مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -83
أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدِنا محمد طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَنْ تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين
يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى وغفر له ولوالديه ومشايخه
*وقال الإمام الهرريُّ رضي الله عنه: اللهُ خلقنا في هذه الدنيا ليتَميّزَ عبادُه الذين يُطيعونَه فيفوزوا بالسعادةِ الأبدية عن الذين لا يُطيعونَه.
)ليَتميّز أي للعباد، يعني الطائع يظهر للعباد أنه طائع والكافر أو الفاسق يظهر للعباد أنه كافر أو فاسق، أما الله عز وجل فهو عالمُ الغيبِ والشهادة ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولا في الدنيا ولا في الآخرة، واللهُ تعالى علمُه شاملٌ لكلِّ الأشياء وعلمُه أزليٌّ أبديٌّ واحد لا يزيد ولا ينقص ولا يتغيّر ولا يتطوّر ولا يتبدّل، وعلمُه لا يتجدد شيئًا بعد شىء ولا يحدثُ له بعد حصولِ الشىء، هذا مستحيلٌ على الله لأنّ تغيّرَ الصفة وحدوثَها هذا للمخلوق أما اللهُ عز وجل فذاتُه أزليٌّ أبدي وصفاتُه أزليةٌ أبدية، واللهُ تعالى قال في القرآن الكريم في مدحِ ذاتِه المقدّس {وهو بكلِّ شىءٍ عليم{[البقرة/٢٩]
وعلمُه سبحانه يشمل الجزئيات، الأمور الجزئية والأمور العامة والإجمالية والتفصيلية، يعني كل أنواع العلوم والمعلومات التي في الكون والعالم والدنيا والآخرة والإنس والجن والملائكة والبهائم وفي كلّ المخلوقات كلّ هذا داخلٌ تحت علمِ اللهِ عز وجل، فليس مما يقول بعضُ الكفَرة ومنهم مَنْ يدّعي الإسلام ومَنْ يدّعي العالمية ومنهم مَنْ نُسبَ إلى الفلسفة يقولون لعنهم الله: الله يعلم الأشياء جملةً أما تفصيلًا فلا يعلمُها إلا بعد حدوثِها، هؤلاء كفارٌ بإجماعِ الأمة لأنهم وصفوا اللهَ بالجهل وبالنقص والتغيّر والتطوّر والتبدّل وبالاحتياج.
الإنسان عندما يحدثُ له شىء بعد شى هذا دليلٌ على أنه محتاجٌ لحصولِ هذا الشىء ليعلمَ به وأنّ هناك مَنْ خصّصه أنْ يكونَ عالمًا بشىء دون شىء وهذا صفة المخلوق لا يجوز على الله أنْ يكونَ له مُخصِّص أو أن يكونَ جاهلًا ببعضِ الأشياء ولا أنْ يكونَ محتاجًا ولا أنْ يحدثَ علمُه شيئًا بعد شىء، الذي يقول الله لا يعلم الأشياء تفصيلًا هذا ليس من المسلمين.
فإذًا عقيدة الإسلام والمسلمين والأنبياء والأولياء والسلف والخلف والأشاعرة والماتريدية اللهُ يعلمُ الأشياء جملةً وتفصيلًا بلا تخلّف لأدقِّ أو أقلّ شىء منها عن علمِه سبحانه وإلا لكان جاهلًا، {ألا يعلمُ مَنْ خلقَ وهو اللطيفُ الخبير}[الملك/١٤] إذًا هو عالمٌ بما خلقَه قبلَ أنْ يخلقَه لا ينتظر كما المخلوق ليحدُثَ الشىء ليصيرَ عالمًا به، هذا تغيّر ولا يجوز على الله.
إذًا “ليَتميّز” المخلوق من غيرِه من المخلوقين، بين المخلوقين، ليس بالنسبة إلى الله وليس بالنسبةِ إلى علم الله، اللهُ في الأزل عالمٌ بأنّ هذا يكونُ تقيًّا وهذا يكونُ نبيًّا وهذا يكونُ صالحًا وهذا يكونُ تقيًّا دونَ ذاك في التقوى وهذا يكونُ فوقَ ذاك في التقوى وهذا يصل إلى الولاية وهذا يكونُ تقيًّا ولا يصل إلى الولاية، وهذا كافر وهذا كفرُه أشد من كفرِ هذا وهذا فاسقٌ مسلمٌ من أهلِ الكبائر وهذا فسقُهُ أقل من فسقِ ذاك المسلم، كل هذا اللهُ يعلمُه في الأزل جملةً وتفصيلًا، فإذًا اللهُ لا يغيبُ عن علمِه شىء ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، لذلك هنا “ليَتميّزَ” ليتبيّنَ للناس الطائع من غير الطائع المؤمن من الكافر التقي من الشقي العامل بالشريعة والمخالف للشريعة، هذا لمَنْ يتميّز ويظهر ويُعلَم حالُه بعملِه والتزامِه؟ للناس للبشر، أما اللهُ علمُه أزلي أبدي شامل لكل المعلومات لا يغيبُ عن علمِه شىء سبحانه لأنه أزلي أبدي وعلمُه كسائر صفاتِه.
نقل الحافظ ابن بطال في شرحِه على البخاري أنّ إنكارَ صفة العلم كفرٌ بإجماعِ الأمة، ثم يقول: وهذا أيضًا في سائرِ صفاته، يعني الثلاث عشرة. فالذي يُنكر واحدةً منها أو يشك أو يتوقف هذا كافرٌ بإجماع الأمة.
كذلك السيوطي والنووي نقلا الإجماع أنّ مَن قال إنّ اللهَ لا يعلم الأشياء تفصيلًا إلا بعد حصولِها هذا كافرٌ بالإجماع.
اللهُ خلقنا في الدنيا ليتميزَ الطائع من غيرِه للعباد ليس بالنسبة إلى الله حاشى، اللهُ علمهُ أزلي أبدي واحد لا يتغير ولا يزيدُ ولا ينقص وإلا لصار مثلَنا ولو كان مثلَنا ما كان خالقًا للكون والعالم(
*وقال رضي الله عنه: اللهُ خلق الدنيا دار بلاء وليست دارَ نعيمٍ محضٍ.
)معناه الدنيا فيها نعيم لكنْ ليست هي دار للنعيم المحض كما الجنة، الجنةُ كلها نعيم ليس فيها لحظة نكد أو هم أو غم أو انزعاج ولا حتى في الخاطر، خلودٌ أبديّ إلى ما لا نهايةَ له، وفي هذا الخلود الأبدي لا تمرُّ عليهم لحظة واحدة يتعكّرون أو يتنكّدون أو ينزعجون أو يتألمون أو يمرضون، هذا لا يحصل، لذلك الجنة هي نعيمٌ محض لا نكد ولا عذابَ ولا هم ولا غم ولا سقم ولا جوع ولا عُري ولا موت ولا بؤس، حتى الانزعاج في الخاطر لا يوجد في الجنة.
أما الدنيا ليست هكذا، الدنيا على العكس، دار بلاء وفيها نعيم لكنْ ليست دار نعيم خالص صافي إنما هي دارُ بلاء ويغلِب على أحوالِها البلاء والهم والغم والسقَم والأمراض والأوجاع والموت والجوع، هذا حالُ الدنيا، وفيها في بعض المرات نعيم لكنْ لا يدوم، فيها ملذات لكنْ لا تدوم بل سرعان ما تزول. أليس بعض الناس في ليلةِ عرسِهم يموتون؟ هذا حالُ الدنيا، بعض الناس في يومِ فرحِهم العظيم في زواجِ أبنائهم يموتون يمرضون تنزل بلية مصيبة قذيفة يحصل زلزال تحصل مفسدة فتنة مقتلة، هذا حال الدنيا، الدنيا نعيمُها يتخللُه كدر نغَص انزعاج مرض، هذا حالُ الدنيا.
فمن هو العاقل؟ العاقل هو الذي يغتنم من هذه الدنيا ما ينفعُه في الآخرة هو الذي يتزود بتقوى الله والعمل الصالح ويستعد بهذا العمل الصالح للآخرة فيكون تزوّد من الفانية للباقية بما ينفعُه لآخرتِه.
أليس المزارع الذكي الفطن يزرع ما يُسرُّ به يومَ الحصاد؟ مثلًا هذا المزارع له أرض يزرع فيها ما يحتاجُه، لا يأتي فيزرع فيها الأشواك والأشياء المضرة والمؤذية والتي لو أكلَتْها المواشي لماتت منها، إنما يزرع النافع والمفيد وما يعودُ عليه بالغلة المُربِحة وما يعود عليه بالنفع وما تروجُ به البضاعة وما يقصدُه الزبائنُ والناسُ وأصحابُ الدكاكين، هذا الذي يزرعُهُ، ففي يوم الحصاد بعدما يحصد كل هذا الذي ينفعُه يقول تعبنا لكنْ حصدنا فرِحنا والنتيجة مُرضية الغلة كبيرة، هكذا المزارع الذكي يفعل.
وفي الآخرة الذكي العاقل الفطن يقدّم من هذه الدنيا ما ينفعُه في الآخرة ليفرح ذلك اليوم بهذا العمل الذي قدّمه لآخرتِه، الدنيا مزرعةُ الآخرة، غدًا توفّى النفوسُ ما كسبَت ويحصدُ الزارعونَ ما زرعوا إنْ أحسنوا أحسنوا لأنفسِهم وإنْ أساءوا فبئسَ ما صنعوا.
مثلًا واحد زرع الشوك والأمورُ المؤذية والمضرّة هل يستطيع أنْ يأتي فيقول في يوم الحصاد أين الرمان أين الزعفران أين الإجاص أين الخوخ أين البرتقال أين الأترج؟ أنت ماذا زرعت؟ ما زرعْته ستراه ستحصدُه فكيف تنتظر في يوم الحصاد نتيجة خلاف ما زرعتَ، فالذي يُحسن في الدنيا يرى ما يُفرحُه في الآخرة والذي يُسىء في الدنيا يرى ما يُحزِنُه في الآخرة.
هذا حال الدنيا وهذا حال الجنة والآخرة(
*وقال رضي الله عنه: المسلمُ على حسبِ قوةِ دينِه يُبتلى، الأنبياءُ أكثرُ الناسِ بلاءً ثم على حسبِ دينِه يكونُ قوةُ بلائه أشد.
)هذا الكلام الذي قاله مولانا الشيخ رحمه الله رحمة واسعة وغفر له هو مأخوذٌ من حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام [أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياء ثم الامثلُ فالأمثل يُبتَلى الرجلُ على حسبِ دينِه فإنْ كان دينُه صلبًا عظُمَ بلاؤه وإنْ كان في دينِه رقة خفَّ بلاؤُه[
هذه العبارة تشير إلى هذا الحديث ومعناها أنّ أعلى الخلقِ رتبةً وأفضل العالمين منزلةً هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والأنبياء مِن حيثُ البلاء في الجسد والأهل والمال والدنيا أشد بكثير من غيرِهم، وهنا قد يسأل البعض ألستَ تقول إنهم أعلى العالمين رتبةً وأفضل خلقِ الله على الإطلاق؟ بلى، هم أعلى العالمين رتبة وأفضل خلق الله وأفضل العالمين على الإطلاق، الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام.
قد يسأل البعض مع هذه الرتبة العظيمة والمنزلة العالية لماذا كان البلاء عليهم أشد من غيرِهم وأكثر من العامة؟ فالجواب على هذا السؤال أنّ هؤلاء السادة العظام الأجلّاء الكبار الأئمة القدوة كلّما اشتدّ عليهم البلاء وعظُمَت عليهم المصائب كلما ارتفعوا في المقامات أكثر كلما كثُرت حسناتُهم في الجنة أكثر، كلّما عظُمَ مقامهم أكثر.
ثم من ناحيةٍ ثانية عندما يعظُم عليهم البلاء وتشتد عليهم المصائب هذا يكونُ دافعًا ومُحَفِّزًا للعامة أنْ يصبروا عند البلاء فيقول الواحد من عامة المسلمين مَنْ أنا أمام إبراهيم؟ مَن أنا أمام محمد؟ من أنا أمام موسى وعيسى وداود وأيوب وسليمان ويوسف وءادم عليهم الصلاة والسلام؟ إذا كان نوح عليه السلام حصلت له هذه البلية والمصيبة وهذا البلاء العظيم فمَنْ أنا؟ فيتعلم هذا الإنسان العادي العامي أنْ يقتديَ بالأنبياء وأنْ يتّخِذَهم قدوةً له فيصبر ويقوى في الصبر لينالَ هذا الفضل الذي هو ثوابُ الصابرين، لحكم عديدة كان البلاء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أكثر من بقيةِ الناس.
لكنْ يعظُم عليهم البلاء في أبدانِهم في أموالِهم في أولادِهم في أهلِهم في تجارتِهم، في الدنيا، لماذا هذا القيد؟ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دينُهم ثابتٌ فلا تكون مصيبة في دين نبيٍّ من الأنبياء.
لا يوجد في الأنبياء من يكونُ تاركًا للصلاة ولا مَن يقع في الزنا أو في شرب الخمر أو في أكل الميتة أو في أكل الدم، هذا لا يحصل من الأنبياء، المسلمُ العامي إذا أكلَ الربا صارت مصيبتُه في دينِه لأنه صار فاسقًا، المسلم العامي إذا شرب الخمر صارت مصيبتُه في دينِه صار من أهلِ الكبائر، إذا كان عاقًّا لأبويه صارت مصيبتُه في دينِه، إذا كان ظالمًا يأكلُ أموالَ الناسِ بالباطل صارت مصيبتُه في دينِه وهذا مستحيل على الأنبياء لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أكمل البشر وأفضل العالمين واللهُ عصمهم وهذا إجماعٌ واتفاق، اللهُ عصمهم من الكفر ومن كبائر الذنوب ومن صغائر الخسة قبل النبوة وبعدها فلا يجوز على نبيٍّ من الأنبياءِ أنْ يكون مشركًا أو أنْ يكونَ كافرًا لا قبل النبوة ولا بعدَها، لا يجوزُ على نبيٍّ من الأنبياء أنْ يكونَ واقعًا في الكبيرة أو أنْ يكونَ فاسقًا لا قبل النبوة ولا بعد النبوة، هذا اعتقادُنا ونحن على هذا وشيخُنا على هذا وهذا الإجماع، ولا يجوز على نبيٍّ من الأنبياء أنْ يقع في صغيرةٍ فيها خسة ودناءة مثل الكلمة البذيئة، هذا لا يحصل من الأنبياء، مثل النظرة المحرّمة لا يحصل من الأنبياء، مثل سرقة حبة عنب ما هي حبة عنب؟ لو سُرقَت أو ضاعت من إنسان هل قلبُه يبقى متعلقًا بها؟ لا بحسب العادة لكنْ هذا يدلّ على خسة ودناءة، هذا اعتقادُ شيخِنا وهذا اعتقادُنا وهذا الذي نحن عليه وهذا الذي عليه الإجماع وهذا الذي نقرّرُه ونقولُه في دروسِنا وخُطبِنا وتأليفاتِنا أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عُصموا من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوةِ وبعدَها ومَنْ جوّزَ عليهم ذلك فهو كافر، مَنْ جوّز على الأنبياء الشرك والكفر والكبائر وصغائر الخسة هذا كافر ليس من المسلمين.
ثم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المصائب التي تنزل عليهم يرتفعونَ بها في المقامات لا تكون في دينِهم لأنّ مَنْ أصيبَ في دينِه يدخل عليه نقص فيكون عاصيًا لا يكونُ مُثابًا كالذي يزني أو يشرب الخمر أو يسرق أو يظلم الناس أو يأكل أموال الناسِ بالباطل، هذه مصيبة في الدين، كالعاق لوالديه كالذي يظلمُ زوجته يضربُها ظلمًا وعدوانًا يأكل مالها ظلمًا وعدوانًا، هذا دخل عليه النقص في دينِه، الأنبياء مصائبُهم لا تكون في دينِهم إنما تكون عليهم المصائب في الدنيا فيُكثَّر لهم الأجر ويعظُم لهم الثواب ويكونونَ قدوةً للعباد والناس، لهذا كان الأنبياء أشدّ الناسِ بلاءً، ثم بعدَهم على حسب التقوى.
يعني مثلًا نأتي إلى الأولياء في البشر بعد الأنبياء، فأعلى البشر بعد الأنبياء أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم جميعًا، وهكذا على حسب التقوى، فيكون مَن هو أعلى في التقوى أعلى في الصلاح يكون البلاء عليه أكثر من غيرِهم ممّن دونَه من العامة ليَعظم له الثواب والأجر.
فالحاصل هذا في الدنيا الأنبياء الأولياء البلاء عليهم يكون أعظم وأكبر من عامة الناس، وهم القدوة والأئمة عليهم السلام، هذا معنى ما قاله الشيخ رحمه الله ورضي عنه(
*وقال رضي الله عنه: الأنبياءُ والأولياءُ كلُّهم كانوا كثيري البلاء في الإصابةِ في أجسامِهم والإيذاءِ في أنفسِهم وبالإيذاء من الكفار والفاسقين بألسنتِهم وبتلفِ الأموال.
)يعني لو أراد أنْ نضرب أمثلةً، نبيُّ اللهِ نوح عليه الصلاة والسلام، هذا النبيّ الرسول العظيم الكريم الذي هو من أولي العزم وعاش في قومِه زمانًا طويلًا وعمرًا مديدًا وكان في كل هذا العمر يُحسن إليهم، كيف كانوا يقابلونَه؟ بالشتم والإيذاء والافتراء، بل وصلوا إلى الضرب وكان يُضرب حتى يُغمى عليه وهو نبي رسول، يظنونَه قد مات، يُحمل فيُوضع أمام دارِه فإذا استيقظَ انتبه عادَ إليه وعيُه من الإغماء –والإغماءُ ليس مرضًا منفِّرًا- النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم كان من شدة الحمّى يُغمى عليه، هذا يقال له مرض عادي طبيعي في طبيعة البشر ولا يُنفّر، كان نوحٌ إذا أفاق يعود فيَخرج فيدعوهم إلى الإسلام ليُسلِموا ليَخلُصوا من الكفر ليَدخلوا في الإسلام بقول لا إله إلا الله نوح رسولُ الله ليدخلوا الجنة وليَنجوا من الخلود المؤبد في النار، وأيُّ إحسانٍ هذا؟ يضربونَه فيُغمى عليه وهو يريدُ أنْ يُنقِذَهم من الكفر أنْ يُخرَجوا من الكفر وأنْ يدخلوا في الإسلام ليموتوا على الإسلام فيكونون من أهلِ الجنة ومن أهل السعادة والنعيم الدائم الذي لا يزول ولا ينقطع، لأجل أن ينجوا من الخلود المؤبد في النار، أيّ إحسانٍ بعد هذا الإحسان؟
كان يُحسن إليهم وهم يضربونَه بل ورد في بعض التواريخ والسيَر أنّه عليه الصلاة والسلام كان يُضرب بالعصا أو بالحجر حتى تبلغَ العظام، هذا كان حالُه، هذا رسول من رسلِ الله الكرام.
وإذا أردنا أنْ نتكلم عن غيرِه من الأنبياء مثلًا فانظروا ماذا فُعل بنبيِّ الله يحيى عليه الصلاة والسلام النبي الكريم العظيم الذي على ما ذكر بعض علماء التاريخ والسير والتفاسير أنه عندما وُلدَ عليه الصلاة والسلام أضاءَ البيت من وجهِه المبارك بلا مصباح، لم يكن في البيت مصباح، هذا نبيّ اللهِ يحيى الذي حصل في ولادتِه العجائب والذي في سيرتِه الغرائب من عظيم التواضع والزهد والكرم والإحسان إلى الناس، كان عليه الصلاة والسلام غايةً في الرحمة والإشفاق على عباد الله، مع كل هذه الصفات العظيمة المباركة في نبيِّ الله يحيى عليه الصلاة والسلام كيف عاملوه؟ اضطهدوه كذَبوا عليه افتروا عليه كادوا له تآمروا على قتلِه وصلوا إلى حد ذبحه بالسكين ثم قُطّعَ بالفأس بعد ذلك والعياذ بالله.
وهكذا زكريا عليه الصلاة والسلام أبوه نُشرَ بالمنشار وهو حيّ، أنت تصوّر مثلًا يُقطَع قطعة من جسدِك بالمنشار أو بالسكين، أيُّ ألمٍ يصيبُك؟ زكريا عليه الصلاة والسلام نُشر بالمنشار وهو حي، ماذا حصل؟
أولًا يحيى عليه الصلاة والسلام مع نبوّتِه نال الشهادة، زكريا مع نبوّتِه نال ثواب وأجر الصبر على فقد الولد، أيُّ ولد؟ ابنُه نبيّ، أيُّ محبة وأيُّ تعلّق حبه هذا فيه ثواب لأنّه يحبه لله ولما يحملُ من المزايا والصفات والسجايا وهو نبيٌّ يدعو إلى الله إلى الإسلام إلى التوحيد يحارب الشرك، فكم يكون قلب زكريا متعلقًا به؟ فقدَه بهذه الطريقة الوحشية ذبحًا وتقطيعًا بالفأس، تخيّلوا الألم الذي يكون نزل في قلب زكريا عليه الصلاة والسلام وعلى ابنِه يحيى سلامُ الله.
فإذًا يحيى مع نبوتِه نال الشهادة زكريا مع نبوّتِه نال ثواب وأجر الصبر على قتل وفقدِ الولد وبعد ذلك نال الشهادة هو أيضًا بأنْ نُشرَ وقُتلَ بهذه الطريقة البشعة الشنيعة والعياذ بالله، هذا مثال وهذا على وجه السرعة.
وأما إذا أردنا أن نذكرَ أمثلةً عن بعض الأولياء رضي الله عنهم مثلًا جرجس على قول مَنْ قال إنه ولي لأنّ من المؤرخين مَنْ قال فيه إنه نبيّ، فهذا الرجل العظيم المبارك الصالح جرجس الذي كان في بني إسرائيل الكفار عذبوه بأنواع العذاب بأشكال التعذيب من السجن والضرب والتقييد والجوع من تقطيع لحمِه من بدنِه وهو حي، ومن وضعِ الأواني الحديدية المجَمّرة المُحمّاة على جسدِه أو يُلبِسونَه برأسِه ذلك ثم ضرب المسامير الكبيرة في جسده في رأسه، انظروا ماذا يُفعل في هذا الرجل العظيم، بعد كل هذا العذاب ذبحوه ثم قطّعوه ثم وضعوه في قِدر على النار حتى غلى والعياذ بالله، ثم وهو على النار بأعضائه مقطعة مجزأة وطبخوه والعياذ بالله، اللهُ أحياه قام في القدر يذكر اللهَ عز وجل، والله لا يُعجزُه شىء، الله يقول {وضرب لنا مثلًا ونسيَ خلقَه قال مَنْ يحيي العظامَ وهي رميم* قل يُحييها الذي أنشأها أولَ مرة وهو بكلِّ خلقٍ عليم}[يس/٧٨-٧٩] ربي لا يُعجزُه شىء، إذا كان عيسى عليه الصلاة والسلام بمعجزةٍ أعطاه الله أحيا عددًا من الموتى، وهذا بخلق الله ليس بخلق عيسى، هذا معجزة لعيسى لكنّ الله خلقَ فيهم الحياة.
حتى إنه يقال ممن أحياهم عيسى سام بن نوح عليه السلام، كم كان مضى عليه من الزمن البعيد مع ذلك دلَّ على قبرِه فذهب إليه وصلى ركعتين وضرب القبر بعصاه وناداه فانشقت الأرض وقام، هذا حصل، فإذا كان هذا الأمر ثابت في القرآن في التواريخ فلماذا يُتعجَّب ويُستغرَب بأمرِ جرجس أنّ اللهَ أحياه، وهذا ليس بعزيزٍ على الله.
فلْنعتبر ولْنتّعِظ، أين نحن مما أصاب السيدة ماشطة بنت فرعون؟ أين نحن من البلاء الذي أصابها؟ أين نحن مما أصاب ءاسية بنت مزاحم امرأة فرعون، تعرفون ماذا كان يفعل لها فرعون وهو زوجُها؟ وضعَ لها أوتادًا حديدية في الشمس وشدّ يديها ورجليها وتركها في الشمس مع التعذيب والضرب بالسياط والجوع والظمأ وكان يقال إنها دعت أنْ ترى بيتها في الجنة فأراها اللهُ بيتَها وقيل أيضًا إنّ الملائكة كانت تُظلِّل عليها، ما أصاب سمية أم عمار بن ياسر، أين نحن مما أصاب ياسر وعمار؟ أين نحن مما حصل لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ أين نحن مما حصل للحسين في كربلاء؟
رأيتم لماذا قال الأنبياء والأولياء هم أكثر من غيرِهم بلاءً كلما اشتد الإنسان وقويَ وازداد وارتفع وعلَا في المقامات والتقوى والصلاح كلّما عَظُمَ بلاؤُه وهذا لخيرٍ له لمصلحتِه لمنفعتِه لفائدتِه.
بعض الأولياء كان ينزلُ عليه البلاءُ تباعًا إلى أنْ وصلَ إلى حد لا يستطيع أنْ يُمسكَ ريقَه في فمِه، من هؤلاء الربيع بنُ الخيثم وهو من التابعين رضي الله عنه، كان في الطاعات والعبادات والقيام والصيام حتى مع العلم كان بحرًا في العلم، أصيبَ بالفالج ما عاد يستطيع القيام ولا المشي ولا الكلام ما عاد يستطيع أنْ يُمسكَ ريقَه في فمِه وكان ينزلُ ريقَه على ثيابِه حتى إنّ من الصحابةِ مَنْ رءاهُ من حسنِ حالِه ولقوتِه في الصبر قال له الصحابي: لو رءاكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأحبَّك، لقوّتِه في الصبر.
أليس في الصحابة مَن عَميَ؟ عبد الله بن عمر عبد الله بن عباس وكان البلاء ينزلُ عليهما تباعًا، أين نحن مما نزلَ على الأنبياء والأولياء والصلحاء والأخيار والأتقياء؟
كل هذا دليلٌ على أنّ الدنيا لا قيمةَ لها عند الله، دليلٌ على أنّ العبرةَ هناك في الآخرة، هناك الشأن للحسنات، يظهر شأن الحسنات، أما هنا في الدنيا الذي يشغل أبصار الناس هو الدنيا والليرات والذهب والأموال والقصور والسيارات وما شابه، أما في الآخرة الشأنُ للحسنات، هناك مَنْ قدّم مَنْ صبر مَنْ أعطى أكثر شأنه يظهر هناك للخلائق في مواقف القيامة، يقول {هآؤُم اقرءوا كتابيَه}[الحاقة/١٩] من شدةِ فرحِه يريد لأحبابِه وأهلِه أن يعرفوا ما أُعطيَ وما جُوزِيَ به من الخير من الثواب من النعيم من الجنة من السعادة من الفرح من الهناء من الاطمئنان.
علينا أنْ نقتدي بالأنبياء والأولياء، فإذا نزلَت عليكم مصيبة لا تيأسوا، إذا نزلت عليكم بلية لا تنهاروا، إذا تداعَتْ عليكم المِحَن والمصائب إياكم أنْ تتراجعوا عن طاعة الله.
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان في سفر وهو في الطريق وصلَه خبر وفاة قُثم أخوه، قُثم كان سافر إلى بلاد سمرقند وطشقند وجُرجان، أين سمرقند وأين مكة والمدينة؟ ماذا كان يفعل قثم –الذي كان شبيهًا بالنبي صلى الله عليه وسلم والرسول كان يحبه، قثم بن عباس أبو عبد الله بن عباس رضي الله عنهم- فهو ذهب لنشر الإسلام والدين لتعليم التوحيد والقرآن والحديث، خرج مع المسلمين لفتح البلاد لهذا الغرض، ما كان ذاهبًا من بلاد الحر إلى بلاد الثلج لأجل التبرد، إنما ذهب للفتوحات لنشر الدين والإسلام، مات قثم وقبرُه الآن هناك ومشهور، وصل الخبر لأخيه ترجمان القرآن عبد الله بن عباس أنه قد مات، وهو على الدابة في السفر أوقفَ الدابة نزل عنها أخذ جانبَ الطريق فصلى ركعتين ثم قال –اسمعوا إلى هذا اليقين والصبر والثبات والتسليم والرضا، هو كان فرحٌ صابرٌ مسلِّم راضٍ، صلى ثم قال: “هكذا أمرَنا الله إذا أصابتْنا مصيبة أنْ نستعينَ بالصبر والصلاة”.
واحد من الأولياء الصالحين كان جلس ليأكل، جيئَه بخبر وفاة أخيه جاءه من يحمل الخبر قال له: أخوك مات، قال تعالَ فكل معي قد نُعيَ إليّ قبل الآن، قال كيف نُعيَ إليك وأنا أولُ مَن جاءك بالخبر؟ قال: نُعيَ إليّ في قولِ اللهِ تعالى {كلُّ نفسٍ ذآئقةُ الموت}[العنكبوت/٥٧]
قلوبُهم مستعدة حاضرة ليس مثلَنا نحن ننسى، الدنيا أكلَتْنا وبلعتْنا وغرِقْنا في الدنيا، فقلوبُنا تنسى تشذ أحيانًا تغفل، أما هؤلاء قلوبُهم حاضرة، هو منتظر إما أنا أموت أو أخي يموت زوجتي تموت ابنتي تموت أختي تموت أبي يموت عائلتنا، كلنا، هذا لا مهربَ منه، كن مستعدًّا، لما تكون تنتظر البلاء لينزل عندما ينزل تراه خفيفًا، ثم إذا عظُمَت عليك المصيبة مثلًا جاءوا وأخبروك ماتت أمك وأبوك وأختك وأخوك وخالك وعمتك، {كلُّ نفسٍ ذائقة الموت}[الأنبياء/٣٥] إنْ صبرتَ أخذت الأجر، إنْ تركتَ الصبر مع ما خسرْتَ، ضيّعتَ فرضًا الذي هو الصبر وخسرتَ هذا الأجر العظيم الذي لو صبرتَ على وفاتِهم وفقدِهم كنتَ ممّن يدخلونَ تحت البشرى، قال ربُّنا في الحديث القدسي [[ما لعبديَ المؤمن إذا أصيبَ بفقدِ مَنْ يعزُّ عليه فصبر جزاءٌ عنديَ إلا الجنة]]
انظروا إلى هذا الرجل وعبد الله بن عباس وسيَر الأنبياء والأولياء والصلَحاء كانوا إذا نزلَت عليهم المصائب يفزعون إلى الصلاة يقومون إلى الصلاة فإذا كبّروا ودخلوا في الصلاة خُفِّفَ عنهم للرحمةِ التي تنزل والسكينة والضياء والبركة والأسرار والرحمات والأنوار، هكذا افعلوا وجرّبوا لما تسمعوا بخبر توضأوا وصلوا تجدونَ لذةً في ذلك.
مرة من المرات كنا في الدرس مع الشيخ رحمه الله وكان الشيخ آتيًا من الحجاز واكتظّ عليه المكان بالحضور وهو يعطي درسًا وصلتْه ورقة صغيرة، وهو أثناء الدرس قرأها صار يبكي، تخيّلوا جاء من سفر اكتظّ الناس عليه وهو في الدرس والمحاضرة وصلت الورقة يقرأها يبكي ويدرّس ولم يقطع الدرس ولا أوقفَه ولا انهارَ ولا أغلق المجلس ولا طرد الناس، بقي يتبسم لمَنْ يأتي ويسلم عليه يهنّؤُه بالسلامة لرجوعِه من السفر، دموعُه على خديه مع البسمة، كان مكتوبًا في الورقة أنّ أمكَ رحمها الله توفّيَت، انظروا قوة الصبر وقوة التحمّل، بينما بعض الناس يكفرون ولا يصبرون، وبعضُهم إذا قلنا لم يصل إلى حد الكفر يقعون في الندب والنياحة، بعض الرجال والنساء يضرب خديه يمزّق ثيابَه ينتفُ شعره، والندب والنياحة من الكبائر، الرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول [ليس منا مَنْ لطم الخدود وشقَّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية] ليس منا ليس على طريقتِنا الكاملة ليس من أتقيائِنا ليس من تعاليمِنا وأخلاقِنا، المسلم الذي يقع في الندب والنياحة، فوّتَ على نفسِه الثواب ووقع في الكبيرة وترك فرضًا ضيّعَ واجبًا الذي هو الصبر، ما استفاد بل خسرَ.
الصابر على المصيبة استفاد وربح ربحًا عظيمًا قال الله تعالى {وبشر الصابرين* الذين إذآ أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون}[البقرة/١٥٥-١٥٦]هذه وحدها تكفي.
استحضرْ في قلبِك أنا خلقٌ لله، الله أوجدَني هو ربي هو مالكي يفعل بي ما يشاء وأنا نهايةُ أمري أنْ أرجعَ إلى الحساب إلى فصل القضاء يوم القيامة، {إنا لله} هو ربُّنا نحن ملكٌ له هو خالقُنا يفعلُ بنا ما يشاء يتصرف في العالم كما يريد، قال في القرءان {فعّالٌ لما يريد}[البروج/١٦] {وإنّآ إليه راجعون}[البقرة/١٥٦] لفصل القضاء للحساب يوم القيامة، فأين المهرب؟
عندما تستحضر هذا المعنى تهون عليك المصائب.
هذا حمارُ الجوف كان في الأمم السابقة، هذا الرجل كان له عشرة من الأولاد شباب وكان مسلمًا أربعين سنة يعبد اللهَ وهو على الإسلام، أولادُه العشرة ذهبوا إلى الصيد نزلت عليهم صاعقة فقتلتهم أبادتهم، هذا الرجل حمار الجوف لم يصبر بل كفر واعترض على الله وقال لا أعبُده بعد اليوم كيف أعبُده وهو قتلَ أولادي؟
صار كافرًا بالله خرج من الإسلام خسرَ أولاده وخسر الثواب والأجر والإسلام وصار شيطانًا كافرًا ملعونًا عدوًّا لله وجعله اللهُ عبرةً للمعتبرين، سلّطَ نارًا على ذلك الوادي الذي يقال له الجوف في جزيرة العرب كان فيه الفاكهة والثمار والأشجار والأنهار، الله أرسلَ نارًا فحرقَت ذلك الوادي وأكلَته وصار يُضرَب المثل بهذا الرجل فيقال أكفر من حمار الجوف، لأنه كفر واعترض على الله، أما لو بقيَ على الإسلام وصبر على فقد عشرة أولاد شباب أيُّ أجرٍ كان أخذ؟ لكنْ ربي يفعل ما يشاء.
فإذًا فلنتعلّم الصبر ولْنقتدي بالأنبياء والأولياء لأجلِ أنْ نربح، أم الذي لا يقتدي بالأنبياء والأولياء إنما يتّبع إبليس والكافرين فيعترض على الله خسر الدنيا والآخرة إنْ مات على كفرِه، لأنّ الاعتراض على الله طريقة إبليس والكافرين، الصبر والتسليم طريقة النبيين والصالحين، فالعاقل يختار طريقة النبيين والصالحين، أما من اختار طريقة إبليس والكافرين في الاعتراض على الله مع مصيبتِه ولم يصبر وكفر واعترض لن يُعيدَ الميّت وخسرَ على رغمِ أنفِه المصيبة نزلت.
كن ذكيا بطلًا فهيمًا واربح من المصيبة الأجر، نزلت لن تستطيع أنْ تغيّر ولا أنْ تدفع المصيبة، كن ذكيًّا بطلًا لا تكن مثل حمار بن مالك، حمار الجوف الذي اعترض على الله، بل كونوا على طريقة النبيين والصالحين في التسليم لله والرضا بقضاء الله وعدم الاعتراض عليه وعدم الانجراف إلى المعصية عند المصيبة بل نسلّم لله هو ربُّنا يفعل بنا ما يشاء، نحن ضعفاء عاجزون، لما تنزل المصيبة اربح الأجر منها، هذا معنى ما قاله الشيخُ رحمه الله أنّ الأنبياء والأولياء يكون البلاء عليهم أكثر في أجسادِهم، الناسُ يؤذونَهم بألسنتِهم في أعراضِهم، السيدة مريم ألم يطعنوا في شرفِها؟ السيدة عائشة أم المؤمنين ولية الله حبيبة الله حبيبة رسول الله التي بشّرَها الرسولُ بالجنة ومات الرسولُ صلى الله عليه وسلم وصدرُه ورأسُه الشريف المبارك بين سَحرِها ونحرِها على صدرِها، أين هؤلاء الذين يطعنونَ في شرفِها وفي عرضِها؟ ماذا يقولون للرسول يوم القيامة؟ هو زوجُها وماتت ولم يُقِم عليها الحد، لو كانت زنَت كان تركَها الرسول؟ لو زنَت كيف لم يُقم عليها الحد؟ هل تجوز عليه الخيانة؟ هل يجوز عليه أنْ يحرّفَ الشريعة أن يغيّر أن يبدّل في القرآن وفي الإسلام والدين والعقيدة والشريعة؟ لا يجوز، إذًا هذا من بعض النواحي اتهامٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلم.
ويكفيها شرفًا أنها زوجتُه في الدنيا والآخرة وهي مبشّرة بالجنة أم المؤمنين، والله يقول في سورة الأحزاب {النبيُّ أوْلى بالمؤمنين من أنفسِهم وأزواجُه أمّهاتُهم}[ الأحزاب/٦]
علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول لها يا أماه، فالذي يطعن فيها ويقول زانية ماذا يقول في هذه الآية؟ وماذا سيقول للنبيّ يوم القيامة؟ والنبي ما أقام عليها الحد ولا اتّهمَها، كيف تركها لو كانت زنَت وهي متزوجة من الرسول ومُحصَنة؟ ثم زوجات النبيين لا يزنين لأنها لو زنَت لأدّى ذلك إلى تضييع نسب أولاد الأنبياء وهذا لا يصير، إذًا كيف يقال عنها زنت؟
هذا بلاء عظيم نزل على الرسول على الصحابة على المؤمنين على عائشة أم المؤمنين وصبروا، الله فضح المنافقين ودافع عن أم المؤمنين، بعض العلماء يقول أربعة عشر آية في القرآن وبعضُهم يقول ستة عشر آية وبعضهم يقول أكثر في براءة السيدة عائشة في سورة الأحزاب وفي سورة النور ومن هذه الآيات قول الله تعالى في عائشة وصفوان رضي الله عنهما {أولئك مُبَرّأونَ مما يقولون}[النور/٢٦] إذا كان الله يقول مُبرّأون فلعنةُ الله على مَنْ يتهمُها بعد ذلك.
فهذا الذي يطعن في الأنبياء في الأولياء في عائشة في مريم ماذا سيفعل يوم القيامة؟ لن يصل برأسه ولا بشاربِه إلى طرف نعل السيدة مريم ولا إلى طرف نعل السيدة عائشة، يكفيهما أنّ القرءان مدحهما، القرءان طهّر مريم وطهّر عائشة، القرءانُ برّأ مريم وبرّأ عائشة، رضي الله عنهما ولعنةُ الله على مَنْ قذفَهما.
إذًا علينا بالصبر، الرسول كم يكون تأذّى من هذه التهمة كم يكون حزن؟ أينَ نحن؟؟
إذا شخصٌ أساء إلى زوجتك نقول لك اصبر، نحن ماذا أصابنا أمام السيدة عائشة وما أصاب الأنبياء والأولياء والصالحين؟
هذا معناه الأنبياء والأولياء والصلحاء رضي الله عنهم البلاء عليهم في أجسادِهم في أموالِهم في تجارتِهم في أقربائِهم بألسنةِ الكفار فيهم من الإيذاء والمحاربة، من إيذائهم في أجسادِهم من جرحِهم من طعنٍ فيهم من حبسِهم من قتلِهم، هذا في الأنبياء والأولياء أكثر من غيرِهم.
الحمد لله رب العالمين