الخميس مارس 28, 2024

 

العناوين الداخلية:

  • خير الزاد تقوى الله.
  • العلم قبل القول والعمل.
  • كفر من يعتقد الحلول في حق الله.
  • التحذير من بعض فرق الضلال.
  • نصيحة الشيخ الهرري بالتعلم لردّ ضلالات المشبهة.
  • بيان بن سمعان من رؤوس المشبهة القدماء.

خير الزاد تقوى الله:

قال الإمام الحافظ عبد الله الهرري رضي الله عنه ورحمة رحمةً واسعة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين، أما بعد. فإن خير الزاد تقوى الله، قال الله تعالى: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } وسبيل التقوى هو العلم، لأن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً فقّهه في الدين أي رزقه العلم بأمور دينه، روقه المعرفة بما فرض الله عليه أن يؤديه ويفعله، ورزقه معرفة ما أمر باجتنابه وحرمه، فلا فلاح إلا بعلم أمور الدين العقيدة التي هي أفرض الفرائض، ثم الأحكام العملية أي لأن علم التوحيد هو أفضل العلوم.

 

العلم قبل القول والعمل:

قال البخاري: باب العلم قبل القول والعمل، واستدل بهذه الاية: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } حيث قدم الله ذكر معرفته به أي العلم بالله على الاستغفار الذي هو عمل لساني. الله تبارك وتعالى أمر نبيه بالثبات على العلم به أي معرفة وجوده وتوحيده وما يليق به وما لا يليق به. هو الرسول عليه السلام كان مؤمناً من أول نشأته، إنما المقصود الثبات على ذلك كما انه يقول الرسول ﷺ وكل مُصل كل يوم خمس مرات:  {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} المراد الثبات، الثبات على الهدى وكذلك قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } المراد به الثبوت، الثبات على هذه المعرفة، المعرفة بالله، العلم بالله، فمن الجهل في التوحيد هلك كثير من الناس، أناس أخذوا الطريقة القادرية والشاذلية والنقشبندية قبل أن يتعلموا علم التوحيد ثم لم يفلحوا هلكوا، كثير من المنتسبين لهذه الطرق لا يعرفون خالقهم، فبعضهم يعتقد أن الله تعالى حجم ساكن السماء، وبعضهم يعتقد أن الله تعالى حجم يتحرك ويتجول ويحل في الأشخاص.

 

كفر من يعتقد الحلول في حق الله:

رأيت رجلاً من ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني وهو ابن سبعين تقريباً، هو بزي أهل العلم، بلغني أنه يتكلم بالتحريف من شيخ من الرفاعية من الطيبيين، قصدته في دمشق في داره، في بدء الأمر قال: نحن لا نعتقد الحلول والاتحاد أي لا نعتقد أن الله يدخل في الأشخاص، ولا نعتقد أن الله والعالم شيء واحد، لأن هاتين العقيدتين في بعض من يدعي الطريقة ثم بحثت معه فآل أمره إلى أنه يعتقد أن الله حال في الأشخاص فتركت الكلام معه وانصرفت.

هذا ينتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني نسباً وطريقة وكثير أمثاله، سبب هذا أنهم ما اتقنوا علم التوحيد، ما عرفوا أن الله تبارك وتعالى موجود لا كالموجودات، ولا يجوز عليه أن يكون حجماً، لا يجوز أن يكون متصفاً بصفات الحجم، فبعضهم اعتقد أن الله جسم حال مستقر على العرش ينزل ويطلع، وبعضهم اعتقد أنه يتحول من صفة إلى صفة، فهؤلاء كفار وإن لم يعرفوا كفرهم، وكم من أناس كفروا ولا يعرفون أنهم كفروا فعليكم بالتمكن في علم التوحيد لتدافعوا عن دين الله، لتصلحوا ما أفسده كثير من الناس، وأكثر هذا الفساد من المنتسبين إلى الطريقة الشاذلية المنحرفة عن أصل الطريق.

طرق أهل الله كلها مبنية على التوحيد وإخلاص العمل لله، ثم معرفة الكفريات للحذر منها وللحذير منها، ومعرفة حكم الردة لأن الردة في هذا الزمن كثرت بإهمال الناس تعلم علم الدين، علم الدين كأنه ليس له شأن كبير عند أكثر الناس، أما علم الدنيا فهم يهتمون به ويسافرون لأجله إلى نواحٍ بعيدة، ويقضون لأجله سنوات، إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

التحذير من بعض فرق الضلال:

وأهم الأشياء بالاهتمام بمكافحتها في هذا العصر هؤلاء الفرق: فرقة الوهابية المشبهة التي تشبه الله بخلقه، وفرقة سيد قطب التي تدعي أنهم هم المسلمون، وأما من لم ينتسب إليهم من لم يلتحق بهم كافر مباح الدم! هاتان الفرقتان جمعت بين الجهل بالعقيدة وبين تكفير المسلمين، أما القطبية أي أتباع سيد قطب فإن زعيمهم سيد قطب ما عرف الله، فإن في تفسيره كلمات تبين ذلك، منها قوله: “الله العقل المدبر!” ومنها قوله في تفسير هذه الآية: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ }: إن الله في كل مكان، في كل وقت مع كل أحد! جعل الله متجولاً مع العباد حيثما تجولوا، ثم استحلاله قتل من ليس منتسباً إليه أي انه يستحل قتل من يحكم بغير القرآن، ولو في مسألة واحدة، وقتل من يعايشه لو لم يكن له دخل في الحكم، حتى المؤذنين عند كفار، لأنهم يعايشون هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير القرآن، كل رئيس إسلامي يحكم به في خمسة أبواب بالشرع، وفيما عدا ذلك بالقانون فلا يكفرون، لأنهم لم يقولوا: إن القانون أفضل من الشرع لا يكفّرون. ثم هذه الفرقة تموّه على الناس بإيرادهم لهذه الآية: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ }، هذه الآية من  أخذ بظاهرها يتوهم أن هؤلاء الحكام كفار، لكن الآية ليس كما زعموا، هذه الآية فسرها اثنان من الصحابة تفسيراً مخالفاً لما ادعاه سيد قطب، أحد التفسيرين: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما قال ما معناه: إن هذا الكفر المذكور في هذه الآية ليس الكفر الذي هو يخرج من الملة، أي إنما هو معصية كبيرة شبهت بالكفر، هذا ثابت عن عبد الله بن عباس، والتفسير الآخر أن هذه الآية والآيتين اللتين بعدها نزلت في الكفار لأن قبل هذه الاية ذكر اليهود، هذان التفسيران هما تفسيران صحيحان عن السلف، ولم يثبت عن الصحابة تفسير غير هذا بطريق الإسناد لم يثبت غير هذين التفسيرين. فسيد قطب فسر الآية بأنها تعني أن كل من حكم بغير الحكم الشرعي ولو في قضية واحدة كافر، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة بغير حديث ورد تسمية بعض المعاصي في البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث، العلماء حملوه على أن معنى قوله عليه السلام: “وقتاله كفر” على أن قتال المسلم للمسلم إذا كان للدنيا ذنب كبير يشبه الكفر، كذلك ثبت أن الرسول سمى النياحة والطعن في الأنساب كلاهما كفر أي يشبهان الكفر، مع أنه ورد في القرآن تسمية المتقاتلين من الأمة مؤمنين، كلتا الطائفتين من المؤمنين، قال الله تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا هذه الآية فيها أن كلا الفريقين مؤمنون ليسوا كافرين باقتتالهم أي لا يكفرون باقتتالهم، كما سمى الفئين المتقاتلين من المسلمين أنهم مؤمنون لم يخرجوا عن الإيمان بالقتال، كذلك هذا الذي حكم بغير القرآن يسمى مؤمناً عاصياً لا يسمى كافراً، فسيد قطب بتكفيره للحكام في هذا الزمن ولم يعايشهم أي لا يحاربهم خرج من المسلمين، لأنه حرف القرآن فسره بتفسير يخالف تفسير علماء الإسلام من السلف والخلف، فواب معرفة كيفية الرد على هؤلاء وعلى المشبهة، وعلى فرقة ثالثة وهم: “حزب التحرير” يقولون الإنسان هو يخلق أفعاله الاختيارية ليس الله يخلقها، هؤلاء كذبوا قول الله تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } الشيء يشمل الجسم والعمل، جسم الإنسان وأعماله شيء، القرآ، نص على أن كل شيء مخلوق لله، فعنى الآية أن الإنسان وأعماله الله يخلقهما، ليس أحد غيره يخلق ذلك، هؤلاء تكفي آية قرآنية للرد عليهم وذلك قوله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } الصلاة فعل اختياري، مل اختياري، والنسك أي ما يذبح تقربا إلى الله كالأضحية والهدي الذي يذبح في الحج، هذا ذبح البهيمة عمل بدني للإنسان، الآية نصت على أن هذين العملين أي الصلاة والنسك من خلق الله تعالى، ليسا من خلق غيره لا شريك له في ذلك معناه، ليس العبد ينفرد بخلق ذلك ولا يشارك الله في خلق ذلك، بل الله منفرد بخلق عمله هذا، الصلاة والنسك، ثم هناك حديث صحيح رواه البخاري وغيره وهو أن الرسول عليه السلام كان يقول لما يعود من حج أو غزوة: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده”، الدليل في قوله عليه السلام: “وهزم الأحزاب وحده” بحسب الظاهر المؤمنون قاتلوا هزموا الكفار، لكن هذا الهزم قال: “وهزم الأحزاب وحده” معناه الله تعالى هو الذي خلق هذا الفعل الذي حصل من الصحابة، أي أنهم كسروا والكفار هزموهم، اخبرنا بأن هذا الهزم فعله لا يشارك فيه أحد، الصحابة بحسب الظاهر يقال: هزموا، لكن من الذي هزم في الحقيقة؟ الله وحده.

 

نصيحة الشيخ الهرري بالتعلم لرد ضلالات المشبهة:

بارك الله فيكم وعليكم، اجتهدوا وابذلوا أوقاتكم في علم الدين، فأكثر هؤلاء تلبيساً على الناس وتمويهاً على الذي لم يتعلم العقيدة كما يجب: الوهابية، لأنها تورد آيات ظواهرها أن الله جسم، وأن الله تعالى له صفات كصفات الخلق: الحركة والسكون والنزول والصعود، هم يحملون هذه النصوص على ظواهرها فيحتجون بها على الناس، فيوهمون بهذا أن كلامهم صحيح من ليس له علم بالتوحيد يتبعهم فيكفر كما كفروا، خطرهم عظيم هذه الوهابية خطرها عظيم، لأنهم يوردون الآيات التي ظواهرها كما يزعمون، ويوردون الأحاديث التي ظواهرا كما يزعمون، فيستسلم لهم الذي ليس عنده معرفة في العقيدة الصحيحة.

عليكم بالاجتهاد بتحصيل الأدلة التي تكسرون بها هؤلاء، القرآن الكريم فيه آية من فسرها على الظاهر يكفر أبشع الكفر، قال الله تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }، الوجه كثير الاستعمال في اللغة العربية هو الجزء المركب على البدن، فمن نظر إلى هذه الكلمة: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }. يظن أن الله تعالى له وجه مركب على البدن كما للإنسان وغيره من ذوي الأرواح فيقول: “الشيء معناه الموجود، الله موجود والعالم موجود، فإذن ما سوى الله يفنى ولا يبقى منه شيء أي العالم يفنى ولا يبقى منه شيء، وأما الله فيفنى ولا يبقى منه إلا الوجه”، وهذا منشؤه أنهم اعتقدوا أن الله جسم وأن له وجهاً جسماً، من هنا هلكوا فكفروا أبشع كفر.

 

بيان بن سمعان من رؤوس المشبهة القدماء:

كان في القرون الماضية رجل يقال له: بيان بن سمعان عربي، وكان له أتباع تبعته، هو قال هذا: إن الله يوم القيامة يفنى كله إلا الوجه. هؤلاء والوهابية حكمهم واحد، هؤلاء جعلوه جسماً، ولو لم تقل الوهابية كما قال: إنه تعالى يفنى كله إلا الوجه، لكن كلا الفريقين يتفقان على أن الله جسم، هؤلاء جسموا الله وهؤلاء جسموا الله، الذي يقول: “الله تعالى يوم القيامة جسم له وجه مركب على وجهه” كافر، كل كافر، كل من الفريقين كافر، هذا جعل الله جسماً له أبعاض، وهذا جعل الله جسماً له أبعاض. علماء الإسلام اتفقوا، أجمعوا واتفقوا على أن من اعتقد أن العالم أزلي أي لا ابتداء لوجوده كافر، اتفقوا على هذا، والقرآن الكريم يشهد لذلك. قال تعالى: { هُوَ الأَوَّلُ } معناه أن الذي لا ابتداء لوجوده، أنا فقط، أنا فقط لا ابتداء لوجوده أما ما سواي لابتدائه وجود، كذلك الحديث: “كان الله ولم يكن شيء غيره” الله كان موجوداً قبل وجود العالم، قبل وجود شيء من العالم، الفراغ والعرش والسموات والأرض والنور والظلام والروح قبل كل هذا كان موجوداً، “كان الله ولو يكن شيء غيره”، هذا الحديث صحيح من أصح الصحيح، يا بشرى من عمل بهذا الأمر: تعلم علم أهل السنة في العقيدة والأحكام، ثم جاهد الضلال في هذا العصر، هذا العصر عصر تعاضدت فيه الكفريات الاعتقادية والعملية، فهنيئاً لمن بذل جهده في كفاح ذلك، يكون شهيداً لو مات على فراشه لقوله عليه الصلاة والسلام: “المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد“، “سنتي” معناه العقيدة والأحكام، العقيدة والأحكام سنة الرسول، لأن معنى السنة في اللغة: الطريق قول رسول الله: “سنتي” يعني به شريعته، إنما الفقهاء في اصطلاحهم صاروا يقولون للعمل الذي هو ليس واجباً: سنة، أما في الحديث السنة هي طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين