الجمعة مارس 29, 2024

12 1-2 سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام

الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. ذُكر اسمُ صالح عليه الصلاة والسلام في القرءان تسعَ مرات. وقد أرسل الله تعالى نبيَه صالحًا إلى قبيلة ثمود، وَهم من العرب الذين كانوا يسكنون الحِجر الذي هو بين الحجازِ والأُردُن، وما زالت ءاثارهم باقيةً هناك تُعرف باسم “مَدَائنِ صالح”. وقد أسبغَ الله عليهم من نعمه الكثيرة كما أسبغَ على قبيلة عاد من قبلهم، ولكنّهم لم يكونوا أحسنَ حالًا من أسلافهم ولم يتعظوا بما حلّ بِعاد، ولم يشكروا الله تعالى بعبادته واتّباع نبيه وتصديقه، بل أشركوا به وعبَدوا الأصنام من دون الله وانفَتنوا بالنعيم وسعة العَيش الذي كانوا فيه. فكان سيدنا صَالِحٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَيُبَشِّرُهُمْ وَيُنْذِرُهُمْ، لكنّهم قابلوه بالإيذاء واتهموه بأنّه مسحور لا يدري ما يقول في دعائه لهم إلى إفراد العبادة لله تبارك وتعالى وحده، وهذا غايةٌ في تكبرهم عن اتّباع الحق واتّباع دعوة نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام. خاف المستكبرون من قومه أن يكثر أتباع صالح وأن ينصرفوا عنهم إليه، وفي ذلك ذَهابٌ لسلطانهم وتفتيتٌ لقوتهم، فأرادوا أن يُظهروا للناس أنه عاجز غير صادق في دعواه وهذا من خبث نفوسهم وظلام قلوبهم عن اتّباع الحق، فطلبوا منه عليه السلام معجزة تكون دليلًا على صدقه وقالوا له أخرج لنا من هذه الصخرة – وأشاروا إلى صخرة كانت هناك- ناقةً ومعها ولدها وصفتها كيتَ وكيت وذكروا لها أوصافًا، وقالوا له إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة ومعها ابنُها ءامنَّا بك وصدّقناك، فأخذ سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام عليهم عهودَهم ومواثيقَهم على ذلك، وقام وصلى لله تبارك وتعالى ثم دعا ربَّه عزّ وجلّ أن يعينه ويجيبه إلى ما طلب قومُه فاستجاب الله دعوتَه فأخرج لهم سيدُنا صالح عليه السلام بقدرة الله تعالى ناقةً ومعها ولدُها من الصخرة الصمّاء. فلمّا رأى قومه هذا الأمر الخارقَ للعادة الذي فيه الدليلُ القاطع والبرهانُ الساطع على صدق سيدنا صالح عليه السلام ءامنَ قسمٌ منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وضلالهم. وأمرهم سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام أن يتركوها تأكلُ في أرض الله تعالى وحذرهم أن يتعرضوا لها بالقتل أو الأذى، وأخبرهم أنهم إن هم تعرضوا لها بالسوء يأخذهم عذابٌ وهلاكٌ عظيم. ثم مكثت ناقة صالح عليه الصلاة والسلام في قبيلة ثمود زمانًا تأكل من الأرض، وتردُ الماء للشرب يومًا وتمتنع منه يومًا، مما استمال كثيرًا من قومه عليه السلام إذ استبانوا بها على صدقِ رسالة نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام وأيقنوا بذلك، مما أفزع ذلك المستكبرين من قومه وخافوا على سلطانهم أن يزول فاتفقوا على أن يعقروها ليستريحوا منها. وقيل إنهم ظَلُّوا مترددين في تنفيذ ما اتفقوا عليه إلى أن قامت فيهم امرأتان خبيثتان إحداهما كانت ذاتَ حسَبٍ ومال فعرضت نفسها على رجل إن هو عَقر الناقة وذبحها، وكانت الثانية عجوزًا كافرة لها أربع بنات فعرضت على رجل شقي خبيث أيَّ بناتها يختار إن هو عقر الناقة، فقبِل هذان الشابان وسعيا في قومهم لأجل هذا الغرض الخبيث فاستجاب لهم سبعة ءاخرون فصاروا تسعة، فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما وجدوها رماها أحدُهم بسهم، وجاءت النساء يشجعن في قتلها فأسرع أشقاهم فشدّ عليها بسيفه وكشف عن عُرْقُوبها فخرَّتْ ساقطة على الأرض ميْتةً بعد أن طعنها في لبَّتها فنحَرَها، وأما فصيلها فصعد جبلًا منيعًا ثم دخل صخرة وغاب فيها. نقف هنا الآن ونتابع كلامنا عن قصة سيدنا صالح عليه السلام في حلقة لاحقة، والتي نذكر فيها كيف تآمر قوم صالح واتفقوا على قتله عليه السلام و كيف أنزل الله العذاب عليهم.