شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِلسُّيُوطِيِّ
بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ءَالائِهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَأَحِبَّائِهِ، هَذَا شَرْحٌ لَطِيفٌ عَلَى التَّنْبِيهِ فِي الْفِقْهِ يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُصَحِّحُ خِلافَهُ وَيُحَرِّرُ مَسَائِلَهُ. خَالٍ عَنِ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ حَاوٍ لِلدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ، وَبِاللَّهِ أَسْتَعِينُ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ) الَّذِي يَجِبُ لَهُ، وَنَصْبُهُ عَلَى النَّعْتِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَنْصُوبٍ بِالْحَمْدِ لأِنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ أَنْ وَالْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْلِكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا، وَالْمَعْنَى أَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ أَيْ أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِذِ الْحَمْدُ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى جَمِيلٌ. (وَصَلَوَاتُهُ) جَمْعُ صَلاةٍ وَهِيَ الرَّحْمَةُ وَجَمَعَهَا لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّكْرِيرِ (عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ) أَيْ أَفْضَلِ مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَالإِنْسِ وَالْجِنِّ (مُحَمَّدٍ) عَطْفُ بَيَانٍ (وَءَالِهِ) هُمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لأِنَّهُمُ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَصَحْبِهِ) اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ مَنِ اجْتَمَعَ بِهِ مُؤْمِنًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا اسْتَحْضَرَهُ فِي ذِهْنِهِ (كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي أُصُولِ) أَيْ قَوَاعِدِ (مَذْهَبِ الإِمَامِ) مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ نِسْبَةً لِجَدِّهِ شَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ إِذَا قَرَأَهُ الْمُبْتَدِئُ فِي الاِشْتِغَالِ فِي الْفِقْهِ (وَتَصَوَّرَهُ) فِي ذِهْنِهِ بِأَنْ فَهِمَهُ أَيْ أَدْرَكَهُ (تَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ) وَمِنْ هَذَا أُخِذَتِ التَّسْمِيَةُ (وَإِذَا نَظَرَ فِيهِ الْمُنْتَهِى) أَيْ نَظَرَ مُتَأَمِّلٍ (تَذَكَّرَ بِهِ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الْمَسَائِلِ الْوَاقِعَةِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ لِلتَّبَرُّكِ وَتَحْقِيقًا لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ (وَبِهِ) تَعَالَى (التَّوْفِيقُ) أَيِ الْقُدْرَةُ عَلَى الطَّاعَةِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ مِنْهُ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ (وَهُوَ حَسْبِيَ) أَيْ كَافِيَّ (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أَيِ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ الأَمْرُ وَهُوَ وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا مِنْ عَطْفِ الإِنْشَاءِ عَلَى الإِخْبَارِ أَوْ عَلَى الإِنْشَاءِ لإِرَادَتِهِ (وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ) حَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلتَّعْمِيمِ مَعَ إِرَادَةِ الاِخْتِصَارِ أَيْ مُؤَلَّفَهُ وَغَيْرَهُ (فِي الدُّنْيَا) بِالاِشْتِغَالِ بِهِ وَتَفَهُّمِهِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْعَمَلِ وَأَدَاءِ الطَّاعَاتِ وَغَيْرِهَا عَلَى وَجْهِهَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَالآخِرَةِ) بِالإِثَابَةِ عَلَيْهِ (إِنَّهُ قَرِيبٌ) مِنْ عِبَادِهِ بِعِلْمِهِ (مُجِيبٌ) دُعَاءَ مَنْ دَعَاهُ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَيَجُوزُ فِي إِنَّهُ الْكَسْرُ اسْتِئْنَافًا وَالْفَتْحُ عَلَى تَقْدِيرِ لامِ التَّعْلِيلِ وَتَقَدُّمُ الْمَعْمُولِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلاثَةِ يُفِيدُ الاِخْتِصَاصَ.