الخميس نوفمبر 21, 2024

مَعَاصِي الأُذُنِ

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) وَمِنْ مَعَاصِي الأُذُنِ الِاسْتِمَاعُ إِلَى كَلامِ قَوْمٍ أَخْفَوْهُ عَنْهُ.

   الشَّرْحُ هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَعَاصِي الأُذُنِ، فَمِنْهَا الِاسْتِمَاعُ إِلَى كَلامِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَ اطِّلاعَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَذَلِكَ لِمَّا صَحَّ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ] وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ التَّجَسُّسِ الْمُحَرَّمِ، وَالآنُكُ – بِمَدِّ الأَلِفِ وَضَمِّ النُّونِ – الرَّصَاصُ الْمُذَابُ.

   وَمِثْلُ ذَلِكَ اسْتِخْبَارُ جِيرَانِهِ عَمَّا عِنْدَهُمْ لِيَعْلَمَ مَا يَجْرِي فِي دَارِ جَارِهِ مِمَّا يَتَأَذَّى مِنَ اطِّلاعِهِ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِأَنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَانَ لَهُ الْهُجُومُ عَلَيْهِمْ بِلا اسْتِئْذَانٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِلَى الْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَهُوَ ءَالَةٌ تُشْبِهُ الْعُودَ، وَسَائِرِ الأَصْوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ. وَكَالِاسْتِمَاعِ إِلَى الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلافِ مَا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ السَّمَاعُ قَهْرًا وَكَرِهَهُ، وَلَزِمَهُ الإِنْكَارُ إِنْ قَدَرَ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الأُذُنِ الِاسْتِمَاعَ إِلَى الْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ ءَالَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ ءَالاتِ اللَّهْوِ الْمُطْرِبَةِ بِمُفْرَدِهَا وَلَهَا أَوْتَارٌ وَمَا فِيهِ مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ ءَالاتِ الأَوْتَارِ، وَالإِطْرَابُ مَعْنَاهُ إِحْدَاثُ خِفَّةٍ فِي الرُّوحِ فَالآلاتُ الَّتِي تُحْدِثُ ذَلِكَ يَحْرُمُ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهَا. أَمَّا الصَّنْجُ وَهِيَ قِطْعَتَانِ مِنْ نُحَاسٍ تُضْرَبُ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى فَلَيْسَتْ مِنْ ءَالاتِ اللَّهْوِ الْمُطْرِبَةِ بِمُفْرَدِهَا، وَقَدْ مَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِلَى عَدَمِ حُرْمَتِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ قَطَعُوا بِحُرْمَتِهَا، وَمِثْلُ الْمِزْمَارِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ سَائِرُ الآلاتِ الْمُطْرِبَةِ بِمُفْرَدِهَا وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أُنَاسٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [فِي صَحِيحِهِ] وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الِاسْتِمَاعِ إِلَى ءَالاتِ اللَّهْوِ الْمُطْرِبَةِ. وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِاسْتِمَاعِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ لا السَّمَاعُ بِلا قَصْدٍ، وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيْمِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ أَنَّ اللَّذَّةَ الْحَاصِلَةَ مِنْهَا تَدْعُو إِلَى فَسَادٍ وَكَوْنُهَا شِعَارَ أَهْلِ الْفِسْقِ أَيْ مِنْ عَادَاتِهِمْ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ عَنْهُمُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي ارْتِفَاعِ الإِثْمِ فِي السَّمَاعِ إِذَا كَانَ بِلا قَصْدٍ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ.

   وَيُشْتَرَطُ لِلسَّلامَةِ مِنَ الإِثْمِ الإِنْكَارُ لِمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ لِسَانِهِ إِنْ قَدَرَ، وَإِلاَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ بِقَلْبِهِ وَمُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ إِنْ كَانَ جَالِسًا فِيهِ.