المؤيد “الصقوا بأولياءِ الله”

يَحُثُّ الإمامُ الرفاعيُّ على صحبةِ الأولياء وملازمتِهم أنْ نكونَ أقربَ إليهم، أليس صلى الله عليه وسلم قال “المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخالِل”

ابحثوا عن أولياء الله والْصَقوا بهم جالسوهم خالطوهم تعلّموا منهم تأدبوا بآدابِهم احفظوا حقَّ الصحبةِ معهم

الوليُّ ينفعكَ في حياتِه وبعد مماتِه بإذن الله، إن جاورْتَه حالَ الحياة نفَعكَ وإنْ دُفِنتَ إلى جوارِه بعد الممات جوارٌ صالح ينفعك بإذن الله.

جعلَ اللهُ تعالى في كلِّ بلادٍ من البلادِ عبادًا صالحين أولياءَ عارفين يسقي اللهُ تعالى العبادَ بهم يرحمُ مَن جاء من أهلِ الأرضِ بهم في كلِّ بقعة، لله قومٌ إذا حلُّوا بمنزلةٍ حلَّ السرور وسارَ الجودُ إنْ ساروا تحيا بهم كلُّ أرضٍ ينزلونَ بهم كأنهم لبقاعِ الأرضِ أمطارُ

كالغيث أينما وقع نفع، مَن رأى أولياءَ الله الصالحين وَعى ذكرَ الأولياء وعرَفَ قدرَهم.

إنّ خيارَ عبادِ الله الذين إذا رُأوا ذُكرَ الله، هكذا ورد في حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعضُ الأولياء إنْ رأيتَه مِن غيرِ أنْ يُكلِّمَك بمجردِ أنك تراه تذكرُ اللهَ تعالى، منظرُه حالُه هيأتُه مُذَكِّرة بالله عز وجل، هيئةٌ مُذَكّرةٌ بالله وبرسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

ربَّ أشعثَ أغبر ذي طمريْن مدفوعٍ بالأبواب لو أقسمَ على الله لأبَرَّه.

أُوَيسُ بنُ عامر القَرَنيّ رضي الله عنه وأرضاه كان سيدَ التابعين وكان قد أخبرَ عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمرَ أصحابَه عليه الصلاة والسلام إنْ رأوا أُوَيسًا أنْ يطلبوا منه أنْ يستغفرَ اللهَ تعالى لهم، أخبرَ عنه صلى الله عليه وسلم، أويسُ بنُ عامر من قرَن ثم مِن مراد كان به برَصٌ أذهبَه اللهُ عنه إلا بقدرِ درهم كان بارًّا بأمه.

في خلافةِ عمر الفاروق رضي الله عنه إذا جاءت أمدادُ وقوافلُ اليمن يسألُ عمر أفيكم أويس؟ يتفقّدُه عمر حتى ذاتَ مرة جاءت قافلة من اليمن فسألَ عمر أفيكم أويس؟ فكان أويس فيهم فرآهُ عمر كان رثَّ الثيابِ جدا الذي يراه رضي الله عنه وهو سيدُ التابعين، الذي يراه من شدةِ رثاثةِ ثيابِه لعله يقول لعل هذا يكونُ مجنونًا، لا تميّز في حال شديدةٍ جدا في زهدٍ شديد، وهذا حالُ أولياءِ الله الزهد الشديد، عمر رضي الله عنه لما رأى أُويسًا قال أنت أويس؟ قال نعم، قال بنُ عامر؟ قال نعم، قال من قرن؟ قال نعم، قال ثم من مراد؟ قال نعم، قال كان بك برصٌ أذهبهُ اللهُ عنك إلا بقدرِ الدرهم؟ قال نعم، قال أنتَ بارٌّ بأمك؟ قال نعم، قال استغفر اللهَ لي.

أويس شديدُ التواضع، ذكر له ما معناه أنتم أقربُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم مَن لقيَ رسولَ الله أنتم أقربُ إليه صلى الله عليه وسلم لكنّ عمر كان قد سمعَ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبَ من أويسٍ  رضي الله عنه أنْ يستغفرَ اللهَ له، ثم عمر رضي الله عنه قال له أخَصِّصُ  لك مالًا من بيت مال المسلمين وعمر رضي الله عنه خليفةٌ راشد يتقي الله كان يقول أنا على بيت المال كالوصيِّ على مال اليتيم، عرضَ على أويس معناه يا أويس هذا مالٌ حلالٌ طيب والذي  يعرضُه عليك الخليفةُ الراشد عمرُ الفاروق رضي الله عنه، قال أويس لا، أحبُّ أن أبقى في جملة الفقراء ما رضيَ أنْ يُجعلَ له مُخصَّص، قال أحبُّ أنْ أبقى في جملةِ المساكين.

ثم بعد ذلك عمر رضي الله عنه بعد لقائه هذا بأويس شهرَ أمرَه -عمر- فصار الناس يقصِدونَه إلى حيثُ كان في اليمن يقولون له أنت أويس بنُ عامر من قرن ثم من مراد وهكذا، فأويس لما رأى أنّ أمرَه قد عُرِفَ وهو التقيُّ الخفيّ، الأولياءُ مِن حالِهم أنهم يُخفونَ أحوالَهم يتَخَفَّوْنَ لا يُظهِرونَ كراماتِهم ويحاولونَ ألا يكونَ أمرُهم ظاهرًا بين الناس أتقياء أخفياء

كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنّ اللهَ يحبُّ الأتقياءَ الأخفياء الذين إذا حضروا لم يُعرَفوا وإذا غابوا لم يُفتقَدوا يخرجونَ منْ كلِّ غبراءَ مُظلِمة”

هكذا أويسُ بنُ عامر رضي الله عنه لما اشتهرَ أمرُه بعد ذلك تركَ الأرضَ التي كان فيها وتخَفّى ما عادَ يُعرَفُ أينَ هو أويس حتى ظهرَ رضي الله عنه عندما حصلت الفتنة في زمان علي، تخَفّى فيما بقيَ من خلافةِ عمر رضي الله عنه إلى زمانِ علي رضي الله عنه فقام وحاربَ رضي الله عنه في جيش علي لأن عليًّا هو الخليفةُ الراشد الذي طاعتُه واجبة وكان عليٌّ يقول “أُمِرْتُ بقتالِ الناكثينَ والقاسطينَ والمارقين” رواه النسائي.

يقال كان عمرُ أُويس في ذلك الوقت قد تجاوزَ التسعين ومع ذلك وقف أويس رضي الله عنه فقاتل في جيش علي وقُتِلَ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ودُفِنَ في الرّقة.

بذكرِ الصالحين تتذكرُ الرحَمات، بذكر الصالحين تعُمُّ البركات حتى إنّ شيخَ القراء الجزريّ يقول في الحصن الحصين “من مواطن إجابةِ الدعاء قبورُ الصالحين”

لأنّ اللهَ تعالى جعلَ لهم بركة هم لا يخلقونَ نفعًا ولا ضُرًّا لا في حياتِهم ولا بعد مماتِهم ولكنّ اللهَ تعالى وهو سبحانه الذي خلقَ الأسباب جعلَ مِن أسبابِ النفعِ للعبادِ الأولياءَ والصالحين، فإذا كان هذا أويس، عمر الفاروق الذي هو أفضلُ منه بدرجات، عمر أفضل من أويس بدرجات ومع ذلك يطلبُ عمر من أويس أنْ يستغفرَ اللهَ له.

ولنذكرْ هنا وقد أتيْنا على ذكر عمر أنّ عمر ذاتَ مرة لما كان خارجًا في سفر العمرة النبيُّ عليه الصلاة والسلام قال لعمر “أشرِكْنا يا أخُيَّ في صالحِ دعائك”

مَن الذي يطلبُ ذلك؟ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأيتَ أولياءَ الله فالصَق بهم واطلب منهم الدعاء

مُريدٌ كان عند وليٍّ دعا له الوليُّ بالرحمة تغيّرَ حالُ هذا المريد، نعم بدعاءٍ واحد واللهُ على كلِّ شىءٍ قدير، هذا المريد بعد ذلك جدَّ في الطاعة واجتهدَ وصارت همّتُه قويةً في طاعةِ الله عز وجل وخرجَت الدنيا من قلبِه وترَقّى في الدرجات وصار من العارفين

كلُّ وليٍّ من أولياء الله الدنيا خرجت من قلبه، مَن كانت الدنيا تسكنُ في قلبِه هذا يدلُّ على أنّ هذا بعيدٌ من الولاية.

مَن وجدَ الدنيا في قلبِه بعد ذلك إنْ وسوسَ له الشيطان زيّنَ له ليستدرجَه أنك أنتَ من الأولياء والناسُ تُقبلُ عليك تقبِّلُ يدَكَ تأتي إليك بالهدايا فلينظر في نفسِه حقيقةً ما دامت الدنيا في قلبِه فليس من أولياء الله.

عندما يقول الإمامُ الرفاعي “الصَقوا بأولياءِ الله” نحتاجُ أنْ نعرفَ وصفَ هذا الولي حتى نعرفَ بمَن نلصَق.

يقولُ الرفاعي “الصَقوا بأولياءِ ألا إنّ أولياءَ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون”

الوليُّ مَن وادَّ اللهَ وآمنَ به واتّقاه.

ألا إنّ أولياء اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، لا يخافونَ مما هم مُقبِلونَ عليه نزعَ اللهُ تعالى من قلوبِهم الخوفَ مما سيُلاقيهم بعد الموت.

الوليّ تأتيه البشارة وهو على فراش الموت عندما تأتيه ملائكةُ الرحمة يأتيه خمسمائة من ملائكةِ الله، وملائكةُ اللهِ كلُّهم أولياءُ الله، الملائكة عبادٌ مكرَمون طائعون لا يعصونَ اللهَ ما أمرَهم ويفعلونَ ما يؤمَرون، خمسمائةٍ من ملائكةِ الله يأتونَ إلى هذا الوليِّ الذي هو على فراشِ الموت قبلَ أنْ تخرجَ روحُه قبلَ أنْ يقبضَ روحَه عزرائيل عليه السلام ملكٌ الموت تقولُ له ملائكةُ الرحمة السلامُ عليك يا وليَّ الله أبشرِ برحمةِ الله ورضوانِه

كثيرٌ من الأولياء لا يعرفُ أنه وليّ إلا تلك الساعة، قبل ذلك هو على الصلاح وهو على الولاية لكنْ لو واحد قال له أنت من أولياء الله لا يقبل لأنه يتهمُ نفسَه وإن حصلَ معه شىءٌ من الخوارق يقول هذه كرامة لشيخي، هذا من أسرارِ مشايخي هذا حصل بسرّ الإمامِ الرفاعي أو حصل بسرّ الإمام الجيلاني أو حصل بسر أويس القرني أو حصل هذا بسر الجنيد البغدادي أو حصل هذا بسرّ الإمامِ البدوي أو حصل هذا بسر الإمام الشاذلي أو حصل هذا بسر الإمام الدسوقي أو حصل هذا بسر الإمام المكاشفي أو حصل هذا بسر الإمام الهرري، يقول حصل هذا بسرِّ وليٍّ من أولياء الله ليس لخاصيةٍ فيّ.

شديدو الاتهامِ لأنفسِهم لأنهم يُحاسبونَ أنفسَهم محاسبةً شديدة يتهمونَ أنفسَهم يُبالغونَ في التخَفّي، لذلك من هؤلاء مَن يصل إلى درجة من شدةِ المبالغة في التخفي بين أصناف الأولياء يقال لهم المَلامتية، هؤلاء أصحابُ النفسِ اللوامة الذين يبالغونَ في التخفّي لو ظهرَ سرٌّ معهم لا ينشرونَه، يكون الواحد منهم قد رأى مائة  رؤيا وما تكلم إلا بواحدةٍ منها أو ما تكلم بشىءٍ منها، لا يشغلونَ الناسَ في مجالسهم رأيتُ في المنامِ كذا ورأيتُ في المنامِ كذا فتجدُه يُزَوِّج ويطلِّق ويصرفُ هذا هنا ويصرفُ ذاك هناك، لا يتصرفونَ هكذا بل يشغلونَ الناس بالعلم والعمل

لا خوفٌ عليهم وهم على فراش الموت تبشّرُهم ملائكةُ الرحمة عندها يعرفونَ أنهم من أولياء الله، يذهبُ الخوفُ عنهم فلا يخافونَ بعد ذلك يضحكون يتبسّمون، وجوههم تصيرُ متلألئة، كيف بالوليّ الكبير الرجل الصالح عمرَ بنِ عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه ذاك الخليفةُ الراشد التي جاءته الدنيا فركَلَها وخرجَ منها ترك الثيابَ الرقيقة ولبسَ ثيابَ أهلِ التصوف.

عندما كان على فراش الموت الملائكة تأتيه وهو يسلمُ عليهم ويردُّ عليهم السلام ويضحك ويتلألأ بل ومن هؤلاء مَن يرى وكل ذلك قبل قبضِ الروح يُكشَفُ له فيرى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في قبرِه يسلمُ عليه ويبشّرُه بالجنة، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يخرجُ من قبرِه إنما هذا الذي شاء اللهُ تعالى له هذه البشرى العظيمة عندما يكونُ على فراش الموت اللهُ تعالى يكشفُ له تصيرُ الجبالُ والأبنيةُ والحواجزُ التي بينه وبينَ مدينةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كالبلَّور فيرى من خلالِها وجهَ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم ويسمعُ صوتَه يبشّرُه بالجنة، أيُّ خوفٍ يبقى بعد ذلك؟؟؟

طرقُ الصوفية التي هي طرق الأولياء لها أسرار، الرفاعية جماعة سيّدي أحمدَ الرفاعي لهم عند المماتِ لطفٌ من الله عز وجل. اللهُ تعالى يجعلُ لهم ألطافًا وهم على فراش الموت، ثم مَن كان من أولياء الله الصالحين تلك الساعة ليس شىءٌ أحبَّ إليه مما أمامَه فأحبَّ لقاءَ الله وأحبَّ اللهُ لقاءَه، لا خوفٌ عليهم لا يخاف هو الآن على يقين أنه من الناجين

يأتي عزرائيل عليه السلام إليه بصورةٍ لا يخافُ منها بصورةٍ شيخٍ وَقور أما للفجار يأتيهم عزرائيلُ عليه السلام بصورةٍ يخافونَ منها خوفًا كبيرًا.

ولا هم يحزنون ولا يحزنون على ما فاتَهم، ما عادَ عندَهم حزن على ما فاتهم من ولد من مال، ليس حزينًا يقول الآن بيتي ماذا يصير فيه هو انتقل إلى الراحة وهي راحةٌ أبدية ليس هناك ما ينغِّصُ عليه، الآنَ في حياتِه لو فكّرَ لو أنا متُّ مَن سيأتي داري؟ من سيسكنُ من بعدي؟  قد يسكنُ فلان قد يأخذُ مالي إرثًا تركةً إلى فلان الذي أنا أرى أنه يفجُرُ بالمال، فيتنغّص، أما هناك لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

أمدّنا الله بمددِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مددِ الصحابة الكرام وبمددِ التابعين الأبرار بمددِ أويسِ بنِ عامرٍ القرني بمددِ سيّدي أحمدَ الرفاعي وبقيةِ الأقطاب الأربعة.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميعُ العليم وتب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

وأدخلنا الجنةَ مع الأبرار برحمتِك يا عزيزُ يا غفار.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهدُ أنْ لا إله إلا أنت نستغفركَ ونتوبُ إليك سبحان ربك ربّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابِه الطيبين الطاهرين.