الجمعة أبريل 19, 2024

7 سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام هو أحدُ الأنبياء والرسُل الكرام الذين أخبرَ الله عنهم في القرءان الكريم، وقد ذكرَه الله تعالى في بِضعة مواطنَ من سور القرءان الكريم، وهو ممن يجبُ الإيمانُ والاعتقادُ بنبوته ورسالته على سبيلِ القطعِ والجزم، وقد وصفَه الله تعالى في القرءانِ الكريم بالنبوةِ والصديقية. واختُلف في نسبه وأشهرُ ما قيل هو إدريسُ بنُ يَرْد بنِ مَهلاييل، ويسمى أيضًا أخْنوخ، وينتهي نسبُه عليه السلام إلى نبي الله شيث بنِ ءادم عليهم الصلاة والسلام. وقيل سمي إدريسُ بهذا الاسم لأنّه مشتقٌ من الدراسة، وذلك لكثرةِ درسه الصحفَ التي أُنزلت على سيدنا ءادم وابنِه شيث عليهم الصلاة والسلام. وقيل إنّ إدريس هو أوّلُ من خطَّ بعد ءادم عليه السلام وقطَّعَ الثيابَ وخاطَها، ويُنسبُ إلى هذا النبي الكريم أشياءُ كثيرة مما هي كذبٌ وافتراء. وقد روى ابنُ حبان في صحيحِه من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قال: “يا أبا ذر أربعةٌ سُريانِيون: ءادمُ، وشيثٌ، وأخْنوخُ وهو إدريس وهو أولُ من خطَّ بالقلم، ونوحٌ”. وسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام هو ثالثُ الأنبياء بعدَ ءادم وشيثٍ عليهم السلام، ولقد اختَلف العلماءُ في مولده ونشأته فقال بعضُهم إنّ إدريسَ وُلد ببابلَ مدينةٍ في العراق، وقال ءاخرون إنه وُلد بمصر والصحيح أنه وُلد بالعراق في مدينة بابل. وقد أخذ إدريسُ عليه السلام في أول عمره بعلم شيث بنِ ءادم عليهما السلام ولما كبُر ءاتاه الله النبوةَ والرسالة وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفةٍ كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه ابن حبان، فصار عليه السلام يدعو إلى تطبيق شريعة الله المبنيةِ على دين الإسلام العظيم الذي أساسُه إفراد الله تعالى بالعبادة واعتقادُ أنّه لا أحد يستحقُ العبادة إلا الله، وأنّ الله موجود بلا مكان وهو خالقُ كلِ شيء ومالكُ كل شيء وقادرٌ على كل شيء، وأنّ كل شيء في هذا العالم يحصل بمشيئة الله وإرادته، وأنّ الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا من مخلوقاته ولا يشبهه شىء من خلقه سبحانه. عاش سيدُنا إدريس عليه السلام يُعلمُ الناسَ شريعةَ الإسلام وأحكام دين الله، مع أنّ الناس الذين كانوا في زمانه كانوا مُسلمين مؤمنين يعبدون الله تعالى وحدَه ولا يشركون به شيئًا، واستمرَ الأمرُ على هذه الحال إلى أن ظهرَ إبليسُ اللعينُ للناس في صورةِ إنسان ليفتِنَهم عن دين الإسلام، وأمرهم أن يعملوا صورًا وتماثيل لخمسة من الصالحين كانوا معروفين بين قومهم بالمنزلة والقدْر والصلاح، فأطاعوه وعملوا لهم صورًا وتماثيلا، ثم لما طالت الأيام ظهر لهم مرةً أخرى في وقت كثُر فيه الجهل والفساد في الأرض، وأمرَهم أن يعبدوا هذه التماثيلَ والأصنامَ الخمسة فأطاعوه وعبدوها واتخذوها ءالهةً من دون الله وصاروا كافرين مشركين، وكان ذلك بعد وفاة نبي الله إدريسَ عليه السلام بمدة ولم يكن في ذلك الوقتِ نبي، قال الله تعالى حكاية عن هؤلاء الذين عبدوا هؤلاء التماثيل التي كانت صورًا لخمسةٍ من الصالحين: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}. فسيدُنا إدريسُ عليه الصلاة والسلام عاش تِتِمةَ الألفِ سنة بعدَ سيدِنا ءادم على الإسلام هو ومن اتبَعه ومن كان معه، يدعو المسلمين الذين كانوا في زمانه إلى تطبيق شريعةِ الله وأداء الواجبات واجتنابِ المحرمات، وأخذَ ينهى عن مخالفة شريعةِ الإسلام، فأطاعه بعضُهم وخالفَه البعض، فنوى أن يرحلَ فأمر من معه أن يرحلوا معه عن وطنِهمُ العراق فثَقُلَ على هؤلاء الرحيلُ عن وطنهم، فقالوا له: وأين نجد مثلَ بابل إذا رحلنا؟ وبابل بالسريانية النهر، يعني كأنهم عنوا بذلك دِجلة والفُرات، فقال لهم رسول الله إدريس: إذا هاجرنا لله رُزِقنا غيرَه – أي بلدًا غيرَه- فلما خرج سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه من العراق ساروا إلى أن رأوا النيل ورأوا واديًا خاليًا فوقف سيدُنا إدريس على النيل وأخذ يتفكرُ في عظيم قدرة الله سبحانه ويُسبحُ الله سبحانه وتعالى. أقام سيدُنا إدريس عليه الصلاة والسلام ومن معه في مصرَ يدعو الناس للالتزام بشريعة الله وكانت مُدة إقامتِه في الأرض كما قيل اثنتينِ وثمانينَ سنة ثم رفعه الله إلى السماء ثم توفاهُ على هذه الأرض، وكونُ وفاتِه على الأرض هو الصحيح. ولسيدنا إدريسَ عليه السلام مواعظُ وءادابُ اشتُهر بها بين قومه وأهل ملّته، فقد دعا سيدنا إدريس عليه السلام إلى دين الله وإخلاصِ العبادة له، وإلى الالتزام بالشريعة وإلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعملِ الصالح، وحضَّ إدريسُ عليه السلام على الزهدِ في هذه الدنيا الفانية الزائلة والعملِ بالعدلِ وعدمِ الظلم، وأمرَهم بالصلاة وبيَّنها لهم، وأمرهم بصيام أيام معينة من كل شهر، وأمرهم بزكاة الأموال معونةً للفقراء، وشدّد عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرَّم عليهم الخمرَ والمسكر من كل شيء من المشروبات وشدّد فيه تشديدًا عظيمًا، وقيل جعل لقومه أعيادًا كثيرة في أوقات معروفة، وقيل كان في زمانه اثنانِ وسبعونَ لغة يتكلمُ الناسُ بها وقد علمه الله تعالى لغاتِهم جميعا ليُعلّمَ كل فِرقة من قومه بلغتهم كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}. وقيل إنه علّم قومه العلوم، وإنه أول من استخرج الحكمة وعلمَ النجوم فإنّ الله سبحانه وتعالى أفهمه أسرارَ الفلكِ وتركيبه، وأفهمَه عددَ السنينَ والحساب، وقيل إنّه أولُ من نظر في علمِ الطب، وأولُ من أنذر بالطوفان، وأولُ من رسم لقومه قواعد تمدين المدن. واشتُهر سيدُنا إدريسُ عليه الصلاة والسلام بالحكمة والمواعظ المؤثّرة، فمن حكمه عليه الصلاة والسلام: “الصبر مع الإيمان بالله يورث الظفر” وقد قيل إنَّ هذه الحكمة كانت منقوشةً على فَصِ خاتَمه، ومنها: “إذا دعوتم الله فأخلصوا النية وكذا الصيامَ والصلواتِ فافعلوا” أي أخلصوا النية لله تعالى في الدعاء والصيام والصلوات. ومنها: “تجنبوا المكاسبَ الدنيئة”، ومنها: “من أراد بلوغ العلم والعمل الصالح فليترك مِن يده أداة الجهل وسيّئ العمل”، ومنها: “حياة النفس الحكمة”، ومنها: “لا تحلفوا بالله كاذبين”. وأقام سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام في العراق وفي مصرَ يدعو إلى دين الإسلام، وجاهد في سبيل الله، وصبر في الدعوة إلى الله الصبر الجميل، وتحمل من قومه الكثير وهو يدعوهم إلى الالتزام بالشريعةِ وبطاعة المولى سبحانه وتعالى وعدمِ معصيته. ثم رفعه الله تبارك وتعالى إلى السماء كما قال الله تعالى في حقِ إدريسَ عليه الصلاة والسلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. وقد اختلف المؤرخون في السماء التي رُفع إليها سيدُنا إدريسُ عليه السلام، فقد رُوي عن ابن عباس أنه قال في تفسيرِ الآية: إن الله رفعه إلى السماء السادسة فمات بها، ورُوي عن مجاهد في قولِه تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} قال السماءُ الرابعة، والصوابُ أنه عليه الصلاة والسلام ماتَ على هذه الأرض كما تقدّم. وأمّا أنه لم يزل في السماءِ السادسة فغيرُ معتمد، وذلكَ لقولِ الله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} فأخبرَ الله تعالى أنّ الإنسان خُلق من هذه الأرض وتكونُ نهايته بعد المماتِ إليها ومنها يُبعث يوم القيامة. والله تبارك وتعالى هو العليم الحكيم.