8 1-2 سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام
كان بين نوحٍ وءادم عشرةُ قرون كما جاء ذلك في حديث ابن حبان. وبالجملة فنوح عليه السلام أرسله الله إلى قوم يعبدون الأوثان وكَانَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ أَوَّلَ رَسُولٍ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ، قال تعالى إخبارًا عنهم: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}. وقد تقدّم أنّ هذه أسماءُ رجال صالحين من قوم إدريس، ووسوس إبليس اللعينُ للناس أنِ اعبدوهم فعبدوهم من دون اللهِ والعياذ بالله. بعث الله نوحًا عليه السلام إلى هؤلاء الكفار ليدعوَهم إلى الدين الحقّ وهو الإسلام والعبادةِ الحقّة وهي عبادةُ الله وحده وتركُ عبادة غيره، ودعاهم إلى الله بأنواع الدعوةِ في الليل والنهار والسرّ والإجهار وبالترغيب تارةً وبالترهيب أُخرى، لكنَّ أكثرَهم لم يؤمن بل استمروا على الضلالة والطُغيان وعبادة الأوثان ونصبوا له العداوةَ ولمن ءامن به وتوعدوهم. لبِث سيدنا نوحٌ في قومه يدعوهم إلى الإسلام ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا، وكان قومه يبطِشون به فيخنِقونه حتى يُغشى عليه، حتى تمادَوا في معصيتهم وعَظُمت منهمُ الخطيئة فلا يأتي قرنٌ إلا كان أخبثَ من الذي كان قبلَه، حتى إنْ كانَ الآخِرُ ليقول: قد كان هذا مع ءابائنا وأجدادنا مجنونًا لا يقبلون منه شيئًا، ولكنَّ اليأس لم يدخل قلبَ نوح بل أخذَ يجاهد في إبلاغ الرسالة ويبسُطُ لهم البراهين، ولم يؤمن به إلا جماعةٌ قليلة استجابوا لدعوته وصدّقوا برسالته. ثم إنَّ الله تعالى أوحى إليه أنه لن يؤمنَ من قومك إلا مَن قد ءامن، فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال: ربِّ لا تذر على الأرضِ مِنَ الكافرينَ دَيَّارًا، فلما شكا إلى الله واستنصره عليهم أوحى الله إليه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ}. فأقبل نوحٌ على عمل السفينة وجعل يُهيئ عَتادَ الفُلك من الخشب والحديد والقار وغيرِها، وجعل قومُه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه وكانوا لا يعرفون الفُلك قبلَ ذلك، ويقولون: يا نوحُ قد صِرتَ نجارًا بعدَ النبوة؟! وأعقم الله أرحام النساء فلا يولدُ لهن. وصنع الفلكَ عليه السلام من خشب الساج وقيل غيرُ ذلك، ويقال إنّ الله أمره أن يجعل طولَه ثمانين ذراعًا وعرضَه خمسين ذراعًا، وطولَه في السماء ثلاثين ذراعًا. وقيل: كان طولُها ألفًا ومائتي ذراع وعرضُها سِتمائة ذراع وقيل غيرُ ذلك والله تعالى أعلم. ويقال إنّ نوحًا جعل الفلك ثلاث طبقات: سفلى ووسطى وعليا، السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، حتى إذا فرَغ منه وقد جعلَ اللهُ التنورَ ءاية، فار التنور فحمل نوحٌ مَنْ أمر الله تعالى بحمله وكانوا ثمانينَ رجلًا، وقيلَ غيرُ ذلك. وكان فيها نوحٌ وثلاثةٌ من بنيه سام وحام ويافِث وأزواجُهم وتخلّفَ عنه ابنُه كنعان وكان كافرًا. ثم إنّ المطر جعل ينزل من السماء كأفواه القُرَبِ، فجعلتِ الوحوشُ يطلبن وسط الأرض هربًا من الماء حتى اجتمعت عند السفينة فحينئذٍ حمل فيها عليه السلام من كلٍّ زوجين اثنين وجعلتِ الفُلكُ تجري بهم في موجٍ كالجبال، والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.