الخميس مارس 28, 2024

8 نجاة سيدنا يونس من بطن الحوت

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن سائر الأولياء والصالحين. أما بعد في يوم عاشوراء نجى الله يونس من بطن الحوت: لَمَّا خَرَجَ سيدنا يونس عليه السلام غاضبًا على قومِهِ لَمْ يعلمْ بِمَا حَلَّ بِهِم. فوَصَلَ إلى شاطىءِ البحرِ ورَكِبَ السفينةَ بعدَ أنْ أصعدَهُ أهلُهَا إليهَا مَحَبَّةً وتَبَرُكًا بهِ إذ كانَ جَمِيلَ الشكلِ، مَلِيحَ المنظرِ، فَصِيحَ الكلامِ ورَقِيقَ الألفاظِ، فلَمَّا صَعِدَ وسارت بهمُ السفينةُ تشقُ عُبابَ البحر فلمّا توسطوا البحرَ جاءتِ الرياحُ الشديدة وهاجَ البحرُ بهم واضطربَ بشدةٍ حتى وَجِلَتِ القلوبُ وقال من في السفينة: إنّ فينا صاحبُ ذنب، فأسهَموا واقترعوا فيما بينهم على أنّ من يقعُ عليه السهمُ يُلقونَه في البحر، فلمّا اقترعوا وقعَ السهمُ على نبيِّ الله يونس عليه السلام، ولكن لأنهم تَوَسّموا فيه خيرًا لم يَسمحوا لأنفسِهم أن يُلقوهُ في البحر، فأعادوا القُرعةَ ثانيةً فوقعت عليهِ أيضًا، فشمّرَ يونسُ عليه السلام ليلقِيَ بنفسِهِ في البحر وهو يعتقدُ أنه لا يُصيبُه هلاكٌ بالغرق، فأبَوْا عليه ذلك لما عرفوا منه من الخير، ثم أعادوا القرعةَ ثالثةً فوقعتِ القرعةُ عليه أيضًا، فما كانَ من يونسَ عليه السلام إلا أن ألقى بنفسِه في البحرِ المظلمِ وتحت ظلمة الليل الحالِك وكان إلقاؤه بنفسه في البحر لأنه كان يعتقدُ أنه لا يُصيبُه هلاكٌ بالغرق فلا يجوزُ أن يُظنَّ أنّ ذلكِ انتحارٌ منه لأنّ الانتحارَ أكبرُ الجرائِم بعدَ الكفرِ وذلكَ مستحيلٌ على الأنبياءِ. وعندما ألقى يونسُ عليه السلام بنفسه في البحر وكّلَ الله تبارك وتعالى به حوتًا كبيرًا فالتقمَه وابتلعَه ابتلاءً له على تركِه قومه الذين أغضبوه دونَ إذن، فدخلَ نبيُ الله يونسُ عليه السلام إلى جوفِ الحوتِ تحفُّهُ عنايةُ الله تعالى حتى صارَ وهو في بطنِ الحوتِ في ظلماتٍ ثلاث وهي ظلمةُ الليل وظلمةُ البحر وظلمةُ بطنِ الحوت. ثم إنّ الحوتَ بقدرةِ الله تعالى لم يَضُرَ يونس ولم يجرحه ولم يخدُش له لحمًا ولم يكسِر له عظمًا، وسارَ الحوتُ وفي جوفِه يونسُ عليه السلام يشقُّ به عُبابَ البحر حتى انتهى به إلى أعماقِ المياهِ في البحر، وهناكَ سمعَ يونسُ عليه الصلاة والسلام وهو في بطنِ الحوتِ حِسًا وأصواتًا غريبةً، فأوحى الله إليه: إنَّ هذا تسبيحُ دوابِّ البحر، فما كان مِن نبيِ الله يونسَ عليه السلام وهو في بطنِ الحوتِ وفي تلكَ الظُلماتِ إلا أن أخذَ يدعو الله عزّ وجلّ ويَستغفرَهُ ويسبّحَه تبارك وتعالى، واستجابَ الله تعالى دعاءَه ونجاه من الغمِّ والكربِ والضيقِ الذي وقَعَ فيه ، وأمرَ الله تعالى الحوتَ أن يُلقيَه في البرّ فألقاهُ الحوتُ بالعراءِ وهو المكانُ الذي ليسَ فيه أشجار، ويونسُ عليه السلام مريضٌ ضعيف. وكان ذلك في يوم العاشر من محرم. ورُوِيَ أنَّ الحوتَ قَذَفَ بهِ على ساحِلِ قريةٍ مِنَ “الموصلِ” بالعَرَاءِ حيثُ لا شَجَرٌ ولا جَبَلٌ، وكانَ مَرِيضَ البَدَنِ ، أقلُ شىءٍ يَسقُطُ عليهِ يُؤلِمُهُ، فَرَحِمَهُ اللهُ وأَنبَتَ عَليهِ يَقْطِينَةً أظلَّتْهُ وكَانَ لَهَا فوائدُ عديدةٌ منها سُرعةُ نَبَاتِهَا وتَظلِيلُ وَرَقِهَا لِكِبَرِهِ ونُعُومَتِهِ، ولا يَقرَبُ منهَا الذُبَابُ، وثَمَرَتُهَا جَيدةُ التغذيةِ وتؤكلُ نِيئَةً ومطبوخةً بلُبِّهَا وقِشْرِهَا.  وسَخَّرَ الله لَهُ “أَرْوِيَّةً” وهي أُنثَى الوَعْلِ الذي هو مِنْ فَصِيلةِ الغزلانِ فكَانَتْ تُفْرِجُ لَهُ ما بَينَ رجلَيْها فيَشرَبُ من لَبَنِها كُلَّ بُكرَةٍ وعَشِيَّةٍ حتَّى تَعَافَى بإذنِ اللهِ. ثُمَّ أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يأتِيَ قَومَهُ ويُخبِرَهُم أنَّ اللهَ تعالى قد تَابَ عليهِم، فأتَاهُم فرَحَّبُوا بهِ مُعتذرِينَ إِليهِ، فَكَبُرَ فرحُهُ لتركِهِم عِبادةَ الأصنامِ والأوثانِ، وإيـمانِهم بالله الرحمنِ الموجودِ بلا مكان. والله تعالى أعلم وأحكم نتوقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة القادمة من سلسلة عاشوراء في الإسلام عن قصة هلاك فرعون وجنوده في البحر ونجاة موسى عليه السلام ومن آمن معه من كيدهم في العاشر من المحرّم فتابعونا وإلى اللقاء.