الخميس مارس 28, 2024

حكم التجسيم والمجسمة عند الحنابلة خصوصًا:

نقل ابن حمدان عن الإمام أحمد رضي الله عنه([1]) «تكفير من قال عن الله: جسم لا كالأجسام» اهـ. ونقله صاحب الخصال من الحنابلة كما ذكر ذلك المحدّث الأصوليّ بدر الدين الزركشيّ([2]).

وقال أبو الفضل التميميّ رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها([3])كما تقدم: «وأنكر أحمد على من قال بالجسم ـ أي في حقّ الله ـ وقال: إن الأسماء
ـ أي أسماء الأشياء ـ مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم ـ أي الجسم ـ لذي طول وعرض وسَمك وتركيب وصورة وتأليف، والله سبحانه وتعالى خارج عن ذلك كلّه ـ أي منـزّه عن ذلك
كلّه ـ ولم يجئ ذلك في الشريعة ـ أي ولم يَرِدْ إطلاق الجسم على الله في الشرع ـ فبطل إطلاق ذلك على الله شرعًا ولغةً» اهـ. ونقله عنه الحافظ البيهقيّ في مناقب أحمد([4]) وغيرُه([5]).

ويقول التميميّ في الكتاب عينه([6]): «والله تعالى لم يلحقه تغيُّر ولا تبدُّل، ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش، وكان ـ أي الإمام أحمد ـ ينكر على من يقول: إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة» اهـ.

وقال ابن الأثير في تاريخه([7]): «وفيها ـ أي سنة 429هـ ـ أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبليّ ما ضمّنه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى المشعرة بأنه يعتقد التجسيم، وحضر أبو الحسن القزوينيّ الزاهد بجامع المنصور، وتكلم في ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا» اهـ.

ويقول ابن الأثير([8]) أيضًا عند ذكر السَّنَة التي توفي فيها أبو يعلى المجسّم وهي عام 458هـ، ما نصه: «وهو مصنّف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك، وكان ابن التميميّ الحنبليّ يقول: لقد خَرِئَ أبو يعلى الفرَّاء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء» اهـ. وسبب ذلك أنه ألّف كتابًا سماه إبطال التأويلات، وهو كتاب بدعيّ، وهذا غير مؤلفاته الأخرى التي فيها التجسيم والبدع.

وهذا ابن تيمية الحرانيّ نفسه إما م المجسمة يقول([9]) -وكلامه هنا حق-: «إذ لا يختلف أهل السّنة أن الله تعالى ليس كمثله شىء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل أكثر أهل السّنة من أصحابنا وغيرهم يكفّرون المشبهة والمجسمة» اهـ. وهو يناقض نفسه في مواضع أخرى، وهذا شأنه في التذبذب، والعياذ بالله.

ومما قاله الشيخ ابن حجر الهيتميّ([10]) في التحذير من ابن تيمية المجسّم وتلميذه ابن القيّم تحت عنوان «مطلب في عقيدة الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه»: «وسئل ـ أي الهيتميّ ـ: في عقائد الحنابلة ما لا يخفى على شريف علمكم، فهل عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كعقائدهم؟
فأجاب بقوله: عقيدة إمام السّنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنان المعارف مُتَقَلَّبَهُ ومأواه، وأفاض علينا وعليه من سوابغ امتنانه وبوَّأَه الفردوس الأعلى من جنانه، موافقة لعقيدة أهل السّنة والجماعة من المبالغة التامة في تنزيه الله، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا، عن الجهة والجسمية وغيرهما من سائر سمات النقص، بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مطلق. وما اشتهر به جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشىء من الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه، فلعن الله من نسب ذلك إليه أو رماه بشىء من هذه المثالب التي برّأه الله منها. وقد بيّن الحافظ الحجة القدوة الإمام أبو الفرج بن الجوزيّ من أئمة مذهبه المبرئين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة أن كل ما نسب إليه من ذلك كذب عليه وافتراء وبهتان، وأن نصوصه صريحة في بطلان ذلك وتنزيه الله تعالى عنه، فاعلم ذلك فإنه مهم. وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدَّوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنّوا بذلك أنهم على هدى من ربهم، وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ المقت والخسران وأنهى الكذب والبهتان، فخذل الله متبعهم وطهّر الأرض من أمثالهم» اهـ.

[1] ) نهاية المبتدئين، ابن حمدان، ص30.

 

[2] ) تشنيف المسامع، الزركشيّ، 4/684.

 

[3] ) اعتقاد الإمام المبجّل، أبو الفضل التميميّ، 1/298.

 

[4] ) عقيدة الإمام أحمد، البيهقي، ص111.

 

[5] ) إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، ابن جماعة، ص33.

 

[6] ) اعتقاد الإمام المبجّل، أبو الفضل التميميّ، 1/297.

 

[7] ) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 8/16.

    علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، أبو الحسن عز الدين بن الأثير، المؤرخ الإمام، من العلماء بالنسب والأدب. ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر وسكن الموصل، ت 630هـ. من تصانيفه: «الكامل»، و«أسد الغابة في معرفة الصحابة». الأعلام، الزركلي، 4/331.

[8] ) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 8/104.

 

[9] ) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 6/356.

 

[10] ) الفتاوى الحديثية، ابن حجر الهيتميّ، 1/480، 481.