السبت مايو 18, 2024

حديــث: “إنّما الأعمـال بالنّيّـات”

العناوين الداخلية:

  • فضل نفقة المؤمن على أهله.
  • معنى: “اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر”.
  • عاقبة المتكبّر.
  • الإنفاق من الحلال.

فضل نفقة المؤمن على أهله:

قال المحدث الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله تعالى:

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين، على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وآله الطيبيين الطاهرين. أما بعد.

فقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: “إنما الأعمال بالنيات”، وقال أيضاً: “ما يتفق المسلم على أهله وهو يحتسبها فهو له صدقة” معنى هذين الحديثين أن الإنسان ليس له ثواب بأعماله إلا بالنية، وعلى هذا فما ينفق الرجل على أهله إن كان نيته التقرب إلى الله فهو صدقة، أي يكون له ثواب الصدقة على الفقير، نفقته التي ينفقها على زوجته كأن تصدق بها على فقير، والصدقة على الفقير فيها أجر عظيم، كذلك ما ينفقه على أولاده، كذلك ما ينفقه على غيرهم إن وجدت النية، أي نية التقرب إلى الله في هذا الفعل من غير ضم الرياء إلى ذلك أي محمدة الناس، من غير أن ينضم إلى ذلك الفخر يكون له ثواب الصدقة على الفقير، لما قال رسول الله “يحتسبها” علمنا أنه لا يكون له ثواب ما ينفقه الرجل على أهله إذا لم يكن محتسباً أي طالباً للأجر من الله، أما هؤلاء الذين ينفقون على أهليهم وأولادهم بغير هذه النية فليس لهم فيها ثواب، مهما تعبوا في ذلك ليس لهم ذلك، مع أنهم أدوا الفرض لأن النفقة على الزوجة فرض والنفقة على الأولاد الذين لم يبلغوا فرض، مع أنهم فعلوا الفرض ما لهم الثواب، لأن شرط الثواب النية، ثم النية إذا لم تكن لله تعالى فهي ليس فيها منفعة. الذي ينوي بنفقته على أهله وأولاده أن يقول الناس عنه إنه ينفق على أهله بتوسعة، يوسع عليهم هذا ليس له ثواب! بل عليه وزرٌ لأن هذا رياء، أراد أن يمدحه الناس بقولهم: فلان يعيش أهله بالتوسعة، لا يبخل عليهم! ليس له ثواب لما نواه من مدح الناس له، بل عليه وزرٌ كبيرٌ.

 

معنى: “اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر”:

الرياء من أكبر الذنوب بل الرسول سماه الشرك الأصغر قال عليه الصلاة والسلام: “اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر”، معناه يشبه الإشراك بالله في عبادته لغير الله، يشبهه لكن ليس مثله على التمام، لأن هذا ليس كفراً، أما الشرك الأكبر فهو رأس الكفر، لكن من الناس من ينفقون على أهليهم سنين طويلة وعلى أولادهم كذلك، ولا يحتسبون في نفقتهم أي لا يطلبون الأجر من الله بدون رياء أو فخر، فهؤلاء ليس لهم ذرة من الثواب مهما كثر تعبهم على أهليهم، أي على أزواجهم وأولادهم ليس لهم من الثواب على هذا الإنفاق، أليس هذه خسارة كبيرة؟! يتعب الرجل بتحصيل نفقة زوجته وأولاده سنين طويلة ثم لا يحصل له شيء من الثواب بل هذه من أعظم الخسارات، ينوب كل يوم أو ينوي مرة ثم لا يغير نيته يبقى على الإخلاص، فما لم يغير نيته بإدخال الرياء فيها أو الفخر تبقى نيته الأولى فاعلة، النية الواحدة تنفعه لكل المستقبل لو لم يكررها على الاستمرار لله تعالى لا رياء ولا سمعة ولا فخراً هذه تكفي للمستقبل، وكذلك لو كانت المرأة لا تنفق الأمر كذلك. كذلك تحصيل المال بطريق الحلال فهو عمل حسن، لكن إن كان للفخر أي كان نيته أن يجمع المال للفخر أي أن تكون نيته حتى يقول الناس عنه: فلانٌ صار غنيّاً! هذا السعي في طلب المال معصية كبيرة.

 

عاقبة المتكبّر:

كان رجل ممن كانوا قبل هذه الأمة الأمة المحمدية، الرسول أخبر عنه أنه خرج لابساً بردين معجباً بهما، وسرح شعره إعجاباً بنفسه، فبينما هو سائر وهو معجب بنفسه يمشي مشية المختال المتكبر، الله أمر الأرض فبلعته، فهو ذاهب في عمق الأرض إلى يوم القيامة (حتى الآن)، فالذي يلبس لباساً جميلاً للفخر فهو فاسق من أهل الكبائر، الذي يبني بناء فخماً ليقول الناس: فلان له هذا البناء كذلك فاسق من أهل الكبائر، أما في ساحة المعركة المسلم إذا صار يمشي مختالاً هذا فيه ثواب، المسلم لما يفخر أمام الكافر هذا يكون عملاً لوجه الله، هذا لإرهاب الكافر، حتى يقول الكافر، “المسلمون أقوياء فيهم نشاط”. في غير ذلك مشية التكبر حرام من الكبائر، الذي يمشي مشية الكبر يمد يديه.

فالذي يسعى في جمع المال من طريق الحلال إن كان نيته حسنة ولم يقترن بها رياء ولا عجب ولا فخر فإنه في سبيل الله، الذي يجمع المال من طريق حلال ليستعمله فيما يرضي الله، لنفقه فيما يرضي الله في نفقة الأهل والأقارب وخدمة الفقراء وأصحاب العاهات، إذا كانت نيته في تكثير المال بطريق الحلال لينفقه في هذا فهو في ثواب مستمر دائم.

وما أكثر من لا ينتبهون لهذا، إن لبسوا يلبسون اللباس الفاخر للفخر، وإن بنوا يبنون للفخر! ما أكثر هؤلاء في الناس! وما أكثر كذلك من يسعى لجمع المال للوصول للفخر في المستقبل! وهذا فيمن يسعى لجمع المال بطريق حلال، أما من يسعى لجمع المال من طريق حرام للفخر هذا ذنبه مضاعف.

 

الإنفاق من الحلال:

أما إن أنفق الشخص على نفسه (من حلال) حتى يقوى على أداء طاعة الله، يكسو نفسه ويطعم نفسه له ثواب، رجل من الصحابة سأل الرسول قال: يا رسول الله، عندي دينار. قال: “أنفقه على نفسك”، قال: عندي آخر! قال: “أنفقه على أهلك” (أي زوجتك). قال: عندي آخر! “أنفقه على أولادك”، قال: عندي آخر! قال: “انفقه على خادمك” أي على عبدك المملوك أو أمتك المملوكة. قال عندي آخر! قال: “أنت أبصر” معناه أنت فكر من هو أولى حط هذا الدينار عنده. وفي رواية: “أنت أعلم” أي فمن تعلم أنه أحوج أعطه، لما قال: “على أولادك” يفهم من ذلك الوالدان كذلك من باب الإشارة.

وفي هذا الحديث بيان من المقدم في الإنفاق: فيه أن الرجل إذا لم يكن عنده مال يكفي لنفقة نفسه ونفقة زوجته أنه يقدم نفسه، معناه لا يجوز أن يضر نفسه بالجوع من أجل زوجته ينقذ نفسه، لكن إذا كان عنده ما يفضل عن حاجته الضرورية تقدم الزوجة على الأولاد وعلى الوالدين، الولد والوالدان في درجة واحدة لكن مع فرق خفيف، إن كانوا أطفالاً يخشى عليهم الضياع يقدم الأولاد قبل الوالدين، وأما إن كان يخشى الضياع على الوالدين والأولاد فيكونون في درجة واحدة. والله سبحانه وتعالى أعلم.