السبت مايو 18, 2024

وقفة مع شجاعة الرسول

لقد كان رسول الله ﷺ أشجع الناس على الإطلاق، فقد فرَّت منه جيوش الأعداء وقادة الكفر في كثير من المواجهات الحاسمة، فكان ﷺ يتصدَّر المواقف والمصاعب بقلب ثابت وإيمان راسخ، ويؤكد أنس بن مالك رضي الله عنه ذلك حيث إنه عاين بنفسه كثيرًا من أحوال النبي ﷺ إذ كان خادمه فقال في وصفه ﷺ: «كان أحسنَ الناس وكان أجودَ الناس وكان أشجعَ الناس. ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فانطلقوا قِبَلَ الصوت، فتلقّاهم رسول الله ﷺ وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ، ما عليه سَرج في عنقه سيف، وهو يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَنْ تُرَاعُوا» يردّهم، ثمّ قال للفرس «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا([1])» أو «إِنَّهُ لَبَحْرٌ». قال حمّاد: وحدّثني ثابت أو غيره قال: كان فرسًا لأبي طلحة يبطّأ فما سُبِقَ بعد ذلك اليوم»([2]) رواه البخاريّ ومسلم وابن ماجه([3]). فهذا الموقف يبيّن شجاعته صلوات الله وسلامه عليه، حيث خرج قبل الناس لمعرفة الأمر، وليطمئنهم ويهدّئ من روعهم.

ثم إن الله تبارك وتعالى قد أيده وثبّت قلبه في غير موقف، روى الإمام أحمد وغيره قال: «عن جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله ﷺ مُحَارِبَ([4]) ابن خَصَفَةَ فجاء رجل منهم يقال له: غَوْرَثُ بن الحارث حتى قام على رسول الله ﷺ بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ قال: «الله عزَّ وجلَّ» فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله ﷺ فقال: «من يمنعك مني؟» قال: كن كخير آخذ. قال: «أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قال: لا، ولكن أعاهدك على ألّا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلَّى سبيله، فأتى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس»([5]).اهـ.

[1])) أي: – الفرس – واسع الجري. فتح الباري، ابن حجر، (6/53).

[2])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب الوصايا، باب: إذا فزعوا بالدليل، (4/80)، رقم 3040.

[3])) محمد بن يزيد الربعي القزويني، أبو عبد الله، ابن ماجه (ت273هـ)، أحد الأئمة في علم الحديث. من أهل قزوين. رحل إلى البصرة وبغداد والشام ومصر والحجاز والرّيّ في طلب الحديث. وصنف كتابه: (سنن ابن ماجه)، وهو أحد الكتب الستة المعتمدة. وله (تفسير القرآن) وكتاب في (تاريخ قزوين). الأعلام، الزركلي، (7/144).

[4])) مُحَارِبُ بنُ خَصَفَة بن قَيْس عَيْلانَ من عدنان، جد جاهلي، بنوه بطون من قيس عيلان. والمراد هنا القبيلة. الأعلام، الزركلي، (5/281).

[5])) مسند أحمد، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه (3/390)، رقم 15227. صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب الجهاد: باب: من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة، (4/47)، رقم 2910. صحيح مسلم، مسلم، كتاب الفضائل: باب: توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس، (7/62)، رقم 6090. سنن ابن ماجه، ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب: الخروج في النفير، (4/65)، رقم 2772.