الإثنين مايو 20, 2024

حكم التجسيم والمجسمة عند الشافعية:

قال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه جامعًا ما قيل في التوحيد: «من انتهض لمعرفة مدبّره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكرُه فهو مشبّه، وإنِ اطمأنَّ إلى العدم الصّرف فهو معطِل، وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحّد» اهـ. رواه البيهقيّ وغيره([1])  وقد تقدَّم.

وقال ابن المعلّم القرشيّ في سرد مسائل يكفر معتقدها([2]): «وهذا مُنْتَظمُ مَن كفرُهُ مُجمعٌ عليه، ومَن كفّرناه من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرآن([3]) وبأنه ـ تعالى ـ لا يعلم المعدومات قبل وجودها، ومَن لا يؤمن بالقَدَر، وكذا مَن يعتقد أن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين عن نصّ الشافعيّ» اهـ.

وقال كذلك([4]): «ثبت أن الشافعيّ قال: من قال: الله جالس على العرش كافر» اهـ.

 

وقال الحافظ النوويّ([5]): «وأما التفصيل فقال المتولّي: من اعتقد قِدَم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالِمًا قادرًا، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرًا([6])» اهـ.

وقال تقي الدين الحصنيّ([7]): «إلَّا أنَّ النوويّ جزم في صفة الصلاة من شرح المهذّب بتكفير المجسّمة، قلت: وهو الصَّواب الذي لا محيد عنه، إذ فيه ـ أي قول من قال بالجسميّة ـ مخالفة صريح القرآن، قاتلَ الله المجسّمةَ والمعطّلةَ، ما أجرأهم على مخالفة مَن (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11}) (الشورى)، وفي هذه الآية ردّ على الفرقتين» اهـ.

وقال الحافظ السيوطيّ([8]): «قاعدة: قال الشافعيّ: لا يكفر أحد من أهل القبلة، واستُثْنِيَ من ذلك المجسّم ومنكر علم الجزئيات» اهـ.

وفي الكتاب نفسه وفي الصحيفة نفسها ينقل السيوطيّ عن الإمام الشافعيّ رضي الله عنه قوله: «المجسّم كافِـر» اهـ.

وقد ذكر الإمام البيهقي الشافعيّ المذهب في الأسماء والصفات في كثير من المواضع أن الله منـزّه عن المكان والحدّ، ومن ذلك قوله([9]): «واستدلّ بعض أصحابنا في نفي المكان عنه ـ تعالى ـ بقول النبيّ ﷺ([10]): «أنتَ الظاهرُ فليسَ فوقَكَ شىءٌ وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شىءٌ» وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان» اهـ.

وقوله([11]): «وما تفرّد به الكلبيّ وأمثاله يوجب الحدّ والحدّ يوجب الحَدَث لحاجة الحدّ إلى حادّ خصَّه به، والبارئ قديم لم يزل» اهـ.

وقوله([12]): «الله تعالى لا مكان له»، ثم قال: «فإنّ الحركة والسكون والاستقرار من صفات الأجسام، والله تعالى أحد صمد ليس كمثله شىء» اهـ.

وقال المناويّ([13]) عند الكلام على تقسيم البدعة إلى كفرية وغير كفرية ما نصُّه: «أمّا من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيّات وزاعم التجسيم أو الجهة أو السكون أو الاتّصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد، لأنه أحقر من ذلك» اهـ.

وقال ابن حجر الهيتميّ([14]): «واعلم أن القَرَافيّ وغيره حكوا عن الشافعيّ ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك» اهـ.

وأما ما ترويه المشبهة عن الإمام الشافعيّ مما يُخالف عقيدة أهل السنة والجماعة فلا وجه لصحته وإنما هو من جملة الدسائس على أعلام الحق كالشافعي، وإذا عرفت أن في أسانيد هذه الروايات المصنوعة أمثال العشاري وابن كادش والهكاري تَبَيّنْتَ وَضْعَها ولم تَعجَبْ، لاشتهار هؤلاء المذكورين  بالوضع والغفلة كما يُعلم ذلك من كتب الجرح والتعديل، أما ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله المتوفى سنة 526هـ من أصحاب العشاري اعترف بالوضع ، كما في ميزان الاعتدال في نقد الرجال([15])، وحُكْمُ مِثْلِه عند أهل النقد معروف. وأما العشاري فهو أبو طالب محمد بن عليّ العشاري المتوفى سنة 452هـ مغفل، وقد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبًا، وكل ذلك بإثبات الذهبيّ نفسه في كتاب الميزان([16]) وغيره، وكذا ما ينسب للشافعيّ ـ وصية الشافعيّ ـ فهو من رواية أبي الحسن الهَكَّاريّ([17]) المعروف بالوضع كما هو مُقَرَّرٌ في كتب الجرح والتعديل([18])، فليحذر من تمويهات المجسّمة فإن دأبهم التدليس والتزوير وذكر ما يوافق هواهم وإن كان كذبًا وباطلًا.

فقد كان كل علماء الشافعية المعتبرين على تنـزيه الله سبحانه عن صفات المخلوقات من الأجسام الكثيفة واللطيفة. ولو تخبَّط بعض من ينتسب إليهم في متاهات الجهل، فمردّ هذا إلى عدم ثبات عقيدة التنـزيه في قلوبهم حسبما كان يعلّمها الإمام الشافعيّ رضي الله عنه وكبار علماء مذهبه كما سبق النقل عنهم.

[1] ) شرح الفقه الأكبر، ملا علي القاري، ص 152.

 

[2] ) نجم المهتدي ورجم المعتدي، ابن المعلم القرشيّ، ص 551. وكذلك نقل ابن الرفعة هذا القول عن الشافعي. كفاية النبيه شرح التنبيه، ابن الرفعة، 4/24.

 

[3] ) أي من قال بأن لله شفتين وأسنانًا ولهاة، وأن كلامه الأزليّ أصوات وحروف فهو كافر.

 

[4] ) نجم المهتدي ورجم المعتدي، ابن المعلم القرشيّ، ص 555.

 

[5] ) روضة الطالبين، النوويّ، 10/64.

 

[6] ) إذ الاتصال والانفصال من صفات الأجسام.

 

[7] ) كفاية الأخيار حل غاية الاختصار، الحصنيّ، ص 647.

 

[8] ) الأشباه والنظائر، السيوطيّ، ص 488.

 

[9] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص400.

 

[10] ) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الذكر والتوبة والدعاء والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، 8/78.

 

[11] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص415.

 

[12] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص448، 449.

 

[13] ) فيض القدير، المناوي، 1/72.

 

[14] ) المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية، الهيتميّ، ص 224. ومعنى «حقيقون بذلك» أي جديرون بالتكفير، وتكفيرهم ليس افتراءً عليهم بل لأنهم مجسمة وخالفوا المعتقد الإسلاميّ السليم فقد خرجوا عن الحق والإسلام وكفروا.

 

[15] ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبيّ، 1/259.

 

[16] ) قال الذهبيّ في ترجمته: «أدخلوا عليه أشياء فحدّث بها بسلامة باطن، منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء، ومنها عقيدة للشافعيّ ـ وذكر بعض الأباطيل عنه ثم قال ـ فقبّح الله من وضَعَه، والعَتَبُ إنما على محدّثي بغداد كيف تركوا العشاريّ يروي هذه الأباطيل» اهـ. ميزان الاعتدال، الذهبيّ، 6/267. لسان الميزان، ابن حجر، 5/302.

 

[17] ) عليّ بن أحمد بن يوسف الهكاريّ أبو الحسن، ت 486هـ، من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب، رحل في الحديث وسمع من ابن نظيف الفراء، وقال ابن عساكر: «لم يكن موثقًا في روايته» اهـ. قال ابن الأثير: كثر السماع إلا أن الغرائب في حديثه كثيرة لا يُدرى ما سببها. الكامل في التاريخ. ابن الأثير. 8/ 169. شذرات الذهب، ابن العماد، 3/379.

 

[18] ) قال أبو الوفا الحلبيّ الطرابلسيّ في الكشف الحثيث عمن رُمِيَ بوضع الحديث 1/184، (والذهبيّ في ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3/112، وابن حجر العسقلانيّ في لسان الميزان 5/483،  وكذلك قال الذهبي في المغني في الضعفاء 2/443): «عليّ بن أحمد أبو الحسن الهكاريّ، قال ابن النجار: متهم بوضع الحديث وتركيب الأسانيد، وقال ابن عساكر: لم يكن موثّقًا» اهـ. وقال ابن الدمياطيّ في المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 1/136: «وكان الغالب على حديثه – أي على الهكاريّ – الغرائب والمنكرات، ولم يكن حديثه يشبه حديث أهل الصدق، وفي حديثه متون موضوعة مركبة على أسانيد صحيحة، وقيل: إنه كان يضع الحديث بأصبهان، قدم بغداد، وحدَّث بها. قال أبو القاسم بن عساكر: علي ابن أحمد الهكاريّ لم يكن موثّقًا، بلغني أن ابن الخاضبة قصده لما قدم بغداد، فذكر له أنه سمع من شيخ استنكر سماعه منه، فسأله عن تاريخ سماعه منه، فذكر تاريخًا متأخّرًا عن وفاة ذلك الشيخ، فقال ابن الخاضبة: هذا الشيخ يزعم أنه سمع منه بعد موته بمدة، وتركه وقام» اهـ.