الخميس مارس 28, 2024

7 توبة قوم سيدنا يونس

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن سائر الأولياء والصالحين. أما بعد ففي يوم عاشوراء تيب على قوم يونس: كانت “نِينَوَى” إِحدى قُرَى أَرضِ الْمُوصِلِ فِي العراقِ، وقَدْ أَفسَدَ أهلُها إِفسَادًا كَبيرًا، وعَددُهم مائةُ ألفِ شخصٍ وأكثرُ وكانَ لَهم صنمٌ اسـمُه “عَشْتَارُ“ يعبُدُونهُ من دونِ اللهِ تعالى، فجاءَهُم سيدُنا “يُونُسُ” عليه السلام نبيًّا يدعوهُم إلى توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ وتركِ عبادةِ الأصنامِ. استَغرَبَ المُشركُونَ دَعوةَ سيدِنا “يُونُسَ” لَهم، ولَم يأخذُوا بكلامِهِ مع أنَّهُ أتى بآياتٍ بيناتٍ ومعجزاتٍ باهراتٍ تدلُّ على صدقِ دعوتِهِ وصحةِ عقيدتِهِ. وقِيلَ إنَّهُ بَلَغَ بهِ الأمرُ أنْ قالَ لَهُم: “لقدْ دَعَوتُكُم باللينِ والحسنَى مُدةَ ثَلاثةٍ وثلاثينَ عامًا، فإذَا أَجَبتُم دَعوتِي كانَ الخيرُ الذي أرجُوهُ، وإلا فإنِّي أُنذِرُكُم عذابًا واقِعًا، وبَلاءً نَازِلاً وهَلاكًا قريبًا بَعدَ أَربعينَ ليلةً“. فقالُوا مستَكبِرِينَ: “إنْ رأينَا علاماتِ العذابِ ءامنَّا بِكَ“. وبَقِيَ “يونسُ” يدعُوهُم، فلَمَّا مَضَتْ خَمسٌ وثلاثونَ ليلةً دارَ حديثٌ بينَ المشركينَ حَولَ ما أَنذَرَهُم فقالُوا: “إنَّ يُونسَ رَجلٌ لا يَكذِبُ، فارْقُبُوه فإنْ أَقَامَ معَكُم فلا عليكُم وإنْ رَحَلَ عنكُم فهو نُزولُ العذابِ بلا شَكٍّ”. فلَمَّا كَانَ الليلُ تَزوَّدَ “يونُسُ” وخَرَجَ عنهم غَاضِبًا عليهِم ءَايِسًا منهُم ولَمْ يَكُنْ قد استَأذَنَ ربَّهُ في الخروجِ فظَنَّ أَنَّهُ لنْ يُؤَاخِذَهُ بذلكَ. ولَمْ يَكَدْ “يُونسُ” يَبعُدُ قليلاً عن “نِينَوَى” حتَّى أَطَلَّتْ على أهلِهَا عَلاماتُ العذابِ وإِشارَاتُ الهلاكِ، فظَهَرَتْ فِي السَّمَاءِ غيومٌ سوداءُ، وثَارَ الدُّخانُ الكثيفُ وهَبَطَ حتَّى وَقَعَ فِي مدينتِهِم وسَوَّدَ سطوحَهُم وصارَ العذابُ على بُعد ميلٍ واحدٍ منهُم. ولَمَّا أيقنُوا بوقوعِ الهلاكِ والعذابِ، قَصَدُوا “يونسَ” عليهِ السلامُ فلم يَجِدُوهُ، فخرجُوا إلى الصحراءِ، وفرَّقوا بينَ النساءِ والصِّبيان، وبينَ الدوابِ وأولادِهَا، فحَنَّ بعضُها إلى بعضٍ وعَلَتِ الأصواتُ، وكَثُرَتْ التضرُّعاتُ وأَلْهمهم اللهُ تعالى التوبةَ فأَخلَصُوا النيةَ، ذلك أنَّهُم سألُوا شيخًا من أتباعِ سيدِنا يونُسَ وقالُوا لَهُ: “قَدْ اقتَرَبَ العذابُ فمَاذَا نفعلُ“؟ فقال لَهم: “ءامنُوا باللهِ ورسولِهِ وتوبُوا”، وقولُوا: “اللهُمَّ إنَّ ذنوبَنا قد عَظُمَتْ وجَلَّتْ، وأنت أعظمُ منهَا وأجلُّ، افعلْ بنَا ما أنتَ أهلُهُ ولا تفعلْ بنَا ما نَحنُ أهلُهُ”.    عندَ ذلكَ ءامنُوا باللهِ ورسولِهِ “يونُسَ” عليه السلامُ وكانت ساعةً عظيمةً هائِلَةً، وتابُوا إلى اللهِ تعالى تَوبَةً صَادِقَةً، وبَلَغَ مِنْ توبتِهِم أن رَدُّوا المظالِمَ إلى أهلِهَا حتَّى إن الرجلَ كانَ يقلَعُ الحجرَ بعد أَنْ وَضَعَ عليهِ بناءَ أساسِ دَارِهِ فيَردُّهُ إلى صاحبِهِ الذي أخذَهُ منهُ ظُلمًا. وَرُدَّ عنهُم العذابُ، ورجَعُوا إلى بيوتِهِم ءامنِينَ مؤمنينَ، وكانَ ذلكَ اليومُ على ما قيلَ يَومَ عاشوراءَ. والله تعالى أعلم وأحكم نتوقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة القادمة من سلسلة عاشوراء في الإسلام عن نجاة سيدنا يونس عليه السلام من بطن الحوت في العاشر من المحرّم فتابعونا وإلى اللقاء.