10 ملك سيدنا سليمان عليه السلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن سائر الأولياء والصالحين. أما بعد ففي يوم عاشوراء أعطى الله الملك لسيدنا سليمان بن سيدنا داود عليهما السلام وهو أحدُ أنبياءِ بني إسرائيل، وقد رزقهُ الله تعالى النبوةَ والملْك وأعطاهُ مُلكًا لا ينبغي لأحَدٍ من بعدِه فكان مُلكُهُ واسعًا وسُلطانُهُ عظيمًا. أكرمَ الله تعالى عبدَه ونبيَه سليمانَ عليه السلام بنِعمٍ كثيرةٍ وخَصَّهُ بِمزايا رائعةٍ كانت عُنْوانًا للعَظَمَةِ والمجدِ ومَظهَرًا مِن مَظاهِرِ الْمُلْكِ العَظيمِ والجاهِ الكبيرِ والدَرَجةِ العاليةِ عندَ اللهِ سبحانه، فقَد فضّلَه الله تعالى بالنُبوةِ والكِتابِ وتَسخيرِ الشياطينِ والجنِ والإنسِ، وأعطاهُ الله عزّ وجلّ علمًا بالقَضاءِ. وقد علَّمَهُ الله تعالى مَنطِقَ الطيرِ ولُغتَهُ وسائرَ لغاتِ الحيواناتِ فكانَ يفهمُ عنها ما لا يفهمُهُ سائرُ الناس، وكان يَتحدثُ معها أحيانًا كما كانَ الأمرُ مع الهدهدِ والنملِ، وقد سَخّرَ الله تبارك وتعالى لنبيِه سليمانَ عليه السلامُ الريحَ فكانت تَنقُلُهُ إلى أيِ أطرافِ الدنيا شاء. وكانت الريحُ تقطعُ به أولَ النهارِ مسيرةَ شهرٍ، وبعدَ الظهرِ مسيرةَ شهر. ويقالُ إنهُ كانَ لنبيِ اللهِ سليمانَ عليهِ السلام بِساطٌ مُركَّبٌ مِن أخشابٍ بحيثُ أنّه يسعُ جميعَ ما يحتاجُ إليه من الدُّورِ المبنيةِ والقصورِ والخيامِ والأمتعةِ والخيولِ والجِمالِ والأثقالِ والرِحالِ وغيرِ ذلكَ منَ الحيواناتِ والطيورِ، فإذا أرادَ عليه السلام سَفرًا أو قِتالَ أعداءٍ من أيِّ بلادِ اللهِ شاء، حملَ هذه الأشياءَ كلَها على هذا البساطِ وأمرَ الريحَ فدخلَت تحتَه فرفَعته وسارت به مُسرعَةً بإذنِ الله إلى أيِ مكانٍ شاءَ بِمشيئةِ اللهِ تعالى وقُدرتِه. ومِن نِعمِ اللهِ تبارك وتعالى على سليمانَ عليه السلام أنْ سَخَّرَ له الجنَّ ومَردةَ الشياطينِ يغُوصونَ له في البحارِ لاستِخراجِ الجواهِرِ واللآلئ ويَعملونَ له الأعمالَ الصعبةَ التي يَعجَزُ عنها البَشر، كبناءِ الصُروحِ الضخمةِ والقُصورِ العاليةِ. وقد جَعلَ الله تعالى لنبيِه سليمانَ عليه السلام سُلطةً عاليةً على جميعِ الشياطينِ من الجنِ يُسَخِّرُ من يشاءُ منهم في الأعمالِ الشاقة، ويُقَيِّدُ من يشاء في الأغلالِ ليَكُفَّ شرَهم عنِ الناس. ومِن نِعَمِ الله تعالى على سليمانَ عليهِ السلام أن أسالَ لهُ عينَ القِطرِ وهو النُحاسُ الْمُذاب، فكانَ النُحاسُ يَتدفّقُ رَقراقًا مُذابًا لسليمانَ عليه السلام كتَدَفُقِ الماءِ العذب، فيَصنعُ منه سليمانُ عليه السلام ما يشاءُ من غيرِ نارٍ وكانت تلكَ العينُ في بلادِ اليمن. ومن نِعَمِ الله على سليمانَ أنه كانَ يوجَدُ في مجلسِ حُكمِه سِتُمِائةِ ألفِ كرسي ثلاثمائةِ ألفٍ عن يَمينِه لكُبراءِ الإنسِ وثلاثُمائَةِ ألفٍ عن يسارِه لِكُبَراءِ الجن. ومِن نِعمِ الله تعالى على سليمانَ عليه السلام أنَّ جُنْدَهُ كانَ مؤلفًا من الجنِ والإنسِ والطيرِ، وكانَ سليمانُ عليه السلام قد نظّمَ لهم أعمالَهم ورتَبَ لهم شئونَهم، فكانَ إذا خَرجَ خَرجوا معَه في موكبٍ حافِلٍ مَهيب يُحيطُ بهِ الجندُ والخدمُ من كلِ جانب، فالإنسُ والجنُ يسيرونَ معه سامعينَ مطيعينَ خاضعينَ، والطيرُ بأنواعِها تظِلُهُ بأجنحتِها من الحرِ وغيرِه، وعلى كلٍ من هذهِ الجيوشِ نُقَبَاءُ ورؤساءُ يُديرونَ ويُنظِّمونَ الفِرَقَ في عرْضٍ رائعٍ وموكبٍ مَلِكيٍ حافلٍ لم ترَ العينُ مثلَه، وهذا كلُّه من فضلِ الله تعالى على عبدِهِ ونبيِه سليمانَ عليهِ السلام الذي كان زاهدا في الدنيا يأكل خبز الشعير على الرغم من سعة ملكه وعظم ما بين يديه من الأموال . وكان كل يوم يذبح مائة ألف رأس غنم وثلاثين ألف رأس بقر ويطعمها للناس وهو يأكل خبز الشعير ويأتدم باللبن الحامض ويطعم الناس نقي القمح. وإنما كان يستغل ما أكرمه الله به لنشر الإسلام وإظهار هيبة هذا الدين العظيم . والله تعالى أعلم وأحكم نتوقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة القادمة من سلسلة عاشوراء في الإسلام عن الفاجعةِ التي ألـمّتْ بالمسلمين بمقتلِ أبي عبدِ الله الحسينِ بنِ عليٍ حفيدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ابنِ بِـنْتِهِ فاطمةَ رضي الله عنهما في العاشر من المحرّم فتابعونا وإلى اللقاء.