من أوصاف النبي محمد ﷺ الشجاعة والنجدة، وكان عليه الصلاة والسلام شجاعا بالمكان الذي لا يجهل، وقد حضر المواقف الصعبة، وفر الكماة([1]) والأشداء عنه غير مرة وهو ﷺ ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح.
وأما عن شجاعته وإقدامه في الغزوات والحروب، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم، إذا حمي الوطيس([2]) واشتد البأس يحتمون برسول الله ﷺ، يقول سيدنا الإمام علي رضي الله عنه: «كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله ﷺ، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه»([3]) رواه أحمد.
ويؤيد ما سبق أيضا موقفه ﷺ حين تآمر كفار قريش على قتله، وأعدوا السلاح والرجال للفتك به، حتى أحاط بمنـزله قرابة الخمسين رجلا، فثبت عندها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يجبن ولم يفزع، بل نام ولم يضطرب هولا من عديدهم وعدتهم، ثم خرج عليهم في منتصف الليل بحزم ورباطة جأش، حاثيا التراب على وجوههم، ماضيا في طريقه متوكلا على الله تعالى، مخلفا ابن عمه عليا عليه رضوان الله مكانه لرد الأمانات إلى أهلها.
ثم يجلس ﷺ في الغار مع سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، والمشركون حول الغار، وهو يقول لأبي بكر بيقين الواثق بحفظ الله: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]، أي: أن الله ينصرهما ويحفظهما ويكلؤهما.
وقد صارع رسول الله ﷺ ذات مرة «ركانة»([4]) المعروف بقوته وشدته في القتال، فصرعه رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وغلبه([5])، فأي شجاعة وقوة كان يمتلكهما عليه الصلاة والسلام.
ولـما أصاب الصحابة يوم حنين من الأذى والهزيمة ما أصابهم، فر بعضهم من أرض المعركة، أما رسول الله ﷺ فلم يفر، فلقد كان على بغلته البيضاء وأبو سفيان([6]) بن الحارث آخذ بلجامها([7]) والنبي ﷺ يقول بصـوت عال: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»([8]) رواه البخاري ومسلم.
وأما ما ورد من أن النبي ﷺ كان يقول في دبر الصلوات بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر»([9]) رواه البخاري في صحيحه، فكان هذا تعليما لأمته وحرصا على الخير لها، وليس معناه أن النبي ﷺ كان جبانا، فالجبن صفة نقص وذم وذلك مستحيل في وصف الأنبياء.
وقد روى الدارمي([10]) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا أشجع ولا أضوأ([11]) وأوضأ([12]) من رسول الله ﷺ»([13]).اهـ.
والخلاصة: أن رسول الله محمد ﷺ هو بطل المعارك الذي تنضوي أسد الغابات تحت لوائه، وهو المعروف بالشجاعة قبل النبوة وبعدها، وهو القدوة والأسوة في الشجاعة والإقدام والتوكل على الله حال السلم والحرب. وكل من يقول غير ذلك فهو طاعن في رسول الله ﷺ، مكذب لدين الله، وجاهل بالحقيقة التاريخية.
[1])) «الكمي كغني: الشجاع الجريء، كان عليه سلاح أم لا أو لابس السلاح، وفي الروض: الفارس الذي تستر بالسلاح».اهـ. تاج العروس، الزبيدي، مادة: (ك م ي)، (39/418).
[2])) «الوطيس: التنور. والآن حمي الوطيس، أي: اشتدت الحرب».اهـ. البحر المحيط، الفيروزأبادي، مادة: (و ط س)، (1/748). وقد تقدم.
[3])) مسند أحمد، أحمد، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (1/156)، رقم 1346.
[4])) ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، قال البلاذري: «حدثني عباس بن هشام حدثنا أبي عن ابن خربوذ وغيره قالوا: قدم ركانة من سفر فأخبر خبر النبي r فلقيه في بعض جبال مكة فقال: يا ابن أخي، بلغني عنك شيء، فإن صرعتني علمت أنك صادق فصارعه فصرعه رسول الله r. وأسلم ركانة في الفتح».اهـ. وقيل: «إنه أسلم عقب مصارعته».اهـ. قال الزبير: «مات ركانة بالمدينة في خلافة معاوية».اهـ. وقال أبو نعيم: «مات في خلافة عثمان. وقيل عاش إلى سنة إحدى وأربعين».اهـ. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، (2/497).
[5])) سنن أبي داود، باب: في العمائم (4/95)، رقم 4080.
[6])) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله r وأخوه من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية، قال ابن المبارك وإبراهيم بن المنذر وغيرهما: «اسمه المغيرة، وقيل: اسمه كنيته والمغيرة أخوه».اهـ. الأعلام، الزركلي، (7/179).
[7])) «اللجام هي الحديدة في فم الفرس».اهـ. تاج العروس، الزبيدي، مادة: (ل ج م)، (33/399).
[8])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب بدء الوحي، باب: من قاد دابة غيره في الحرب، (4/37)، رقم 2864. صحيح مسلم، مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب: في غزوة حنين، (5/167).
[9])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب الوصايا، باب: ما يتعوذ من الجبن، (9/404).
[10])) عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي، أبو محمد، من حفاظ الحديث. سمع بالحجاز والشام ومصر والعراق وخراسان من خلق كثير. واستقضي على سمرقند، فقضى قضية واحدة، واستعفى فأعفي. وكان مفسرا فقيها أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند. له: (المسند) في الحديث، و(الجامع الصحيح). الأعلام، الزركلي، (4/95).
[11])) «ضاء الشيء يضوء ضوءا بالفتح وضوءا بالضم، وضاءت النار، وأضاء يضيء، يقال: ضاءت وأضاءت بمعنى، أي: استنارت وصارت مضيئة».اهـ. تاج العروس، الزبيدي، مادة: (ض و أ)، (1/319).
[12])) «الوضاءة: الحسن والنظافة والبهجة، وقد وضؤ ككرم، يوضؤ وضاءة».اهـ. تاج العروس، الزبيدي، مادة: (و ض أ)، (1/489).
[13])) سنن الدارمي، الدرامي، (1/30).