السبت مايو 18, 2024

الأدلة في تنـزيه الله عن الجهة والمكان مع ذكر حكم المجسمة

اعلم أخي أن اعتقاد المسلمين سلفهم وخلفهم أن الله غنيّ عن العالمين، أي مستغن عن كل ما سواه أزلاً وأبدًا فلا يحتاج إلى مكان يقوم به أو شىء يحل به أو إلى جهة، ويكفي في تنـزيه الله عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشُّورى11، فلو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد طول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدَثًا محتاجًا لمن حدَّه بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق، هذا الدليل من القرءان، أما من الحديث فما رواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىءٌ غَيْرُهُ) ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيره لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسيّ ولا عرش ولا إنس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان، وهو الذى خلق المكان فليس بحاجة إليه، وهذا ما يستفاد من الحديث المذكور.

وقال الحافظ البيهقي المتوفى سنة 458 هـ في كتابه الأسماء والصفات (استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم (وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقكَ شىءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شىءٌ) وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان) وهذا الحديث فيه الرد أيضًا على القائلين بالجهة في حقه تعالى.

وقال الإمام عليّ رضي الله عنه (كان الله ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان) رواه الإمام أبو منصور البغدادي.

وأما رفع الأيدي عند الدعاء إلى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق كما أن حديث مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء، لا يدل على أن الله في جهة تحت، فلا حجة في هذا ولا في هذا لإثبات جهة فوق ولا جهة تحت لله تعالى بل الله تعالى منـزه عن الجهات كلها.

وقال الإمام السلفي أبو جعفر الطحاوى المولود سنة 227هـ فى عقيدته التى ذكر أنها عقيدة أهل السنّة والجماعة (تعالى (يعني الله) عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الستّ كسائر المبتدعات). انتهى

وممن نقل إجماع المسلمين سلفهم وخلفهم على أن الله موجود بلا مكان الإمام النحرير أبو منصور البغدادى المتوفّى سنة 429 هـ الذي قال فى كتابه الفَرْق بين الفِرَق في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة، (ص 256) ما نصّه (وأجمعوا (أي أهل السنة والجماعة) على أنّه (تعالى) لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان) وكذلك الشيخ الفقيه محمد مَيَّارة المالكي (1072هـ) حيث قال ما نصه (أجمع أهل الحق قاطبة على أن الله تعالى لا جهة له، فلا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف). اهـ

وفي طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي سئل عبد العزيز بن عبد الله الماجشون (توفّي 164 هـ) عما جحدت الجهمية فقال (وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان، فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف (1) هو إلا هو…..) إلى آخر كلامه رحمه الله.
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه المتوفى سنة 422 هجرية في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 ما نصه (ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشْيء ولا سألته الصحابة عنه ولأن ذلك إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام). انتهى
وقال المفتي المالكي العلامة الفقيه أحمد بن محمد بن عبد الله المُكنِي الطرابلسي (2) (ت 1101 ھ) مفتي طرابلس الغرب ليبيا ووالده وجده كذلك، في مقدمة كتابه وهو مخطوط شُكر المنّه في نصر السُّنّة ذَكر عقيدة أهل السنة وبدأها بقوله عقيدة أهل السنة على سبيل الاختصار من كلام العلماء الأخيار، قال فيها في تنزيه الله تعالى ما نصه (لا يحُده المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرض ولا السماوات، وقال أيضًا تعالى أن يحويه مكان، وتقدس أن يحده زمان، بل كان قبل أن يخلق المكان والزمان) وبعد أن سرد هذه العقيدة قال ما نصه (فمن اعتقد جميع هذا كان من أهل الحق والسُنة وخالف أهل الضلال والبدعة).
وقال قاضي الصحراء أبو بكر (3) محمد بن الحسن المُرادي الحضرمي القيرواني ثم الموريتاني (ت 489 ھ) في عقيدته ما نصه (اعلم أنه لا يُسأل (عنه) سبحانه بكيف (لأنه لا مثل له) ولا بما (لأنه لا جنس له) ولا بمتى (لأنه لا زمان له) ولا بأين (لأنه لا مكان له).
وقال الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي (4) المالكي البجائي الجزائري (المتوفى سنة 768 هـ) في مقدمته (المقدمة الوغليسية) قال في تنزيه الله تعالى ما نصه (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، منزه عن التركيبات والتحديدات والتقديرات وعن صفات المتحيزات ولواحق المحدثات، وهو خالق الموجودات وما يجري عليها من التبديلات والتغييرات، واحد لا شريك له (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير).

وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني المولود سنة 419 هـ في كتابه الإرشاد (مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات). انتهى

وقال الشيخ يوسف الدجوي المصري المالكي (1365 هـ) عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في مصر ما نصه (واعلم أن السلف قائلون باستحالة العلو المكاني عليه تعالى، خلافًا لبعض الجهلة الذين يخبطون خبط عشواء في هذا المقام، فإن السلف والخلف متفقان على التنـزيه). اهـ
وقال أيضًا (هذا إجماع من السلف والخلف). اهـ

وقال المحدث الشيخ محمد عربي التبان المالكي المدرس بمدرسة الفلاح وبالمسجد المكي (1390 هـ) ما نصه (اتفق العقلاء من أهل السنة الشافعية والحنفية والمالكية وفضلاء الحنابلة وغيرهم على أن الله تبارك وتعالى منـزه عن الجهة والجسمية والحد والمكان ومشابهة مخلوقاته). اهـ

وممن نقل الإجماع على ذلك في مواضع كثيرة من مؤلفاته ودروسه المتكلم على لسان السلف الصالح العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وله عناية شديدة بتعليم عقيدة أهل السنة والجماعة للناس فقال ما نصه (قال أهل الحق نصرهم الله إن الله سبحانه وتعالى ليس في جهة). اهـ

وقال الشيخ عبد الباسط الفاخوري الشافعي المتوفى سنة 1323 هـ في كتابه الكفاية لذوي العناية عن الله مانصه (ليس بجِرم يأخذ قدرا من الفراغ، فلا مكان له، وليس بعرض يقوم بالجرم، وليس في جهة من الجهات، ولا يوصف بالكِبَر ولا بالصغر، وكل ما قام ببالك فالله بخلاف ذلك).

وقال الشيخ حسين بن محمد الجسر الطرابلسي المتوفى سنة 1327 هـ في كتابه الحصون الحميدية للمحافظة على العقائد الإسلامية ما نصه (إنه تعالى ليس جوهرًا ولا جسمًا، فلا يحتاج إلى مكان يقوم فيه، لأن الاحتياج إلى المكان من خواص الجواهر والأجسام، وثبت هناك أنه تعالى ليس عرضًا فلا يحتاج إلى محل يحل فيه). انتهى

وقال شيخ الجامع الأزهر الشيخ سليم البشري المصري المالكي المتوفى سنة 1335 هـ ما نصه (اعلم أيدك الله بتوفيقه وسلك بنا وبك سواء طريقه، أن مذهب الفرقة الناجية وما عليه أجمع السنيون أن الله تعالى منـزه عن مشابهة الحوادث مخالف لها في جميع سمات الحدوث، ومن ذلك تنـزهه عن الجهة والمكان كما دلت على ذلك البراهين القطعية). اهـ نقلا عن كتاب فرقان القرءان

فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان وجهة قبل خلق الأماكن والجهات، فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان وجهة وهذا لا يكون نفيًا لوجوده تعالى.

هذا وقد وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه المتوفى سنة 150 هـ في كتابه الوصية (ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق). اهـ
وقال الإمام مالك رضي الله عنه المتوفى سنة 179 هـ (الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع) رواه البيهقي بإسناد جيد، ولم يقل والكيف مجهول.
الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) كتاب المحاربين والمرتدين، الباب الخامس، جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات (قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه).
وفي الباب السابع، باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات، فصل في الاستواء (قال القاضي رضي الله عنه وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة).

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه المتوفى سنة 204 هـ (من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه ومن انتهى إلى العدم الصرف فهو معطل ومن انتهى إلى موجود واعترف بعجزه عن إدراكه فهو موحد) رواه البيهقي وغيره

قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه المتوفى سنة 241 هـ (والله تعالى لا يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش ، وكان ينكر (الإمام أحمد) على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة) رواه الإمام أبو الفضل التميمي الحنبلي في كتاب اعتقاد الإمام أحمد.

وقال الإمامان الجليلان أحمد بن حنبل وذو النون المصري المتوفى سنة 245هـ رضي الله عنهما (مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك) روى ذلك عن أحمد الإمام الفقيه أبو الفضل التميمي المتوفى سنة 410 هـ، وعن ذي النون الحافظ الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ.

وهذا السلطان العادل العالم المجاهد صلاحُ الدين الأيوبي المتوفى سنة 589 هـ رحمه الله أمر أن تذاع أصول العقيدة السنية على المنائر قبل أذان الفجر، وأن تُعلّم المنظومة التي ألّفها لهُ محمد بن هبة البرمكي المتوفى سنة 599 هـ للأطفال في الكتاتيب، ومما جاء فيها:

وصانع العالم لا يحويه قطر*** تعالى الله عن تشبيه
قد كان موجودا ولا مكانا *** وحكمه الآن على ما كانا
سبحـانه جلَّ عن المكان *** وعزَّ عن تغيـر الزمـان
فقد غـلا وزاد في الغلو *** من خصـه بجـهة العلو

وهذه العقيدة تدرس في جامعة الأزهر في مصر وفي جامعة الزيتونة في تونس بل وسائر المغرب العربي، وكذا في أندنوسيا وماليزيا وتركيا وسائر بلاد الشام والسودان واليمن والعراق والهند وباكستان وإفريقيا وبخارى والداغستان وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين.

هذا وقد نقل الإمام القرافي المتوفى سنة 684 هـ والإمام السبكي المتوفى سنة 756 هـ والحافظ العراقي المتوفى سنة 804 هـ والشيخ ابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 947 هـ وملا علي القاري الحنفي المتوفى سنة 1014 هـ ومحمد زاهد الكوثري المتوفى سنة 1371 هـ وغيرهم عن الأئمة الأربعة هداة الأمة الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم في حق الله.

ونص عبارة الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه المنهاج القويم ص 224 (واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك واحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك). اهـ

ونص عبارة الفقيه الحنفي ملاّ علي القاري في كتابه شرح المشكاة (ج 3 – 300) (قال جمع من السلف والخلف إن معتقِد الجهة (أي في حق الله) كافر كما صرح به العراقيّ وقال إنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني المتوفى سنة 403 هـ). انتهى

وقَالَ الشَّيْخُ مَحْمُود مُحَمَّد خَطَّاب السُّبْكِيُّ المصري المالكي المتوفى سنة 1352 هـ (وَقَدْ قالَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ والخلف إِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أنَّ اللهَ في جِهَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ) ذَكَرَهُ في كِتابِهِ إِتْحافُ الكَائِنات ص 3-4.

بل قالَ الإمامُ عَلِيُّ بْنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (سَيَرْجِعُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ كُفَّارًا يُنْكِرُونَ خَالِقَهُم فَيَصِفُونَهُ بِالْجِسْمِ والأَعْضَاءِ) رَواهُ ابْنُ الْمُعَلِّمِ القُرَشِيُّ في كِتَابِهِ نَجْمُ الْمُهْتَدي وَرَجْمُ الْمُعْتَدي ص 588.

ونقل ابن المعلم القرشي المتوفى سنة 725 هـ في نجم المهتدي ص 551 عن كفاية النبيه في شرح التنبيه قوله (وهذا ينظم من كفره مجمع عليه ومن كفرناه من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنّه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لا يؤمن بالقَدَر. وكذا من يعتقد أن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين ت 462 هـ هنا عن نص الشافعي رضي الله عنه). انتهى

وقال الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 1083هـ في كتابه مختصر الإفادات ص 489 (فمن اعتقد أو قال إنَّ الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر) وقال في ص 490 (ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء فمن شبهَهُ بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام). انتهى

فالقَولُ الحَقُّ تَكفِيرُ المجَسّمَةِ فقَد ثَبَتَ عن الأئمّةِ الأربَعَةِ ذلكَ أبي حَنِيفَةَ ومَالِكٍ والشّافعِيّ وأحمَد والإمامِ أبي الحَسَن الأشعَريّ والإمام أبي مَنصُورٍ الماتُرِيديّ وأَشَدُّهُم في ذلكَ مَالِكٌ فقَد رَوى عنه الإمامُ المجتَهِدُ ابنُ المنذِر أنّهُ قالَ على أنْ يُستَتابَ أهلُ الأهواءِ فإنْ تَابُوا وإلا ضُرِبَت أعنَاقُهُم، أهلُ الأهواءِ هُمُ الذينَ ابتَدَعُوا في الاعتقادِ، المعتزلةُ والمشَبّهَةُ المجَسّمَةُ والجَبريّةُ إلى ءاخِر فِرَقِهم.

(1) قَدْ تُطْلَقُ الْكَيْفِيَّةُ بِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ:
كَيْفِيَّةُ الْمَرْءِ لَيْسَ الْمَرْءُ يُدْرِكُهَا *** فَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ الْجَبَّارِ فِي الْقِدَمِ
وَمُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا الْبَيْتُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا، وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لا يُحِيطُ عِلْمًا بِكُلِّ مَا فِيهِ وَكَذَا حَقِيقَتُهُ لا يُحِيطُ بِهَا عِلْمًا، فَكَيْفَ يُحِيطُ عِلْمًا بِحَقِيقَةِ الْجَبَّارِ الأَزَلِيِّ الَّذِي لا يُشْبِهُ الْعَالَمَ؟ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لا يُحِيطُ عِلْمًا بِاللَّهِ لِأَنَّهُ لا يَعْرِفُ اللَّهَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهُ.
(2) المكنى أحْمَد بن مُحَمَّد الطرابلسي المغربي الْمُفْتى المالكى الزَّاهِد يعرف بالمكنى ولد سنة 1042 وَتوفى فِي حُدُود سنة 1100 مائَة وألف صنف شكر المنة فِي نصر السّنة.
(3) في القرن الخامس الهجري ولد القاضي المُرادي في القيروان وتلقى تعليمه الأولي فيها ثم دخل بلاد الأندلس وانتقل في زمن دولة المرابطين إلى آزوكي في صحراء موريتانيا حيث تولى القضاء وعُرف بقاضي الصحراء كان رجلا نبيها عالما وإماما في أصول الدين وكانت وفاته في هذه المدينة سنة 489 ھ، وقبره فيها يزار إلى الآن.
(4) اعتنى أهل العلم بكتاب المقدمة الوغليسية فتجلى ذلك في ما سجَّلته كتب التراجم والفهارس من شروح عليها حيث تهافت العلماء لشرحها مما ساعد على شهرتها وانتشارها وكانت وفاة الشيخ أبي زيد الوغليسي في سنة 786 هـ وقد تم دفنه في بجاية في الجزائر ومن تلاميذه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي صاحب الجواهر الحسان في تفسير القرآن رحمهما الله ونفعنا ببركاتهم ءامين.
أماتنا الله على عقيدة الأنبياء وحشرنا معهم وجمعنا مع سيّد الأوّلين والآخرين في جنّات النّعيم.