الجمعة مارس 29, 2024

مَعَاصِي الْفَرْجِ

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) وَمِنْ مَعَاصِي الْفَرْجِ الزِّنَى وَهُوَ إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ، وَاللِّوَاطُ وَهُوَ إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ فِي الدُّبُرِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْفَرْجِ الزِّنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء/32] وَأَشَدُّ الزِّنَى الزِّنَى بِالْمَحَارِمِ كَالأُمِّ وَالأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهِنَّ، وَالزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ أَيْ زَوْجَةِ الْجَارِ. وَالزِّنَى عِنْدَ الإِطْلاقِ إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَيْ رَأْسِ الذَّكَرِ – أَيِ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَتِرًا بِالْجِلْدَةِ ثُمَّ يَظْهَرُ بِالْخِتَانِ- فِي الْفَرْجِ، فَإِدْخَالُ الْحَشَفَةِ كَإِدْخَالِ كُلِّ الذَّكَرِ، فَهَذَا الزِّنَى الَّذِي يُعَدُّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَيَتَرَتَّبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فَلا يَتَرَتَّبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ مُصَافَحَةُ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ حَرَامًا فَبِالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَسُّهَا بِشَىْءٍ مِنَ الذَّكَرِ حَرَامًا. وَلا يُسَمَّى مُجَرَّدُ الْمَسِّ زِنًى حَقِيقِيًا إِنَّمَا يُسَمَّى مُبَاشَرَةً وَهُوَ مِنَ اللَّمَمِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ ﴿إِلاَّ اللَّمَمَ﴾ [سُورَةَ النَّجْم/32] وَفِيهِ وَفِي الْقُبْلَةِ وَالنَّظْرَةِ [أَيِ الْمُحَرَّمَةِ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [سُورَةَ النَّجْم/32] مَعْنَاهُ إِنِ اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ تُغْفَرُ هَذِهِ الأَشْيَاءُ الَّتِي تُسَمَّى اللَّمَمَ. وَفِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلُّ الصَّغَائِرِ. وَلا يُسَمَّى مُرْتَكِبُ الصَّغِيرَةِ فَاسِقًا إِلَّا إِذَا زَادَتْ صَغَائِرُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ.

   وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ [فِي صَحِيحِهِ] أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَشَدُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» أَيْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ أَيٌّ قَالَ «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ الْفَقْرِ» قِيلَ: ثُمَّ أَيٌّ، قَالَ «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الزِّنَى فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ. هَذَا الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي أَسَانِيدُهَا قَوِيَّةٌ، أَمَّا حَدِيثُ: «دِرْهَمُ رِبًا أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً» فَلا يُقَاوِمُ هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنْ صَحَّحَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ [كَالْحَافِظِ السُّيُوطِيِّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ] لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ إِسْنَادًا فَالَّذِينَ صَحَّحُوا هَذَا الْحَدِيثَ غَفَلُوا غَفْلَةً كَبِيرَةً بَلْ قَوْلُهُمْ هَذَا يُجَرِّئُ النَّاسَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الزِّنَى لِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا.

   وَأَمَّا اللِّوَاطُ فَهُوَ إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ فِي الدُّبُرِ أَيْ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ أَوْ دُبُرِ ذَكَرٍ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا»، وَأَمَّا إِدْخَالُ الذَّكَرِ فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ إِلَى حَدِّ اللِّوَاطِ بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ، فَلا حَدَّ فِي جِمَاعِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا وَيُعَزِّرُهُ الْحَاكِمُ إِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلا يُعَزِّرُهُ لِلْمَرَّةِ الأُولَى، وَلا يَكُونُ مُوجِبًا لِلطَّلاقِ كَمَا شَاعَ عِنْدَ الْجُهَّالِ، وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ [فِي مُسْنَدِهِ] وَغَيْرُهُ «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا». وَمَعْنَى لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ لا يُكْرِمُهُ بَلْ يُهِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوِ اسْتَمْتَعَ بِمَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِدْخَالٍ لَمْ يَحْرُمْ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُحَدُّ الْحُرُّ الْمُحْصَنُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِالرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ الْمُعْتَدِلَةِ حَتَّى يَمُوتَ وَغَيْرُهُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبِ سَنَةٍ لِلْحُرِّ وَيُنَصَّفُ ذَلِكَ لِلرَّقِيقِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الزِّنَى وَاللِّوَاطِ الْحَدُّ وَتَجِبُ إِقَامَتُهُ عَلَى الإِمَامِ الْخَلِيفَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ، وَيَخْتَلِفُ الْحَدُّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ. وَالْمُحْصَنُ هُوَ الَّذِي وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَكَانَ مُكَلَّفًا وَلَوْ سَكْرَانَ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَيُحَدُّ إِذَا زَنَى بِالرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ الْمُعْتَدِلَةِ وَنَحْوِهَا حَتَّى يَمُوتَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ رَجُلًا يُسَمَّى مَاعِزًا وَالْمَرْأَةَ الْغَامِدِيَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ]. وَلَيْسَ وَاجِبًا كَوْنُ الْحِجَارَةِ مُعْتَدِلَةً لَكِنَّ ذَلِكَ نَدْبٌ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِلْءَ الْكَفِّ لَكِنْ يَحْرُمُ رَجْمُهُ بِالْمُذَفِّفِ أَيِ الْمُسْرِعِ لإِزْهَاقِ الرُّوحِ.

   وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْصَنِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَطَأْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَيَكُونُ حَدُّهُ جَلْدَ مِائَةٍ (بِالسَّوْطِ الْمُعْتَدِلِ) أَيْ لَيْسَ قَاسِيًا جِدًّا وَلا هُوَ لَيِّنٌ جِدًّا، وَتَغْرِيبَ سَنَةٍ هِلالِيَّةٍ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَحَلِّ الزِّنَى فَمَا فَوْقَهَا مِمَّا يَرَاهُ الإِمَامُ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَأَنْ لا يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يُغَرَّبُ إِلَيْهِ طَاعُونٌ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الدُّخُولُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّاعُونُ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَتْ.

   وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَدِّ اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ فَقِيلَ: حَدُّ الْفَاعِلِ حَدُّ الزِّنَى وَأَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ فَحَدُّهُ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَهَذَا حَدُّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَأَمَّا الرَّقِيقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَحَدُّهُ نِصْفُ ذَلِكَ فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ جَلْدَةً وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ وَمَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» فَلا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.

   وَلا يَثْبُتُ الزِّنَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ مُفَصَّلَةٍ، وَبَيِّنَةُ الزِّنَى أَرْبَعَةٌ مِنَ الرِّجَالِ الْعُدُولِ فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ فُلانَةَ زَانِيًا بِهَا، أَوْ زَنَى فُلانٌ بِفُلانَةَ بِإِدْخَالِ حَشَفَتِهِ فِي فَرْجِهَا وَإِنْ زَادَ كَمَا يَدْخُلُ الْمِرْوَدُ فِي الْمِكْحَلَةِ وَالرِّشَاءُ أَيِ الْحَبْلُ فِي الْبِئْرِ كَانَ أَحْسَنَ، أَوْ بِإِقْرَارِ الشَّخْصِ الْحَقِيقِيِّ الْمُفَصَّلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الزِّنَى يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يُرَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ تَحْتَ لِحَافٍ وَاحِدٍ أَوْ أَنْ يُرَى رَاكِبًا لَهَا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّلاصُقِ مَعَ الْعُرْيِ زِنًى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ.

   فَائِدَةٌ يَنْبَغِي لِمَنِ ابْتَلاهُ اللَّهُ بِالْمَعَاصِي أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنِ ابْتُلِيَ بِشَىْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى].

   وَقَدْ حَصَلَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةً ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَاعْتَرَفَتْ بِأَنَّهَا زَنَتْ وَكَانَتْ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى وَكَانَتْ مُحْصَنَةً فَقَالَ لَهَا «بَعْدَمَا تَلِدِينَ هَذَا الْحَمْلَ تَرْجِعِينَ» فَوَضَعَتِ الْحَمْلَ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا «أَرْضِعِيهِ حَتَّى إِذَا انْتَهَيْتِ مِنَ الرَّضَاعِ تَرْجِعِينَ إِلَيْنَا» ثُمَّ أَنْهَتِ الرَّضَاعَ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ رُجِمَتْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَتْ ثُمَّ هِيَ لَوْ سَتَرَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَلَمْ تَذْهَبْ إِلَى سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ وَنَدِمَتْ وَعَزَمَتْ أَنَّهَا لا تَعُودُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهَا، بَلِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الَّذِي زَنَى أَنْ يَتُوبَ وَيَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلا يُخْبِرَ الْحَاكِمَ، وَهَذَا مَعْنَى: «فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» ثُمَّ هَذَا الشَّخْصُ الَّذِي اعْتَرَفَ عِنْدَ الْحَاكِمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ وَيَقُولَ أَنَا مَا زَنَيْتُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ لِيَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، حَتَّى لَوْ كَانُوا بَدَؤُوا بِرَجْمِهِ إِنْ رَجَعَ عَنِ اعْتِرَافِهِ يُتْرَكُ. السَّتْرُ عَلَى النَّفْسِ مَعَ التَّوْبَةِ أَفْضَلُ مِنَ الِاعْتِرَافِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ يَكُونُ قَدْ طَهُرَ بِذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْهَا إِتْيَانُ الْبَهَائِمِ وَلَوْ مِلْكَهُ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ غَيْرِ الْحَلِيلَةِ الزَّوْجَةِ، وَأَمَتُهُ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ مِثْلُهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْفَرْجِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ إِتْيَانَ الْبَهِيمَةِ وَلَوْ مِلْكَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [سُورَةَ الْمُؤْمِنُون] فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ تَحْرِيْمُ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [فِي سُنَنِهِ]. وَفِي حُكْمِهِ تَحْرِيْمُ سِحَاقِ النِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ.

   وَمِنْ مَعَاصِي الْفَرْجِ أَيْضًا الِاسْتِمْنَاءُ وَهُوَ طَلَبُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِنَحْوِ يَدِهِ وَهَذِهِ الآيَةُ كَافِيَةٌ لِتَحْرِيـمِ الِاسْتِمْنَاءِ الْمَذْكُورِ فَلا حَاجَةَ إِلَى مَا يُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ كَلامِهِ وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ الْمُسْتَمْنِيَ بِيَدِهِ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ حُبْلَى [أَوْرَدَهُ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ]. وَنَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ لِمَنْ خَافَ الزِّنَى، وَأَمَّا مَنْ سِوَى الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ فَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ لَكِنْ قَالَ فِي رُوحِ الْبَيَانِ [لِلأَلُوسِيِّ الْحَنَفِيِّ]: «نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ»، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ يَجُوزُ أَيْضًا لِمَنْ خَافَ ضَرَرًا عَلَى جِسْمِهِ مِنِ احْتِبَاسِ الْمَنِيِّ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ لَكِنَّهُمْ لا يُخَالِفُونَ الْحَنَابِلَةَ فِي ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ أَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا وَقَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ الْغُسْلِ بِلا نِيَّةٍ مِنَ الْمُغْتَسِلَةِ أَوْ مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْفَرْجِ الَّتِي مِنَ الْكَبَائِرِ الْوَطْءَ أَيِ الْجِمَاعَ فِي الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ بِدُونِ حَائِلٍ [وَيُقَالُ لَهُ وِقَاعٌ أَيْضًا، وَيُقَالُ بَاضَعَهَا وَمَعْنَاهُ جَامَعَهَا، يُقَالُ فِي اللُّغَةِ وَطِئَ زَيْدٌ امْرَأَتَهُ يَطَؤُهَا وَطْأً]، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ بَعْدَ الْغُسْلِ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ نِيَّةٌ كَأَنْ لَمْ تَنْوِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا نَوَتِ التَّنَظُّفَ. وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْغُسْلِ بِنِيَّةٍ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْغُسْلِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ التَّيَمُّمُ بِشَرْطِهِ. قَالَ الْفُقَهَاءُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَيْ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ حُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ أَوِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ [وَذَلِكَ بِشَرْطِهِ] قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَغَسْلِ فَرْجِهَا.

   وَبَدَنُ الْحَائِضِ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عَرَقُهَا وَدَمْعُهَا وَرِيقُهَا فَلا تُكْرَهُ مُخَالَطَةُ الْحَائِضِ فَمَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ الْيَهُودَ فِي عَقِيدَتِهِمْ لِأَنَّهُ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ وَهِيَ حَائِضٌ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، وَصَحَّ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُسَرِّحُ لَهُ شَعَرَهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَالرَّسُولُ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ] أَيْ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَارِقَ الْمَسْجِدَ وَهِيَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْتَ عَائِشَةَ مُلاصِقٌ الْمَسْجِدَ لا يَحْجُزُ بَيْنَهُمَا إِلَّا جِدَارٌ خَفِيفٌ.

   أَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ فَهُوَ جَائِزٌ إِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَيَحْرُمُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إِنْ كَانَ بِلا حَائِلٍ، وَفِي الْمَذْهَبِ أَيِ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِجَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَائِضِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ أَيْ بِغَيْرِ إِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ مُطْلَقًا، أَيْ إِنْ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ بِلا حَائِلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مُسْلِمٍ [فِي صَحِيحِهِ] «اصْنَعُوا كُلَّ شَىْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ».

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّكَشُّفُ عِنْدَ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهِ أَوْ فِي الْخَلْوَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْفَرْجِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ عِنْدَ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهَا وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ.

   قَالَ الْفُقَهَاءُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُغَطِّيَ شَعَرَهَا أَمَامَ الْمُرَاهِقِ، أَمَّا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُغَطِيَ شَعَرَهَا وَيَدَيْهَا وَسَاقَيْهَا فِي حَضْرَتِهِ.

   وَأَمَّا الصَّبِيَّةُ الْمُمَيِّزَةُ فَيَأْمُرُهَا وَلِيُّهَا بِسَتْرِ فَخِذِهَا مِنْ بَابِ التَّأْدِيبِ وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَوْ تَرَكَهَا كَاشِفَةَ الْفَخِذِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ لَكِنْ تُمْنَعُ مِنْ كَشْفِ فَرْجِهَا أَمَّا الْمُرَاهِقَةُ فَيَجِبُ أَمْرُهَا بِالسَّتْرِ.

   وَعُلِمَ مِمَّا مَضَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّكَشُّفُ أَيْ كَشْفُ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِغَرَضٍ كَالتَّبَرُّدِ وَنَحْوِهِ. وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ.

   وَأَمَّا النَّظَرُ إِلَى فَخِذِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي بَلَغَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ. وَلَيْسَ لِلأُمِّ أَنْ تَكْشِفَ فَخِذَهَا أَمَامَ وَلَدِهَا الْمُمَيِّزِ. أَمَّا ابْنُ ثَلاثِ سِنِينَ فَلا عَوْرَةَ لَهُ وَيَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ أَمَامَهُ. قَبْلَ التَّمْيِيزِ يَجُوزُ التَّكَشُّفُ أَمَامَ هَذَا الْوَلَدِ لِلأَبِ وَالأُمِّ قَبْلَ التَّمْيِيزِ حُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ.

   تَنْبِيهٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَعْضِ مَا مَرَّ وَزِيَادَةٍ لا يَجُوزُ إِنْكَارُ كَشْفِ الرَّجُلِ مَا سِوَى السَّوْأَتَيْنِ إِنْ كَانَ لا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ فَيُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيـمِهِ، وَلَيْسَ مَا سِوَى السَّوْأَتَيْنِ كَالْفَخِذِ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ بَلْ ذَلِكَ مَذْهَبُ الإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَثَبَتَ أَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.

   فَائِدَةٌ [تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الصَّلاةِ وَأُعِيدَ ذِكْرُهَا هُنَا لِمُنَاسَبَةِ الْفَائِدَةِ] ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ مَيَّارَةَ الْمَالِكِيُّ فِي الدُّرِّ الثَّمِينِ مَا نَصُّهُ «وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَيَجْلِسُ بِمَعْزَلٍ عَنِ النَّاسِ، إِلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ فِي الْحَمَّامِ مَنْ هُوَ كَاشِفٌ لِعَوْرَتِهِ، هَلْ يَجُوزُ حُضُورُهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ أَمْ لا؟ فَأَجَابَ: يَجُوزُ لَهُ حُضُورُ الْحَمَّامِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الإِنْكَارِ أَنْكَرَ وَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى إِنْكَارِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِنْكَارِ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنِ الْعَوْرَاتِ مَا اسْتَطَاعَ، وَلا يَلْزَمُ الإِنْكَارُ إِلَّا فِي السَّوْأَتَيْنِ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْعَوْرَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا عَوْرَةَ [أَيِ لِلرَّجُلِ] إِلَّا السَّوْأَتَانِ. فَلا يَجُوزُ الإِنْكَارُ عَلَى مَنْ قَلَّدَ بَعْضَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ [أَيِ الْمُجْتَهِدِينَ] إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا لِتَحْرِيْمِهِ فَيُنْكَرُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يُقَلِّدُونَ الْعُلَمَاءَ فِي مَسَائِلِ الْخِلافِ وَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ» اهـ.

   فَمَنْ رَأَى رَجُلًا كَاشِفًا فَخِذَهُ لا يُنْكِرُ عَلَيْهِ إِنْكَارَ تَعْنِيفٍ وَإِزْعَاجٍ أَيْ لا يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي عَامِلٍ يَكْشِفُ فَخِذَهُ فِي حَالِ عَمَلِهِ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ قَالَ «لِأَنَّ الْفَخِذَ يَجُوزُ كَشْفُهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ» اهـ، وَإِنَّمَا الْجَائِزُ فِيمَنْ يُرَى وَهُوَ كَاشِفٌ فَخِذَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ لَوْ سَتَرْتَ مَا بَيْنَ سُرَّتِكَ وَرُكْبَتِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَمَّا تَهْدِيدُهُ وَتَعْيِيرُهُ فَذَلِكَ حَرَامٌ.  

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ أَوِ اسْتِدْبَارُهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَالْحَائِلُ مَا يَكُونُ أَمَامَهُ مِنْ شَىْءٍ مُرْتَفِعٍ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ، أَوْ كَانَ وُجِدَ الْحَائِلُ وَلَكِنْ بَعُدَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ إِلَّا فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ أَيْ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَكَانُ مُهَيَّأً لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَالْمِرْحَاضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا فِيهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْفَرْجِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ أَوِ اسْتِدْبَارَهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَيَحْرُمُ كُلٌّ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ لِلْقِبْلَةِ فِي كُلٍّ مِنْ حَالَيِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَمَامَهُ شَىْءٌ مُرْتَفِعٌ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ كَانَ هَذَا الْحَائِلُ رِدَاءً أَرْخَاهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَفِعِ قَدْرُ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ، وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ عَرْضُهُ نَحْوَ نِصْفِ ذِرَاعٍ وَلا يَكْفِي نَصْبُ نَحْوِ عَصًا، هَذَا فِي الْفَلاةِ وَنَحْوِهَا أَمَّا فِي الأَمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا عِنْدَ الْبَوْلِ أَوِ الْغَائِطِ لَيْسَ حَرَامًا.

   وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا».

   فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا لِهَؤُلاءِ الْجَاهِلِينَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَدَّ الرِّجْلِ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْجُلُوسِ وَنَحْوِهِ.

   فَائِدَةٌ مِنْ مَزِيَّةِ الرِّدَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ سَاتِرًا فِي هَذِهِ الْحَالِ أَمَّا مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَلا قَمِيصٌ فَلا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَهُ إِزَارٌ طَوِيلٌ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ الْقَدِيـمَةَ مِنْ لُبْسِ الإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَالْقَمِيصِ أَفْضَلُ مِنْ زِيِّ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ فَإِنَّ هَذَا الْبَنْطَلُونَ وَالْجَاكِيت لا يُفِيدُ ذَلِكَ. وَذَلِكَ الزِّيُّ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّغَوُّطُ عَلَى الْقَبْرِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي التَّغَوُّطَ عَلَى الْقَبْرِ. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ وَتَخْلُصَ إِلَى جَلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ]، وَالْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْجُلُوسُ لِلْبَوْلِ أَوِ الْغَائِطِ فَلا يَحْرُمُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ لِغَيْرِ ذَلِكَ [إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَلامٌ مُعَظَّمٌ] وَإِنْ حَرَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

   فَائِدَةٌ لا كَرَاهَةَ فِي الْمَشْيِ بِالنَّعْلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْمَقَابِرِ وَالأَمْرُ الْوَارِدُ مِنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ رَءَاهُ يَمْشِي فِي الْمَقْبَرَةِ بِسِبْتِيَّتَيْهِ [نَوْعٌ مِنَ النَّعْلِ] فَهُوَ مُؤَوَّلٌ وَلَيْسَ لِلتَّحْرِيـمِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي إِنَاءٍ وَعَلَى الْمُعَظَّمِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْفَرْجِ الْبَوْلَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ فِي إِنَاءٍ، وَكَذَلِكَ الْبَوْلُ عَلَى مُعَظَّمٍ أَيْ مَا يُعَظَّمُ شَرْعًا، بِخِلافِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الإِنَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَوْلَ أَفْحَشُ لِأَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ.

   فَائِدَةٌ تَرْكُ الِاسْتِبْرَاءِ [أَيِ التَّحَفُّظِ] مِنَ الْبَوْلِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ النَّاسُ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَلا سِيَّمَا فِي الشَّبَابِ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا يَكْفِي لِعَذَابِ الْقَبْرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَنْبٌ غَيْرُهُ. اللَّهُ تَعَالَى يَسْتُرُ الأَكْثَرَ مِنْ عَذَابِ أَهْلِ الْقَبْرِ وَقَدْ يُطْلِعُ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّاسِ.

   وَيَحْرُمُ إِدْخَالُ الْمَسْجِدِ نَجَاسَةً لا يُؤْمَنُ مِنْ تَنْجِيسِهَا لِلْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَلَى مَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى أَوْ بِهِ جُرْحٌ يَخَافُ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ بِهِ وَإِلَّا فَلا.

   وَلا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ بِالنَّعَالِ الطَّاهِرَةِ لِمَا جَاءَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِمَا أَيْ بِالنَّعْلَيْنِ وَالرَّسُولُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ]. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: لا يَكْرَهُ الطَّوَافَ فِيهَا إِلَّا جَاهِلٌ اهـ، وَيَجُوزُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِالنَّعْلِ الَّتِي فِي أَسْفَلِهَا نَجَاسَةٌ جَافَّةٌ لا يَتَنَاثَرُ مِنْهَا شَىْءٌ فِي الْمَسْجِدِ بِشَرْطِ أَنْ لا يَدُوسَ بِهَا مَوْضِعًا فِيهِ بَلَلٌ وَبِشَرْطِ أَنْ لا يَحْصُلَ بِذَلِكَ تَقْذِيرٌ لِلسَّجَاجِيدِ وَالْحُصُرِ وَنَحْوِهِمَا وَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ طَوَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَعْبَةِ وَهُوَ رَاكِبٌ بَعِيرًا [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، وَحَدِيثِ رُخْصَتِهِ لِبَعْضِ أَزْوَاجِهِ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْبَعِيرِ [انْظُرِ الْمَصْدَرَ السَّابِقَ]، وَكِلا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَرْكُ الْخِتَانِ لِلْبَالِغِ وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْفَرْجِ تَرْكَ الْخِتَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْخِتَانُ إِنْ أَطَاقَ ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَطْعِ قُلْفَةِ الذَّكَرِ، وَيَجِبُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِقَطْعِ شَىْءٍ يَحْصُلُ بِهِ اسْمُ الْقَطْعِ مِنَ الْقِطْعَةِ الْمُرْتَفِعَةِ كَعُرْفِ الدِّيكِ مِنَ الأُنْثَى، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ، وَمِنْ هُنَا يَنْبَغِي التَّلَطُّفُ بِمَنْ يَدْخُلُ فِي الإِسْلامِ وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَتِنٍ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُكَلَّمَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ يُخْشَى مِنْهُ النُّفُورُ مِنَ الإِسْلامِ.

   وَالْخِتَانُ يُسَاعِدُ عَلَى رَفْعِ الْجَنَابَةِ، لِأَنَّ الْجِلْدَ إِذَا كَانَ مُغَطِيًّا لِرَأْسِ الذَّكَرِ لا يَصِلُ الْمَاءُ بِسُهُولَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْدَةَ مُلْتَصِقَةٌ بِالْحَشَفَةِ مُغَطِيَّةٌ لَهَا. وَأَحْيَانًا يَتَلَوَّثُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالْبَوْلِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الشَّخْصُ مُخْتَتِنًا.