الخميس نوفمبر 21, 2024

مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ:

الحمدُ للهِ الذي تُسْبِّحُهُ البِحَارُ الطَّوافِحُ([1])، والسُّحُبُ السَّوَافِحُ([2])، والأبصارُ اللَّوامِحُ([3])، والأفكارُ والقَرائِحُ([4])، العزيزِ في سلطانِهِ، الكريمِ في امتنانِهِ، ساترِ المذنبِ في عِصْيانِهِ، رازقِ الصَّالحِ والطَّالِحِ([5])، تَنَزَّهَ عن مِثْلٍ وشبيهٍ، وتَقَدَّسَ عن نَقْصٍ يَعْتَريهِ، يعلَمُ خافيةَ الصَّدْرِ ومَا فيهِ مِنْ سِرٍّ أضمرتْهُ الجَوَانِحُ([6])، مُتعالٍ عن الحدودِ والأضدادِ، والندِّ والأولادِ، وعَن مُشابَهَةِ الأجسادِ، متكلِّمٍ فكلامُهُ بلا أَدواتٍ ولا جوارِحَ، أَنزلَ القَطْرَ بقدرتِهِ، وصَبَغَ لونَ النباتِ بحِكْمَتِهِ، وخالَفَ بين الطُّعومِ بمشيئَتِهِ، وأرسَلَ الرياحَ لَوَاقِحَ([7])، موصوفٍ بالسمعِ والبصرِ، يُرى في الآخِرةِ لا كما يُرى البشرُ، من شَبَّهَهُ أو كيَّفَهُ فقد كفرَ، هذا مذهبُ أهلِ السنةِ والأثَرِ، ودليلُهم جليٌّ واضحٌ، أحمدُه تعالى على تسهيلِ المصالِحِ، وأشكرُه على سَتْرِ القبائِحِ، وأُصلِّي وأُسلِّم على رسولِهِ محمَّدٍ أفضلِ غادٍ وخيرِ رائِحٍ([8])، وعلى ءالِهِ وصحبِه الذين استَقَوا من عِلْمِ النبيِّ البحرِ الخِضَمِّ([9]) الطَّافِحِ([10]).

أما بعدُ: قالَ اللهُ تعالى في مُحكَمِ التَّنزيلِ: ﱡﭐ                ﱭﱮ       ([11])، وقالَ رسولُ اللهِ : ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) ([12]).

فدعاءُ اللهِ بأسمائِهِ الحُسنَى مِنْ أَعظَمِ أسبابِ إجابةِ الدعاءِ، وكانَ النبيُّ يسألُ اللهَ بأسمائِه الحُسنى، فهيَ مِنْ أسبابِ تفريجِ الكروبِ وزوالِ الهمومِ، فَعَنِ ابنِ مسعودٍ t عنْ رسولِ اللهِ أنَّهُ قالَ: ((مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْءانَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا))([13])، فرأيتُ أن أعمَلَ شرحًا أجمَعُ فيه نُبَذًا مما وَرَدَ في معاني الأسماءِ الحُسْنى معَ ذِكْرِ ما وردَ عندَ بعضِ الفقهاءِ من خواصِّها حاثَّا المسلمينَ أن يَشغلوا أوقاتَهم بمعرفَتِها واعتقادِها وحفظِها واستظهارِ ما جَاءَ فيها مِنْ مَعانٍ ساميةٍ، واللهَ العظيمَ أسألُ وبنيِّنَا محمَّدٍ ﷺ أتوسلُ أن يجعلَهُ خالصًا لوجهِهِ الكريمِ وينفَعَ به المسلمينَ، إنَّهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.

                                                   المؤلفُ: د. وليد سعيد السمامعة



([1]) قال ابن منظور: مفردها طافح، والطافح الممتلئ المرتفع.اهـ لسان العرب لابن منظور باب الطاء.

([2]) قال الفيروزأباديُّ: والدَّمْع: أرْسَلَهُ سَفْحًا وسُفوحًا، والدَّمْعُ سَفْحًا وسُفوحًا وسَفَحانًا: انْصَبَّ، وهو سافِحٌ، والجمع: سَوافِحُ.اهـ القاموس المحيط للفيروزأبادي باب الحاء فصل السين.

([3]) قال الرازي: لَمَحَهُ أبصره بنظر خفيف.اهـ  مختار الصحاح للرازي باب اللام.

([4]) قال ابن منظور: وقَرِيحةُ الإِنسانِ: طَبِـيعَتُه التـي جُبِلَ علـيها، وجمعها قَرائح.اهـ  لسان العرب باب القاف.

([5]) قال الزبيدي: وقال بعضهم: رجلٌ طالِحٌ: أَي فاسدٌ لا خَيْرَ فيه.اهـ تاج العروس للزبيدي باب الحاء المهملة فصل الطاء مع الحاء.

([6]) قال الفيروزأباديُّ: الجَوانِحُ : الضُّلوعُ تَحْتَ التَّرائِب مما يَلي الصَّدْرَ.اهـ القاموس المحيط باب الحاء فصل الجيم.

([7]) قال ابن منظور: واللَّواقِحُ من الرياح: التـي تَـحْمِلُ النَّدَى ثم تَمُـجُّه فـي السحاب، فإِذا اجتمع فـي السحاب صار مطرًا.اهـ لسان العرب باب اللام .

([8]) قال ابن منظور: راح فلان يروح رواحًا مِنْ سَيْرِهِ بالعشيِّ.اهـ  لسان العرب لابن منظور باب الراء.

([9]) قال ابن منظور: والـخِضَمُّ: البحر لكثرة مائه وخيره، وبحر خِضَمٌّ.اهـ لسان العرب لابن منظور باب الخاء.

([10]) قال الرازي: طَفَحَ الإناء امتلأ حتى يفيض.اهـ مختار الصحاح للرازي باب الطاء.

([11]) سورة الأعراف / 180.

([12]) صحيح البخاري كتاب الشروط باب ما يجوزُ منَ الاشتراطِ والثُّنيا في الإقرارِ. صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب في أسماء الله وفضل من أحصاها.

([13]) صحيح ابن حبان كتاب الأدعية باب ذكر الأمرِ لِمَنْ أصابه حُزْنٌ أَن يسألَ اللهَ ذهابَه عنه وإبداله إِيَّاه فَرَحًا.