الجمعة أبريل 19, 2024

4 نجاة سيدنا إبراهيم من نار النمرود

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن سائر الأولياء والصالحين. أما بعد ففي يومِ عاشوراءَ أنقذَ اللهُ تعالى سيدَنا إبراهيمَ عليه السلام من نار النُّمرود: لَمَّا أُوحِىَ إِلى سيدنا إبراهيم بِرِسَالَةِ الإِسْلامِ دَعَا قَوْمَهُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتْرُكُوا الأَصْنَامَ الَّتِى كَانُوا يَتَفَنَّنُونَ بِنَحْتِهَا وَتَزْيِينِهَا وَيَذْبَحُونَ لَهَا الذَّبَائِحَ عَلَى زَعْمِهِمْ تَقَرُّبًا إِلَيْهَا فَلَمْ يُطِعْهُ الْكَثِيرُونَ بَلِ ازْدَادَ تَكَبُّرُهُمْ وَتَجَبُّرُهُمْ وَعَلَى رَأْسِهِمْ مَلِكُهُمْ نُمْرُودُ.     وَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُمْ مَا زَالُوا مُتَعَلِّقِينَ بِعِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَقَبَّلُوا الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ الْجَلِيَّةَ الَّتِى جَاءَ بِهَا قَرَّرَ أَنْ يَفْعَلَ بِأَصْنَامِهِمْ فِعْلًا يُقِيمُ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يُفِيقُونَ مِنْ غَفْلَتِهِمُ الْعَمِيقَةِ.    وَكَانَ مِنْ عَادَةِ قَوْمِهِ أَنْ يُقِيمُوا لَهُمْ عِيدًا فَلَّمَا حَلَّ عَلَيْهِمْ عِيدُهُمْ خَرَجُوا لِيَحْتَفِلُوا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فِى الْبَسَاتِينِ وَالْحَدَائِقِ.    فَدَخَلَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى بَيْتِ الأَصْنَامِ الَّذِى كَانَ قَوْمُهُ يَعْبُدُونَهَا فِيهِ فَإِذَا فِى صَدْرِ الْبَيْتِ صَنَمٌ كَبِيرٌ وَعَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ أَصْنَامٌ صَغِيرَةٌ فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأْسًا وَأَخَذَ يَهْوِى بِهِ عَلَى الأَصْنَامِ الصَّغِيرَةِ يُكَسِّرُهَا وَيُحَطِّمُهَا ثُمَّ عَلَّقَ الْفَأْسَ فِى عُنُقِ الصَّنَمِ الْكَبِيرِ حَتَّى إِذَا رَجَعَ قَوْمُهُ يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الأَصْنَامَ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا ضُرًّا فَكَيْفَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ الْقَوِىِّ الْقَهَّارِ.    عَادَ قَوْمُهُ فَعَرَفُوا أَنَّهُ هُوَ مَنْ حَطَّمَ أَصْنَامَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لِشِدَّةِ جَهْلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ لَمْ يَفْهَمُوا مَا قَصَدَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَاغْتَاظُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِمُوا مِنْهُ فَاخْتَارُوا نَوْعًا مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَهُوَ الإِحْرَاقُ بِالنَّارِ.   صَارَ الْكُفَّارُ يَجْمَعُونَ الْحَطَبَ مِنْ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الأَمَاكِنِ وَأَتَوْا بِهَذَا الْحَطَبِ الْكَثِيرِ وَرَمَوْهُ فِى حُفْرَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَضْرَمُوا فِيهَا النَّارَ فتَأَجَّجَتْ وَالْتَهَبَتْ وَعَلا لَهَا شَرَرٌ عَظِيمٌ وَصَوْتٌ مُخِيفٌ لَمْ يُرَ وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.    وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ اشْتِعَالِهَا أَنَّهَا تُحْرِقُ الطَّائِرَ الَّذِى يَمُرُّ فَوْقَهَا وَكَانَ الْكُفَّارُ لا يَسْتَطِيعُونَ لِقُوَّةِ اللَّهَبِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا مِنَ النَّارِ فَكَيْفَ سَيَرْمُونَ إِلَيْهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.    أَتَى إِبْلِيسُ اللَّعِينُ مُتَشَكِّلًا وَعَلَّمَهُمْ صُنْعَ الْمِنْجَنِيقِ الَّذِى لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ مِنْ قَبْلُ وَقِيلَ إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ اسْمُهُ هِيزَنْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ ثُمَّ أَخَذَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ يُقَيِّدُونَهُ وَيُكَتِّفُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ «لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لا شَرِيكَ لَكَ» فَلَمَّا أُلْقِىَ فِى النَّارِ قَالَ بِلِسَانِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل».    وَأَعْطَى اللَّهُ نَبِيَّهُ الْكَرِيمَ مُعْجِزَةً بَاهِرَةً فَلَمْ تُحْرِقْهُ النَّارُ وَلَمْ تُصِبْهُ بِأَذًى وَلا حَتَّى ثِيَابَهُ وَإِنَّمَا أَحْرَقَتْ وِثَاقَهُ الَّذِى رَبَطُوهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْراهِيمَ﴾ وَكَانَ النَّاسُ يَقِفُونَ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ يَنْظُرُونَ هَذَا الْمَنْظَرَ الْهَائِلَ الْمُخِيفَ. ولما خبا سعيرُ هذه النارِ العظيمةِ وانقَشعَ دُخانُها بعد عدة أيام وجدوا إبراهيمَ سليمًا مُعافى لم يُصبه أيُ أذى فتَعجبوا لأمره ونجاته، وكانت نجاته عليه السلام في عاشوراء أي في اليوم العاشر من محرّم من تلك السنة.  والله تعالى أعلم وأحكم نتوقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة القادمة من سلسلة عاشوراء في الإسلام عن لقاء سيدنا يوسف لأبيه يعقوب عليه السلام بعد غياب استمر نحوَ أربعين سنة حيث اجتمع شملهم في العاشر من المحرّم فتابعونا وإلى اللقاء.