الجمعة سبتمبر 20, 2024

إطعامُه ﷺ الجَيشَ مِن مَزِوَدِ تَمرٍ

473-        

وَأَطْـعَـمَ الجَيْـشَ فَكُلٌّ شَـبِعَا


 

مِـنْ مِـزْوَدٍ وَمَـا بَقِيْ فِيهِ دَعَـا


474-        

لِصَاحِـبِ الْمِـزْوَدِ فِيهِ فَأَكَـلْ


 

مِـنْـهُ حَيَاتَـهُ إِلَى حِينَ قُـتِـلْ


475-        

عُثْمَانُ ضَـاعَ وَرَوَوْا أَنْ حَمَلَا


 

خَـمْسِـينَ وَسْـقًا مِنْهُ للهِ عَلَا


 
















(وَ)مِن مُعجِزاتِه ﷺ ظهُورُ البرَكةِ في تمَراتٍ يَسِيرةٍ بِمِزْوَدِ أبي هُريرةَ رضي الله عنه حتى إنّه حُمِلَ مِنها عِدّةُ أَوْساقٍ فـ(ـأَطْعَمَ) رسولُ الله ﷺ (الجَيْشَ) الّذي كانَ معَهُ في سَفَرِ غَزْوٍ (فَكُلٌّ) أي جميعُ الجيشِ (شَبِعَا) والألِف للإطلاقِ (مِنْ مِزْوَدٍ) أي وِعاءٍ لأبي هُريرةَ (وَمَا) أي وأمّا الّذي (بَقِيْ فِيهِ) مِن التَّمْرِ فقد (دَعَا)(لِصَاحِبِ الْمِزْوَدِ) أبي هُريرةَ بالبَرَكةِ (فِيهِ) فطَرَح اللهُ تعالَى البرَكةَ في التَّمرِ (فَأَكَلَ مِنْهُ) أبو هُريرةَ (حَيَاتَهُ) أي مُدّةِ عَيشِه (إِلَى حِينَ) أي وَقتِ (قُتِلَ عُثْمَانُ) بنُ عَفّانَ رضي الله عنه فإنّ المِزوَدَ (ضَاعَ) بعدَ ذلكَ، (وَ)مِمّا (رَوَوْا) في عَجِيبِ أمرِ هذا المِزوَدِ أنّ أبا هُريرةَ لم يُدْخِلْ يَدهُ فيهِ إلّا أخذَ منه و(أَنّـ)ـه حمَلَ (حِمْلًا) على دوابَّ عدَلَتْ (خَمْسِينَ وَسْقًا) بفَتح الواوِ على المشهورِ وكَسرِها (مِنْهُ) أي مِنَ التَّمرِ، والوَسْق سِتُّون صاعًا، والصّاعُ ثلاثُمائةٍ وعِشرُون رِطلًا عند أهلِ الحجازِ وأربعُمائة وثمانون رِطلًا عند أهلِ العراقِ على اختلافهم في مِقدارِ الصَّاعِ والمُدِّ([1])، كانَ حملُ أبي هُريرةَ ذلكَ وإخراجُه لهُ (للهِ) أي في سبيلِ اللهِ جلَّ و(عَلَا) عُلوَّ قَدرٍ لا عُلُوَّ مَكانٍ، فاللهُ تعالَى مُنزَّهٌ عن التّحيُّزِ في مَكانٍ وجِهةٍ، ﱡﭐﱐﱑ ﱒ  ﱔ  ﱕ ﱖ [الشُّورَى: 11].

رَوَى ابنُ ماجهْ في «سُنَنِه» والبيهقيُّ في «الدَّلائل» عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: أُصِبتُ بِثَلاثِ مَصائِبَ فِي الإسلامِ لَم أُصَب بِمِثلِهِنَّ: بِمَوتِ النَّبِيِّ ﷺ وَكُنتُ صُوَيحِبَهُ، وَقَتلِ عُثمانَ، والمِزوَدِ، قالُوا: وَما المِزوَدُ يا أبا هُرَيرَةَ؟ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَقالَ: «يَا أبَا هُرَيرَةَ أمَعَكَ شَىءٌ؟»، قالَ: قُلتُ تَمرًا فِي مِزوَدٍ مَعِي، قالَ: «جِئْ بِهِ» فَأخرَجتُ مِنهُ تَمرًا فَأتَيتُهُ فَمَسَّهُ فَدَعا فِيهِ ثُمَّ قالَ: «ادْعُ عَشَرَةً» ، فَدَعَوتُ عَشَرَةً فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى أكَلَ الجَيشُ كُلُّهُ وَبَقِيَ مِن تَمرِ المِزوَدِ، قالَ: «يَا أبَا هُرَيرَةَ إذا أرَدْتَ أن تَأخُذَ مِنهُ شَيئًا فَأَدْخِل يَدَكَ وَلا تَكُبَّهُ»، قالَ: فَأكَلتُ مِنهُ حَياةَ النَّبِيِّ ﷺ، وَأكَلْتُ مِنهُ حَياةَ أبِي بَكرٍ كُلَّها، وَأكَلتُ مِنهُ حَياةَ عُمَرَ كُلَّها، وَأكَلتُ مِنهُ حَياةَ عُثمانَ كُلَّها، فَلَمّا قُتِلَ عُثمانُ انتُهِبَ ما فِي بَيتِي وانتُهِبَ المِزْوَدُ، ألَا أُخبِرُكُم أكَلتُ مِنهُ أكثَرَ مِن مِائَتَي وَسْقٍ.



([1])  المِنهاج شَرح صحيح مسلِم بنِ الحَجّاج، محيي الدِّين النَّوويّ، (10/188).