5 لقاء يوسف لأبيه يعقوب عليه السلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن سائر الأولياء والصالحين. أما بعد ففي يومِ عاشوراءَ ردَّ اللهُ سيدَنا يوسفَ على سيدِنا يعقوبَ عليهما السلام: سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ هُوَ ابْنُ نَبِىِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَكَانَ شَدِيدَ الْجَمَالِ. كَانَ وَالِدُهُ يُحِبُّهُ كَثِيرًا لِحُسْنِ خُلُقِهِ فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَتَآمَرُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمْ قَالَ لَهُمْ لا نَقْتُلُهُ بَلْ نَرْمِيهِ فِى جُبٍّ فَرَمَوْهُ فِى الْبِئْرِ ثُمَّ سَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مَرَّتْ بِهِ قَافِلَةُ مُسَافِرِينَ فَانْتَشَلُوهُ مِنَ الْبِئْرِ وَأَخَذُوهُ مَعَهُمْ إِلَى مِصْرَ وَهُنَاكَ بَاعُوهُ لعزيز مصر ووزيرها. وقد ذُكرت قصةُ سيدِنا يوسفَ عليه السلام في سورةِ يوسف مُفصّلة، وفيها بيانٌ لحياتِه ومحنتِه معَ إخوتِه ومحنتِه مع امرأةِ العزيز، ودخولِه السجنَ ودعوتِه فيه إلى الله تعالى، ثم خروجِه من السجنِ وظهور براءته مما نسبته إليه امرأة العزيز زورا وبهتانا وفيها تفسيرُه الرؤيا للملِكِ واستلامُه لخزائنِ أرضِ مصر، ثم مجيءُ إخوتِه إلى مِصرَ بسببِ القحط، وإبقاؤه لأخيهِ بنيامينَ عندَه ثم اجتماعُه بأبيه وإخوتِه ودخولُهم عليه وسجودُهم له على وجهِ التحيةِ والتعظيم وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، إلى غيرِ ذلك من إشاراتٍ دقيقةٍ وعِظاتٍ بالغةٍ يُستفادُ بها من حياةِ هذا النبيِ الكريم. ولما احْتَاجَ إِخْوَتُهُ لِلذَّهَابِ إِلَى مِصْرَ عَرَفَهُمْ وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ وَمَعَ ذَلِكَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ لَمْ يَنْتَقِمْ مِنْهُمْ لَمْ يَقُلْ هَؤُلاءِ كَانُوا تَآمَرُوا عَلَىَّ لِيَقْتُلُونِى ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَرْمُونِى فِى الْبِئْرِ لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ. إِنَّمَا بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُمْ أَنَّهُ هُوَ أَخُوهُمْ يُوسُفُ الَّذِى فَعَلُوا بِهِ تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ قَالَ لَهُمْ قَوْلًا حَسَنًا كَمَا وَرَدَ فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ ﴿قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ مَعْنَاهُ بَعْدَ هَذَا أَنْتُمْ حَسِّنُوا عَمَلَكُمْ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِى فَعَلْتُمُوهَا وَأَنَا لا أُؤْذِيكُمْ. وبعد أن عرّفَ يوسفُ عليه السلامُ إخوتَهُ بنفسِه سألهم عن حالِ أبيه الذي طالَ الفِراقُ بينَهما واشتدَّ بهِ الشوقُ والحنينُ للقائِه فقالوا له: قد هَزُلَ جِسمُه ولانَ عظمُه وذهبَ بصرُه من شدةِ البكاءِ والحزن فأخذت يوسفَ عليه السلام الشفقةُ والرحمةُ على أبيه يعقوب، ثم أعطاهم قميصَه وهو الذي يلي جَسدَه الشريف، وأمرَهم أن يذهبوا به فيَضعوهُ على عيني أبيه فإنّه يرجِعُ إليه بصرُه ويعودُ بصيرًا كما كان سابقًا وهذا من خَوارِقِ العادات ودلائِلِ النبوة، ثم أمرَهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين إلى ديارِ مِصرَ الخَيِّرة. فلمّا ارتَحَلَ يعقوبُ عليه السلام هو وأولادُه وجميعُ أهلِه من بلادِ الشامِ في فلسطين ودنا من بلادِ مصر للقاءِ يوسفَ الصدّيق ملكِ مصر، استقبلَه يوسفُ فخرجَ عليه السلام في أربعة ءالافٍ من الجُند وخرجَ معَهم أهلُ مصر، ورحَّبَ بأهلِه جميعًا وقال لهم: ادخلوا مصرَ واستوطنوا ءامنين مُطمئنين، ورفَعَ يوسفُ عليه السلامُ أبويهِ على العرشِ أي أجلسَهُما معه على سريرِ المملكة، ثم خَرّ له أبوه وأمُه وإخوتُه الأحدَ عشَر وسجدوا له سجودَ تحيةٍ واحترام لا سجودَ عبادةٍ وكان هذا السجود للتحيّة جائزًا لهم في شريعتِهم، ولم يزل ذلك معمولًا به في سائرِ شرائِع الأنبياء حتى حرّم الله ذلكَ في شريعةِ نبيِنا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال نبيُ الله يوسفُ عليه السلام لأبيه يعقوب: يا أبتِ هذا تأويلُ رُؤيايَ من قَبل، أي إنَّ هذا السجودَ الذي سجدتَه أنت وأمي وإخوتي لي هو تصديقُ وتعبيرُ الرؤيا التي كنتُ رأيتُها من قبل، وقيل: إنّ المدةَ التي كانت بين رؤيا يوسفَ عليه السلام وبينَ تأويلِها وتحقيقِها أربعونَ سنة، والحمد لله الذي ردَّ سيدَنا يوسفَ على سيدِنا يعقوبَ في عاشوراء والله تعالى أعلم وأحكم. نتوقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة القادمة من سلسلة عاشوراء في الإسلام عن شفاء سيدنا أيوب عليه السلام ورفع البلاء عنه في العاشر من المحرّم فتابعونا وإلى اللقاء.