كتاب العقيدة والردة
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ رسول الله.
(1) ما معنى بسم الله الرحمٰن الرحيم.
أى أبتدئ بقول بسم الله الرحمٰن الرحيم. ولفظ الجلالة الله اسم يدل على ذات الله المستحق لنهاية التعظيم وغاية الخضوع وهى العبادة ومعناه من له الإلهية أى من له القدرة على إبراز الأحجام وصفات الأحجام من العدم إلى الوجود. والرحمٰن معناه الكثير الرحمة للمؤمنين والكافرين فى الدنيا وللمؤمنين خاصة فى الآخرة أما الرحيم فمعناه الكثير الرحمة للمؤمنين فى الآخرة قال تعالى فى سورة الأعراف ﴿ورحمتى وسعت كل شىءٍ﴾ أى أن رحمة الله وسعت فى الدنيا كل مؤمنٍ وكافرٍ ﴿فسأكتبها للذين يتقون﴾ أى أخصها فى الآخرة للذين يجتنبون الشرك وسائر أنواع الكفر.
(2) اذكر بعض المواضع التى يستحب فيها البسملة.
البسملة مستحبة عند النوم والجماع وعند البدء بالوضوء والغسل والتيمم وتلاوة القرءان وتأليف كتابٍ وعند الذبح والأكل والشرب والاستياك والاكتحال وعند ركوب دابةٍ وسفينةٍ ودخول بيتٍ ومسجدٍ والخروج منهما وعند صعود الخطيب منبرا وعند دخول الخلاء ولبس ثوبٍ ونزعه وغلق بابٍ وإطفاء مصباحٍ وعند تغميض عين ميتٍ وعند وضعه فى قبره. وينفع لتيسير الرزق أن تكتب البسملة بخط المصحف خمسا وثلاثين مرة وتعلق فى البيت أو الدكان، نفعها عظيم.
(3) ما معنى الحمد لله.
الحمد لله أى الثناء باللسان على الجميل الاختيارى على وجه التعظيم مستحق لله أى أن الله تعالى يستحق أن يثنى عليه على نعمه التى أنعم بها على عباده من غير وجوبٍ عليه.
(4) اذكر بعض المواضع التى يستحب فيها حمد الله.
يسن للمسلم أن يحمد الله عند النوم ثلاثا وثلاثين وأن يقول إذا استيقظ الحمد لله الذى أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور معناه نحمد الله أن جعلنا نستيقظ من نومنا ونعيش ولم يمتنا ونحن نائمون وهو الذى يحيينا بعد موتنا للبعث. ويسن أن يقول إذا عطس أو أراد الدعاء الحمد لله وأن يقول عند الدخول والخروج من المسجد الحمد لله وأن يقول إذا رأى ما يسره الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات أى نحمد الله الذى بفضله أدام علينا الأعمال الصالحة وأن يقول إذا رأى ما يسوؤه الحمد لله على كل حالٍ أى أحمد الله فى حال الشدة والرخاء وأن يقول عند الانتهاء من الطعام والشراب الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين وأن يقول إذا خرج من الخلاء غفرانك الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى أى أحمد الله الذى أخرج منى ما لو بقى فى جوفى يؤذينى وأبقى على العافية وأن يقول إذا رأى وجهه فى المرءاة الحمد لله اللهم كما حسنت خلقى فحسن خلقى أى كما أنك لم تجعل فى خلقتى عاهة فجملنى بالأخلاق الحسنة ويسن أن يقول إذا رأى مبتلى فى جسده أو دينه الحمد لله الذى عافانى مما ابتلاك به وفضلنى على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا أى أحمد الله الذى عافانى من البلاء الذى ابتلاك به وفضلنى بالنعم التى أنعم بها على ولم يبتلنى بما ابتلى به خلقا كثيرا.
(5) ما معنى الصلاة والسلام على رسول الله.
أى اللهم زد سيدنا محمدا شرفا وتعظيما وقدرا وأمنه مما يخافه على أمته أى سلم أمته مما يكره قال الله تعالى فى سورة الأحزاب ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ فالصلاة من الله على النبى تعظيم ورفعة قدرٍ والصلاة من الملائكة دعاء فهم يصلون على النبى كما نحن نصلى عليه. وقال تعالى فى سورة الأحزاب ﴿هو الذى يصلى عليكم وملائكته﴾ أى يرحمكم وملائكته يستغفرون لكم. والصلاة على النبى حتى يكون فيها أجر لا بد من النطق بها بلفظٍ صحيحٍ مع إخلاص النية لله تعالى فيعلم من ذلك أن من قال اللهم صل على النبى بالتخفيف بدون تشديد الياء فلا ثواب له.
(6) اذكر بعض فضائل الصلاة على النبى.
يستحب الإكثار من الصلاة على النبى فى كل يومٍ وخاصة يوم الجمعة لقوله ﷺ من صلى على عصر يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة، أى لو كانت عنده. ويستحب الصلاة عليه عند ذكر اسمه ﷺ حتى أثناء خطبة الجمعة فإن فى الصلاة على النبى قضاء الحاجات وتفريج الكربات ومغفرة الذنوب ونيل شفاعة النبى ﷺ. وورد فى الحديث الذى رواه الطبرانى فى كتاب الدعوات أن الناس إذا اجتمعوا فى مجلسٍ ثم فارقوه ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبى يكون حسرة عليهم فى الآخرة وإن دخلوا الجنة، أى من غير نكدٍ وانزعاجٍ معناه أن المسلم حين يذكر هذا المجلس إن كان فى بيته أو فى المسجد ولم يهلل فيه ولم يصل على النبى وفارقه يقول يا ليتنى ما فوت هذا. ومن الصيغ المجربة لرؤية الرسول ﷺ فى المنام اللهم صل على محمدٍ النبى وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد وتقال مائة مرةٍ فى كل يومٍ.
(7) ما هو خير ما يتزود به المسلم لآخرته.
قال تعالى فى سورة البقرة ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾ وسبيل التقوى هو العلم، فالذكى هو الذى يأخذ من دنياه لآخرته قال الله عز وجل فى سورة القصص ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾ أى لا تنس نصيبك من الزاد للآخرة وقال رسول الله ﷺ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت رواه البخارى. فالذكى الفطن هو الذى دان نفسه وعمل لما بعد الموت حاسب نفسه فى هذه الدنيا قبل أن يحاسب فى الآخرة. وقال الله تعالى فى سورة الحشر ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله﴾ أى أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات ومن جملة الواجبات تعلم العلم الشرعى، ﴿ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ﴾ أى لينظر المرء ما يعد ويقدم لآخرته من العمل الصالح فينبغى أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب. قال الإمام على رضى الله عنه ارتحلت الدنيا وهى مدبرة وارتحلت الآخرة وهى مقبلة ولكل واحدةٍ منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا اليوم العمل ولا حساب وغدا الحساب ولا عمل، رواه البخارى فى صحيحه فى كتاب الرقاق. وقال تعالى فى سورة الذاريات ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ أى خلقهم ليأمرهم بعبادته وليس معناه أن الله تعالى شاء للجميع أن يكونوا مؤمنين كما تقول المعتزلة. فالله تعالى خلق الخلق وقدر لهم ءاجالا فطوبى لمن استعد لما بعد الموت وتزود من دنياه لآخرته وخير الزاد التقوى.
(8) من هو المكلف.
المكلف هو البالغ العاقل الذى بلغه أصل دعوة الإسلام أى بلغه أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله سواء بلغه بهذا اللفظ أو بما يعطى معناه. وعلامات البلوغ بالنسبة للذكر خروج المنى أو بلوغ خمس عشرة سنة قمرية وعلامات البلوغ بالنسبة للأنثى خروج المنى أو دم الحيض أو بلوغ خمس عشرة سنة قمرية. والمنى له علامات خروجه بلذةٍ يعقبها انكسار الشهوة وخروجه بتدفقٍ وهو الانصباب بشدةٍ شيئا فشيئا وله رائحة العجين حال كونه رطبا ورائحة بياض البيض حال كونه جافا وهذه علامات مشتركة بين الرجال والنساء. والمنى سائل أبيض لا روح فيه وقول بعض الناس إن المنى فيه روح أو هو حيوان منوى باطل بدليل قوله تعالى ﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا﴾ أى نطفا لا روح فيها ﴿فأحياكم﴾ أى فى الأرحام ﴿ثم يميتكم﴾ أى عند انقضاء ءاجالكم ﴿ثم يحييكم﴾ أى للبعث. ويدل على ذلك قوله ﷺ إن أحدكم يجمع خلقه (أى ما يخلق منه) فى بطن أمه (أى فى رحمها) أربعين يوما نطفة (أى منيا سائلا يتفرق ثم يجتمع فى مدة الأربعين) ثم يكون علقة مثل ذلك (أى يكون قطعة دمٍ طرية تعلق بالرحم أربعين يوما) ثم يكون مضغة مثل ذلك (أى يكون قطعة لحمٍ قدر ما يمضغ أربعين يوما) ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح (أى ينفخ الروح فى الجنين بأمر الله بعد التشكل بشكل ابن ءادم فيصير حيا) رواه البخارى ومسلم. فهذا الحديث دليل على أن المنى لا روح فيه لأن الروح ينفخ فى الجنين بعد أربعة أشهرٍ من الحمل.
(9) ما هو الفرض العينى من علم الدين.
الفرض العينى من علم الدين هو القدر الذى يجب على كل مكلفٍ أن يتعلمه فإذا أهمل تحصيله يكون عاصيا مستحقا للعذاب فى النار وهو علم ما يتوقف عليه صحـة الإيمان وصحـة العبادات من وضوءٍ وصلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وجبت عليه وحجٍ أراده وعلم ما يباشره من معاملةٍ كبيعٍ أو شراءٍ أو إجارةٍ وعلم ما يتلبس به ولو نفلا كذكرٍ أو دعاءٍ لأنه لا يجوز للمكلف أن يدخل فى شىءٍ حتى يعلم ما أحل الله منه وما حرم ومعرفة واجبات القلب ومعاصى الجوارح أى الأعضاء كاللسان وغيره ومعرفة الكفريات للحذر منها ومعرفة كيفية التوبة من الذنوب. قال رسول الله ﷺ طلب العلم فريضة على كل مسلمٍ، رواه البيهقى. وتحصيل هذا العلم يكون بالتعلم من أهل المعرفة الثقات لا بطريق المطالعة فى الكتب للأمن من الغلط والتحريف لقوله ﷺ يا أيها الناس تعلموا فإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه فمن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين رواه الطبرانى، معناه من أراد الله به خيرا أى رفعة فى الدرجة رزقه العلم بأمور دينه. والجهل بعلم الدين ليس عذرا، لو كان الجهل عذرا لكان الجهل خيرا من العلم وهذا خلاف قوله تعالى ﴿قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ فالله تعالى فضل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون فلو كان الجاهل يعذر لجهله على الإطلاق لكان الجهل أفضل للناس.
(10) بين أهمية تعلم علم الدين.
اعلم أن الخير كل الخير بتعلم علم الدين فهو دليل العمل وطريق تصحيحه فالعلم قبل القول والعمل لأن العلم يحصل للعمل، والعمل بلا علمٍ لا ينجى صاحبه. قال الله تعالى فى سورة التحريم ﴿يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾ قال سيدنا على رضى الله عنه علموا أنفسكم وأهليكم الخير، أى علم الدين لأن من امتلأ قلبه بالخير يظهر ذلك على جوارحه فينطق بالخير ويفعل الخير. علم الدين حياة الإسلام من أهمله كان من الخاسرين إما أن يكون مسلما فاسقا أى واقعا فى ذنبٍ كبيرٍ وإما أن يكون كافرا بسبب جهله فى الدين فلا نجاة إلا بتعلم علم أهل السنة من أهل المعرفة الثقات قال رسول الله ﷺ من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين رواه الطبرانى، معناه من أراد الله به خيرا كثيرا أى رفعة فى الدرجة رزقه العلم بأمور دينه. من عرف قدر علم الدين أحبه ولم يشبع منه فهو بركة وخير عظيم نافع فى الدنيا والآخرة فالعاقل الفطن لا يشبع من علم الدين مهما تكرر عليه سماعه فقد روى الترمذى أن رسول الله ﷺ قال لا يشبع مؤمن من خيرٍ يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة، أى حتى يترقى فى الدرجات فيصل إلى أعالى الجنة. أما من لم يتعلم علم الدين فهو على خطرٍ عظيمٍ لأن من لم يتعلم علم الدين كيف يضمن صحة إيمانه وعباداته، إن لم يتعلم ما هو الكفر كيف يضمن بقاءه على الإسلام، إن لم يتعلم ما هى المحرمات كيف يجتنبها وإذا وقع فيها كيف يتوب منها. فهذا سيدنا عبد القادر الجيلانى رضى الله عنه كان يعبد الله فى خلوةٍ فجاءه الشيطان على هيئة نورٍ عظيمٍ وقال له يا عبدى يا عبد القادر قد أسقطت عنك الفرائض وأحللت لك المحرمات فقال له سيدنا عبد القادر خسئت يا لعين أى فشلت وخاب سعيك أى ما تسعى إليه فاختفى الضوء وبقى الصوت وقال له الشيطان لقد غلبتنى بعلمك يا عبد القادر وإنى قد أغويت أربعين عابدا بهذه الطريقة. سيدنا العارف بالله عبد القادر الجيلانى عرف بعلمه أنه الشيطان لأنه كان تعلم أن الله ليس كمثله شىء فالله تعالى ليس نورا بمعنى الضوء بل هو خالق النور قال الله تعالى ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ أى خلق الظلمات والنور، والذى كلمه كلمه بصوتٍ والله تعالى كلامه الذى هو صفته ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة لا يبتدأ ولا يختتم لا يطرأ عليه سكوت أو تقطع ليس شيئا يسبق بعضه بعضا ويتأخر بعضه عن بعضٍ. عرف الحق عبد القادر الجيلانى بعلم الدين فغلب الشيطان.
(11) ما هى عاقبة من أهمل تعلم علم الدين.
من أهمل تعلم علم الدين قد يقع فى التشبيه فيخلد فى نار جهنم إن مات عليه لأن من يشبه الله تعالى بخلقه فهو كافر لم تصح عبادته لأنه يعبد شيئا تخيله وتوهمه فى مخيلته وأوهامه قال الإمام أبو حامدٍ الغزالى رحمه الله لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود، أى أن من لم يعرف الله بل يشبهه بخلقه بالضوء أو غيره أو يعتقد أنه ساكن فى السماء أو أنه جالس على العرش أو يصفه بصفةٍ من صفات البشر فهذا عبادته تكون لشىءٍ تخيله وتوهمه فى مخيلته فيكون مشركا بالله فلا تصح عبادته.
(12) ما هو الفرض الكفائى من علم الدين.
الفرض الكفائى من علم الدين هو القدر الذى يجب تحصيله على بعض المكلفين ولا يجب على كل مكلفٍ بعينه كمعرفة كيفية غسل الميت وتكفينه ومعرفة الأدلة العقلية والنقلية من القرءان والحديث فى إثبات الصفات الثلاث عشرة الواجبة لله تعالى أى معرفة الأدلة العقلية والأدلة القرءانية والحديثية على أن الله تعالى له ثلاث عشرة صفة تجب معرفتها على كل مكلفٍ ومعرفة الأدلة العقلية لإبطال تمويهات المحرفين للدين من المنتسبين إليه وهم ليسوا منه أى معرفة الأدلة العقلية للرد على المحرفين للدين وإظهار أن ما أدخلوه فى الدين ليس من الدين وأنه باطل ولا صحة له ومعرفة الأدلة العقلية للرد على الملحدين أى المنكرين لوجود الله الذين لا ينتسبون إلى الإسلام ويريدون أن يشككوا المسلمين فى صحة دينهم.
(13) ما هو أفضل العلوم.
أفضل العلوم على الإطلاق هو العلم الذى يعرف به ما يليق بالله وما لا يليق به وما يليق بأنبياء الله وما لا يليق بهم قال الله تعالى فى سورة محمدٍ ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات﴾ قدم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار وفى ذلك دلالة على أن العلم بالله تعالى وصفاته هو أجل العلوم وأعلاها وأوجبها وقد خص النبى ﷺ نفسه بالترقى فى هذا العلم فقال أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له رواه البخارى، فكان هذا العلم أهم العلوم تحصيلا وأحقها تبجيلا وتعظيما وقال الإمام أبو الحسن الأشعرى رضى الله عنه أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه، رواه الإمام عبد القاهر البغدادى فى تفسير الأسماء والصفات وقال الإمام الشافعى رضى الله عنه أحكمنا ذاك قبل هذا رواه البيهقى، أى أتقنا علم التوحيد قبل فروع الفقه.
(14) ما معنى التوحيد.
التوحيد هو اعتقاد أن الله تعالى واحد فى ذاته وواحد فى صفاته وواحد فى فعله فذاته لا يشبه ذوات المخلوقات لأنه ليس جسما مؤلفا من أجزاءٍ، وصفاته لا تشبه صفات المخلوقات لأنها أزلية أبدية لا بداية ولا نهاية لها، وفعله لا يشبه فعل المخلوقات لأن فعل الله أزلى قال تعالى فى سورة الشورى ﴿ليس كمثله شىء﴾ وقال تعالى فى سورة النحل ﴿ولله المثل الأعلى﴾ أى لله صفات لا تشبه صفات غيره وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله فعله تعالى (أى تخليقه) صفة له فى الأزل والمفعول (أى المخلوق) حادث. وأما توحيد الله فى الفعل فمعناه أن الله تبارك وتعالى يفعل بمعنى الإخراج من العدم إلى الوجود ولا فاعل على هذا الوجه إلا الله.
(15) ما هى أعلى الواجبات وأفضلها عند الله تعالى.
أعلى الواجبات وأفضلها هو الإيمان بالله ورسوله قال رسول الله ﷺ أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله، رواه البخارى.
(16) ما هو الدين المقبول عند الله.
الدين الصحيح المقبول عند الله هو الإسلام وهو دين جميع الأنبياء من أولهم ءادم إلى ءاخرهم محمدٍ عليهم الصلاة والسلام قال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ أى أن الدين الصحيح الذى ارتضاه الله لعباده من البشر والجن والملائكة هو الإسلام وما سواه من الأديان فهو باطل بدليل قوله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ أى من اتخذ لنفسه دينا غير دين الإسلام فلن يقبله الله منه.
(17) تكلم عن الإيمان بالله.
اعلم أن ربنا عز وجل موجود لا كالموجودات فلا يتصور فى العقول والأذهان ليس جسما ولا روحا ولا ضوءا منزه عن الحجم والكمية والمقدار والمساحة والحد ليس له طول وعرض وسمك لأنه ليس جسما مؤلفا من أجزاءٍ منزه عن اللون والشكل والهيئة والصورة والأعضاء لا يحل فى شىءٍ لأنه ليس كمثله شىء لا يسكن السماء ولا العرش لأنه موجود بلا جهةٍ ولا مكانٍ خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته. لا مثيل له ولا شبيه فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى فعله. صفاته أزلية أبدية لا تتغير، لا يتصف بصفات الأجسام كالحركة والسكون والقيام والقعود والاتصال والانفصال والدخول والخروج. خلق العالم بأسره ولا يحتاج إلى شىءٍ من خلقه ولا يدخل شىء فى الوجود إلا بمشيئته وكل شىءٍ يحصل بقضائه وقدره. قديم بلا ابتداءٍ دائم بلا انتهاءٍ حى لا يموت قيوم لا ينام عالم بذاته وصفاته وما يحدثه من مخلوقاته قادر على كل شىءٍ فلا يعجزه شىء يسمع كل المسموعات بسمعٍ أزلىٍ بلا أذنٍ ولا ءالةٍ أخرى وليس بسمعٍ يحدث فى ذاته عند وجود الحادثات ويرى كل المرئيات ببصره الأزلى بلا حدقةٍ ولا ءالةٍ أخرى فلا يحدث فى ذاته بصر كما يحصل للمخلوق. كلم نبيه موسى تكليما بلا لسانٍ ولا شفتين وكلامه ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة لا يبتدأ ولا يختتم ليس بمتعددٍ ولا متجزئٍ وإنما هو كلام واحد موجود أزلا وأبدا.
(18) اذكر دليلا من القرءان على أن الله ليس جسما كثيفا ولا لطيفا.
قال الله تعالى فى سورة الأنعام ﴿الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور﴾. هذه الآية أصرح دليلٍ على أن الله ليس جسما كثيفا كالسموات والأرض وليس جسما لطيفا كالظلمات والنور فمن اعتقد أن الله جسم كثيف أو لطيف فقد شبه الله بخلقه. وأكثر المشبهة يعتقدون أن الله جسم كثيف مستقر فى السماء أو على العرش وبعضهم يعتقد أنه جسم لطيف كالهواء منتشر فى كل الأمكنة أو أنه ضوء فهذه الآية وحدها تكفى للرد على الفريقين الفريق القائل بأن الله جسم كثيف والفريق القائل بأنه جسم لطيف أعاذنا الله من ذلك.
(19) ما معنى قوله تعالى فى سورة النور ﴿الله نور السموات والأرض﴾.
اعلم أن النور يطلق على الله بمعنى الهادى فمعنى قوله تعالى ﴿الله نور السموات والأرض﴾ أن الله تعالى هادى أهل السموات والأرض لنور الإيمان رواه البيهقى فى الأسماء والصفات عن عبد الله بن عباسٍ رضى الله عنهما أى أن الله تعالى أعطى الإيمان لأهل السموات وهم الملائكة ولمن شاء له الإيمان من أهل الأرض من الإنس والجن وقال قتادة ﴿الله نور السموات والأرض﴾ أى منير السموات والأرض ذكره ابن السمعانى فى تفسيره. وحكم من يعتقد أن الله نور بمعنى الضوء التكفير قطعا لأن الضوء مخلوق بدليل قوله تعالى فى سورة الأنعام ﴿الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور﴾ أما إذا قال قائل الله نور بمعنى الهادى فلا يعترض عليه لأن الله تعالى سمى نفسه بهذا الاسم قال تعالى فى سورة النور ﴿الله نور السموات والأرض﴾ وورد هذا الاسم فى تعداد أسماء الله الحسنى عند البيهقى وغيره.
(20) ما معنى قوله تعالى فى سورة التحريم ﴿فنفخنا فيه من روحنا﴾.
اعلم أن الله تعالى هو خالق الروح والجسد فليس روحا ولا جسدا لكنه أضاف روح عيسى إلى نفسه على معنى الملك والتشريف أى التعظيم للدلالة على شرف روح عيسى عند الله فمعنى قوله تعالى ﴿فنفخنا فيه من روحنا﴾ أمرنا جبريل عليه السلام أن ينفخ فى مريم الروح التى هى ملك لنا ومشرفة عندنا لأن الأرواح قسمان أرواح مشرفة لها منزلة عظيمة عند الله كأرواح الأنبياء والأولياء والملائكة وأرواح خبيثة لا يحبها الله وهى أرواح الكفار. أما الذى يظن أن الله روح وأنه قطع قطعة من نفسه فنفخها فى هذا الشخص بواسطة النفس كما ينفخ الإنسان فقد شبه الله بخلقه وكان من الكافرين كمحمد متولى الشعراوى فإنه يقول فى كتابه أسئلة حرجة وأجوبة صريحة وقد جعل الله سبحانه وتعالى نفسا فقال تعالى ﴿ونفخت فيه من روحى﴾ والنفخ معناه إخراج الهواء من حيز الصدر إلى المنفوخ فيه إذا هناك شىء دخل إلى جسد الإنسان بكلمة كن ويقول الله خلقك ونفخ فيك من روحه فأنت فيك جزء من الله. وكلامه هذا كفر لا شك فيه لأن معناه أن الله روح فاقتطع منها قطعة فجعلها فى هذا الإنسان، هذا كأنه قال إن الله ولده. والله تعالى يقول فى ذم الكفار ﴿وجعلوا له من عباده جزءا﴾. كما أن الشعراوى يعتقد أن الله يخلق بلفظ كن الذى هو مركب من حرفين وهذا باطل لأن الله عز وجل يخلق فى اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر بقدرته الأزلية. فيجب الحذر من كلامه ومن كتبه التى نشر فيها الكفر والضلال.
(21) ما الدليل على أن الإسلام شرط لقبول الأعمال الصالحة.
قال تعالى فى سورة النساء ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا﴾ وجاء فى صحيح البخارى أن رجلا مشركا أراد أن يقاتل مع قومه المسلمين قال يا رسول الله أقاتل أم أسلم فقال له الرسول أسلم، فأسلم فقاتل فقتل فقال الرسول عمل قليلا وأجر كثيرا، أى لأنه نال الشهادة بعد أن هدم الإسلام كل ذنبٍ قدمه فالفضل للإسلام لأنه لو لم يسلم لم ينفعه أى عملٍ يعمله. قال الغزالى رحمه الله لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود أى أن من لم يعرف الله بل يشبهه بخلقه بالضوء أو غيره أو اعتقد أنه ساكن فى السماء أو أنه جالس على العرش أو وصفه بصفةٍ من صفات البشر فهذا عبادته تكون لشىءٍ توهمه فى مخيلته فيكون مشركا بالله فلا تصح عبادته كالوهابية. هؤلاء الوهابية عندهم إثبات أصل الجلوس لله ليس تشبيها له بخلقه فيقولون الله جالس لا كجلوسنا فأين عقولهم الجلوس كيفما كان هو من صفات الخلق كيف يقال الله جالس على العرش هذا شتم لله، على زعمهم عظموا الله هذا ليس تعظيما جعلوه كخلقه له نصف أعلى ونصف أسفل خلقه يجلسون البقر والحمار والكلب والخنزير والبشر والجن والملائكة يجلسون، جعلوه كخلقه ما مدحوه. فالذى يصف الله بصفةٍ من صفات البشر فقد شتم الله قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى شتمنى ابن ءادم ولم يكن له ذلك وفسر ذلك بقوله وأما شتمه إياى فقوله اتخذ الله ولدا، رواه البخارى.
(22) لماذا نحذر من أهل الضلال.
اعلم أن تحذير المسلمين مما يضرهم فى دينهم أو دنياهم فرض مؤكد كتحذير من يمر بطريقٍ فيه قطاع طريقٍ يقتلون المسلمين ويأخذون أموالهم أو التحذير ممن يفتى الناس بخلاف شريعة الله أو يعلم الناس عقيدة تخالف عقيدة رسول الله ﷺ أما من يسكت عن هؤلاء ولم يحذر منهم فعليه ذنب كبير قال رسول الله ﷺ ليس منا من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، أى ليس على نهجنا الكامل ليس على طريقتنا. والأمر بالمعروف معناه أمر الغير بأداء الواجبات أما النهى عن المنكر فمعناه نهيه عن فعل المحرمات فيحرم السكوت عن الأمر بالمعروف وعن النهى عن المنكر بلا عذرٍ شرعىٍ بأن كان قادرا على ذلك ولم يفعل. وليعلم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يقرب أجلا ولا يقطع رزقا فينبغى للمؤمن أن ينكر المنكر الكفر وما دون الكفر من المحرمات معتمدا ومتوكلا على الله فالإنسان لا يموت إلا بأجله ولا يأتى الإنسان رزق إلا الذى كتب الله له. والله تعالى أمرنا بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ودعانا إلى إبطال الباطل وإحقاق الحق وعدم السكوت عن كل ما هو مخالف للشريعة لأن السكوت عن الباطل مع الاستطاعة على الإنكار مفسدة قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ وقال أبو علىٍ الدقاق الساكت عن الحق شيطان أخرس. فيجب علينا أن نحذر ممن يدعو إلى الكفر والفسوق فمن لم يحذر فهو عاصٍ يستحق عذاب الله. الذى لا يزيل المنكر مع القدرة يستحق العذاب لذلك علينا أن نحذر الناس من دعاة الكفر لأن مكافحة الضلال فرض على كل من استطاع إلى أن يحصل القدر الذى هو فرض. وتعليم عقيدة أهل السنة والجماعة التى يعرف بها الكفر من الإيمان جهاد يكافح به كفر المجسمة والمشبهة وغيرهم من الضالين فالذى يتقاعس اليوم عن نشر علم أهل السنة كالفار من الزحف ذنبه كبير. جهاد هؤلاء بالبيان هو من أفرض الفروض فمن تكاسل عن هذا فليعلم أنه استحق عذاب الله. فمن أوكد الواجبات الدفاع عن دين الله بالرد على هؤلاء الضالين والتحذير منهم. والذى يقوم بإنكار المنكر الاعتقادى والعملى فى هذا الزمن أجره كأجر خمسين من الصحابة بالنسبة لإنكار المنكر قال رسول الله ﷺ فإن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيها بمثل الذى أنتم عليه أجر خمسين قال أبو ثعلبة الخشنى يا رسول الله منا أو منهم قال بل منكم. هذا بالنسبة لثواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لأن إنكار المنكر فى هذا الزمن أصعب من زمن الصحابة لأنه فى ذلك الزمن كان الأخ يساعد أخاه أما اليوم الأخ يحارب أخاه من أجل إنكار المنكر والعائلة قد تحاربك لأجل إنكار منكرٍ. فلا يجوز السكوت عمن ينتهك حدود الشريعة مع القدرة على الإنكار وخاصة فى هذا الزمن الذى كثر فيه المفسدون كالوهابية وحزب الإخوان وحزب التحرير الذين يحرفون الدين فهؤلاء يجب الحذر والتحذير منهم فقد روى البخارى أن حذيفة رضى الله عنه سأل الرسول ﷺ هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفة بن اليمان يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. فهؤلاء أشد ضررا من الكفار المعلنين لأن تأثيرهم سريع فهم يدعون الإسلام ويقرؤون القرءان ويوردون ءاياتٍ منه أما الكافر المعلن الذى لا ينتسب إلى الإسلام إذا تحدث مع المسلمين المسلمون لا يأخذون كلامه فى أمر الدين. وقد جاء فى الحديث إن الإسلام بدأ غريبا (أى محاربا يحاربه الجهال فى الدين) وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء (أى خير عظيم للغرباء) قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون من سنتى ما أفسد الناس، رواه مسلم والبيهقى. وفى هذا الحديث بشارة لمن يتمسك فى هذا الزمن الذى فسدت فيه الأمة بسنة الرسول أى شريعته وهى العقيدة والأحكام بتعلمها والعمل بها ونشرها بإخلاصٍ وصدقٍ.
(23) ابن تيمية سلف الوهابية وحزب الإخوان ليس من أهل السنة.
اعلم أن أحمد بن تيمية الذى توفى قبل حوالى سبعمائة عامٍ حبس بفتوى من القضاة من المذاهب الأربعة وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه لأنه خالف أهل السنة فى مسائل كثيرةٍ منها أنه يقول إن الله استوى على عرشه كاستوائى هذا ويعنى استواء جلوسٍ ويقول فى كتابه العرش وفى فتاويه إن الله يجلس على الكرسى وقد أخلى مكانا يقعد معه رسول الله ويدعى أن لا دليل على تنزيه الله عن الجسمية فيقول فى كتابه المسمى التأسيس فى رد أساس التقديس فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم ينطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسمٍ ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين، وكذب فى ذلك فكيف لا يوجد دليل بزعمه والله تعالى يقول ﴿ليس كمثله شىء﴾ ويقول الإمام أبو الحسن الأشعرى فى كتابه النوادر من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارفٍ بربه وإنه كافر به ويقول الإمام الشافعى المجسم كافر، رواه الحافظ السيوطى فى الأشباه والنظائر ويقول الإمام أحمد بن حنبلٍ من قال الله جسم لا كالأجسام كفر، رواه الحافظ بدر الدين الزركشى فى كتابه تشنيف المسامع ويقول الشيخ عبد الغنى النابلسى فى الفتح الربانى من اعتقد أن الله ملأ السموات والأرض أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم وقال النسفى فى تفسيره ومن الإلحاد (أى الكفر) تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلة. ويقول ابن تيمية فى كتابه المسمى موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله فى السماء وحدوه بذلك، وهذا كذب على المسلمين لأن الله تعالى لا يجوز عليه أن يكون محدودا أى ذا حجمٍ فإذا هو منزه عن أن يكون ساكنا فى السماء أو جالسا على العرش. كما أن ابن تيمية ينسب إلى الله الحركة والانتقال والنزول الحسى والعياذ بالله فيقول فى كتابه الموافقة ما نصه لأن الحى القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقوم ويجلس إذا شاء لأن أمارة ما بين الحى والميت التحرك ويقول فى كتابه شرح حديث النزول الله على العرش وينزل إلى السماء ولا يخلو منه العرش وقد صرح فى بعض كتبه بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر. عجبا كيف يعتقد ابن تيمية أن الله جسم مستقر فوق العرش بقدر العرش وأنه ينزل بذاته كل ليلةٍ إلى السماء الأولى وقد ثبت فى الحديث أن السموات السبع بالنسبة للعرش كحلقةٍ فى أرضٍ فلاةٍ أى كحبةٍ صغيرةٍ بالنسبة إلى صحراء كبيرةٍ فعلى مقتضى كلامه أن الله يتصاغر حتى تسعه السماء الأولى والعياذ بالله. كما أنه جعل جنس العالم أى نوعه أزليا مع الله فيقول فى كتابه الموافقة فإن الأزلى اللازم هو نوع الحادث لا عين الحادث، أى يقول بحوادث لا أول لها وفى هذا تكذيب للقرءان والحديث وإجماع الأمة والقول بأزلية العالم نفى لخالقية الله وهو كفر بالإجماع نقل الإجماع بدر الدين الزركشى فى تشنيف المسامع. ويقول ابن تيمية فى كتابه المسمى موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول لم يزل متكلما بحروفٍ متعاقبةٍ، ويقول فى رسالته المسماة مذهب السلف القويم فى تحقيق مسألة كلام الله الكريم فلا تكون الحروف التى هى معانى أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة مخلوقة لأن الله تكلم بها ويقول فى فتاويه هو سبحانه يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء، ويقول فى كتابه مجموع الفتاوى الملائكة أعوان الله وهذا كفر لأن الله منزه عن الأعوان ويقول إن نار جهنم تفنى لا يبقى فيها أحد كما نقل ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية فى كتابه حادى الأرواح مؤيدا له ويقول ابن تيمية فى الفتاوى الكبرى إن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أمر بها رسول الله وكذب فى ذلك كما أنه يحرم التوسل والاستغاثة بهم كما فى كتابه المسمى قاعدة جليلة فى التوسل والوسيلة ويقول إن نبينا عليه السلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا ويكون مخطئا فاحذروه وحذروا الناس منه ولا يجوز تسميته شيخ الإسلام أو الترحم عليه.
(24) ما هى عقيدة الوهابية.
اعلم أن الوهابية هم أتباع محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة ألفٍ ومائتين وستٍ للهجرة وهم مشبهة مجسمة يشبهون الله بالبشر والبهائم ويشتمونه بقولهم الله جالس على العرش أو الكرسى كما فى كتابهم فتح المجيد لعبد الرحمٰن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ويقولون بأن نفى الجسمية والجوارح والأعضاء عن الله من الكلام المذموم كما فى كتابهم المسمى تنبيهاتٍ فى الرد على من تأول الصفات لابن بازٍ ويقولون الله مستقر على العرش كما فى كتابهم المسمى نظراتٍ وتعقيباتٍ على ما فى كتاب السلفية لصالح الفوزان ويقول زعيمهم ابن العثيمين فى تفسيره ءاية الكرسى الكرسى موضع قدمى الله والعياذ بالله ويقول فى كتابه المسمى اللقاء الشهرى لا يجوز أن نثبت لله لسانا ولا أن ننفيه عنه لأنه لا علم لنا بذلك ويقول فى كتابه المسمى فتاوى العقيدة الله يتحرك أى ينتقل من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى. ويقولون تبعا لابن تيمية العالم أزلى بنوعه كما فى شرح الطحاوية لابن أبى العز الذى أثنى عليه ابن بازٍ وهذا قول منهم بأن الله ما خلق جنس العالم وينكرون نبوة ءادم عليه السلام كما فى كتابهم المسمى الإيمان بالأنبياء جملة لعبد الله بن زيدٍ ويقولون إن النار تفنى لا يبقى فيها أحد كما فى كتابهم المسمى القول المختار لفناء النار لعبد الكريم الحميد كما أن الوهابية يحرمون التوسل بالأنبياء والأولياء بل يجعلون ذلك شركا يوجب الخلود فى نار جهنم كما فى كتابهم المسمى عقيدة المؤمن لأبى بكرٍ الجزائرى وكذا يحرمون التبرك بآثار الأنبياء والأولياء ويزعمون أن الاستغاثة بالأنبياء شرك كما فى كتابهم المسمى العقيدة الصحيحة وما يضادها لابن بازٍ ويحرمون على المسلمين الاحتفال بمولد النبى ﷺ مدعين أن هذا فيه تشبه باليهود كما فى كتابهم المسمى التحذير من البدع لابن بازٍ مع أن الوهابية يحتفلون بمولد شيخهم محمد بن عبد الوهاب أسبوعا كاملا ويجعلون زيارة قبر النبى ﷺ للتبرك زيارة شركية ويعتبرون الصلاة على النبى جهرا بعد الأذان بدعة يجب منعها كما فى تعليق ابن بازٍ على كتاب فتح البارى ويحرمون قراءة القرءان على قبر المسلم كما فى كتابهم المسمى توجيهاتٍ إسلامية ويحرمون تعليق ءاياتٍ من القرءان على الصدر كما فى كتابهم المسمى فتاوى مهمة لابن بازٍ ويصفون أهل السنة والجماعة بالمعطلة أى المنكرين لصفات الله كما فى كتابهم المسمى القواعد المثلى لابن العثيمين لأن أهل السنة تأولوا الآيات المتشابهة ولم يحملوها على الظاهر عملا بقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾. وهذه الآية أصرح ءايةٍ فى تنزيه الله عن مشابة الخلق فيجب الحذر والتحذير من الوهابية وعقيدتهم فإن أكبر ضررٍ على المسلمين يأتى من ناحيةٍ باسم الدين من الوهابية وحزب الإخوان كفى الله المسلمين شرهم.
(25) كيف يرد على المشبهة الوهابية القائلين بأن تأويل الآيات والأحاديث المتشابهة تعطيل.
اعلم أنه ورد فى القرءان أن سيدنا عيسى عليه السلام قال ﴿تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب﴾ وهذه الجملة فيها استعمال اللفظ الواحد لمعنيين مختلفين لأن النفس يطلق ويراد به الغيب كما فى هذه الآية ﴿ولا أعلم ما فى نفسك﴾ أى ما فى غيبك أى ما أخفيته عن عبادك فلا يعلم كل الخفيات أحد إلا الله أما الوهابية المشبهة الذين لا يقبلون بهذا التأويل بل يحملون الآية على ظاهرها يكونون بهذا جوزوا على الله الموت لأن الله تعالى يقول ﴿كل نفسٍ ذائقة الموت﴾. وكذلك يعتقدون أن الله له عين حقيقية لأنهم لا يؤولون الآيات المتشابهة بل يحملونها على ظاهرها فماذا يقولون فى قول الله تعالى ﴿تجرى بأعيننا﴾. هؤلاء جعلوا تلك السفينة بما فيها من بشرٍ وبهائم وبقرٍ وحميرٍ فى ذات الله، حاشى لله ﴿تجرى بأعيننا﴾ أى بحفظنا لها وليس كما قالوا عين حقيقية. كان فى القرون الماضية رجل من رؤوس المشبهة القدماء يقال له بيان بن سمعان وكان يعتقد أن لله وجها بمعنى الجزء المركب على البدن وأن الله يفنى يوم القيامة ولا يبقى منه إلا وجهه. والوهابية كذلك يعتقدون أن الله جسم له وجه بمعنى الجزء المركب على البدن وإن لم يقولوا يفنى لكنهم يمنعون التأويل ويحملون الآيات المتشابهة على ظاهرها فماذا يقولون فى قوله تعالى فى سورة القصص ﴿كل شىءٍ هالك إلا وجهه﴾ فهل يقولون إن كل ما سوى الله وهو العالم يفنى ولا يبقى منه شىء وإن الله يفنى ولا يبقى منه إلا الوجه والعياذ بالله. هذا ابن بازٍ أحد زعماء الوهابية وكان أعمى قال له شخص أنتم تمنعون التأويل وتقولون إن التأويل للآيات والأحاديث المتشابهة تعطيل أى إنكار لها فلا يجوز، فما تقول فى قول الله تعالى ﴿ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا﴾ فقال ابن بازٍ إلا هذه الآية فإنها تؤول أى لا تحمل على ظاهرها، وهذا يدل على سخافة العقيدة الوهابية.
(26) ما هو الدليل من الحديث على جواز التأويل.
قال رسول الله ﷺ لابن عباسٍ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب، رواه ابن ماجه وغيره بألفاظٍ متعددةٍ وأوله عند البخارى فلو كان التأويل غير جائزٍ لما دعا النبى ﷺ لابن عمه عبد الله بن عباسٍ أن يعلمه الله تأويل القرءان والحديث. قال الحافظ عبد الرحمٰن بن الجوزى الحنبلى فى كتابه المجالس ولا شك أن الله استجاب دعاء الرسول هذا، وشدد النكير والتشنيع أى أنكر على من يمنع التأويل إنكارا شديدا ووسع القول فى ذلك فليطالعه من أراد زيادة التأكد.
(27) ما هو دليل أهل السنة فى الرد على الوهابية الذين يصفون الله بالجسم والأعضاء.
قال الله تعالى فى سورة الإخلاص ﴿قل هو الله أحد﴾ ومعنى الأحد الذى لا يقبل الانقسام أى ليس جسما والجسم ما له حجم إن كان كبيرا أو صغيرا وقال الإمام على رضى الله عنه سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارا ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء رواه ابن المعلم القرشى فى كتابه نجم المهتدى ورجم المعتدى. أما الوهابية المشبهة فإنهم جعلوا الله جسما له أعضاء فنسبوا إليه القدم والرجل على معنى الجارحة والعضو وقالوا إن الله له قدم بمعنى العضو ويضعها فى جهنم فلا تحترق كما أن ملائكة العذاب فى النار لا يتأذون بها وقال ابن العثيمين فى تفسيره لآية الكرسى ما نصه والكرسى هو موضع قدمى الله عز وجل. وليعلم أن القدم فى لغة العرب يقال لما يقدم إلى الشىء وأما الرجل فتأتى بمعنى الفوج فيقال فى اللغة رجل من جرادٍ أى فوج من جرادٍ فالقدم الوارد فى حديث البخارى لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قطٍ قط معناه الجماعة الذين يقدمهم الله للنار فتمتلئ بهم، ومعنى قطٍ قط اكتفيت اكتفيت. وكذلك ورد فى البخارى أن النار لا تمتلئ حتى يضع الله فيها رجله فتقول قطٍ قط فالمراد بالرجل هنا الفوج الذى يملأ الله بهم النار. ولا يجوز جعل القدم والرجل من باب الصفات بل الإضافة فيهما إضافة ملكٍ. فمن جعل لله قدما ورجلا بمعنى الجزء فقد جعل الله مثل خلقه وكذب قول الله تعالى عن الأصنام ﴿لو كان هؤلاء ءالهة ما وردوها﴾ فهذه الأصنام ترمى يوم القيامة فى جهنم إهانة للكفار الذين كانوا يعبدونها. فقد أفهمنا الله أن كل شىءٍ يرد النار فهو مخلوق ليس بإلهٍ. ولا يجوز إطلاق الفم أو الأذن على الله لأنها من قبيل الأجسام ويستحيل أن يكون الله جسما إذ لو كان جسما لجاز عليه ما يجوز على الأجسام كالفناء والتغير ولصحت الألوهية للشمس والقمر وغير ذلك من الأجسام.
(28) اذكر قول الإمام أحمد بن حنبلٍ فى تنزيه الله عن الجسم.
قال الإمام أبو الفضل البغدادى التميمى فى كتابه اعتقاد الإمام أحمد وأنكر أحمد على من يقول بالجسم (أى فى حق الله) وقال إن الأسماء (أى أسماء الأشياء) مأخوذة من الشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم (أى أطلقوا لفظ الجسم) على ذى طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليفٍ والله تعالى خارج عن ذلك كله (أى منزه عنه) فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ فى الشريعة ذلك (أى لم يجئ فى الشريعة إطلاق الجسم على الله) فبطل (أى تسميته بالجسم).
(29) كيف يرد على الوهابية الذين ينسبون إلى الله القعود على العرش.
قول الوهابية الله قاعد على العرش شتم لله لأن القعود صفة من صفات البشر والبهائم والجن والملائكة ولا يكون إلا ممن له جزء أعلى وجزء أسفل ومقعدة يلامس بها ما يقعد عليه وكل صفةٍ من صفات المخلوق إذا وصف الله بها فهو شتم له. قال الحافظ الفقيه محمد مرتضى الزبيدى فى شرح إحياء علوم الدين من جعل الله تعالى مقدرا بمقدارٍ كفر، أى لأنه جعله ذا كميةٍ وحجمٍ والحجم والكمية من موجبات الحدوث أى يدلان على أن المتصف بهما حادث أى مخلوق، وهل عرفنا أن الشمس حادثة مخلوقة من جهة العقل إلا لأن لها حجما فلو كان لله تعالى حجم لكان مثلا للشمس فى الحجمية ولو كان كذلك ما كان يستحق الألوهية كما أن الشمس لا تستحق الألوهية.
(30) اذكر كيف يكسر عابد الشمس المشبهة الوهابية الذى يجعلون لله مكانا.
لو طالب عابد الشمس المشبهة الوهابية بدليلٍ عقلىٍ على استحقاق الله الألوهية وعدم استحقاق الشمس الألوهية لم يكن عندهم دليل وغاية ما يستطيعون أن يقولوا قال الله تعالى ﴿الله خالق كل شىءٍ﴾ فإن قالوا ذلك لعابد الشمس يقول لهم عابد الشمس أنا لا أؤمن بكتابكم أعطونى دليلا عقليا على أن الشمس لا تستحق الألوهية فإن قال المشبه الوهابى معبودى جسم وله شكل وينزل ويصعد أجابه عابد الشمس ومعبودى كذلك غير أن معبودى جسم منير يراه ويحس بنفعه كل أحدٍ وأما معبودكم الذى تزعمون أنه جسم مستقر فوق العرش فلا أنا رأيته ولا أنتم رأيتموه ولا يحس أحد بنفعه فكيف تكون عبادتكم صحيحة وعبادتى باطلة فهنا ينقطعون ويعجزون عن إقامة الحجة على عابد الشمس.
(31) ماذا قال العلماء فى إطلاق الوجه واليد والعين والرضا والغضب فى القرءان على الله تعالى.
قال العلماء نؤمن بإثبات ما ورد فى القرءان والحديث الصحيح كالوجه واليد والعين والرضا والغضب على أنها صفات يعلمها الله أى يعلم حقيقتها لا على أنها جوارح أى أعضاء وانفعالات كأيدينا ووجوهنا وعيوننا وغضبنا فيصح أن يقال لله يد لا كأيدينا ووجه لا كوجوهنا وعين لا كأعيننا على معنى الصفة كما فى قوله تعالى فى سورة الذاريات ﴿والسماء بنيناها بأيدٍ﴾ أى بقوةٍ وقوله تعالى فى سورة القصص ﴿كل شىءٍ هالك إلا وجهه﴾ أى إلا ملكه وقوله تعالى فى سورة القمر عن سفينة نوحٍ ﴿تجرى بأعيننا﴾ أى بحفظنا لها وقوله تعالى فى سورة الفتح ﴿وغضب الله عليهم ولعنهم﴾ فإن الغضب إذا وصف الله به فمعناه إرادة الانتقام وليس انفعالا أو تغيرا يحدث فى النفس فإن الجوارح والانفعالات مستحيلة على الله لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾. والرضا إذا وصف الله به فمعناه إرادة الرحمة ورحمة الله لعباده إسباغ النعم عليهم وليست رقة القلب. ومحبة الله معناها الإكرام وليست انفعالا أو تغيرا فإذا قيل الله يحب أولياءه معناه يكرمهم وكذلك إذا قيل الله يحب المساجد فقد ورد فى الحديث أن المساجد تزف إلى الجنة كما تزف العروس. فالكعبة تنقل إلى الجنة وكذلك المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام وكل المساجد التى بنيت من مالٍ حلالٍ.
(32) ما معنى قوله تعالى فى سورة طه ﴿الرحمٰن على العرش استوى﴾.
فسره بعض العلماء بالقهر لكن لا يقطع بأن مراد الله بالاستواء على العرش القهر إنما يظن ظنا راجحا وقد ورد عنه ﷺ اعملوا بمحكمه وءامنوا بمتشابهه، رواه ابن حبان فى صحيحه. وءامنوا بمتشابهه أى من غير أن تتوهموا أن معانيه من صفات الأجسام فقد نقل البيهقى فى كتاب المعتقد بإسناده عن الأوزاعى ومالكٍ وسفيان والليث بن سعدٍ أنهم سئلوا عن الآيات المتشابهة فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفيةٍ، أى ءامنوا بها ولا تفسروها تفسيرا فاسدا بنسبة الكيفية أى صفات المخلوقين إلى الله. فمعنى ﴿الرحمٰن على العرش استوى﴾ قهر وحفظ وأبقى ولا يجوز تفسيره بالجلوس أو الاستقرار ونحو ذلك من صفات الخلق أما من يعتقد أن الله جالس على العرش أو أنه مستقر عليه أو محاذٍ له بوجود فراغٍ بينه وبين العرش فهو كافر لأنه لم يعرف الله. فتحمل الآية على القهر أو يقال استوى استواء يليق به أو استوى بلا كيفٍ. والكيف المنفى عن الله هو الجلوس والاستقرار والمحاذاة أى كون الشىءٍ فى مقابل شىءٍ والتحيز فى المكان وكل الهيئات من حركةٍ وسكونٍ وانتقالٍ. ومعنى قهر الله للعرش الذى هو أعظم المخلوقات أن العرش تحت تصرف الله هو أوجده وحفظه وأبقاه، حفظه من الهوى والسقوط ولولا حفظ الله له لهوى وتحطم. وليعلم أن الاستواء فى لغة العرب له خمسة عشر معنى منها ما لا يليق بالله كالجلوس والاستقرار ومنها ما يليق بالله كالقهر لقوله تعالى فى سورة الأنعام ﴿وهو القاهر فوق عباده﴾.
(33) ما معنى قوله تعالى فى سورة الفجر ﴿وجاء ربك والملك صفا صفا﴾.
معنى قوله تعالى ﴿وجاء ربك والملك صفا صفا﴾ جاءت قدرته أى ءاثار القدرة من الأمور العظام التى تظهر يوم القيامة كجر الملائكة لجزءٍ كبيرٍ من جهنم إلى الموقف حتى يراه الكفار فيفزعوا وشهادة الأيدى والأرجل بما كسبه الكفار مع الختم على أفواههم وليس معناه مجىء الحركة والانتقال وإفراغ مكانٍ وملء ءاخر بالنسبة إلى الله ومن اعتقد ذلك يكفر فالله تعالى خلق الحركة والسكون وكل ما كان من صفات الحوادث أى المخلوقات فلا يوصف الله تعالى بالحركة ولا بالسكون فالحركة هى انتقال الحجم من مكانٍ إلى مكانٍ والسكون هو ثبوت الحجم فى مكانٍ وقد ثبت عن الإمام أحمد أنه قال فى قوله تعالى ﴿وجاء ربك﴾ إنما جاءت قدرته رواه البيهقى فى مناقب أحمد بالإسناد الصحيح. وأما مجىء الملائكة فهو المجىء المحسوس الذى هو حركة وانتقال.
(34) ما الدليل على أن من البدع ما هو حسن.
قال الله تعالى فى سورة الحديد ﴿وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله﴾ ففى هذه الآية مدح الله المؤمنين من أمة عيسى لأنهم كانوا أهل رحمةٍ ورأفةٍ ولأنهم ابتدعوا الرهبانية وهى الانقطاع عن الشهوات المباحة زيادة على تجنب المحرمات حتى إنهم انقطعوا عن الزواج وتركوا اللذائذ من المطعومات والثياب الفاخرة وأقبلوا على الآخرة إقبالا تاما. فقوله تعالى ﴿ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله﴾ فيه مدح لهم على ما ابتدعوا. وقال رسول الله ﷺ من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، رواه مسلم. وروى البخارى أن عثمان بن عفان أحدث أذانا ثانيا يوم الجمعة ولم يكن هذا الأذان الثانى فى أيام رسول الله ﷺ وكذلك أحدث الصحابى الجليل خبيب بن عدىٍ صلاة ركعتين عند القتل فقد روى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال فكان خبيب أول من سن الركعتين عند القتل. وروى البخارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جمع الناس على صلاة التراويح فى رمضان وكانوا فى أيام رسول الله يصلونها فرادى وقال عمر عن ذلك نعمت البدعة هذه. ومن البدع الحسنة تنقيط التابعى الجليل يحيى بن يعمر المصحف وكان من أهل العلم والتقوى توفى سنة مائةٍ وتسعٍ وعشرين وأقر ذلك العلماء واستحسنوه ولم يكن المصحف منقطا عندما أملى الرسول على كتبة الوحى بل كانوا يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقطٍ قال أبو بكر بن أبى داود صاحب السنن فى كتابه المسمى كتاب المصاحف أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر وهو من علماء التابعين. وكذلك عمر بن عبد العزيز الإمام التقى العادل رضى الله عنه عمل المحاريب المجوفة التى تدل على اتجاه القبلة للمساجد بعد نحو تسعين سنة من وفاة الرسول ﷺ وكل هذا لم يكن فى زمان رسول الله ﷺ. أما حديث وكل بدعةٍ ضلالة فقد قال الحافظ النووى فى شرح صحيح مسلمٍ إنه عام مخصوص والمراد به غالب البدع اهـ. فهو كقوله تعالى عن الريح ﴿تدمر كل شىءٍ بأمر ربها﴾ ولم تدمر هذه الريح السموات والأرض إنما دمرت كل شىءٍ مرت عليه من رجال عادٍ الكافرين وأموالهم، ونظير ذلك قوله ﷺ وكل عينٍ زانية. وليس المراد بهذا الحديث أن جميع الناس بلا استثناءٍ حتى الأنبياء والأعمى يقع فى معصية زنى العين وهو النظر المحرم بل المراد أن أغلب الناس يقعون فى هذه المعصية.
(35) ما معنى التبرك وما الدليل على جواز التبرك بآثار الأنبياء.
التبرك هو طلب زيادة الخير من الله. والتبرك بآثار الأنبياء أمر جائز شرعا وجواز هذا الأمر يعرف من فعل الأنبياء فقد أخبر الله تعالى فى القرءان الكريم أن نبى الله يوسف عليه السلام قال ﴿اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا﴾ إلى قوله ﴿فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا﴾ فقد حصل الشفاء لسيدنا يعقوب عليه السلام بإلقاء قميص ابنه يوسف على وجهه. فيعلم من ذلك أن التبرك بآثار الأنبياء أمر جائز شرعا وليس كفرا ولا شركا كما تدعى الوهابية الذين يسمون أنفسهم سلفية ليوهموا الناس أنهم على مذهب السلف ولا يجوز تسميتهم بهذا الاسم لأنهم شاذون عن الأمة. فهؤلاء كفروا سيدنا يوسف عليه السلام لأنه أرسل قميصه إلى أبيه يعقوب ليتبرك به وكفروا سيدنا يعقوب عليه السلام لأنه تبرك بقميص ابنه يوسف فحصلت له البركة والشفاء كما أخبر الله تعالى فى القرءان كما أنهم كفروا سيدنا محمدا ﷺ لأنه قسم شعره حين حلق فى حجة الوداع بين أصحابه ليتبركوا به كما روى ذلك البخارى ومسلم وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون بشعره المبارك فى حياته وبعد مماته ولا زال المسلمون إلى يومنا هذا على ذلك.
(36) ما معنى التوسل وما الدليل على جواز التوسل برسول الله فى حياته وبعد مماته.
التوسل هو طلب حصول منفعةٍ أو اندفاع مضرةٍ من الله بذكر اسم نبىٍ أو ولىٍ إكراما للمتوسل به. والتوسل ليس عبادة لغير الله كما تدعى الوهابية لأن العبادة هى أقصى غاية الخشوع والخضوع كما قال الإمام تقى الدين السبكى فى فتاويه وقال بعضهم نهاية التذلل كما يفهم ذلك من كلام الراغب الأصبهانى فى مفرداته ونقله عنه مرتضى الزبيدى فى تاج العروس. وأما الدليل على جواز التوسل برسول الله فى حياته وبعد مماته فهو ما رواه الحافظ الطبرانى فى المعجم الصغير أن الرسول ﷺ علم الأعمى أن يتوسل به فذهب وتوسل به فى غير حضرته وعاد إلى مجلس الرسول وقد أبصر، وكان مما علمه رسول الله أن يقول اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ نبى الرحمة يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى (ويسمى حاجته) لتقضى لى. وبهذا الحديث بطل زعم الوهابية أنه لا يجوز التوسل إلا بالحى الحاضر لأن الأعمى لم يكن حاضرا فى مجلس الرسول حين توسل به بدليل أن راوى الحديث عثمان بن حنيفٍ قال لما روى حديث الأعمى فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر. فقوله حتى دخل علينا الرجل يدل على أن الأعمى لم يكن حاضرا فى مجلس الرسول حين توسل به بقوله يا محمد. ومما يدل على أن الأعمى توسل بالرسول فى غير حضرته أنه ثبت النهى عن نداء الرسول باسمه فى وجهه لقوله تعالى ﴿لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾. وأما الدليل على جواز التوسل برسول الله بعد وفاته أن عثمان بن حنيفٍ علم رجلا هذا الدعاء الذى فيه توسل برسول الله لأنه كان له حاجة عند سيدنا عثمان بن عفان فى خلافته وما كان يتيسر له الاجتماع به حتى قرأ هذا الدعاء فتيسر أمره بسرعةٍ وقضى له سيدنا عثمان حاجته. قال الطبرانى والحديث صحيح. أما قول الألبانى إن مراد الطبرانى بقوله والحديث صحيح هو ما فعله الأعمى فى حياة رسول الله وليس ما فعله الرجل بعد وفاة الرسول أيام عثمان بن عفان فمردود لأن علماء مصطلح الحديث قالوا الحديث يطلق على المرفوع إلى النبى وعلى الموقوف على الصحابى أى أن كلام الرسول يسمى حديثا وقول الصحابى يسمى حديثا نص على ذلك غير واحدٍ من علماء الحديث منهم الحافظ ابن حجرٍ العسقلانى كما نقل عنه السيوطى فى تدريب الراوى وابن الصلاح فى مقدمته فى علوم الحديث وكذلك الإمام أحمد. وأخيرا نذكر ما قاله ابن تيمية شيخ المجسمة فى هذه المسئلة وليس لأنه من أهل السنة الذين يرجع إليهم فى معرفة أمور الدين بل ليكون كلامه حجة فى هذه المسئلة على الفرقة الوهابية أدعياء السلفية الذين يشنعون على المسلمين المتوسلين بالأنبياء والأولياء قال ابن تيمية فى كتابه الكلم الطيب فى الصحيفة الثالثة والسبعين ما نصه فصل فى الرجل إذا خدرت رجله عن الهيثم بن حنش قال كنا عند عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل اذكر أحب الناس إليك فقال يا محمد فكأنما نشط من عقال. وكتابه الكلم الطيب ثابت أنه من تأليفه ذكر ذلك صلاح الدين الصفدى وكان معاصرا لابن تيمية ويتردد عليه وأثبت ذلك الألبانى فى مقدمة النسخة التى طبعها الوهابى تلميذ الألبانى زهير الشاويش، فإن قالوا ابن تيمية رواه من طريق راوٍ مختلفٍ فيه يقال لهم مجرد إيراده له فى هذا الكتاب دليل على أنه استحسنه لأن الذى يورد الباطل فى كتابه ولا يحذر منه فهو داعٍ إليه وتسميته للكتاب بالكلم الطيب أى الكلام الطيب دليل على أنه استحسن كل ما فيه. فهم وقعوا فى حيرةٍ لأن ابن تيمية أجاز قول يا محمد عند الضيق واستحسنه وهذا فيه استحباب الكفر والشرك عندهم وقائل هذا إمامهم الذى أخذوا منه أكثر عقائدهم، فماذا يقولون كفر لهذا أم لم يكفر، فإن قالوا كفر وهم يسمونه شيخ الإسلام فهذا تناقض يكفرونه ويسمونه شيخ الإسلام. إن قالوا نحن على صوابٍ وابن تيمية استحل الشرك والكفر، قلنا قد كفرتم شيخكم وتكونون اعترفتم بأنكم متبعون لرجلٍ كافرٍ تحتجون بكلامه فى كثيرٍ من عقائدكم فلماذا لا تتبرءون منه. وإن قالوا لم يكفر نقضوا عقيدتهم أى قالوا بخلاف عقيدتهم.
(37) ما حكم الاحتفال بمولد النبى ﷺ.
اعلم أن الاحتفال بمولده ﷺ لم يكن فى عهد النبى إنما حدث فى القرن السابع الهجرى وهو بدعة حسنة وأول من أحدثه الملك المظفر ملك إربل أبو سعيدٍ كوكبرى وكان عالما تقيا فاستحسن ذلك العلماء فى مشارق الأرض ومغاربها منهم الحافظ ابن حجرٍ العسقلانى وتلميذه الحافظ السخاوى وكذلك الحافظ السيوطى وله رسالة سماها حسن المقصد فى عمل المولد قال وأصل عمل المولد الذى هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرءان ورواية الأخبار الواردة فى مبدإ أمر النبى وما وقع فى مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه هو من البدع الحسنة التى يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبى وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف ﷺ. وهذا ما عليه علماء الإسلام بخلاف الوهابية الذين يحرمون على المسلمين الاحتفال بمولده الشريف ﷺ. والدليل على مشروعية عمل المولد قوله تعالى ﴿وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾ وقوله ﷺ من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء.
(38) كيف نرد على شبهات الوهابية فى تحريمهم الاحتفال بمولد خير البرية ﷺ.
اعلم أن علم الدين لا يؤخذ إلا من أهل المعرفة الثقات والوهابية ليس فيهم ثقة ولا عدل بل هم مشبهة مجسمة يشبهون الله بخلقه ويعتقدون أن الله جسم قاعد فوق العرش ويكفرون المسلمين المنزهين لله عن الحجم والشكل والمكان والجهة وعن كل صفات المخلوقين. واعلم أن الوهابية الذين يحرمون الاحتفال بمولد النبى ﷺ ويعتبرونه بدعة محرمة ابتدعوا دينا جديدا وعقيدة تخالف عقيدة الأنبياء وجميع المسلمين وهى عقيدة التشبيه والتجسيم فإنهم جعلوا الله جسما له أعضاء كاليد والعين والوجه كما فى كتاب فتاوى العقيدة لابن العثيمين. كما أنهم يحرمون الصلاة على النبى جهرا بعد الأذان بصوت المؤذن وقراءة القرءان على الأموات المسلمين والذكر الجماعى محتجين بقوله تعالى فى سورة المائدة ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى﴾. وهذه الآية نزلت فى حجة الوداع فى عرفات وعاش الرسول بعدها نحو ثلاثة أشهرٍ والوحى ينزل عليه أما ءاخر ءايةٍ نزلت فهى ءاية فى سورة البقرة ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون﴾ نزلت قبل وفاته ﷺ بنحو ثمانية أيامٍ. ومعنى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ أن قواعد الدين تمت واكتملت أى أكملت لكم ما تحتاجون إليه القواعد ومعظم ما تحتاجونه من تعلم الحلال والحرام وقوانين القياس والتوفيق بين الأمور بما يوافق شريعة الإسلام بحيث يستطيع مجتهدو الأمة من العلماء أن يقيسوا الأحكام المستجدة عليها ومن هذه القوانين حديث رسول الله ﷺ من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء وحديث من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أى من أحدث فى دين الإسلام رأيا لا يوافق ما جاء فى كتاب الله أو السنة النبوية فهو مردود على فاعله لبطلانه كما قال المناوى فى شرح الجامع الصغير ويسمى فعله بدعة سيئة وهذا الذى ذمه النبى ﷺ بقوله إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة كما ذكر الحافظ النووى والإمام الخطابى ففهم من هاتين القاعدتين أنه لا يجوز للمسلمين استحداث أمرٍ مخالفٍ لقواعد الشرع. وليس معنى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ أن الوحى انقطع ولم تنزل أحكام جديدة بعد نزول هذه الآية بل نزلت أحكام عديدة وءايات كثيرة بعد نزول هذه الآية كآية الكلالة فى المواريث وءايات تحريم الربا وهذا مما قاله علماء التفسير كالقرطبى والطبرى وكذلك الحافظ عبد الرحمٰن أبو الفرج بن الجوزى. فإن حرمتم ما أحدثه علماء الإسلام من البدع الحسنة بعد وفاة النبى ﷺ محتجين بآية ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ فقد ألغيتم تحريم الربا لأن ءايات تحريم الربا من ءاخر ما نزل من القرءان ونزلت بعد هذه الآية كما قال سيدنا عمر رضى الله عنه. كما أن الوهابية يموهون على الناس بقولهم لو كان المولد خيرا لفعله الرسول والصحابة ويحتجون بحديث وكل بدعةٍ ضلالة فى تحريمهم للمولد. فإن كان الأمر كما يزعمون فقد نسبوا الجهل إلى الرسول ﷺ واتهموه بأنه مدح الضلالة وقال إن فى الضلالة أجرا لأن الرسول ﷺ قال من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص من أجورهم شىء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده لا ينقص من أوزارهم شىء، رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلى. بين الرسول ﷺ فى هذا الحديث أن من البدع ما هو حسن وأذن للعلماء من أمته أن يحدثوا بعده أمورا لا تخالف كتابا أو سنة أو إجماعا بدليل حديث مسلمٍ عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت قال رسول الله ﷺ من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، أى مردود وفى ذلك إشعار بأن من أحدث ما هو منه أى ما هو موافق له فليس مردودا وإلا فما فائدة تقييده بقول ما ليس منه. فإن قلتم كما قال شيخكم ابن بازٍ إن معنى من سن فى الإسلام سنة حسنة أحياها فقد خالفتم كلام علماء اللغة وشراح السنة النبوية وكلامكم مردود بحديث من أحيا سنتى عند فساد أمتى له أجر شهيد بدليل أن الرسول ﷺ لم يقل من سن سنتى عند فساد أمتى. ومعنى من أحيا سنتى نشرها ودعا الناس للتمسك بها أما سن فمعناه ابتدع وأحدث. ثم كيف تحرمون عمل المولد بدعوى أن الرسول ما فعله ولا الصحابة وأنتم تطبعون المصاحف المنقطة وتقرؤون بها. وأول من نقط المصحف التابعى الجليل يحيى بن يعمر كما قال أبو بكر بن أبى داود صاحب السنن فى كتابه المصاحف وأول من وضع له الشدات الحسن البصرى. فالتنقيط فى المصحف لم يفعله الرسول ولا أمر به ولا فعله الصحابة وكذا التعشير أى وضع علامةٍ بعد كل عشر ءاياتٍ وجعل القرءان أجزاءا ثلاثين والتحزيب أى جعل القرءان أحزابا ستين وعلامات السجدة وترقيم الآيات ووضع أسماء السور ومكية أو مدنية ووضع البسملة فى بداية السور، ثم أليس أنتم تقرؤون بمصاحف مطبوعةٍ ومزينةٍ ومزخرفةٍ وكل هذا لم يفعله الرسول ولا أمر به ولا فعله الصحابة وأنتم تفعلون. رأيتم كم أنكم غارقون فى الكذب والدجل والتحريف والتناقض وتضليل الأمة وتضحكون على الناس وتقولون عن عمل المولد بدعة محرمة. هل قال الرسول اعملوا منبرا للمسجد الحرام من عشر درجاتٍ يقف عليه الخطيب. المنبر أيام الرسول كان من ثلاث درجاتٍ، هل قال الرسول ضعوا مكبرات الصوت للمسجد الحرام وهل قال أنشؤوا هذه المآذن الضخمة فى المسجد الحرام، هل قال أنشؤوا منبرا نقالا وانصبوا محرابا فى هذا الموضع من الكعبة، هل أمر الرسول بنقل صلاة العشاء مباشرة من المسجد الحرام على الفضائيات وهل قال الرسول أنشؤوا المحاريب فى مساجد الحجاز وكل المساجد فى الحجاز لها محاريب ومآذن وكل هذا لم يفعله الرسول ولا قال افعلوه وأنتم تفعلون. ألستم تحتفلون بمناسبات أسيادكم ترقصون فيها بلحاكم الطويلة أياما وليالى تصرفون فيها أموالا طائلة وتجيزون ذلك وأما مولد رسول الله فتحرمون. تقولون ما لم يفعله الرسول لا نفعله هل قال الرسول تسموا بشيخ الإسلام، من أين جئتم باسم شيخ الإسلام لإمامكم المجسم ابن تيمية، وهل قال الرسول تسموا باسم المجدد الإمام، من أين جئتم باسم المجدد الإمام لمحمد بن عبد الوهاب. هل قال الرسول اطبعوا صحيح البخارى وصحيح مسلمٍ والكتب السبعة، هل قال الرسول أنشؤوا حلقاتٍ لختم صحيح البخارى وصحيح مسلمٍ وحلقاتٍ لختم موطإ مالكٍ وكل ذلك أنتم تفعلون. ألستم فى مكة والمدينة عند ختم القرءان فى تراويح رمضان تقرؤون دعاء تسمونه دعاء ختم قراءة القرءان وهذا لم يرد فى حديثٍ صحيحٍ أو ضعيفٍ أو موضوعٍ إنما هو مما ألفه بعض المسلمين وجمعه وأنتم تقولون لا توجد بدعة حسنة، إذا هو بدعة ضلالة بزعمكم أدخلتموها فى الصلاة ووضعتموها فى ءاخر المصحف ونشرتموها بين العباد. قال شيخكم ابن بازٍ هذا الدعاء لم يرد فى الحديث لكن هكذا تلقيناه عن شيوخنا، أما شيخكم الألبانى فقال فى كتابه المسمى سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة التزام دعاء ختم القرءان بدعة محرمة وأنتم تدخلونه فى الصلاة وتطبعونه فى المصاحف، واحتج الألبانى عليكم بظاهر حديث وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ فى النار فضللكم لأجل ذلك. وأنتم تحتجون بآية ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ وتقولون لا توجد بدعة حسنة فماذا ستحكمون على إمامكم ابن تيمية الذى يقول فى كتابه المسمى الفتاوى الكبرى عمن يضبط عدد قراءة الآيات فى الصلاة بالمسبحة أو قراءة سورة الإخلاص بالمسبحة لا بأس بذلك، فهل ورد فى السنة الثابتة أو الإجماع اقرؤوا عددا معينا من سورة الإخلاص فى الصلاة واضبطوا العدد بالمسبحة، أليس هذه بدعة. وإمامكم ابن قيم الجوزية يقول فى كتابه مدارج السالكين وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية، أليست هذه التسمية بدعة.
(39) ما حكم الصلاة على النبى بعد الأذان وكيف يرد على من يحرمها.
الصلاة على النبى سنة مستحبة لقوله تعالى ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ وقوله ﷺ من ذكرنى فليصل على، رواه الحافظ السخاوى فى كتابه القول البديع فى الصلاة على النبى الشفيع. الرسول يقول من ذكرنى فليصل على والمؤذن ذكره. فإذا أذن المسلم للصلاة ثم صلى على النبى فهذه الزيادة ليست من الأذان لأن الأذان ينتهى بقول لا إله إلا الله إنما هى بعد الأذان فهى زيادة فى الخير والله تعالى يقول ﴿وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾ فهو كمن صلى الظهر ثم قام فصلى ركعتين. فإذا قال الوهابية لماذا تجعلونها عادة نقول لهم إذا جعل المؤذن عادته أنه كلما أذن وانتهى من الأذان التفت إلى إخوانه وقال لهم بارك الله فيكم كان جائزا، فكيف يكون الدعاء لكل فردٍ من أمة محمدٍ جائزا عندكم ولمحمدٍ محرما. الصلاة على النبى دعاء لرسول الله ﷺ.
(40) ما هو أول واجبٍ على المكلف.
أول ما يجب على المكلف إن كان كافرا الدخول فى دين الإسلام فورا ويكون بالتبرؤ من الكفر والنطق بالشهادتين باللسان إن كان قادرا على النطق ولا يجوز تأخير الدخول فى الإسلام لأجل الغسل أو غيره ولا يكون له عذرا أن يؤخر نفسه عن الدخول فى الإسلام ليفكر فى حقية الإسلام برهة من الزمن. ويجب عليه أن يثبت على الإسلام بأن يجتنب جميع أنواع الكفر لقوله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ وقوله ﷺ من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، أى من أحب أن يبعده الله من نار جهنم ويدخله الجنة فليثبت على الإيمان بالله ورسوله إلى الممات، والحديث رواه البيهقى وابن حبان. ويجب على المكلف أيضا أن يؤدى جميع الواجبات وأن يجتنب جميع المحرمات.
(41) ما الدليل على أن الإسلام لا يسمح بحرية العقيدة كما يدعى بعض الجهلة.
اعلم أن الإسلام جاء لإبطال كل دينٍ سواه ولكف الناس عن الفكر الذى يخالف الإسلام ولا يسمح بحرية العقيدة بدليل قوله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ وقوله تعالى فى سورة يوسف ﴿إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ وقوله تعالى فى سورة البينة ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ وقوله تعالى فى سورة التوبة ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ وقوله تعالى فى سورة الإسراء ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ أى أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وقوله تعالى فى سورة الذاريات ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ أى خلقهم ليأمرهم بعبادته وينهاهم عن معصيته وقال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ وقال تعالى فى سورة الزمر ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾. فالدين الذى رضيه الله لعباده وأمرنا باتباعه هو الإسلام قال تعالى فى سورة المائدة ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾. ثم كيف يقول ذو عقلٍ يدعى الإسلام إن الإسلام جاء بحرية العقيدة ويسمح لكل إنسانٍ أن يدين بأى دينٍ يراه ويرتضيه ورسول الله ﷺ يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، وهو حديث متواتر رواه البخارى. فلو كان الإسلام يسمح بحرية العقيدة بمعنى أن الإنسان له أن يختار الإسلام أو غيره كما يدعى هؤلاء الجهلة ما كان قاتلهم رسول الله ﷺ، وهدف هؤلاء إلغاء نشر عقيدة الإسلام. وأما الآية ﴿لا إكراه فى الدين﴾ فمعناها أنك يا محمد لا تستطيع أن تكره قلوب الكفار على الإيمان أى لا تستطيع أن تهدى قلوبهم فيؤمنوا وليس فيها ترخيص للناس أن يكفروا وأن يعبدوا غير الله. لو كانت الآية لإباحة الكفر كما يزعم هؤلاء فلأى شىءٍ توعد الله الكافرين بجهنم، ولو كان للناس حرية الدين والفكر لما بعث الله الأنبياء ففى بعثة الأنبياء مصلحة ضرورية للعباد لأنهم يعلمون الناس ما ينجى فى الآخرة وما يهلك فى الآخرة. وكذلك الآية ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا﴾ فإنها نزلت على معنى التهديد والوعيد وليس فيها تخيير للإنسان بين أن يؤمن أو يكفر وسياق الآية يدل على هذا المعنى أى من يؤمن فله الجنة ومن يكفر فله العذاب الأليم فى جهنم. والظالمون فى الآية هم الكافرون قال تعالى فى سورة البقرة ﴿والكافرون هم الظالمون﴾. ومعنى قوله تعالى ﴿أحاط بهم سرادقها﴾ أن جهنم لها غشاوة لها غطاء ليزيد حرها والكفار فى جهنم من شدة العطش يطلبون الماء فيسقون من ماءٍ بلغ الغاية فى الحرارة. وليس الأمر كما يقول عمرو خالد بلغته العامية بأن الإنسان يعبد اللى هوا عايزه، فهذه دعوة إلى الإلحاد والكفر وليس كما يقول الوهابى عدنان العرعور من أراد أن يعبد حجرا فليعبد حجرا نحن لا إكراه عندنا فى الدين، وكلامه فيه الرضا بكفر الغير ومن رضى بكفر غيره كفر وليس الأمر كما يقول محمد متولى الشعراوى فى كتابه الفتاوى بأن المرأة لها حرية العقيدة تعتقد ما تشاء، ويقول فى كتابه المسمى أسئلة حرجة وأجوبة صريحة وشرف الإسلام وقوته أنه أول من حارب من أجل حرية الرأى وحرية العقيدة، وليس الأمر كما يقول عدنان إبراهيم بأن الله أعطى الناس الحرية فى أن يختاروا دينهم وعقيدتهم فهؤلاء كذبوا الله ورسوله والعياذ بالله.
(42) ما معنى قوله تعالى فى سورة البقرة ﴿لا إكراه فى الدين﴾.
قوله تعالى ﴿لا إكراه فى الدين﴾ ليس معناه أنه يجوز لكل إنسانٍ أن يعتقد ما يشاء إنما الآية فيها ثلاثة أقوالٍ الأول أنها منسوخة حكما لا تلاوة أى تتلى على أنها ءاية من القرءان لكن نسخ حكمها وهو النهى عن قتال الكفار بآيات القتال كقوله تعالى ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله﴾ أى قاتلوا الكفار حتى يدخلوا فى دين الإسلام ولا يفتنوا المسلمين عن دينهم فيكونوا سببا فى إخراج بعض المسلمين عن الدين والثانى أنها نزلت فى أهل الكتاب اليهود والنصارى فيكون المعنى أنه ليس لنا أن نكره اليهود والنصارى الذين التزموا دفع الجزية لإمام المسلمين على الإسلام بقوة السلاح. والثالث ﴿لا إكراه فى الدين﴾ أى أنك يا محمد لا تستطيع أن تكره قلوب الكفار على الإيمان أى لا تستطيع أن تهدى قلوبهم فيؤمنوا إنما تستطيع أن تكره ظواهرهم أى أن تجبرهم بقوة السلاح على النطق بالشهادتين. وأما قوله تعالى ﴿لكم دينكم ولى دين﴾ أى لكم دينكم الباطل فاتركوه ولى دينى الصحيح وهو الإسلام فاتبعوه.
(43) كيف يكون الدخول فى الإسلام.
الدخول فى الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين باللسان مع التصديق بمعناهما بالقلب لقوله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، رواه البخارى. قال الحافظ النووى من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو كافر مخلد فى النار بالإجماع، كأبى طالبٍ عم النبى ﷺ فإن النبى دخل عليه فى مرض وفاته وقال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، رواه البخارى فلم يفعل بل قال لولا أن تعيرنى بها نساء من قريش لأقررت بها عينك إنى على ملة عبد المطلب أى على عبادة الأصنام. وكان عبد المطلب جد النبى مشركا من أهل الفترة ولم يكن مسلما ولو كان مسلما لما سكت له الرسول كان قال له عبد المطلب لم يكن على دينكم، ثم لما مات أبو طالبٍ جاء سيدنا على إلى الرسول ﷺ فقال يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات وفى روايةٍ الشيخ الكافر فقال له الرسول اذهب فواره، أى فادفنه رواه أبو داود ولم يترحم عليه ولا استغفر له. وليعلم أن الله تعالى عصم الأنبياء من أن تميل قلوبهم إلى محبة ذات كافرٍ فالأنبياء لا يحبون ذوات الكفار. والكافر إن اعتقد الحق ولم ينطق لعجزٍ فهو كمن نطق.
(44) كيف ندعو الكافر إلى الإسلام.
من المعلوم أن الشىء الذى يميز الإنسان عن البهائم أن الإنسان له عقل، فلو فكر الإنسان بعقله فى هذا العالم لعرف أن هذا العالم مخلوق لأنه مؤلف من أجسامٍ وصفاتٍ للأجسام. والجسم مخلوق وليس خالقا أى وجد بعد أن كان معدوما. والجسم لا بد له من صفاتٍ كالحركة والسكون ولا يخلو الجسم منهما وهـما حادثان أى مخلوقان لأنه بحدوث أحدهـما ينعدم الآخر. فإذا ثبت أن العالم مخلوق علمنا أنه محتاج إلى خالقٍ خلقه لأن الشىء لا يخلق نفسه، فإذا كان لا يعقل وجود كتابةٍ وبناءٍ من غير فاعلٍ فكيف يعقل وجود هذا العالم بلا خالقٍ. فيجب اعتقاد أن لهذا العالم خالقا خلقه أى أوجده وأبرزه من العدم إلى الوجود أى صار موجودا بإيجاد الخالق له بعد أن لم يكن وهذا الخالق لا يشبه العالم بأى وجهٍ من الوجوه، لا يتصور فى العقول والأذهان، لا يستطيع الإنسان أن يتصوره لأنه ليس كمثله شىء، فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يتصور وجود وقتٍ ليس فيه نور ولا ظلام قبل أن يخلقا ولا يستطيع أن يتصور الروح التى فى جسده وهى جسم لطيف نؤمن ونصدق بوجوده فكيف يستطيع أن يتصور الخالق الذى ليس كمثله شىء. كل ما يتصوره الإنسان بباله فهو مخلوق والخالق لا يشبه المخلوق، لو كان مشابها لشىءٍ من مخلوقاته ما استطاع أن يخلقها ولجاز عليه ما يجوز عليها من الفناء والتغير ولصحت الألوهية للشمس والقمر، فالخالق ليس جسما ولا روحا ولا ريحا ولا هواء ولا غيما ولا ضوءا ولا ظلاما منزه عن الحجم والكمية واللون والشكل والهيئة والأعضاء والولد لا يسكن السماء ولا العرش لأنه ليس حجما يملأ فراغا فهو موجود بلا جهةٍ ولا مكانٍ. وليس من شرط صحة الإيمان بالشىء أن يتصور بالعقل أو أن يرى بالعين فيجب علينا أن نؤمن بوجود الخالق وإن كنا لا نراه بأعيننا فى الدنيا فهذا العالم دليل على وجود الخالق سبحانه ولا يستحق أحد العبادة إلا هو لأنه الخالق ولا خالق سواه وهو وحده الأزلى الذى لا ابتداء لوجوده ولا أزلى سواه. فإذا ءامن الإنسان بوجود الخالق سبحانه وأنه لا يشبه شيئا ءامن بأنه أرسل رسولا إلى كافة الإنس والجن وهو محمد بن عبد الله ليدعوهم إلى الإسلام ويأمرهم بالإيمان بشريعته ويتبعوه فى كل ما جاء به فيجب الإيمان أنه صادق فى كل ما أخبر به عن ربه كأمور الآخرة أو أخبار الأمم السابقة أو تحليل شىءٍ أو تحريمه لأن خبر من ثبتت رسالته بالمعجزات لا بد أن يكون صدقا. ويجب الإيمان أن الله تعالى وهو الخالق أرسل أنبياء كآدم ونوحٍ وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمدٍ ليدعوا الناس إلى الدين الذى رضيه لهم وهو الإسلام أى إلى عبادة الخالق وحده وأن لا يشركوا به شيئا والأنبياء جملهم ربنا بصفاتٍ حميدةٍ وأخلاقٍ حسنةٍ ونزههم عن الصفات الذميمة فليس فيهم كافر أو كاذب أو خائن أو جبان أو فاسق أو خسيس أو سفيه أو رذيل أو زانٍ أو يشبه القرود أو لا يحسن النطق. وكل نبىٍ مرسلٍ لا بد يكون صادقا فى كل ما جاء به والدليل على صدقه أن ربنا سبحانه وتعالى أيده بمعجزاتٍ أى أظهر له خوارق لا يستطيع المكذبون له أن يأتوا بمثل ما جاء به. أما كيف عرفنا بهذه المعجزات فنقول انتقل إلينا خبرها بواسطة عددٍ كبيرٍ من الناس ينقل عن عددٍ كبيرٍ شهد المعجزة وهكذا إلى أن وصل الخبر إلينا. فيقال لمن لم يؤمن بذلك كما أنك صدقت بوجود أناسٍ كانوا فى الزمن الماضى مع أنك لم ترهم فنحن أيضا صدقنا بوجود هؤلاء الأنبياء وأنهم دعوا الناس إلى الإسلام فالإسلام هو الدين الصحيح المقبول عند الخالق سبحانه ولا دين صحيح إلا الإسلام فالإنسان البالغ العاقل الذى بلغه أصل دعوة الإسلام وهو الشهادتان إن كان على غير دين الإسلام يجب عليه أن يدخل فى الإسلام فإن أسلم ومات على الإسلام فإنه يدخل الجنة وينعم فيها أما إذا بقى على غير الإسلام إلى أن مات فإنه يعذب فى نار جهنم عذابا أبديا. والدخول فى الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين باللسان للقادر على الإتيان بها مع اعتقاد معناهما بالقلب والتخلى عن كل ما يبطل الإسلام كأن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله أو لا إله إلا الله محمد رسول الله أو ما يعطى معناهما ولو بغير اللغة العربية. ومن عجز عن النطق بحرف الحاء فقال مهمد رسول الله بالهاء يقال له قل أبو القاسم رسول الله ويصح أن يقول أبو القاسم رسول الله بقافٍ معقودةٍ كما يلفظها أهل اليمن.
(45) إذا جاءك كافر يريد الدخول فى الإسلام ماذا تفعل.
من عرف أن الله موجود لا كالموجودات واعتقد أنه لا يستحق أحد أن يعبد إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه صادق فى كل ما جاء به فهو مؤمن أما إن كان اعتقاده يخالف الشهادتين فهو كافر فإذا جاءك كافر أصلى كبوذىٍ أو يهودىٍ يريد الدخول فى الإسلام فإن علمت أنه لا يعرف العقيدة الصحيحة تعلمه القدر الذى لا بد منه ليكون على عقيدةٍ صحيحةٍ ثم تطالبه بالتشهد أما إن علمت أنه عرف الحق وتخلى عن الكفر فتأمره بالتشهد أى بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأما إن كنت لا تعلم حاله فتأمره فورا بالنطق بالشهادتين ثم تبين له عقيدة الإسلام.
(46) ما الرد على الوهابية الذين قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسامٍ توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
اعلم أن الوهابية أدخلت فى دين الله بدعة سيئة وهى قولهم التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية وحده لا يكفى للإيـمان بل لا بد من توحيد الربوبية وهذا ضد قول رسول الله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها رواه البخارى. فالرسول ﷺ جعل اعتراف العبد بتفريد الله بالألوهية وبوصف رسول الله بالرسالة كافيا ولم يشرط توحيدين وكان رسول الله ﷺ إذا نطق الكافر بهذا يحكم بإسلامه وإيـمانه ثم يأمره بالصلاة قبل غيرها من أمور الدين للحديث الذى رواه البيهقى فى كتاب الاعتقاد. وليعلم أن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية بدليل أنه جاء فى سؤال القبر حديثان حديث بلفظ الله ربى رواه ابن حبان فى صحيحه أى يسأله الملكان فى القبر من ربك فيقول المؤمن الله ربى وحديث بلفظ الشهادة رواه الترمذى فى سننه عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال قال رسول الله ﷺ إذا قبر الميت أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير فيقولان له ما كنت تقول فى هذا الرجل محمدٍ فهو قائل ما كان يقول فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وهذا دليل على أن شهادة أن لا إله إلا الله شهادة بربوبية الله. وما أعظم مصيبة المسلمين بهذه الفرقة الضالة.
(47) ما المراد بالشهادتين.
المراد بالشهادتين نفى الألوهية عما سوى الله أى نفى أن يكون شىء سوى الله يستحق العبادة وإثباتها لله تعالى وحده مع الإقرار أى الاعتراف والإيمان برسالة سيدنا محمدٍ ﷺ أى فى كونه مرسلا من عند الله لأن الإيمان بمحمدٍ لا بد منه ليكون العبد مؤمنا عند الله قال الله تعالى فى سورة الفتح ﴿ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا﴾ أى هيأنا لهم نار جهنم لكفرهم فدلت هذه الآية على أن من لم يؤمن بالله ورسوله محمدٍ فهو كافر ولو كان من أهل الكتاب المنتسبين للتوراة والإنجيل فإن القرءان سماهم أهل الكتاب وسماهم كافرين لأنهم لم يؤمنوا بمحمدٍ ﷺ قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون﴾ وقال تعالى فى سورة المائدة ﴿ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم﴾ وقال رسول الله ﷺ ما من يهودىٍ أو نصرانىٍ يسمع بى ثم لا يؤمن بى وبما جئت به إلا كان من أصحاب النار رواه مسلم.
(48) ما هو الدين السماوى.
اعلم أن الدين السماوى الذى نزل به سيدنا جبريل عليه السلام على أنبياء الله من ءادم إلى محمدٍ عليهم الصلاة والسلام هو الإسلام وهو الدين الذى رضيه الله أى أحبه الله لعباده من الإنس والجن والملائكة وأمرنا باتباعه قال تعالى فى سورة المائدة ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾. والإسلام هو الدين الصحيح المقبول عند الله ولا دين صحيح إلا الإسلام قال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ وقال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ فدلت الآية أن كل من اتخذ دينا غير دين الإسلام فهو خاسر فى الآخرة ودينه باطل فلا يجوز أن يقال عنه إنه دين سماوى لأن الدين السماوى أى الدين المنزل من عند الله هو الإسلام فقط قال رسول الله ﷺ الأنبياء إخوة لعلاتٍ دينهم واحد وأمهاتهم شتى، رواه الإمام أحمد. شبه الرسول الأنبياء بالإخوة لعلاتٍ أى كما أن الإخوة لعلاتٍ أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفات كذلك الأنبياء إخوة فى الدين دينهم واحد أى عقيدتهم واحدة وشرائعهم مختلفة، فيجب التحذير من قول بعض الناس الأديان السماوية وأحيانا يقولون الأديان السماوية الثلاثة يريدون بذلك دين الإسلام ودين النصارى ودين اليهود وهذا باطل. لكن يجوز أن يقال شرائع سماوية أو كتب سماوية. والشرائع هى الأحكام التى تنزل بالوحى وشرائع الأنبياء مختلفة أما الكتب التى أنزلها الله على أنبيائه كالقرءان والإنجيل أى الأصلى والتوراة أى الأصلية والزبور فهى جميعها تدعو إلى دينٍ واحدٍ وهو الإسلام.
(49) هل يشترط للدخول فى دين الإسلام لفظ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
لا يشترط هذا اللفظ بعينه بل يكفى لا إله إلا الله محمد رسول الله أو ما يعطى معناه كقول لا رب إلا الله محمد نبى الله. ومن عجز عن النطق بحرف الحاء فقال أشهد أن مهمدا رسول الله بالهاء يقال له قل أشهد أن أبا القاسم رسول الله. أما الذى يقول أشهد أن لا إله إلا الله بتشديد النون لم تصح شهادته لعدم إقراره بوحدانية الله فإنه كلام مبتور كمن قال أشهد أن زيدا وسكت من غير أن يأتى بالخبر.
(50) ما هى الشهادة الخاصة.
روى البخارى ومسلم أن رسول الله ﷺ قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، أى وفقه الله إذا داوم على هذه الشهادة كل يومٍ إلى العمل الصالح بحيث يحسن حاله وختامه فيدخل الجنة بلا عذابٍ. وكلمته ألقاها إلى مريم أى أن عيسى بشارة الله لمريم التى بشرتها بها الملائكة بأمره قبل أن تحمل به، وروح منه أى أن روح عيسى روح مشرف أى عظيم عند الله صادر من الله خلقا وتكوينا، والجنة حق والنار حق أى أنهما موجودتان وباقيتان وأنهما دارا جزاءٍ فالجنة دار نعيمٍ للمؤمنين والنار دار عقابٍ للكافرين.
(51) ماذا يجب على المسلم المكلف.
يجب على المسلم المكلف أى البالغ العاقل أن يثبت على الإسلام وأن يؤدى جميع الواجبات كتعلم القدر الواجب من علم الدين وأداء الصلوات الخمس وأن يجتنب جميع المحرمات كشرب الخمر وعقوق الوالدين.
(52) ما معنى أشهد أن لا إله إلا الله إجمالا.
معنى أشهد أن لا إله إلا الله إجمالا أى من غير تفصيلٍ أعترف بلسانى وأعتقد بقلبى أن لا معبود بحقٍ إلا الله أى لا يستحق أحد أن يعبد أى أن يتذلل له نهاية التذلل إلا الله وفسرها الإمام أبو الحسن الأشعرى بقوله لا خالق لشىءٍ من الأشياء إلا الله وهذا التفسير أحسن ذكره الإمام البيهقى فى كتاب الاعتقاد.
(53) اذكر دليلا عقليا إجماليا على وجود الله.
قال العلماء يجب على كل مكلفٍ معرفة الدليل العقلى الإجمالى على وجود الله وهو كأن يقول الشخص فى نفسه الكتابة لا بد لها من فاعلٍ والبناء لا بد له من فاعلٍ والكتابة والبناء جزء من هذا العالم فهذا العالم بالأولى لا بد له من خالقٍ خلقه لا يشبهه بوجهٍ من الوجوه. ويروى أن رجلا ينكر وجود الله أتى إلى أحد الخلفاء وقال له إن علماء عصرك يقولون إن لهذا الكون صانعا (أى خالقا) وأنا مستعد أن أثبت لهم أن هذا الكون لا صانع له. فبعث الخليفة إلى عالمٍ كبيرٍ يعلمه بالخبر ويأمره بالحضور فتعمد العالم أن يتأخر قليلا عن الوقت ثم حضر فاستقبله الخليفة وأجلسه فى صدر المجلس فقال الرجل لم تأخرت فى مجيئك فقال العالم أرأيت (أى ماذا تقول) لو قلت لك إنه قد حصل لى أمر عجيب فتأخرت وذلك أن بيتى وراء نهر دجلة فجئت لأعبر النهر فلم أجد سوى سفينةٍ عتيقةٍ قد تكسرت ألواحها الخشبية ولما وقع نظرى عليها تحركت الألواح واجتمعت واتصل بعضها ببعضٍ وصارت سفينة صالحة للسير بلا مباشرة نجارٍ ولا عمل عاملٍ فقعدت عليها وعبرت النهر وجئت إلى هذا المكان. فقال الرجل اسمعوا أيها الناس ما يقول عالمكم فهل سمعتم كلاما أكذب من هذا كيف توجد السفينة بدون أن يصنعها نجار هذا كذب محض. فقال العالم أيها الكافر إذا لم يعقل أن توجد سفينة بلا صانعٍ ولا نجارٍ فكيف تقول بوجود العالم بدون صانعٍ فسكت الرجل الملحد ولزمته الحجة وعاقبه الخليفة لسوء اعتقاده.
(54) اذكر أهمية معرفة الأدلة العقلية للرد على أهل الضلال.
اعلم أن معرفة الأدلة العقلية على وجود الله وأنه لا يشبه شيئا من المخلوقات بأى وجهٍ من الوجوه من الأمور المهمة فى دين الله فالدليل العقلى يرشد إلى معرفة الله كما بينه الله تعالى بقوله فى سورة ءال عمران ﴿الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض﴾ لأن الذى يتفكر فى مخلوقات الله يصل إلى معرفة الدليل على وجود الله وقدرته وأنه لا يشبه شيئا فالعقل الصحيح لا يقبل أن تكون هذه المخلوقات دخلت فى الوجود من غير خالقٍ أبرزها من العدم إلى الوجود. والله تعالى مدح فى القرءان الدليل العقلى فقال عن حجة إبراهيم عليه السلام التى رد فيها على النمرود ﴿وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه﴾. لما قال النمرود لسيدنا إبراهيم وما الله قال إبراهيم ﴿ربى الذى يحى ويميت﴾ فقال النمرود أنا أحيى وأميت فأطلق سجينا وقتل ءاخر فقال أحييت هذا وأمت هذا فغلبه سيدنا إبراهيم عليه السلام بالدليل العقلى فقال له ﴿فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر﴾. وليس من شرط صحة الإيمان بالشىء أن يتصور بالعقل أو أن يرى بالعين فيجب علينا أن نؤمن بالله وإن كنا لا نراه بأعيننا فى الدنيا فهذا العالم دليل على وجود الله فالله تعالى لا يتصور بالعقل لا يستطيع الإنسان أن يتصوره لأنه ليس كمثله شىء كما لا نستطيع أن نتصور وجود وقتٍ ليس فيه نور ولا ظلام قبل أن يخلقا لأنهما خلقا بعد خلق الماء والعرش والقلم واللوح وكما لا نستطيع أن نتصور الروح التى فى أجسادنا وهى جسم لطيف نؤمن ونصدق بوجوده. فينبغى أن نتعلم الأدلة العقلية للرد على الملحدين الذين يريدون أن يشككوا المسلمين فى دينهم وما أكثرهم فى هذا الزمان، هؤلاء إن قلت لهم قال الله تعالى ﴿أفى الله شك﴾ يقولون لك نحن أصلا لا نؤمن بالقرءان فتقول لنا قال الله فلا يليق بنا أن لا نعرف الجواب للدفاع عن ديننا.
(55) ما معنى الواحد إذا أطلق على الله.
معنى الواحد أن الله لا شريك له فى الألوهية أى لا يستحق العبادة أحد إلا الله قال الله تعالى فى سورة البقرة ﴿وإلهكم إله واحد﴾ فلو لم يكن الله واحدا وكان متعددا لم يكن العالم منتظما لكن العالم منتظم فوجب أن الله واحد كما قال تعالى فى سورة الأنبياء ﴿لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا﴾ أى لو كان للسموات والأرض ءالهة غير الله لفسدتا أى ما كانتا تستمران على انتظامٍ وروى الحاكم فى المستدرك أن النبى ﷺ كان إذا تعار من الليل (أى استيقظ بالليل) قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار. وليس المراد بوحدانية الله وحدانية العدد لأن الجسم الواحد له أجزاء بل المراد أنه لا مثيل ولا شبيه له.
(56) ما معنى الأحد إذا أطلق على الله.
قال تعالى فى سورة الإخلاص ﴿قل هو الله أحد﴾ ومعنى الأحد الذى لا يقبل الانقسام أى ليس جسما والجسم ما له حجم إن كان كبيرا أو صغيرا. لو كان الله جسما ما استطاع أن يخلق شيئا من العالم ولو كان جسما لجاز عليه ما يجوز على الأجسام من الفناء والتغير ولصحت الألوهية للشمس والقمر. فمن اعتقد أن الله جسم فهو كافر قال تعالى فى ذم الكفار ﴿وجعلوا له من عباده جزءا﴾ وقال الإمام أبو الحسن الأشعرى فى كتابه النوادر من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارفٍ بربه وإنه كافر به وقال الإمام الشافعى المجسم كافر، رواه الحافظ السيوطى فى الأشباه والنظائر وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ من قال الله جسم لا كالأجسام كفر، رواه الحافظ بدر الدين الزركشى فى كتابه تشنيف المسامع وقال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى الفتح الربانى من اعتقد أن الله ملأ السموات والأرض (أى من اعتقد أن الله جسم ملأ السموات والأرض) أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم. وقال النسفى فى تفسيره ومن الإلحاد (أى الكفر) تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلة. والعجب من علىٍ الجفرى الذى يعتقد أن الوهابية مجسمة ويقولون الله جسم قاعد فوق العرش ويكفرون المسلمين بغير حقٍ ثم يقول لكن هم مسلمون وحاشا لله أن نكفرهم. الوهابية يشتمون الله تعالى ويعبدون الأجسام وهو لا يكفرهم. ثم يقول إن الله إذا أحب عبدا يعطيه القوة فيقول للشىء كن فيكون وهذا كفر صراح لأنه جعل الإنسان شريكا لله فى التخليق ويقول إن الله يقول فإذا أحببته كنته يعنى بزعمه إذا أحب الله عبدا صار الله هو هذا العبد وينسب هذا الكلام إلى الله. والجفرى هو ممن قال فيهم رسول الله ﷺ أناس من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا تعرف منهم وتنكر دعاة على أبواب جهنم من استجاب لهم قذفوه فيها. ومصيبة المسلمين فى هذا الزمان كثرة الجهل وكثرة أدعياء العلم الذين ينشرون الجهل والضلال باسم الدين والإسلام فيجب الحذر والتحذير منهم.
(57) اذكر الدليل العقلى على تنزيه الله عن الحد والمقدار.
يجب اعتقاد أن الله عز وجل موجود منزه عن الحد والمقدار والحد معناه الكمية أى مقدار الحجم فإذا قال علماء أهل السنة إن الله ليس بمحدودٍ فمعناه إنه ليس شيئا له كمية لأن كل شىءٍ له كمية من الذرة إلى العرش يحتاج إلى من أوجده على هذه الكمية، الشمس لها كمية لها حد ومقدار تحتاح إلى من جعلها على هذا الحد والمقدار ولا يصح فى العقل أن تكون هى أوجدت نفسها على هذا الحد الذى هى عليه، العقل لا يقبله لأن الشىء لا يخلق نفسه ولما كانت الشمس مع عظم نفعها لا تصلح أن تكون إلها للعالم وجب أن يكون خالقها لا كمية له ليس شيئا له كمية، العرش الكريم له كمية أعظم كميةٍ فى المخلوقات يحتاج إلى من أوجده على ذلك الحد الذى هو عليه ولا يصح فى العقل أن يكون هو خلق نفسه وكذلك ما بين الذرة والعرش يحتاج إلى من أوجده على الكمية التى هو عليها فموجد هذه العوالم يجب عقلا أن يكون ليس شيئا له كمية لأنه لو كان له كمية لاحتاج إلى من جعله على هذه الكمية وهذا لا يرتاب أى لا يشك فيه ذو عقلٍ صحيحٍ أما هؤلاء المجسمة الوهابية وأشباههم الذين يعتقدون أن الله جرم أى جسم له كمية بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر هؤلاء ما عرفوا الله، الله تبارك وتعالى لو كان له كمية لاحتاج إلى من جعله وأوجده على تلك الكمية كما أن العرش محتاج لمن جعله على الكمية والحد الذى هو عليه وهذا شىء يفهم من قول الله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ لأنه لو كان له حد وكمية لكان له أمثال لا تحصى لكان الإنسان مثلا له والشمس لكانت مثلا له والعرش لكان مثلا له فلذلك عملا بهذه الآية الشريفة ووقوفا عند الدليل العقلى وجب تنزيه الله عن الحد والكمية وهذا شىء ثبت فى عبارات السلف الصالح أهل القرون الثلاثة الأولى قرن الصحابة وقرن التابعين وقرن أتباع التابعين قال سيدنا على رضى الله عنه من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، رواه الحافظ أبو نعيمٍ فى الحلية. هذا هو كلام السلف أما الوهابية الذين يدعون زورا وكذبا أنهم سلفية فليسوا على عقيدة السلف فقد قال إمامهم ابن بازٍ فى تعليقه على العقيدة الطحاوية إن الله له حد لا يعلمه إلا هو سبحانه وكلامه هذا فيه تكذيب للقرءان وإجماع الأمة. وقد قال قبل ذلك سلفه ابن تيمية بأن الله محدود ولا يعلم حده إلا هو وقد صرح فى بعض كتبه بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر. عجبا كيف يعتقد ابن تيمية أن الله جسم مستقر فوق العرش بقدر العرش وأنه ينزل بذاته كل ليلةٍ إلى السماء الأولى وقد ثبت فى الحديث أن السموات السبع بالنسبة للعرش كحلقةٍ فى أرضٍ فلاةٍ أى كحبةٍ صغيرةٍ بالنسبة إلى صحراء كبيرةٍ فعلى مقتضى كلامه أن الله يتصاغر حتى تسعه السماء الأولى والعياذ بالله.
(58) ما هو دليل أهل السنة فى الرد على المشبهة القائلين بأن نفى المكان عن الله نفى لوجود الله.
يكفى فى تنزيه الله عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى فى سورة الشورى ﴿ليس كمثله شىء﴾ لأنه لو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد طول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدثا أى مخلوقا. وروى البخارى وابن الجارود والبيهقى بالإسناد الصحيح أن رسول الله ﷺ قال كان الله ولم يكن شىء غيره، أى كان الله موجودا فى الأزل أى فى ما لا بداية له ولم يكن معه غيره لا أرض ولا سماء ولا كرسى ولا عرش ولا مكان ولا جهات فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكانٍ وهو الذى خلق المكان فلا يحتاج إليه. وليس محور الاعتقاد على الوهم أى أن الاعتقاد الصحيح لا يبنى على الوهم بل على ما يقتضيه العقل الصحيح السليم الذى هو شاهد للشرع أى يدل على صحة الشرع وذلك أن المحدود محتاج إلى من حده بذلك الحد أى أن كل ما له حجم فهو محتاج إلى من جعله على هذا الحجم فلا يكون إلها فيجب اعتقاد أن الله ليس له حد ولا كمية ولا يتحيز فى مكانٍ أو جهةٍ فكما صح وجود الله تعالى بلا مكانٍ ولا جهةٍ قبل خلق الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده تعالى بعد خلق الأماكن والجهات بلا مكانٍ ولا جهةٍ واعتقاد أن الله موجود بلا مكانٍ ولا جهةٍ لا يكون نفيا لوجود الله كما زعمت المشبهة ومنهم الوهابية فالتحيز فى المكان هو أخذ مقدارٍ من الفراغ فالله تعالى بما أنه ليس جسما كثيفا ولا لطيفا لا يجوز فى حقه أن يأخذ قدرا من الفراغ والتحيز فى المكان نقص فى حق الله لأنه يلزم من التحيز أن يكون له حد أى حجم ومقدار ولو كان ذا حدٍ ومقدارٍ لاحتاج إلى من جعله بذلك الحد والمقدار والمحتاج لا يكون إلها.
(59) ما هو دليل أهل السنة فى الرد على الوهابية القائلين بأن الله فوق العرش بذاته.
اعلم أن الوهابية مشبهة يعتقدون أن الله فى جهةٍ فوق العرش بذاته ذكر هذا الاعتقاد الفاسد ابن العثيمين فى كتابه المسمى فتاوى العقيدة وابن بازٍ فى مجلة الحج فكذبوا الله ورسوله ﷺ قال الله تعالى فى سورة العلق ﴿كلا لا تطعه واسجد واقترب﴾ وقال رسول الله ﷺ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد رواه مسلم. وهذا الحديث صريح فى أن الساجد أقرب إلى الله ولا يصح حمله على الظاهر أى بإثبات المسافة لله بالحلول على العرش فلو كان الله بذاته فوق العرش لكان الواقف أقرب إليه من الساجد. والقرب المذكور فى هذا الحديث هو القرب المعنوى أى الساجد أقرب إلى رحمة الله وأقرب إلى استجابة الدعاء أما على اعتقاد الوهابية يكون القائم أقرب إلى الله من الساجد وهذا خلاف حديث رسول الله ﷺ. فهذا الحديث حجة قوية فى نقض عقيدتهم لأن الفضل عند الوهابية للجهة فعلى موجب قولهم ما كان أقرب إلى العرش أفضل مما سواه فيكون المسافرون بالطائرة من الكفار على مقتضى قولهم أقرب إلى الله من المسلمين الساجدين لله فى بيوتهم ومساجدهم. والله تعالى يوصف بالقريب قال تعالى فى سورة البقرة ﴿وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾ فلو كان الله بذاته فوق العرش لكان بعيدا ولم يكن قريبا. ثم المكان هو ما يشغله الحجم من الفراغ فلو كان الله فى مكانٍ لكان حجما ولو كان حجما لاحتاج إلى من جعله على هذا الحجم والمحتاج لا يكون إلها ولو جاز أن يعتقد أن خالق العالم حجم لجاز أن تعتقد الألوهية للشمس والقمر. قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى الفتح الربانى من اعتقد أن الله (جسم) ملأ السموات والأرض أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم، وقال الإمام الشافعى المجسم كافر ونقل صاحب الخصال الحنبلى عن الإمام أحمد أنه قال من قال الله جسم لا كالأجسام كفر. فيعلم من ذلك أن الوهابى لا يستطيع أن يقيم الحجة على عابد الشمس الذى لا يؤمن بالقرءان بأن الشمس لا تستحق الألوهية لأنه يعتقد أن الله جسم متحيز فوق العرش وعابد الشمس كذلك يعبد جسما متحيزا فى الفضاء.
(60) ما حكم من يقول الله فى كل مكانٍ.
اعلم أن الله تعالى ليس جسما كثيفا كالإنسان والحجر ولا جسما لطيفا كالنور والظلام فلا يجوز فى حقه أن يأخذ قدرا من الفراغ فلا يتحيز ربنا فى جهةٍ أو مكانٍ ولا فى جميع الأماكن لا يجوز أن يملأ جميع الأمكنة قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كتابه الفتح الربانى من اعتقد أن الله (جسم) ملأ السموات والأرض أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم. أما قول الله فى كل مكانٍ فليس من كلام علماء الإسلام إنما هو قول شخصٍ كافرٍ يسمى جهم بن صفوان الذى كان يقول عن الله هو هذا الهواء وعلى كل شىءٍ فكفره المسلمون وقتل بسبب الردة وتبعه فى ذلك سيد قطب فقال فى كتابه المسمى فى ظلال القرءان فى قول الله تعالى ﴿وهو معكم أين ما كنتم﴾ ما نصه وهى كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز والله تعالى مع كل شىءٍ ومع كل أحدٍ فى كل وقتٍ وفى كل مكانٍ. وكلامه هذا كفر صريح لا شك فيه لأنه جعل الله منتشرا فى العالم أما الآية ﴿وهو معكم أين ما كنتم﴾ فمعناها الإحاطة بالعلم لا بالجهة أى عالم بكم أين ما كنتم. أما من يقول الله فى كل مكانٍ ويظن أنها تعنى أن الله عالم بكل شىءٍ فلا يكفر لكن يجب نهيه عنها، بخلاف ما إذا قال الله موجود فى كل مكانٍ فإنه يكفر لأنه لفظ صريح فى إثبات المكان لله. قال الإمام ابن فورك فى كتاب مشكل الحديث اعلم أنه لا يجوز أن يقال إن الله تعالى فى مكانٍ أو فى كل مكانٍ وقال الإمام عبد الوهاب الشعرانى فى كتابه اليواقيت والجواهر قال على الخواص لا يجوز القول إنه تعالى بكل مكانٍ كما تقول المعتزلة وقال مثله أبو حامدٍ الغزالى فى أصول الدين. فالذى يعتقد فى الله التحيز فى كل مكانٍ جعل الله منتشرا فى الأماكن النظيفة والأماكن القذرة ولا يقول بذلك مسلم قط فمن نسب لله المكان جعله حجما فلا يكون مسلما. أما المسلمون أهل التنزيه فإنهم يعتقدون أن الله موجود بلا مكانٍ لأنه ليس حجما فالمكان هو ما يملأه الحجم من الفراغ فأنا حجم أملأ فراغا فأنا فى مكانٍ وهذه الغرفة حجم تملأ فراغا فهى فى مكانٍ والشمس حجم تملأ فراغا فهى فى مكانٍ أما الله تعالى فليس حجما يملأ فراغا فهو موجود بلا مكانٍ.
(61) بين عقائد سيد قطب التى خالف فيها أهل السنة والجماعة.
اعلم أن سيد قطب زعيم حزب الإخوان لم يكن عالما ولا مفسرا بل كان جاهلا فى الدين وكتبه تشهد عليه فإنه يشبه الله بخلقه ويصفه بما لا يليق به فإنه يسمى الله بالعقل المدبر وبالريشة المعجزة وبالريشة الخالقة والمبدعة وبمهندس الكون الأعظم وفى هذا تكذيب لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾. ويقول فى كتابه المسمى فى ظلال القرءان فى قول الله تعالى ﴿قل هو الله أحد﴾ إنها أحدية الوجود فليس هناك حقيقة إلا حقيقته وليس هناك وجود حقيقى إلا وجوده وكلامه هذا صريح بالحلول والوحدة المطلقة وهو من أشد أنواع الكفر، يعنى أن الله تعالى حل بالأشياء واتحد معها فصار هو عين الأشياء فقوله ليس هناك حقيقة إلا حقيقته يعنى أن العالم وهم أو معدوم أو يعنى أن الله والعالم شىء واحد وهو فى الحالين تكذيب لقوله تعالى ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ الذى فيه إثبات وجود الله وإثبات وجود العالم حقيقة. ويقول سيد قطب فى قوله تعالى ﴿وهو معكم أين ما كنتم﴾ ما نصه وهى كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز والله تعالى مع كل شىءٍ ومع كل أحدٍ فى كل وقتٍ وفى كل مكانٍ. وكلامه هذا فيه تكذيب للقرءان وإجماع الأمة لأنه جعل الله منتشرا فى العالم والعياذ بالله أما المسلمون فيعتقدون أن الله موجود بلا مكانٍ ولا جهةٍ. ويقول فى كتابه المسمى فى ظلال القرءان إن تعلم الفقه مضيعة للعمر والأجر وقوله هذا فيه معارضة للقرءان والحديث وإجماع الأمة قال تعالى ﴿قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ أى لا يستوون وقال رسول الله ﷺ يا أيها الناس تعلموا فإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه فمن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين رواه البخارى، أى من أراد الله به خيرا أى رفعة فى الدرجة رزقه العلم بأمور دينه. كما أن سيد قطب يطعن فى أنبياء الله ويحتقرهم ويتهمهم بالشرك فيقول فى كتابه المسمى التصوير الفنى فى القرءان عن سيدنا موسى عليه السلام لنأخذ موسى إنه نموذج للزعيم المندفع العصبى المزاج يعنى سيئ الخلق ويتهم نبى الله يوسف عليه السلام بأنه كاد يضعف أمام امرأة العزيز ويتهم نبى الله إبراهيم عليه السلام بأنه كان مشركا يعبد غير الله فيقول والعياذ بالله وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر فى السماء فيرى نجما فيظنه إلهه. وليعلم أن سيد قطب كفر المسلمين قاطبة حتى المؤذنين والمصلين كما أن أتباعه حزب الإخوان يعتبرون أنفسهم أنهم هم فقط المسلمون وكل من سواهم كفارا لذلك يسمون أنفسهم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وأسماء أخرى غيرها. فيجب الحذر والتحذير منهم فإن أكبر ضررٍ على المسلمين يأتى من ناحيةٍ باسم الدين من حزب الإخوان والوهابية كفى الله المسلمين شرهم.
(62) لماذا ترفع الأيدى إلى السماء فى الدعاء.
نرفع الأيدى فى الدعاء للسماء لأنها قبلة الدعاء ومهبط الرحمات والبركات أى تنزل علينا البركة والرحمة منها وليس لأن الله موجود بذاته فى السماء كما أننا نستقبل الكعبة الشريفة فى الصلاة لأن الله تعالى أمرنا بذلك فهى قبلة الصلاة وليس لأن الله يسكنها. ويكفر من يعتقد أن الله يتحيز فى مكانٍ أو جهةٍ أو يعتقد أن الله شىء كالهواء أو كالنور يملأ مكانا أو غرفة أو مسجدا. ونسمى المساجد بيوت الله لأنها أماكن معدة لذكر الله وعبادته لا لأن الله يسكنها فالإضافة إضافة تشريفٍ ولا يجوز تسمية المعابد الدينية للكفار بيوت الله لأنها أماكن بنيت للشرك والكفر فلا تكون معظمة عند الله.
(63) ما معنى الأول والقديم إذا أطلقا على الله.
معنى الأول والقديم إذا أطلقا على الله الذى لا ابتداء لوجوده قال تعالى فى سورة الحديد ﴿هو الأول﴾. وأجمعت الأمة على جواز إطلاق القديم على الله ذكر ذلك الإمام محمد مرتضى الزبيدى فى شرح إحياء علوم الدين وقال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوى فى عقيدته قديم بلا ابتداءٍ. فيجب اعتقاد أن الله قديم أى لم يسبق وجوده عدم لأنه لو كان سبقه العدم لكان حادثا أى مخلوقا والحدوث أى الوجود بعد عدمٍ مستحيل على الله فلا يقال له متى كان أو متى وجد لأنه لا ابتداء له أما المخلوق فيقال له متى وجد لأنه كان معدوما ثم صار موجودا وقد جاء يهودى إلى سيدنا علىٍ رضى الله عنه فقال له متى كان الله فقال له سيدنا على لا يقال عن الله تعالى متى كان إنما يقال متى كان عما لم يكن ثم كان، رواه أبو نعيمٍ فى الحلية. هذا اليهودى أراد الامتحان لأنه كان اطلع فى التوراة الأصلية على هذا الكلام فلما أجابه سيدنا على بهذا الجواب الذى هو مذكور فى التوراة ما تمالك نفسه عن أن يسلم فتشهد فى المجلس قال فى نفسه على ما له اطلاع على التوراة من أين عرف الجواب لولا أن دينه صحيح.
(64) ما معنى الحى فى حق الله.
معنى الحى فى حق الله أن الله متصف بحياةٍ أزليةٍ أبديةٍ أى لا بداية ولا نهاية لها ليست بروحٍ وجسدٍ قال الله تعالى فى سورة الفرقان ﴿وتوكل على الحى الذى لا يموت﴾. فلو لم يكن الله حيا لم يوجد شىء من هذا العالم لأن من ليس حيا لا يتصف بالعلم والقدرة والإرادة ومن لم يتصف بهذه الصفات لا يكون خالقا.
(65) ما معنى القيوم فى حق الله.
القيوم من الأسماء الخاصة بالله لا يسمى به غيره. ومعنى القيوم الذى لا يحتاج إلى غيره وقال بعضهم القيوم أى الدائم قال الله تعالى فى سورة البقرة ﴿الله لا إله إلا هو الحى القيوم﴾. وليس معنى القيوم القائم فينا كما يقول أهل الحلول ومنهم طائفة تسمى الشاذلية اليشرطية فإنهم يعتقدون أن الله داخل فى كل شخصٍ ذكرٍ أو أنثى وهذا من أشنع الكفر والعياذ بالله وقد قال الشيخ محيى الدين بن عربى من قال بالحلول فدينه معلول وقال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى الفيض الربانى من قال إن الله انحل منه شىء أو حل فى شىءٍ فقد كفر.
(66) ما معنى الدائم فى حق الله.
معنى الدائم الذى لا يلحقه ولا يجوز عليه الفناء وبمعناه الباقى قال الله تعالى ﴿ويبقى وجه ربك﴾ أى ذاته أى يبقى الله. وذات الله أى حقيقة الله الذى لا يشبه الحقائق أى ليس جسما كثيفا كالإنسان والحجر ولا جسما لطيفا كالنور والهواء. فالله تعالى يستحيل عليه الفناء ولا دائم بهذا المعنى إلا الله فلا شريك لله فى الديمومية أى البقاء إلى ما لا نهاية لأن بقاء الله بقاء ذاتى أى ليس بإبقاء غيره له وأما ديمومية غيره كالجنة والنار فهى ليست ذاتية بل هما شاء الله لهما البقاء أما من حيث ذاتهما فيجوز عليهما الفناء عقلا لكن ورد فى الشرع بقاؤهما بنص القرءان والسنة وإجماع الأمة ولذلك فإن القول بفنائهما أو فناء النار دون الجنة كفر. وخالف فى ذلك ابن تيمية فقال إن النار تفنى لا يبقى فيها أحد، ذكر ذلك فى رسالةٍ له ونقله عنه تلميذه ابن قيم الجوزية فى كتابه حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح. وكذب ابن تيمية بذلك القرءان والإجماع قال تعالى ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا﴾.
(67) ما معنى الخالق.
معنى الخالق الذى أبرز جميع المخلوقات من العدم إلى الوجود أى صارت موجودة بإيجاد الله لها بعد أن لم تكن. فيجب اعتقاد أن الله تعالى يخلق بمعنى الإبراز من العدم إلى الوجود بقدرته الأزلية بلا جارحةٍ ولا حركةٍ ولا ءالةٍ ولا مباشرةٍ ولا مماسةٍ لشىءٍ فالله تعالى خلق العالم من غير مباشرةٍ ليس مثل العباد العباد إذا أرادوا أن يعملوا شيئا يمسكون الشىء بأيديهم أو يمسكون الآلة ثم الآلة تتصل بذلك الشىء الذى يعملونه أما الله تعالى فليس هكذا. فالعباد حركاتهم وسكناتهم وأفكارهم ونواياهم وعلومهم وخواطرهم التى تطرأ عليهم بدون إرادتهم ونظرهم إلى شىءٍ هى بخلق الله قال الله تعالى فى سورة الرعد ﴿قل الله خالق كل شىءٍ﴾ وقال تعالى فى سورة فاطرٍ ﴿هل من خالقٍ غير الله﴾ أى لا خالق إلا الله. وخالف فى ذلك المعتزلة ومن سلك مسلكهم كحزب التحرير فقالوا إن العبد يخلق أفعاله الاختيارية أى يحدثها من العدم إلى الوجود وكلامهم هذا تكذيب لقوله تعالى فى سورة فاطرٍ ﴿هل من خالقٍ غير الله﴾ وقوله تعالى فى سورة الصافات ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ وقوله ﷺ إن الله صانع كل صانعٍ وصنعته، أى أن الله خالق كل عاملٍ وعمله والحديث رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقى فى شعب الإيمان.
(68) اذكر ما جاء فى الحديث عن بدء الخلق.
قال رسول الله ﷺ عندما سئل عن بدء الخلق كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء وكتب فى الذكر كل شىءٍ ثم خلق السموات والأرض، رواه البخارى. كان الله ولم يكن شىء غيره أى أن الله أزلى ولا أزلى سواه والسائل هم أناس من أهل اليمن رحلوا إليه ليتفقهوا فى الدين فبين لهم رسول الله ﷺ أن الله عز وجل موجود لا ابتداء لوجوده وأن كل ما سواه حادث له بداية ثم أجابهم عن سؤالهم فقال وكان عرشه على الماء أى وجد عرشه على الماء أى أن الماء خلق قبل العرش وبوجود الماء وجد الزمان والمكان. ثم قال رسول الله ﷺ وكتب فى الذكر كل شىءٍ أى أمر القلم أن يكتب على اللوح المحفوظ ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وبعد ذلك بخمسين ألف سنةٍ خلق السموات والأرض أى خلقهما وما بينهما فى ستة أيامٍ كما قال تعالى فى سورة ق ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيامٍ وما مسنا من لغوبٍ﴾ وكل يومٍ من هذه الأيام قدر ألف سنةٍ قال تعالى فى سورة الحج ﴿وإن يوما عند ربك كألف سنةٍ مما تعدون﴾. والسموات سبع والأرضون سبع وكل سماءٍ منفصلة عن الأخرى بفراغٍ واسعٍ وكل أرضٍ منفصلة عن الأخرى بفراغٍ واسعٍ. خلق الله الأرض فى اليومين الأولين وهما يوما الأحد والاثنين ثم خلق السموات السبع فى اليومين التاليين وهما الثلاثاء والأربعاء وخلق فى اليومين الأخيرين وهما الخميس والجمعة مرافق الأرض من جبالٍ وأنهارٍ ووديانٍ وأشجارٍ وما أشبه ذلك.
(69) بين معنى السبب والعلة وأنه لا يجوز تسمية الله سببا أو علة.
السبب شىء حادث أى مخلوق يتوصل به إلى حادثٍ كالدواء فإنه سبب للشفاء أما العلة فهى ما يوجد المعلول بوجودها ويعدم بعدمها كالإصبع الذى فيه خاتم فإن حركة الإصبع علة لحركة الخاتم لأن حركة الخاتم تتبع حركة الإصبع فتوجد بوجودها وتعدم بعدمها. والعلة مثل السبب والفرق بينهما أن السبب قد يتخلف عنه مسببه فقد يأخذ المريض الدواء ولا يتعافى أما العلة فلا يتخلف معلولها فإذا وجدت وجد المعلول وإذا عدمت عدم المعلول ولا يلزم من ذلك أن تكون العلة خالقة لمعلولها فالعلة لا يصح أن تكون خالقة لشىءٍ من الأشياء لأنه لا إرادة لها ولا مشيئة ولا اختيار وكذلك الأسباب لا تخلق مسبباتها فالدواء لا يخلق الشفاء والنار لا تخلق الإحراق والأكل لا يخلق الشبع ولا يقال سبب أو علة إلا للمخلوق أما الله تعالى فلا يسمى سببا ولا علة. وأما الفلاسفة فإنهم قالوا الله موجود وإنه علة لسائر الموجودات وسبب لها. وتبع الفلاسفة فى هذا القول محمد سعيد البوطى فإنه سمى الله بالعلة الكبرى والسبب الأول ذكر ذلك فى كتابه كبرى اليقينيات الكونية وتسمية الله سببا أو علة كفر. قال العلامة ركن الإسلام على السغدى وهو من أكابر الحنفية من سمى الله علة أو سببا كفر، نقل ذلك الفقيه المحدث محمد مرتضى الزبيدى فى شرح إحياء علوم الدين وقال النسفى فى تفسيره ومن الإلحاد (أى الكفر) تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلة.
(70) اذكر الدليل على أن الأسباب لا تخلق مسبباتها.
اعلم أن الأسباب لا تخلق مسبباتها وأن السبب قد يتخلف عنه مسببه فهذا إبراهيم عليه السلام أجرى السكين على حلق ولده إسماعيل فلم تقطع ورماه قومه فى النار العظيمة فلم تحرقه ولا ثيابه وإنما أحرقت القيد الذى قيدوه به وأبو مسلمٍ الخولانى رضى الله عنه رماه الأسود العنسى فى النار فلم يحترق وعبد الرحمٰن بن أبى نعم الولى الصالح حبسه الحجاج بن يوسف فى سجنٍ خمسة عشر يوما من غير أكلٍ وشربٍ ثم أمر بإخراجه فوجده صحيحا فأعفاه من القتل ورحمة بنت إبراهيم التى عاشت دهرها ولا أكل يدخل جوفها وهى امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت فى منامها شيئا فهى لا تأكل شيئا ولا تشرب فالأكل لا يخلق الشبع وترك الأكل لا يخلق الضرر فهذا يدل على أن الأسباب لا تخلق مسبباتها وأن الأشياء تحصل بخلق الله ومشيئته. فمذهب أهل السنة أن خالق الأسباب والمسببات هو الله تعالى قال تعالى فى سورة الرعد ﴿قل الله خالق كل شىءٍ﴾ وقال تعالى فى سورة الفرقان ﴿وخلق كل شىءٍ﴾ أى أحدثه من العدم إلى الوجود.
(71) ما معنى الرازق فى حق الله.
معنى الرازق الذى يوصل الأرزاق إلى عباده من غير أن تلحقه مشقة أو تعب لأن الله يخلق الأشياء بلا جارحةٍ ولا ءالةٍ ولا حركةٍ ولا مماسةٍ لشىءٍ قال تعالى فى سورة هودٍ ﴿وما من دابةٍ فى الأرض إلا على الله رزقها﴾ وقال تعالى فى سورة الذاريات ﴿إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾. والرزاق والرازق من الأسماء الخاصة بالله لا يجوز تسمية غير الله بها. والرزق ما ينفع حسا ولو كان محرما فليس الرزق مقصورا على الحلال بل يشمل الحلال والحرام وإن كان بينهما فرق من حيث العاقبة فإن الرزق الحلال ليس فيه وبال على صاحبه وأما الحرام فإنه وبال على صاحبه أى يستحق العقوبة عليه قال الرازى فى مختار الصحاح الرزق ما ينتفع به وقال البيهقى فى كتاب الاعتقاد وما مكنها (أى النفس) من الانتفاع به من مباحٍ وغير مباحٍ رزق لها.
(72) ما معنى العالم فى حق الله.
معنى العالم المتصف بالعلم وعلم الله لا يزيد ولا ينقص قال الله تعالى ﴿وأن الله قد أحاط بكل شىءٍ علما﴾. ولا يكتسب الله علما جديدا بل هو عالم فى الأزل بكل شىءٍ عالم بذاته وصفاته وما يحدثه من مخلوقاته يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون كما قال تعالى فى سورة الأنعام فى حق الكفار ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ أى لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى كفرهم.
(73) ما معنى القدير فى حق الله.
معنى القدير المتصف بالقدرة التامة فالله تعالى قادر على كل شىءٍ لا يعجزه شىء قال الله تعالى فى سورة المائدة ﴿وهو على كل شىءٍ قدير﴾ وقال تعالى فى سورة الحج ﴿إن الله لقوى عزيز﴾ والقوى أى التام القدرة الذى لا يعجزه شىء وليس معناه قوى الجسد لأن الله ليس جسما. ولا يجوز تسمية الله بالقوة كما فعل سيد قطب فى تفسيره فإنه سمى الله بالقوة الخالقة وهذا إلحاد وكفر لأنه جعل الله صفة فالقوة بمعنى القدرة صفة لله والله ليس صفة وكذلك الشعراوى المصرى سمى الله قوة فإنه قال فى كتابه الفتاوى وخضوعا وخشوعا للقدرة الكبرى والقوة الكبرى التى نعبدها وهى الله. ولا يعذر أحد فى الجهل بقدرة الله ونحوها من صفاته الواجبة له إجماعا مهما بلغ الجهل بصاحبه لأن العقل وحده يدل على أن الله قادر على كل شىءٍ وإن لم يسمع نصا قرءانيا أو حديثيا قال الحافظ ابن الجوزى من نفى قدرة الله على كل شىءٍ كافر بالاتفاق، أى بلا خلافٍ.
(74) ما حكم من نفى قدرة الله على كل شىءٍ.
لا يعذر أحد فى الجهل بقدرة الله مهما بلغ الجهل بصاحبه لأن العقل وحده يدل على أن الله قادر على كل شىءٍ وإن لم يسمع نصا قرءانيا أو حديثيا قال الحافظ ابن الجوزى من نفى قدرة الله على كل شىءٍ كافر بالاتفاق، أى بلا خلافٍ وكذا من شك فى قدرته تعالى على كل شىءٍ. أما ما ذكره ابن قتيبة وابن تيمية من أن الجاهل إذا أنكر قدرة الله على كل شىءٍ لا يكفر فهو خرق للإجماع قال ابن قتيبة وقد يغلط فى بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك، يعنى بذلك قصة الرجل الذى أخبر عنه النبى ﷺ بقوله كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقونى ثم اطحنونى ثم ذرونى فى الريح فوالله لئن قدر الله على ليعذبنى عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعى ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال يا رب خشيتك فغفر له، رواه البخارى ورواه ابن حبان بلفظ توفى رجل كان نباشا فقال لولده أحرقونى (أى كان ينبش القبور ليأخذ الكفن وما يترك مع الميت من ذهبٍ ونحوه) فظن ابن قتيبة أن هذا الرجل شك فى قدرة الله عليه. واختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث فقالت طائفة لا يصح حمله على أنه أراد نفى قدرة الله فإن الشاك فى قدرة الله كافر وقد قال فى ءاخر الحديث إنه فعل ذلك من خشية الله والكافر لا يخشى الله وقيل قوله لئن قدر الله على أى ضيق فهو كقوله تعالى فى سورة الطلاق ﴿ومن قدر عليه رزقه﴾ أى ضيق، أو يكون قوله لئن قدر على بتشديد الدال أى لئن قدر على العذاب ليعذبنى. وقال الحافظ ابن حجرٍ فى فتح البارى عند شرحه لهذا الحديث وأظهر الأقوال أنه قال ذلك فى حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، أى قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر أى سبق لسانه فقال اللهم أنت عبدى وأنا ربك.
(75) بين أقسام الحكم العقلى.
أقسام الحكم العقلى ثلاثة أى أن العقل يحكم على كل أمرٍ من الأمور بحكمٍ من ثلاثةٍ الوجوب والاستحالة والجواز فالواجب العقلى هو ما لا يقبل العقل عدمه وهو الله وصفاته والمستحيل العقلى هو ما لا يقبل العقل وجوده كوجود شريكٍ لله والجائز العقلى هو ما يتصور فى العقل وجوده وعدمه وهو كل ما سوى الله.
(76) ما معنى أن الله فعال لما يريد.
معنى الفعال لما يريد أن الله يفعل ما يريد لا يعجزه شىء ولا يحتاج إلى استعانةٍ بغيره قال الله تعالى فى سورة هودٍ ﴿إن ربك فعال لما يريد﴾ وقال تعالى فى سورة البقرة ﴿ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد﴾.
(77) ما معنى ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
أى ما أراد الله فى الأزل وجوده لا بد أن يوجد سواء فى ذلك الخير والشر والطاعة والمعصية والكفر والإيمان وما لم يرد الله وجوده لا يدخل فى الوجود قال الله تعالى فى سورة التكوير ﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين﴾ وروى أبو داود فى سننه أن النبى ﷺ علم بعض بناته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ومعنى المشيئة تخصيص الممكن العقلى ببعض ما يجوز عليه دون بعضٍ. ومشيئة الله لا تتغير بدعاء داعٍ ولا بصدقة متصدقٍ لأن التغير من صفات المخلوقين. وأما قوله تعالى فى سورة الرحمٰن ﴿كل يومٍ هو فى شأنٍ﴾ فقد فسره الرسول ﷺ بقوله يكشف كربا ويغفر ذنبا ويرفع قوما ويضع ءاخرين وليس معناه أن الله يغير مشيئته باختلاف الأزمان والأحوال إنما معناه كل يومٍ يغير فى خلقه ولا يتغير فى علمه ومشيئته فالله تعالى يغير أحوال العباد من مرضٍ إلى صحةٍ ومن فسادٍ إلى صلاحٍ ومن فقرٍ إلى غنى على حسب مشيئته الأزلية.
(78) ما هو دليل أهل الحق على أن الله تعالى لا يغير مشيئته لدعاء داعٍ.
قال رسول الله ﷺ سألت ربى أربعا فأعطانى ثلاثا ومنعنى واحدة سألته أن لا يكفر أمتى جملة فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتى بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. وهذا الحديث مما استدل به أهل الحق على أن الله تعالى لا يغير مشيئته لدعاء داعٍ لأن الله لو كان يغير مشيئته بدعوةٍ لغيرها لحبيبه المصطفى ﷺ. وقوله عليه السلام سألته أن لا يكفر أمتى جملة فأعطانيها أى أن أمته ﷺ لا يكفرون كلهم ولا جمهورهم أى الأكثر عددا وإن كفر بعضهم الذين هم الأقل. وقوله ﷺ وسألته أن لا يهلك أمتى بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها أى سأل الله أن لا يسلط على أمته عذابا يستأصلهم جملة بالغرق أو المجاعة أو غير ذلك كما حصل فى أمة نوحٍ الذين كذبوا نبيهم نوحا عليه السلام فأهلكهم الله بالطوفان وأمة هودٍ وهم قوم عادٍ الذين كذبوا نبيهم هودا فأهلكهم الله بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ أى ريحٍ شديدةٍ باردةٍ تحرق ببردها كإحراق النار وأمة صالحٍ وهم قوم ثمود الذين كذبوا نبيهم صالحا فأهلكوا بصيحةٍ كالصاعقة صاحها بهم جبريل فتقطعت قلوبهم فماتوا. وقوله ﷺ وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها أى سأل الله أن لا يسلط على أمته عدوا كافرا يستأصلهم كلهم فلا يستطيع الكفار ولو اجتمعوا من بين مشارق الأرض ومغاربها أن يبيدوا أمة محمدٍ ويفنوهم من على وجه الأرض لأن الله لا يمكنهم من ذلك. وأما قوله ﷺ وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها فمعناه أن النبى ﷺ طلب من الله أن لا يجعل أمته يقتل بعضهم بعضا فلم يعطه الله ذلك وفى روايةٍ لمسلمٍ قال يا محمد إنى إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، معناه لا أعطيك هذا الطلب لأنى شئت فى الأزل أن يصير فى أمتك قتال بين بعضهم البعض.
(79) ما معنى لا حول ولا قوة إلا بالله.
فسرها النبى ﷺ بقوله لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله أى أن الإنسان لا يستطيع أن يتجنب المعصية إلا أن يحفظه الله ولا يستطيع أن يفعل الخير والطاعة إلا أن يعينه الله.
(80) اذكر بعض فوائد كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله.
ورد فى الحديث أنها كنز من كنوز الجنة قال رسول الله ﷺ لأبى موسى الأشعرى رضى الله عنه ألا أدلك على كلمةٍ هى كنز من كنوز الجنة قال بلى يا رسول الله قال لا حول ولا قوة إلا بالله، رواه الإمام أحمد. وأطلق الكنز على الحوقلة لأن أجرها مدخر لقائلها. وورد فى حديثٍ رواه الحاكم فى المستدرك أن لا حول ولا قوة إلا بالله تنفع لتسعين داء أقلها الهم أى أنها تزيل الهم فهى من أفضل ما يشتغل به الإنسان المصاب بالهم وهى أيضا تنفع لمن ابتلى بالوسوسة بإذن الله، إن واظب وثبت عليها لا بد أن يرى الفرج وينقلب عسره يسرا فالله تعالى جعل لها سرا كبيرا ونفعا عظيما. وروى أحمد عن أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ ليلة أسرى به مر على إبراهيم فقال له إبراهيم عليه السلام مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قال وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة إلا بالله. فالمؤمن كلما قالها تغرس له شجرة فى الجنة ساقها من ذهبٍ. وقال ابن عباسٍ رضى الله عنهما من قال حين يصبح وحين يمسى ثلاث مراتٍ بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، بسم الله ما شاء الله ما كان من نعمةٍ فمن الله، بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ءامنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والحية والعقرب. وقد ورد أن الخضر وإلياس عليهما السلام لا يزالان حيين فى الأرض ما دام القرءان فى الأرض فإذا رفع ماتا وأنهما يجتمعان عند الكعبة فى كل سنةٍ ويقولان عند افتراقهما بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله بسم الله ما شاء الله ما كان من نعمةٍ فمن الله بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله.
(81) قال العلماء الله تعالى موصوف بكل كمالٍ يليق به، لماذا قيدت كلمة كمالٍ بعبارة يليق به.
قيدت كلمة كمالٍ بعبارة يليق به لأن الوصف برجاحة العقل مثلا كمال ومدح فى حق الإنسان لكنه ليس كمالا فى حق الله فلا يجوز أن يوصف الله به كما فعل سيد قطب فإنه سمى الله بالعقل المدبر وهو صفة من صفات البشر وقد قال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوى أحمد بن سلامة المصرى فى عقيدته ومن وصف الله بمعنى من معانى البشر (أى بصفةٍ من صفات البشر) فقد كفر وقال الإمام النسفى فى تفسيره ومن الإلحاد (أى الكفر) تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلة.
(82) تكلم عن تنزيه الله عن النقائص.
الله تعالى منزه عن كل نقصٍ أى عن كل ما لا يليق به تعالى كالحجم والشكل واللون والهيئة والحركة والسكون والقيام والقعود وغير ذلك من صفات المخلوقات قال الله تعالى فى سورة الشورى ﴿ليس كمثله شىء﴾.
(83) ما معنى قوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾.
أى أن الله تعالى لا يشبه المخلوقات بأى وجهٍ من الوجوه ليس جسما ولا يوصف بصفات الأجسام قال الإمام ذو النون المصرى وأحمد بن حنبلٍ مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك، أى لا يشبه ذلك. أما من شبه الله بخلقه كأن اعتقد أن الله جسم قاعد فوق العرش فهو كافر مكذب لـلا إله إلا الله معنى ولو قالها لفظا لأنه نسب الألوهية إلى هذا الجسم الذى تصوره وهو ليس الله فلا يكون أقر بألوهية الله ولا عبده بل عبد شيئا تخيله وتوهمه.
(84) ما معنى المثلية التى نفاها الله عن نفسه بقوله ﴿ليس كمثله شىء﴾.
المثلية المنفية عن الله هى المثلية من جميع الوجوه فقوله ﴿ليس كمثله شىء﴾ أى لا يوجد شىء يماثله من جميع الوجوه ولا من بعض الوجوه فلا يوجد ذات مثل ذاته لأن ذاته ليس جسما مؤلفا من أجزاءٍ وليس لغيره صفة كصفته أو فعل كفعله بدليل قوله تعالى فى سورة الشورى ﴿ليس كمثله شىء﴾ أى أن الله تعالى لا يشبهه شىء من المخلوقات بأى وجهٍ من الوجوه لأن الله تعالى ذكر لفظ شىءٍ فى سياق النفى والنكرة إذا جاءت فى سياق النفى فهى للشمول فالله تعالى نفى بهذه الجملة عن نفسه مشابهة كل أفراد المخلوقات ولم يقيد نفى الشبه عنه بنوعٍ من أنواع المخلوقات قال تعالى ﴿هل تعلم له سميا﴾ أى مثلا أى ليس له مثيل ولا شبيه وقال الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر أنى يشبه الخالق مخلوقه، أى لا يشبه الخالق مخلوقه ويشمل نفى مشابهة الله لخلقه تنزيهه تعالى عن الكمية والكيفية والتنزيه هو نفى ما لا يليق بالله عن الله. والكمية هى مقدار الحجم وأما الكيفية فهى كل ما كان من صفات الخلق. أما الاتفاق باللفظ كأن يقال عن الله حى وعن المخلوق حى فليس ذلك مماثلة لأن حياة الله أزلية ليست بروحٍ وجسدٍ وإذا قيل عن الله موجود وعن المخلوق موجود فليس ذلك مماثلة لأن وجود الله أزلى ووجود المخلوق حادث.
(85) ما معنى قوله تعالى ﴿وهو السميع البصير﴾.
أى أن الله موصوف بالسمع والبصر فيجب اعتقاد أن الله تعالى يسمع كل المسموعات من غير حاجةٍ إلى أذنٍ أو ءالةٍ أخرى ويرى كل المرئيات من غير حاجةٍ إلى حدقةٍ أو شعاع ضوءٍ والحدقة هى العين بمعنى الجسم.
(86) ما معنى قول العلماء الله قديم وما سواه حادث.
أى أن الله تعالى أزلى لا بداية لوجوده وأن كل ما سواه مخلوق له بداية أى وجد بعد أن لم يكن موجودا. قال رسول الله ﷺ عندما سئل عن بدء الأمر كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء وكتب فى الذكر كل شىءٍ ثم خلق السموات والأرض، رواه البخارى. كان الله ولم يكن شىء غيره أى أن الله أزلى ولا أزلى سواه والسائل هم أناس من أهل اليمن رحلوا إليه ليتفقهوا فى الدين فبدأ الرسول ﷺ بذكر ما هو أهم من جواب سؤالهم فبين لهم أن الله عز وجل موجود لا ابتداء لوجوده وأن كل ما سواه حادث له بداية ثم بعد ذلك أجابهم عن سؤالهم فقال وكان عرشه على الماء أى وجد عرشه على الماء أى أن الماء خلق قبل العرش وبوجود الماء وجد الزمان والمكان. ثم قال رسول الله ﷺ وكتب فى الذكر كل شىءٍ أى أمر الله القلم أن يكتب على اللوح المحفوظ ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك بخمسين ألف سنةٍ خلق السموات والأرض، أى خلقهما وما بينهما فى ستة أيامٍ كما قال تعالى فى سورة ق ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيامٍ وما مسنا من لغوبٍ﴾ أى تعبٍ وكل يومٍ من هذه الأيام قدر ألف سنةٍ قال تعالى فى سورة الحج ﴿وإن يوما عند ربك كألف سنةٍ مما تعدون﴾.
(87) تكلم عن كلام الله تعالى.
قال تعالى فى سورة النساء ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ وقال رسول الله ﷺ ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، رواه البخارى. فيجب اعتقاد أن الله متكلم بكلامٍ لا يشبه كلامنا ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة ليس له ابتداء وليس له انتهاء لا يطرأ عليه سكوت أو تقطع قال الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا ءالةٍ ولا حروفٍ والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوقٍ. والآلات هى مخارج الحروف. أما قوله تعالى فى سورة يس ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾ فمعناه أن الله يخلق الأشياء بسرعةٍ بدون تعبٍ ولا مشقةٍ وبدون ممانعة أحدٍ له وليس معناه أن الله ينطق بلفظ كن بعدد مخلوقاته لأن الله عز وجل يخلق فى اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر فالآية ﴿كن فيكون﴾ تدل على سرعة الإيجاد. ويطلق كلام الله على اللفظ المنزل الذى نزل به جبريل على الأنبياء وأخذه من اللوح المحفوظ وهو عبارة عن كلام الله الذاتى وليس من تأليف ملكٍ ولا تصنيف بشرٍ.
(88) ما هو دليل أهل الحق على أن كلام الله ليس صوتا ولا حروفا متعاقبة.
استدل أهل الحق على أن كلام الله ليس صوتا ولا حروفا متعاقبة بقوله تعالى فى سورة الأنعام ﴿وهو أسرع الحاسبين﴾ وبقوله ﷺ ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، رواه البخارى. فالله تعالى يكلم كل إنسانٍ يوم القيامة فيفهم العبد من كلام الله السؤال عن أفعاله وأقواله واعتقاداته. فلو كان حساب الله لخلقه من إنسٍ وجنٍ بالحرف والصوت ما كان ينتهى حسابهم فى مائة ألف سنةٍ لأن الخلق كثير ويأجوج ومأجوج وحدهم يوم القيامة البشر كلهم بالنسبة لهم كواحدٍ من مائةٍ وفى روايةٍ كواحدٍ من ألفٍ ومن الإنس من عاش ألفى سنةٍ ومنهم من عاش ألفا وزيادة ومنهم من عاش مئاتٍ من السنين وبعض الجن يعيشون ءالافا من السنين وحساب العباد ليس على القول فقط بل على القول والفعل والاعتقاد فلو كان الله يكلمهم بالحرف والصوت لاستغرق حسابهم زمانا طويلا جدا ولم يكن الله أسرع الحاسبين بل لكان أبطأ الحاسبين لكن الله تعالى يقول ﴿وهو أسرع الحاسبين﴾ أى أن الله تعالى أسرع من كل حاسبٍ.
(89) هل يقال عن القرءان بمعنى اللفظ المنزل إنه كلام الله.
قال الله تعالى فى سورة التوبة ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله﴾ أى إن جاءك يا محمد أحد من المشركين واستأمنك أى طلب منك الأمان ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرءان فأمنه أى أعطه الأمان ﴿حتى يسمع كلام الله﴾ أى حتى يسمع اللفظ المنزل ويتدبره. فالقرءان بمعنى اللفظ المنزل على سيدنا محمدٍ يقال له كلام الله لأنه يدل على كلام الله الأزلى ولأنه ليس من تأليف ملكٍ ولا بشرٍ وليس معناه أن الله نطق به بالحرف والصوت كما نحن نقرؤه بدليل قوله تعالى ﴿إنه لقول رسولٍ كريمٍ﴾ أى أن القرءان هو مقروء جبريل. الله تعالى أجرى القلم بقدرته من غير إمساكٍ لأن الله لا يمس ولا يمس لا يصح أن يمس ولا أن يمس لأن المس لا يحصل إلا باتصال جسمٍ بجسمٍ فكتب فى اللوح المحفوظ القرءان والتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية ثم أمر الله جبريل بعد أن خلق الأنبياء أن يأخذ هذه الكتب وأن ينزلها على أنبيائه.
(90) ما الرد على المعتزلة القائلين الله متكلم بمعنى أنه خالق الكلام فى غيره.
المعتزلة نفوا الكلام عن الله فجعلوه أبكم وقالوا إن الحرف والصوت حادثان فلو كان الله يتكلم لكان حادثا أى مخلوقا لذلك قالوا فى قوله تعالى ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ إنه مجاز أى خلق الله الكلام فى الشجرة التى كان موسى عندها فسمع موسى كلام الله من الشجرة وهذا باطل فلو كان الأمر كما يزعمون ما أكد الله الفعل بالمصدر وفى ذلك نفى للمجاز. والمجاز هو استعمال اللفظ فى غير معناه الأصلى قال أبو حيان الأندلسى فى البحر المحيط ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ هذا إخبار بأن الله شرف موسى بكلامه وأكد بالمصدر دلالة على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه، فيجب اعتقاد أن موسى عليه السلام سمع كلام الله الأزلى الذى ليس حرفا ولا صوتا كما يرى المؤمنون ذات الله فى الآخرة من غير أن يكون جوهرا فردا أو مركبا ومن غير أن يكون عرضا أى صفة للجوهر لأن العقل لا يحيل سماع ما ليس بحرفٍ ولا صوتٍ وإن كنا لا نستطيع تصوره. والجوهر الفرد هو الجزء الذى لا يتجزأ من تناهيه فى القلة أما المركب من أجزاءٍ فهو الجسم.
(91) ما معنى أن الله مباين لجميع المخلوقات فى الذات والصفات والأفعال.
الله مباين لجميع المخلوقات أى غير مشابهٍ لها فلا يوجد ذات مثل ذاته لأن الله ليس جسما وليس لغيره صفة كصفته أو فعل كفعله قال تعالى فى سورة الشورى ﴿ليس كمثله شىء﴾ وقال تعالى فى سورة النحل ﴿ولله المثل الأعلى﴾ أى لله صفات لا تشبه صفات غيره وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله فعله تعالى (أى تخليقه) صفة له فى الأزل والمفعول (أى المخلوق) حادث.
(92) ما معنى قول العلماء سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
أى تنزه الله تنزها كاملا عما يقول الكافرون فى حق الله مما لا يليق به كالزوجة والولد. وأكبر الظلم هو ظلم الكافرين فالكافرون بلغوا الغاية فى الظلم ولما كان الكفر أكبر الظلم وأشده أطلق الله فى القرءان الظالمين وأراد به الكافرين قال تعالى فى سورة البقرة ﴿والكافرون هم الظالمون﴾.
(93) تكلم عن صفات الله تعالى.
الله تعالى متصف بصفات الكمال اللائقة به قال تعالى فى سورة الأعراف ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾ أى له الأسماء التى تدل على الكمال ﴿وذروا الذين يلحدون فى أسمائه﴾ أى اتركوا الذين يحرفون ويغيرون فى أسماء الله أى لا تتبعوهم فى ذلك وقال تعالى فى سورة النحل ﴿ولله المثل الأعلى﴾ أى لله صفات الكمال التى لا تشبه صفات غيره. وصفات الله تعالى كلها أزلية أبدية أى لا بداية ولا نهاية لها قال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه فى كتابه الفقه الأكبر من قال بحدوث صفات الله أو شك أو توقف فهو كافر، أى من قال إن الله حدثت له صفات لم يكن متصفا بها فى الأزل أو شك فيها كأن قال لعلها أزلية ولعلها حادثة أو توقف فيها كأن قال لا أقول إنها حادثة ولا أقول إنها أزلية فهو كافر.
(94) قال العلماء بوجوب معرفة ثلاث عشرة صفة لله تعالى، ما هى هذه الصفات.
الوجود والوحدانية والقدم أى الأزلية والبقاء وقيامه بنفسه أى أنه لا يحتاج إلى غيره والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والحياة والكلام والمخالفة للحوادث أى عدم مشابهته للمخلوقات.
(95) تكلم عن صفة الوجود لله.
يجب اعتقاد أن الله موجود لا شك فى وجوده ووجوده تعالى ليس بإيجاد موجدٍ لأنه لم يسبق وجوده عدم قال الله تعالى فى سورة إبراهيم ﴿أفى الله شك﴾ أى لا شك فى وجوده.
(96) تكلم عن صفة الوحدانية لله.
يجب اعتقاد أن الله واحد لا شريك له ولا معبود بحقٍ سواه وليس جسما مؤلفا من أجزاءٍ. فالله تعالى لا شريك له فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى فعله فلا يوجد ذات مثل ذاته وليس لغيره صفة كصفته أو فعل كفعله قال الله تعالى فى سورة البقرة ﴿وإلهكم إله واحد﴾. وليس المراد بوحدانية الله وحدانية العدد لأن الجسم الواحد له أجزاء بل المراد أنه لا شبيه له قال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه فى الفقه الأكبر والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له.
(97) تكلم عن صفة القدم لله.
قال الله تعالى فى سورة الحديد ﴿هو الأول﴾ أى أن الله وحده الأول الذى لا ابتداء لوجوده وشرح رسول الله ﷺ الآية بقوله كان الله ولم يكن شىء غيره رواه البخارى، أى أن الله أزلى ولا أزلى سواه فيجب اعتقاد أن الله قديم بمعنى أنه لا ابتداء لوجوده وأن كل ما سواه حادث أى وجد بعد أن لم يكن. وليس معنى القديم فى حق الله أنه مضى عليه زمان طويل قال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوى فى عقيدته قديم بلا ابتداءٍ. فلو لم يكن الله قديما لكان حادثا أى مخلوقا والحادث محتاج إلى من أوجده والمحتاج إلى غيره لا يكون إلها. وقد ورد أن الرسول ﷺ كان يقول إذا أراد دخول المسجد أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، والحديث إسناده حسن. فإذا ثبت جواز إطلاق القديم على سلطان الله الذى هو صفته جاز إطلاقه على الذات. فيدل قدم الله أنه كان موجودا قبل العرش والسموات وسائر الخلق بلا مكانٍ ولا جهةٍ والله لا يتغير فلم يزل كما كان فى الأزل موجودا بلا مكانٍ ولا جهةٍ.
(98) تكلم عن صفة البقاء لله.
يجب اعتقاد أن الله لا يلحقه فناء لأنه لو جاز عليه الفناء لكان مخلوقا ولم يكن أزليا لكن الله أزلى أى لا ابتداء لوجوده فلا يجوز عليه الفناء قال الله تعالى فى سورة الرحمٰن ﴿ويبقى وجه ربك﴾ أى ذات ربك أى يبقى الله. وبقاء الله بقاء ذاتى أى ليس بإبقاء غيره له أما بقاء الجنة والنار فهو ليس بقاء ذاتيا بل هما باقيتان بإبقاء الله لهما فلا شريك لله تعالى فى صفة البقاء.
(99) تكلم عن صفة القيام بالنفس لله.
يجب اعتقاد أن الله مستغنٍ عن كل ما سواه فلا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه ولا ينتفع ربنا بطاعة الطائعين ولا ينضر بعصيان العصاة وكل شىءٍ سوى الله محتاج إليه لا يستغنى عن الله طرفة عينٍ قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿فإن الله غنى عن العالمين﴾ وقال تعالى فى سورة فاطرٍ ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد﴾.
(100) تكلم عن صفة القدرة لله.
يجب اعتقاد أن الله قادر على كل شىءٍ لا يعجزه شىء قال الله تعالى فى سورة الشورى ﴿وهو على كل شىءٍ قدير﴾. والله تعالى لو لم يكن قادرا لكان عاجزا والعجز نقص والنقص مستحيل على الله. ولا يجوز تسمية الله بالقوة أو القدرة لأن القوة بمعنى القدرة صفة لله والله تعالى ليس صفة.
(101) تكلم عن صفة الإرادة لله.
الإرادة بمعنى المشيئة صفة لله يخصص بها الممكن العقلى بالوجود بدل العدم وبصفةٍ دون صفةٍ. والإرادة شاملة لأعمال العباد الخير منها والشر فكل ما دخل فى الوجود من خيرٍ وشرٍ فبمشيئة الله وقع وحصل ولولا تخصيص الله تعالى للحسنات بالوجود ما وجدت وكذلك الكفريات والمعاصى لولا تخصيص الله تعالى لها بالوجود ما وجدت. ولا يقاس الخالق على المخلوق ففعل العبد للشر قبيح من العبد لأنه منهى عن فعله أما خلق الله للشر فليس قبيحا من الله وكذلك إرادة الله لوجود القبيح ليس قبيحا من الله إنما القبيح فعله وإرادته من العباد. فالله تعالى هو الآمر الناهى الذى لا ءامر له ولا ناهٍ وليس عليه محكومية لأحدٍ قال تعالى ﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾ فالله مالك كل شىءٍ وله التصرف بما يملك كما يشاء ولا يوصف بالظلم.
(102) اذكر قول الإمام أبى حنيفة فى كسر القدرية القائلين بأن الله ما شاء حصول المعاصى والشرور.
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله الكلام بيننا وبين القدرية فى حرفين يقال لهم هل علم الله ما يكون من العباد قبل أن يفعلوا فإن قالوا لا كفروا لأنهم جهلوا ربهم وإن قالوا علم يقال لهم هل شاء خلاف ما علمه فإن قالوا نعم كفروا لأنهم قالوا شاء أن يكون جاهلا وإن قالوا لا رجعوا إلى قولنا.
(103) تكلم عن صفة العلم لله.
يجب اعتقاد أن الله عالم بكل شىءٍ بعلمه الأزلى فهو عالم بذاته وصفاته وما يحدثه من مخلوقاته لأنه لو لم يكن عالما لكان جاهلا والجهل نقص والله منزه عن النقص قال الله تعالى فى سورة الطلاق ﴿وأن الله قد أحاط بكل شىءٍ علما﴾ ولا يقبل علمه الزيادة ولا النقصان لأن الله لو كان علمه يزيد وينقص لكان مثل خلقه.
(104) تكلم عن صفة السمع لله.
يجب اعتقاد أن الله يسمع بسمعه الأزلى كل المسموعات فهو تبارك وتعالى يسمع كلامه الأزلى وكلام المخلوقات وأصواتهم من غير حاجةٍ إلى أذنٍ أو ءالةٍ أخرى قال تعالى فى سورة الشورى ﴿وهو السميع البصير﴾.
(105) تكلم عن صفة البصر لله.
يجب اعتقاد أن الله يرى برؤيته الأزلية كل المرئيات فهو تبارك وتعالى يرى ذاته الأزلى ويرى جميع المخلوقات من غير حاجةٍ إلى حدقةٍ أو شعاع ضوءٍ لأن الله لو كان له عين بمعنى الجسم لكان مثلا لنا ولجاز عليه ما يجوز علينا من الموت والفناء والتغير.
(106) تكلم عن صفة الحياة لله.
يجب اعتقاد أن الله حى بحياةٍ لا تشبه حياتنا ليست بروحٍ وجسدٍ قال الله تعالى فى سورة البقرة ﴿الله لا إله إلا هو الحى القيوم﴾ فلو لم يكن الله حيا لم يوجد شىء من هذا العالم لأن من ليس حيا لا يتصف بالعلم والقدرة والإرادة ومن لم يتصف بهذه الصفات لا يكون خالقا.
(107) تكلم عن صفة الكلام لله.
يجب اعتقاد أن الله يتكلم بلا لسانٍ ولا شفتين وكلامه ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة ليس له ابتداء وليس له انتهاء لا يطرأ عليه سكوت أو تقطع قال الله تعالى فى سورة النساء ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾. ولا يجوز تسمية الله بالناطق بل يسمى متكلما لأن النطق لا يكون إلا بالحرف والصوت.
(108) ما معنى مخالفة الله للحوادث.
أى عدم مشابهته للمخلوقات فالله تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقات بأى وجهٍ من الوجوه ليس حجما ولا يوصف بصفات الأحجام بدليل قوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ فلا يشبه ربنا ذوى الأرواح من إنسٍ وجنٍ وملائكةٍ وغيرهم ولا يشبه الجمادات من الأجرام العلوية والسفلية ولا يتصف بصفاتها.
(109) ما هى الآيات المحكمات والآيات المتشابهات.
قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿هو الذى أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾. والمحكم هو ما لا يحتمل بحسب وضع اللغة إلا معنى واحدا أو عرف المعنى المراد منه بوضوحٍ كقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾. أما المتشابه فيحتمل معانى عديدة ولم يعرف المعنى المراد منه بوضوحٍ فيحتاج إلى نظر أهل الفهم الذين لهم دراية بالنصوص الشرعية ومعانيها لمعرفة المعنى المراد منه لحمله على الوجه المطابق للمحكم كقوله تعالى فى سورة طه ﴿الرحمٰن على العرش استوى﴾ مع تنزيه الله عن استواء المخلوقين كالجلوس والاستقرار والمحاذاة أى كون الشىءٍ فى مقابل شىءٍ.
(110) بين أقسام المتشابه.
المتشابه قسمان أحدهما ما لا يعلمه إلا الله كوجبة القيامة أى وقت وقوعها وخروج الدجال على التحديد والثانى يعلمه الله والراسخون فى العلم كمعنى الاستواء المذكور فى قوله تعالى ﴿الرحمٰن على العرش استوى﴾ فإن الراسخين فى العلم فسروه بالقهر.
(111) ما معنى قوله تعالى ﴿فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا﴾.
﴿فأما الذين فى قلوبهم زيغ﴾ أى ضلال وهم المبتدعة فى الاعتقاد كالمشبهة وغيرهم ﴿فيتبعون ما تشابه منه﴾ أى المتشابه من القرءان ﴿ابتغاء الفتنة﴾ أى ابتغاء إيقاع المؤمن فى اعتقادهم الباطل ﴿وابتغاء تأويله﴾ أى تأويلا باطلا وهو محاولتهم معرفة وقت حصول القيامة وخروح الدجال على التحديد ﴿وما يعلم تأويله﴾ أى وقت حصوله ﴿إلا الله﴾ أى أن القرءان فيه ءايات متشابهات تتعلق بأمورٍ لم يطلع الله أحدا من الخلق على وقت حصولها كوقت قيام الساعة وخروج الدجال على التحديد ﴿والراسخون فى العلم﴾ أى المتمكنون فيه ﴿يقولون ءامنا به﴾ أى بالقرءان كله المحكم منه والمتشابه ﴿كل من عند ربنا﴾ أى كل من المحكم والمتشابه وحى من عند ربنا.
(112) ما هو مسلك السلف فى تأويل الآيات المتشابهة.
السلف هم أهل القرون الثلاثة الأولى قرن الصحابة وقرن التابعين وقرن أتباع التابعين ومسلك أكثرهم أنهم يؤولون الآيات المتشابهة تأويلا إجماليا أى بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بالله من غير أن يعينوا لها معنى كآية ﴿الرحمٰن على العرش استوى﴾ فيقولون استوى بلا كيفٍ أو على ما يليق به أى من غير أن يكون بهيئةٍ كالجلوس والاستقرار. قال الإمام الشافعى رضى الله عنه فى الآيات المتشابهة ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، أى على المعنى الذى يليق بالله وليس على المعنى الذى يؤدى إلى تشبيه الله بخلقه.
(113) كيف يرد على من نفى التأويل التفصيلى عن السلف.
نفى التأويل التفصيلى عن السلف مردود بما فى صحيح البخارى فى كتاب تفسير القرءان وعبارته ﴿كل شىءٍ هالك إلا وجهه﴾ إلا ملكه ويقال ما يتقرب به إليه. وملك الله صفة من صفاته الأزلية ليس كالملك الذى يعطيه للمخلوقين فملك أحباب الله كسليمان وذى القرنين وملك أعداء الله كنمرود وفرعون يفنى أما ملك الله فلا يفنى. وملك الله أى سلطانه فإن الله تعالى له سلطان على هذا العالم وسلطانه لا يفنى. وقوله ما يتقرب به إليه أى الأعمال الصالحة فإنها تبقى لقوله تعالى فى سورة الكهف ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك﴾. وأول البخارى الضحك الوارد فى الحديث الذى فيه ضحك الله الليلة بالرحمة نقل ذلك عنه الخطابى فقال وقد تأول البخارى الضحك فى موضعٍ ءاخر على معنى الرحمة وهو قريب وتأويله على معنى الرضا أقرب. وثبت عن الإمام أحمد أنه قال فى قوله تعالى ﴿وجاء ربك﴾ إنما جاءت قدرته، أى ءاثار القدرة من الأمور العظام التى تظهر يوم القيامة كجر الملائكة لجزءٍ كبيرٍ من جهنم إلى الموقف حتى يراه الكفار فيفزعوا وشهادة الأيدى والأرجل بما كسبه الكفار مع الختم على أفواههم. وهذا الأثر عن الإمام أحمد صحح سنده الحافظ البيهقى.
(114) ما هو مسلك الخلف فى تأويل الآيات المتشابهة.
الخلف هم من جاءوا بعد القرون الثلاثة الأولى وهؤلاء يؤولون الآيات المتشابهة تفصيلا بتعيين معانٍ لها ولا يحملونها على ظواهرها ولا بأس بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدة عند إلقاء الشبه على العوام حفظا لهم من التشبيه. وهذا التأويل التفصيلى هو مثل تأويل قوله تعالى فى سورة ص فى توبيخ إبليس ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى﴾ فيجوز أن يقال المراد باليدين العناية والحفظ أى ما منعك يا إبليس أن تسجد لما خلقت بعنايتى وحفظى أى لمن أكرمته وأردت له المقام العالى والخير العظيم وهو ءادم عليه السلام.
(115) ما معنى قوله تعالى فى سورة البقرة ﴿وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم﴾.
أى يجازى الكفار المنافقين على استهزائهم فإنهم كانوا يجتمعون بأمثالهم ويتكلمون بذم الإسلام وكراهيته ويستهزئون به وبعباد الله المسلمين وليس معناه أن الله تعالى يستخف بالمنافقين كما يستخف العباد بعضهم ببعضٍ. وليعلم أنه لا يجوز تسمية الله بالمستهزئ لأنه استخفاف بالله.
(116) ما معنى قوله تعالى فى سورة التوبة ﴿نسوا الله فنسيهم﴾.
أى تركوا طاعة الله بالإيمان به وبرسوله محمدٍ ﷺ فتركهم الله من رحمته خالدين فى نار جهنم لا يخفف عنهم عذابها. ولا يجوز تسمية الله بالناسى لأنه استخفاف بالله.
(117) ما معنى قوله تعالى ﴿ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين﴾.
اعلم أن مكر الله ليس كمكر العباد مكر الله لا يذم لأن الله لا يجوز عليه الظلم لا يكون ظالما إن انتقم من عباده الظالمين بما شاء وأما المكر بمعنى الاحتيال فمستحيل على الله. قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومكروا﴾ أى الكفار فعلوا حيلة وخبثا وخداعا لإيصال الضرر للمسلمين بطريقٍ خفىٍ ﴿ومكر الله﴾ أى عاقبهم على مكرهم ﴿والله خير الماكرين﴾ أى الله أقوى فى إيصال الضرر إلى الماكرين من كل ماكرٍ جزاء لهم على مكرهم. ولا يجوز تسمية الله ماكرا فمن سمى الله ماكرا كفر لأنه استخف بالله.
(118) ما معنى قوله تعالى فى سورة فاطرٍ ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾.
﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ أى الكلم الطيب كلا إله إلا الله يصعد إلى محل كرامته أى إلى المكان المشرف عند الله وهو السماء، ﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ أى أن الكلم الطيب يرفع العمل الصالح أى أن كلمة التوحيد هى الأصل والأساس لرفع الأعمال الصالحة أى لقبولها وهذا التفسير منطبق ومنسجم مع الآية المحكمة ﴿ليس كمثله شىء﴾ فتفسير الآيات المتشابهة يجب أن يرد إلى الآيات المحكمة أى أن يكون موافقا لها وهذا فى المتشابه الذى يجوز للعلماء أن يعلموه كقوله تعالى فى سورة الفجر ﴿وجاء ربك والملك صفا صفا﴾ وأما المتشابه الذى أريد بقوله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾ على قراءة الوقف على لفظ الجلالة فهو ما كان مثل وجبة القيامة أى وقت وقوعها وخروح الدجال على التحديد.
(119) ما معنى قوله تعالى فى الكعبة ﴿بيتى﴾.
قال الله تعالى فى سورة البقرة فى الكعبة ﴿بيتى﴾ أى أنها بيت مشرف أى معظم عند الله فالإضافة هنا إضافة ملكٍ للتشريف وليس معناه أن الله يسكنها لاستحالة الملامسة أو المماسة بين الله والكعبة فإضافة البيت إلى الله ليست من هذا القبيل.
(120) ما معنى قوله تعالى فى سورة الحديد ﴿وهو معكم أين ما كنتم﴾.
معنى قوله تعالى ﴿وهو معكم أين ما كنتم﴾ الإحاطة بالعلم لا بالجهة أى عالم بكم أينما كنتم وتأتى المعية أيضا بمعنى النصرة والكلاءة أى الحفظ وهى خاصة بالمؤمنين الأتقياء كقوله تعالى فى سورة النحل ﴿إن الله مع الذين اتقوا﴾ أى ينصرهم ويحفظهم وليس معناه يمشى وينتقل معهم فإن الله تعالى نصر الأولياء وحفظهم من أن يغرقهم الشيطان فى المعاصى وليس المعنى بالمعية الحلول والاتصال ويكفر من يعتقد ذلك لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الاتصال والانفصال بالمسافة لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ فلا يقال إنه تعالى متصل بالعالم ولا منفصل عنه بالمسافة لأن الاتصال والانفصال من صفات الجسم وهو حادث أى مخلوق.
(121) ما معنى قوله تعالى ﴿ألا إنه بكل شىءٍ محيط﴾.
معناه إحاطة العلم والقدرة أى أنه لا يخرج شىء عن قدرة الله وعلمه وليس معناه أن الله محيط بالعالم كإحاطة الحقة بما فيها والحقة شىء مستدير توضع فيه الأشياء الثمينة.
(122) ما معنى قوله تعالى فى سورة النحل ﴿يخافون ربهم من فوقهم﴾.
معنى قوله تعالى ﴿يخافون ربهم من فوقهم﴾ فوقية القهر وليس فوقية المكان والجهة لأن الله منزه عن المكان والجهة.
(123) ما معنى قوله تعالى ﴿وهو العلى الكبير﴾.
اعلم أن الله تعالى لا يوصف بالكبر حجما ولا بالصغر ولا بالطول ولا بالقصر لأنه مخالف للحوادث أى لا يشبه المخلوقات بأى وجهٍ من الوجوه أما قول الله تعالى فى سورة سبإٍ ﴿وهو العلى الكبير﴾ فمعناه كبير القدر فيجب طرد كل الخواطر التى تفضى إلى وصف الله بالمقدار والشكل والهيئة لأن الله منزه عن ذلك كله فقد قال رسول الله ﷺ لا فكرة فى الرب رواه أبو القاسم الأنصارى معناه أن الله تعالى لا يدركه الوهم.
(124) ما معنى أشهد أن محمدا رسول الله.
معنى أشهد أن محمدا رسول الله أعترف بلسانى وأعتقد بقلبى أن محمد بن عبد الله مرسل من عند الله إلى جميع الخلق من إنسٍ وجنٍ أى أن الله أرسله إلى كافة البشر من عربٍ وغيرهم وإلى كافة الجن ليأمرهم بالإيمان بشريعته ويتبعوه فى كل ما جاء به قال الله تعالى فى سورة الفرقان ﴿ليكون للعالمين نذيرا﴾ والإنذار هو التخويف بالنار على المعصية وهذا الإنذار للإنس والجن فقط أما الملائكة فلا يعصون الله أبدا ولا يختارون إلا الطاعة بمشيئة الله فلا يحتاجون إلى إنذارٍ. وأما من كان قبل محمدٍ من الأنبياء فلم يكن مرسلا إلى الإنس والجن لقوله ﷺ كان النبى يرسل إلى قومه وأرسلت إلى الناس كافة رواه البخارى، وليس معناه أن الأنبياء السابقين كانوا لا يأمرون بمعروفٍ ولا ينهون عن منكرٍ إلا من كان من أممهم بل الأنبياء كلهم كانوا يبلغون أقوامهم ومن استطاعوا من غيرهم لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب على كل من استطاع من أفراد المكلفين وفى حق الأنبياء أوكد فيجب اعتقاد أن الأنبياء مأمورون بالتبليغ فقد كان النبى ﷺ يقول للناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. أما الجن فقد أمر النبى ﷺ بالخروج إليهم فاجتمع بهم ليلا وأخبره الله بالوحى أنه جاء إليه نفر أى جماعة من الجن فاستمعوا القرءان فآمنوا قال الله تعالى فى سورة الجن ﴿قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به﴾.
(125) اذكر بعض نسب النبى ومن أى قبيلةٍ هو وأين ولد وأين مات ودفن.
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد منافٍ القرشى ﷺ. ومعرفة نسبه إلى عبد منافٍ من فروض الكفاية أما معرفة أنه محمد بن عبد الله العربى فهو فرض على كل مكلفٍ بعينه. ويجب اعتقاد أنه ولد بمكة وكانت ولادته فى الثانى عشر من شهر ربيعٍ الأول فى عام الفيل وهو العام الذى غزا فيه أبرهة الحبشى الكعبة فأهلكه الله وجيشه قبل أن يدخل مكة. وبعث الرسول بمكة أى نزل عليه الوحى بالنبوة وهو مستوطن فيها وكان عمره أربعين سنة وهاجر إلى المدينة المنورة بأمر الله ومات ودفن فيها فى حجرة السيدة عائشة رضى الله عنها أى دفن حيث مات ﷺ لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون وهذا من خصائص الأنبياء التى خصهم الله بها قال ﷺ الأنبياء يدفنون حيث يموتون.
(126) تكلم عن هجرة النبى ﷺ إلى المدينة المنورة.
خرج النبى ﷺ من بيته فى مكة فذهب إلى بيت أبى بكرٍ رضى الله عنه وأخبره أنه قد أذن له بالهجرة فطلب أبو بكرٍ من النبى ﷺ أن يصحبه معه فوافق النبى ﷺ فبكى أبو بكرٍ من شدة الفرح بذلك ثم ركبا على ناقتين كان قد أعدهما أبو بكرٍ وانطلقا حتى وصلا إلى غار ثورٍ فدخلاه. وأمر الله شجرة فنبتت عند مدخل الغار فسترته وأمر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وأمر العنكبوت فنسجت عليه وكان الكفار يتبعونهما فلما اقتربوا منهما أرسلوا رجلا لينظر فى الغار فلما رأى الحمامتين والشجرة ونسيج العنكبوت رجع إلى أصحابه وأخبرهم أنه لا يوجد أحد فى الغار. وبعد أن ذهب الكفار بمدةٍ أكمل النبى ﷺ وصاحبه طريقهما إلى المدينة فلحقهما سراقة بن مالكٍ بعد أن علم أن كفار قريشٍ وضعوا جائزة لمن يأتيهم بهما فلما اقترب منهما دعا النبى ﷺ عليه فساخت فرسه فى الأرض فطلب سراقة من النبى أن يدعو له ووعد النبى أنه لن يخبر أحدا عنهما فدعا له النبى ﷺ فرجعت فرسه إلى حالها ورجع هو إلى أصحابه. وفى طريقه ﷺ إلى المدينة كان معه أبو بكرٍ وعامر بن فهيرة مولى أبى بكرٍ وابن أريقطٍ يدلهم على الطريق ومروا بأم معبدٍ الخزاعية وكانت لا تعرفهم فقال لها الرسول ﷺ يا أم معبدٍ هل عندك من لبنٍ فقالت لا والله فرأى شاة فى البيت فسألها عنها فقالت شاة خلفها الجهد وهى لا تحلب فمسح النبى ﷺ ظهرها وضرعها ثم دعا بإناءٍ فحلب فيه وملأه فسقى أصحابه ثم حلب فى الإناء وتركه عندها وارتحل. وكان المسلمون فى المدينة قد سمعوا بخروج النبى ﷺ فأخذوا ينتظرون قدومه كل يومٍ حتى كان اليوم الذى جاء فيه النبى ﷺ فانتظروا حتى قويت عليهم حرارة الشمس فرجعوا إلى بيوتهم. وبعد رجوعهم قدم النبى ﷺ وأبو بكرٍ فرءاهما رجل فنادى بأعلى صوته يخبر الأنصار بمجىء النبى ﷺ فخرجوا لاستقباله. ودخل الرسول ﷺ المدينة وهو راكب على ناقته فتركها حتى بركت على البقعة التى بنى عليها مسجده الشريف وأقام عند أبى أيوب الأنصارى وهو خالد بن زيدٍ حتى انتهى من بناء مسجده ومساكن أزواجه. وكانت هجرته ﷺ تنفيذا لأمر الله تعالى وليس جبنا ولا هربا من الكفار ولا طلبا للراحة والاستجمام. وكانت الهجرة فرضا على كل من استطاع من المسلمين لنصرة النبى وتأسيس دولة الإسلام. فالهجرة دروس وعبر فيها الحث على البذل والصبر والثبات والتمسك بتعاليم الإسلام وتغرس ذكراها فى القلوب علو الهمة فى نشر الإسلام والدفاع عن الدين فى زمان غربة الإسلام.
(127) ما معنى الأمى فى حق الرسول ﷺ.
اعلم أن الرسول ﷺ كان أميا لا يكتب ولا يقرأ المكتوب وهذا معدود فى جملة معجزاته ﷺ وقد وصف الله تعالى نبيه بالأمى بقوله ﴿الذين يتبعون الرسول النبى الأمى﴾ وثبتت أميته بنص الحديث عند أول نزول الوحى عليه لما قال له جبريل اقرأ فقال ما أنا بقارئٍ. والأمية فى حق غيره ليست مدحا أما فى حقه ﷺ فهى مدح له لأنه مع كونه أميا أعجز بلغاء العرب وتحداهم بلغتهم فعجزوا عن التحدى ولجؤوا إلى الافتراء والحرب. وقد جاء فى الحديث أن الرسول ﷺ قال إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. وليس المراد منه مدح الأمية وإنما المراد حساب النجوم لمعرفة أوائل الشهور. وأما استدلال المعترض بهذه الآية ﴿هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ وقوله كيف يعلمهم وهو لا يحسن ذلك فلا وجه له لأن الآية ليس فيها أنه يعلمهم القراءة والكتابة وإنما يعلمهم ما ءاتاه الله تعالى من القرءان والحديث.
(128) تكلم عن صفة النبى الخلقية.
الرسول عليه السلام أبيض شديد البياض وبياضه فيه حمرة وشعره أسود شديد السواد ليس بجعدٍ ولا سبطٍ إنما هو شعر معتدل الخلقة معتدل الشكل حلق حلق، أحيانا كان يصل شعره إلى شحمة أذنه وأحيانا إلى كتفيه ولم يحلق بالموسى إلا فى الحج أو العمرة لم يشب منه إلا عشرون شعرة فى رأسه ووجهه وكان عليه السلام مربوع القامة إلى الطول أى طوله معتدل لم يكن سمينا ولا نحيفا وكان سواء البطن والصدر بعيد ما بين المنكبين أى عريض ما بين المنكبين وكان وجهه أميل إلى الاستدارة كأن الشمس تجرى فى وجهه دقيق الحاجبين أى حاجباه لم يكونا عريضين شثن الكفين والقدمين أى كفه ممتلئة ليست نحيفة وقدماه كذلك لم تكونا نحيفتين أدعج العينين أى شديد سواد العينين أهدب الأشفار أى طويل الأشفار والأشفار هو الشعر النابت على الأجفان وكان على ذراعيه ومنكبيه وأعالى صدره شعر وكان له مسربة وهو شعر دقيق ينزل من الصدر إلى السرة كث اللحية أى لحيته كثيفة لا يرى الجلد من خلالها أقنى الأنف أى أنفه فيه ارتفاع من غير إفراطٍ ضليع الفم أى واسع الفم مفلج الأسنان أى ما بين ثناياه انفراج ليس السن ملتصقا بالسن. فمن رءاه فى المنام على هذه الصفة لا بد أن يموت على الإيمان ولا يعذب فى القبر ولا فى الآخرة.
(129) تكلم عن أخلاق النبى ﷺ.
قال الله تعالى فى سورة القلم ﴿وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ﴾ وقالت عائشة رضى الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله ﷺ إن خلق رسول الله ﷺ كان القرءان رواه مسلم، معناه كل خصلة خيرٍ فى القرءان ذكرت كانت فى رسول الله ﷺ. وروى البخارى ومسلم عن البراء بن عازبٍ رضى الله عنه أنه قال كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا، فقد كان رسول الله ﷺ أحلم الناس وأعدل الناس وأعف الناس وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم ولا يدخر شيئا لغدٍ من شدة ثقته بالله وتوكله على الله، وإن فضل شىء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يرسله إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما ءاتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك فى سبيل الله لا يسأل شيئا إلا أعطاه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بكلامٍ يخفف عنه. وكان رسول الله ﷺ أشد الناس حياءا لا يثبت بصره فى وجه أحدٍ وكان عليه الصلاة والسلام رحيما فى تعامله حتى مع الأطفال. وكان أشد الناس تواضعا يجالس الفقراء والمساكين ويؤاكلهم ولا يستكبر أن يمشى مع الأرملة والمسكين والعبد المملوك حتى يقضى لهم حاجتهم. يركب البغلة والحمار ويمشى فى بعض المرات راجلا بلا رداءٍ ولا عمامةٍ. ما كان يمد رجله فى وجه أصحابه، أكثر ضحكه التبسم وأكثر نظره إلى الأرض من كثرة تفكره وتواضعه وكان كثير الأحزان دائما يفكر فى أهوال يوم القيامة يبكى فى صلاته من خشية الله وهو أفضل خلق الله. وكان إذا كلمه أحد يلتفت إليه بكل جسمه من شدة تواضعه. يجيب دعوة العبد والحر ويقبل الهدية ويكافئ عليها ويأكلها ولا يأكل الصدقة وما عاب رسول الله ﷺ طعاما قط إن أعجبه أكله وإن كرهه تركه وكان ربما قام فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب. يعود المرضى ويشهد الجنائز ويتفقد أصحابه ويكرم أهل الفضل ويمشى وحده بين أعدائه بلا حارسٍ ولا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله بل كان يعفو ويصفح. يبدأ من لقى بالسلام ولا يقوم ولا يجلس إلا على ذكرٍ، لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ولا يقطع على أحدٍ حديثه حتى يكون هو المنصرف.
(130) ما الدليل على صدق النبى ﷺ.
يجب اعتقاد أن النبى ﷺ صادق فى جميع ما أخبر به وبلغه عن الله تعالى. أما الدليل على صدق النبى فهو المعجزة وهى أمر خارق للعادة يأتى على وفق دعوى من ادعى النبوة سالم من المعارضة بالمثل. أمر خارق للعادة أى مخالف لها أما ما كان من الأمور عجيبا ولم يكن خارقا للعادة فليس بمعجزةٍ كالغوص تحت الماء لمدة خمس دقائق بنفسٍ واحدٍ وكذلك ما كان خارقا لكنه لم يقترن بدعوى النبوة كالخوارق التى تظهر على أيدى الأولياء فإنه ليس بمعجزةٍ بل يسمى كرامة لأن الولى لا يدعى أنه نبى وإلا لما حصلت له هذه الخوارق. والأمر الخارق للعادة الذى هو معجزة يأتى على وفق دعوى من ادعى النبوة أى مصدقا له فى دعواه النبوة أما ما لم يكن موافقا للدعوى فلا يسمى معجزة كالذى حصل لمسيلمة الكذاب الذى ادعى النبوة أنه مسح على وجه رجلٍ أعور فعميت العين الأخرى، سالم من المعارضة بالمثل أى لا يستطيع المكذبون للنبى أن يأتوا بمثل ما جاء به من الخوارق. أما العلم بالمعجزات فيحصل بالمشاهدة لمن شاهدوها أو بلوغ خبرها بطريق التواتر فى حق من لم يشهدها. والتواتر معناه انتقال الخبر بواسطة عددٍ كبيرٍ ينقل عن عددٍ كبيرٍ شهد المعجزة وهكذا إلى أن يصل الخبر إلينا بحيث لا يمكن إتفاقهم جميعا على الكذب فى هذا الخبر.
(131) اذكر بعض معجزات الرسول ﷺ.
من معجزاته ﷺ حنين الجذع وهو خبر متواتر فقد كان الرسول ﷺ يستند حين يخطب إلى جذع نخلٍ فى مسجده قبل أن يعمل له المنبر ثم قيل له يا رسول الله لو عملنا لك منبرا فقال افعلوا إن شئتم فلما عمل له المنبر صعد الرسول ﷺ عليه فبدأ بالخطبة وهو قائم على المنبر فحن الجذع أى بكى كبكاء الطفل الصغير شوقا إلى رسول الله ﷺ الله تعالى خلق فى هذا الجذع حياة بلا روحٍ وخلق فيه شعورا وإحساسا فحن لرسول الله ﷺ حتى سمع حنينه من فى المسجد فنزل رسول الله ﷺ فالتزمه أى ضمه واعتنقه فسكت. ومن معجزاته ﷺ إنطاق العجماء أى البهيمة فقد روى الإمام أحمد فى مسنده والبيهقى فى دلائل النبوة بإسنادٍ صحيحٍ من حديث يعلى بن مرة الثقفى رضى الله عنه أنه قال بينما كنا نسير مع النبى ﷺ إذ مر بنا بعير يسنى عليه أى يحمل عليه الماء فلما رءاه البعير أى لما رأى النبى ﷺ جرجر أى أصدر صوتا من حلقه فوضع جرانه أى خفض مقدم عنقه فوقف عنده النبى ﷺ ثم قال أين صاحب هذا البعير فجاءه فقال النبى ﷺ بعنيه فقال بل نهبه لك يا رسول الله وإنه لأهل بيتٍ ما لهم معيشة غيره أى يحصلون معيشتهم من الأجرة التى يأخذونها للنقل عليه فقال النبى ﷺ أما ما ذكرت من أمره فإنه شكا إلى كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه. ومن معجزاته ﷺ تفجر الماء من بين أصابعه وهو لم يحصل لغير نبينا ﷺ من الأنبياء حيث إن الماء نبع من عظمه وعصبه ولحمه ودمه وهو أعجب من تفجر المياه من الحجر الذى ضربه موسى بعصاه لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلافه من بين اللحم والدم. وخبر تفجر الماء من يده الشريفة ﷺ رواه جابر وأنس وابن مسعودٍ وابن عباسٍ وأبو ليلى الأنصارى وأبو رافعٍ. ومن معجزاته ﷺ رد عين قتادة بعد انقلاعها فقد روى البيهقى فى دلائل النبوة عن قتادة بن النعمان رضى الله عنه أنه أصيبت عينه يوم بدرٍ أى فى معركة بدرٍ فسالت حدقته على وجنته أى سالت عينه على خده فأرادوا أن يقطعوها فسألوا رسول الله ﷺ فقال لا أى لا تقطعوها فدعا به فغمز حدقته براحته أى ردها براحة يده فتعافى فكان لا يدرى أى عينيه أصيبت. ومن معجزاته ﷺ تسبيح الطعام فى يده كما روى ذلك البخارى من حديث ابن مسعودٍ، وانشقاق القمر فإن الكفار طلبوا من رسول الله ﷺ أن يريهم ءاية فأشار إلى القمر فانشق فلقتين وشاهد ذلك من كان بمكة وخارجها.
(132) تكلم عن معجزة الإسراء والمعراج.
معجزة الإسراء ثابتة بنص القرءان والحديث فيجب الإيمان بأن الله أسرى بعبده محمدٍ ليلا بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام فى مكة إلى المسجد الأقصى فى فلسطين. جاء إليه جبريل عليه السلام وأركبه على البراق وهو دابة من دواب الجنة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع رجله حيث يصل نظره فانطلقا حتى وصلا إلى بيت المقدس. وفى المسجد الأقصى جمع الله عز وجل لسيدنا محمدٍ جميع الأنبياء فصلى بهم إماما. ورأى الرسول ﷺ وهو فى طريقه إلى بيت المقدس عجائب منها أنه رأى الدنيا بصورة عجوزٍ ورأى شيئا متنحيا عن الطريق يدعوه وهو إبليس وشم رائحة طيبة من قبر ماشطة بنت فرعون وكانت مؤمنة صالحة ورأى قوما يزرعون ويحصدون فى يومين فقال له جبريل هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله ورأى أناسا تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نارٍ فقال له جبريل هؤلاء خطباء الفتنة أى الذين يدعون الناس إلى الضلال والفساد ورأى قوما ترضخ رءوسهم أى تكسر ثم تعود كما كانت فقال له جبريل هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن تأدية الصلاة ورأى قوما يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفارٍ نحاسيةٍ فقال له جبريل هؤلاء الذين كانوا يغتابون الناس. وأما المعراج من بيت المقدس إلى السموات السبع وإلى ما فوقها فقد ورد فيه قوله تعالى فى سورة النجم ﴿ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى﴾ أى رأى محمد جبريل مرة ثانية على هيئته الأصلية عند سدرة المنتهى. والقصد من المعراج هو تشريف الرسول ﷺ بإطلاعه على عجائب فى العالم العلوى وتعظيم مكانته. وعرج النبى ﷺ بالمرقاة وهو شبه السلم إلى السماء الأولى فرأى فيها ءادم عليه السلام ثم إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ويحيى عليهما السلام ثم إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف عليه السلام ثم إلى الرابعة فرأى فيها إدريس عليه السلام ثم إلى الخامسة فرأى فيها هارون عليه السلام ثم إلى السادسة فرأى فيها موسى عليه السلام ثم إلى السابعة فرأى فيها إبراهيم عليه السلام. ورأى الرسول ﷺ فى المعراج مالكا خازن النار ورأى البيت المعمور وهو بيت مشرف وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض يدخله كل يومٍ سبعون ألف ملكٍ يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدا ورأى ﷺ فى السماء السابعة سدرة المنتهى وهى شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله يغشاها فراش من ذهبٍ وأصلها فى السماء السادسة وتصل إلى السابعة ودخل الرسول ﷺ الجنة ورأى فيها الحور العين فقلن له نحن خيرات حسان أزواج قومٍ كرامٍ ورأى فيها الولدان المخلدين وهم خلق من خلق الله ليسوا من البشر ولا من الملائكة ولا من الجن ورأى العرش وهو أعظم المخلوقات حجما وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملائكة. خلقه الله إظهارا لقدرته لا ليتخذه مكانا لذاته لأن الله منزه عن الحجم والمكان والجهة وسائر صفات الخلق، ثم وصل الرسول ﷺ إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام التى تنسخ بها الملائكة فى صحفها من اللوح المحفوظ. وفى المعراج سمع رسول الله ﷺ كلام الله تعالى الأزلى الأبدى الذى ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة ورأى ربه بقلبه أى جعل الله له قوة البصر بالقلب من غير أن يكون الله فى مكانٍ أو جهةٍ.
(133) تكلم عن عذاب القبر.
يجب الإيمان بعذاب القبر كعرض النار على الكافر كل يومٍ مرتين مرة أول النهار ومرة ءاخر النهار يتعذب بنظره ورؤيته لمقعده الذى يقعده فى الآخرة قال الله تعالى فى سورة غافرٍ ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا﴾ أى أن ءال فرعون وهم أتباعه الذين عبدوه واتبعوه على الكفر يعرضون على النار فى البرزخ أى فى مدة القبر كل يومٍ مرتين حتى يمتلئوا رعبا ﴿ويوم تقوم الساعة﴾ يقال للملائكة ﴿أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب﴾ وقال تعالى فى سورة طه ﴿ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا﴾ أى أن الكافر الذى أعرض عن الإيمان بالله ورسوله أى لم يؤمن بالله ورسوله يعذب فى قبره وهذا هو المراد بالآية ﴿معيشة ضنكا﴾ أى معيشة ضيقة فى القبر وقد فسرها النبى ﷺ بعذاب القبر كما روى ذلك ابن حبان والطبرانى من طريق أبى هريرة رضى الله عنه. ومن عذاب القبر ضغطة القبر فيقترب حائطا القبر من جانبيه حتى تتداخل أضلاعه وتسلط عليه الأفاعى والعقارب وحشرات الأرض فتنهش وتأكل من جسده وتدخل الأفعى فى فمه ولا يستطيع أن يدفعها عنه لأن أعصابه من شدة الهول تسترخى ومفاصله تنحل فتأكل من فمه وأمعائه وتخرج من دبره فقد روى الطبرانى عن رسول الله ﷺ أنه قال ويسلط عليه عقارب وثعابين لو نفخ أحدهم فى الدنيا ما أنبتت شيئا تنهشه فتؤمر الأرض فتضم حتى تختلف أضلاعه. وأما عصاة المسلمين من أهل الكبائر الذين ماتوا قبل التوبة فهم صنفان صنف يعفيهم الله من عذاب القبر فلا يصيبهم وصنف يعذبهم الله فى القبر ثم ينقطع عنهم العذاب ويؤخر لهم بقية عذابهم إلى الآخرة. ومن عذاب القبر انزعاج بعض عصاة المسلمين من ظلمة القبر ووحشته فقد روى البخارى ومسلم والترمذى وأبو داود والنسائى عن ابن عباسٍ رضى الله عنهما أنه مر رسول الله ﷺ على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير إثمٍ أى بحسب ما يتوهم بعض الناس ليس ذنبهما شيئا كبيرا لكنه فى الحقيقة ذنب كبير لذلك قال بلى أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وهى نقل الكلام بين اثنين للإفساد بينهما وأما الآخر فكان لا يستتر من البول أى لا يتنزه منه بل يلوث جسده به ثم دعا رسول الله بعسيبٍ رطبٍ أى غصن نخلٍ أخضر فشقه اثنين فغرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله يخفف عنهما أى لعل عذاب القبر يخفف عنهما ما دام هذان الشقان رطبين. فقد ورد فى الحديث أن النبات الأخضر يسبح الله فإذا وضع على القبر يخفف عن صاحب القبر بتسبيحه إن كان فى نكدٍ فينبغى وضع الشجر الأخضر على القبر لأنه يسبح الله لكن نحن لا نسمعه. كان فى أيام الصحابة رجل من أهل اليمن اسمه أبو مسلمٍ الخولانى هو من الأولياء الكبار لقى الصحابة ولم يلق رسول الله، مرة كان يسبح الله بسبحةٍ فنام فصارت السبحة تدور فى يده وتقول سبحانك يا منبت النبات ويا دائم الثبات أى يا دائم الوجود أى الذى وجوده لا نهاية له ولا يتغير وليس معناه أن الله ساكن بلا حركةٍ. ثم استيقظ فوجدها تسبح وتدور على ذراعه فنادى زوجته أم مسلمٍ قال يا أم مسلمٍ تعالى فانظرى إلى أعجب الأعاجيب فلما جاءت سكتت السبحة.
(134) ما حكم من أنكر عذاب القبر.
اعلم أن عذاب القبر ثابت بالقرءان والحديث وإجماع الأمة من أنكره فهو كافر مكذب لله ورسوله وممن نقل الإجماع على وجود عذاب القبر الإمام الكبير أبو الحسن الأشعرى فى الإبانة والإمام الحافظ الفقيه أبو جعفرٍ الطحاوى فى عقيدته وابن القطان فى كتابه الإجماع وقال الإمام أبو منصورٍ البغدادى المتوفى سنة أربعمائةٍ وتسعٍ وعشرين فى كتابه الفرق بين الفرق وقطعوا أى أهل السنة والجماعة بأن المنكرين لعذاب القبر يعذبون فى القبر أى لكفرهم وقال ابن العطار الشافعى فى العدة فى شرح العمدة فى أحاديث الأحكام ما نصه فقوله ﷺ عند مروره بالقبرين (أى قبرى اثنين مسلمين) إنهما ليعذبان دليل على إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل السنة وهو مما يجب اعتقاد حقيقته وهو مما نقلته الأمة متواترا فمن أنكر عذاب القبر أو نعيمه فهو كافر لأنه كذب الله ورسوله ﷺ فى خبرهما. والكافر المكلف الذى مات من غير توبةٍ من كفره يعذب فى قبره ويكون عذابه بالروح والجسد قال الله تعالى فى سورة غافرٍ ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب﴾ وقال تعالى فى سورة طه ﴿ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا﴾ أى من أعرض عن الإيمان بالله ورسوله يعذب فى قبره وهذا هو المراد بالآية ﴿معيشة ضنكا﴾ أى معيشة ضيقة فى القبر كما فسرها النبى ﷺ وروى ذلك ابن حبان والطبرانى من طريق أبى هريرة رضى الله عنه. وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى ﷺ كان يدعو فى الصلاة اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وروى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال قال رسول الله ﷺ إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربعٍ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال. فيعلم من ذلك أن عدنان إبراهيم الذى يدعى الإسلام وينكر عذاب القبر هو مكذب لله ورسوله فهو لا يستحى من الله ولا من المسلمين فإنه يدعو إلى الخروج على القرءان الذى أثبت عذاب القبر وإلى الخروج على حديث رسول الله ﷺ وإلى الخروج على الإجماع وهل بعد الإجماع إلا الضلال.
(135) ما الدليل على أن سورة الملك تنجى من عذاب القبر بإذن الله.
روى الترمذى فى جامعه من حديث ابن عباسٍ رضى الله عنهما أن رجلا ضرب خيمة أى نصب خيمة على قبرٍ فصار يسمع من القبر قراءة تبارك الذى بيده الملك حتى ختمها فذهب إلى رسول الله ﷺ فأخبره بما حصل فقال مصدقا له هى المانعة هى المنجية أى تمنع عن صاحبها عذاب القبر وتنجيه من أهواله. وروى الضياء المقدسى عن أنسٍ وابن حبان عن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال إن فى القرءان ثلاثين ءاية تستغفر لصاحبها حتى يغفر له تبارك الذى بيده الملك. فالذى يثبت على قراءتها كل ليلةٍ لا يعذب فى قبره ولا فى الآخرة بإذن الله. ومن فضل الله ورحمته أن المرأة التى تداوم على قراءتها إلا فى حال الحيض والنفاس لا يمنعها من حصول السر لها.
(136) بين أن الشهادة سبب للنجاة من عذاب القبر.
اعلم أن من نال من المسلمين نوعا من أنواع الشهادات لا يعذب فى قبره ولا فى الآخرة والشهيد هو من شهد الله له بالجنة ومن شهدت له الملائكة بالجنة. والشهداء أنواع فمن قتل فى سبيل الله فى المعركة فهو شهيد معركةٍ ومن قتل دون ماله أى دافع عن ماله لرد معتدٍ يريد أخذه ظلما فقتل فهو شهيد ومن قتل دون دمه أى دافع عن نفسه لرد ظالمٍ أراد أن يقتله فقاتل فقتل فهو شهيد ومن قتل دون دينه أى قتل لدينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله كأن دافع عن زوجته ليمنع الاعتداء عليها بالزنا فقتله المعتدى الذى يريد الفاحشة فهو شهيد. ومن مات بغرقٍ أو بحرقٍ فهو شهيد ومن قتله بطنه كأن مات بسبب إسهالٍ أو احتباسٍ لا يخرج منه ريح ولا غائط فهو شهيد لحديث الترمذى من قتله بطنه لم يعذب فى قبره. ومن مات غريبا عن بلده وأهله فهو شهيد لحديث ابن ماجه موت الغريب شهادة. ومن قتله الطاعون أو مات بمرض ذات الجنب أو مات تحت الهدم أو بالتردى من علوٍ إلى سفلٍ فهو شهيد وكذلك المرأة التى ماتت بجمعٍ أى بألم الولادة.
(137) تكلم عن نعيم القبر.
يجب الإيمان بنعيم القبر كتوسيع القبر سبعين ذراعا طولا فى سبعين ذراعا عرضا للمؤمن التقى وتنويره بنورٍ يشبه نور القمر ليلة البدر ورؤية مقعده فى الجنة كل يومٍ مرتين مرة أول النهار ومرة ءاخر النهار وغير ذلك كشم رائحة الجنة التى تكون له ألذ من كل لذات الدنيا قال رسول الله ﷺ إذا قبر الميت أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان (أى لونهما أسود ممزوج بزرقةٍ) يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير فيقولان له ما كنت تقول فى هذا الرجل محمدٍ فهو قائل (أى فى الجواب لهما) ما كان يقول (أى قبل الموت) فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان له إن كنا لنعلم أنك لتقول ذلك (أى كنا نعلم قبل أن تجيب أنك كنت على هذا الاعتقاد) ثم يفسح له فى قبره سبعون ذراعا فى سبعين ذراعا (أى يوسع له قبره سبعين ذراعا فى سبعين ذراعا) وينور له فيه فيقال له نم فينام كنوم العروس الذى لا يوقظه إلا أحب أهله (إليه أى ينام نومة هنيئة كنوم الرجل العروس لا يحس بقلقٍ ولا وحشةٍ) حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، رواه ابن حبان. وبعض الناس يتسع قبرهم مد البصر كما حصل مع الصحابى الجليل العلاء بن الحضرمى الذى كان من أكابر الأولياء فإنه خرج للجهاد فى سبيل الله وكان قائدا للجيش فأراد أن يلحق بالكفار فلم يجد سفينة لأنهم أخذوا السفن وهربوا بها فقال بسم الله يا على يا كريم وخاض البحر فلم تبتل ركبه الله جعله كالأرض اليابسة ثم قال للجيش خوضوا فخاضوا فقطعوا من دون أن يلحقهم تعب فلحقوا بالعدو فظفروا بهم وكسروهم ثم بعد ذلك فى أثناء السفر توفى هذا القائد فى أرضٍ بريةٍ فحفروا له لأن إكرام الميت التعجيل بدفنه حفروا له فدفنوه ثم بعد أن تجاوزوا محل الدفن لقوا شخصا من أهل تلك الناحية قال لهم لما علم أنهم قاموا عن دفنه من هذا الذى دفنتموه قالوا هذا العلاء بن الحضرمى فقال ما جزاء صاحبكم أن تتركوه بهذه الأرض هذه الأرض فيها سباع السباع تحفر لتأكل الجثة فقالوا لا نتركه هنا بهذه الأرض فرجعوا فحفروا فلم يجدوه إنما وجدوا القبر ممتدا مد البصر يتلاطم نورا القبر كله أنوار أما جسده فلم يروه رفع إلى حيث يشاء الله.
(138) تكلم عن سؤال الملكين منكرٍ ونكيرٍ.
يجب الإيمان بسؤال الملكين منكرٍ ونكيرٍ للميت بعد دفنه. والمؤمن الكامل لا يلحقه فزع ولا انزعاج من سؤالهما لأن الله يثبت قلبه وهما لا ينظران إليه نظرة غضبٍ فلا يخاف من منظرهما المخيف فإنهما كما جاء فى الحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيحه أسودان أزرقان، وهو أخوف ما يكون من الألوان ولهما أعين حمر كقدور النحاس وصوتهما كالرعد القاصف والمؤمن الكامل يفرح برؤيتهما وسؤالهما يسألانه من ربك ومن نبيك وما دينك فيقول الله ربى ومحمد نبيى والإسلام دينى أما المسلم العاصى فيجيب الملكين كما يجيب المسلم التقى لكن يخاف من منظرهما وأما الكافر فيقول لا أدرى فتضربه الملائكة بمطرقةٍ من حديدٍ بين أذنيه لو ضرب بها الجبل لاندك أى تحطم فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين وهم الإنس والجن فقد روى البخارى ومسلم عن أنسٍ عن النبى ﷺ أنه قال إن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه (أى انصرفوا عنه) وإنه ليسمع قرع نعالهم (أى يسمع صوت طرق نعالهم) إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول فى هذا الرجل محمدٍ فأما المؤمن (أى الكامل) فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار (أى لو مت على الكفر) أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا (فيعرف حينئذٍ فضل الإسلام معرفة عيانية كما كان يعرف فى الدنيا معرفة قلبية) وأما الكافر (أى المعلن وهو الذى يظهر الكفر) أو (الكافر) المنافق (وهو الذى يظهر الإسلام ويخفى الكفر فى قلبه) فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيه فيقال له (أى تقول له الملائكة إهانة له) لا دريت ولا تليت (والمعنى واحد أى لا عرفت) ثم يضرب بمطرقةٍ من حديدٍ بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه (أى من بهائم وطيورٍ) إلا الثقلين (وهم الإنس والجن فإن الله تعالى حجب تلك الصيحة عن أسماعهم) وتسيخ به الأرض حتى يصل إلى الأرض السابعة ثم تلفظه الأرض فيرجع إلى القبر. ويستثنى من السؤال النبى ﷺ لشرفه أى لعظيم قدره والطفل وهو الذى مات دون البلوغ لأنه ليس مكلفا وشهيد المعركة لأن روحه تصعد مباشرة إلى الجنة. وورد أن من يموت يوم الجمعة أو ليلته وكان عاصيا لا يسأل فى قبره وبالأولى إذا مات فى رمضان فى ليلة الجمعة لحديث من مات يوم الجمعة أو ليلته أمن الفتانين وعن عبد الله بن عمرٍو أنه قال قال رسول الله ﷺ ما من مسلمٍ يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر رواه الترمذى.
(139) ما هو البعث.
البعث هو خروج الموتى من القبور بعد إحيائهم أى بعد إعادة الجسد الذى أكله التراب إن كان من الأجساد التى يأكلها التراب فيعاد تركيب الجسد على عظمٍ صغيرٍ قدر حبة خردلةٍ يسمى عجب الذنب قال رسول الله ﷺ ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل أى يختلط هذا الماء بالتراب وبعجب الذنب فيعيد الله الأجساد التى أكلها التراب. وهذا العظم لا يبلى ولو سلط عليه نار شديدة قال رسول الله ﷺ ليس من الإنسان شىء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة وفى روايةٍ عند ابن حبان يأكل التراب كل شىءٍ من الإنسان إلا عجب ذنبه قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردلٍ منه ينشأ، أى أن عجب الذنب هو أول عظمٍ يتكون فى الجنين وعليه يركب سائر جسد الإنسان. أما الأنبياء فلا تبلى أجسادهم لقوله ﷺ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فالأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون تلذذا بعبادة الله قال ﷺ الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون، رواه البيهقى. وكذلك شهداء المعركة وبعض الأولياء لا تبلى أجسادهم لما تواتر من مشاهدة بعض الأولياء ومنهم الحافظ أبو عمرو بن الصلاح الذى شوهدت جثته صحيحة لم يتغير منها شىء وقد مضى على وفاته أكثر من ثمانمائة سنةٍ. وأول من ينشق عنه القبر هو سيدنا محمد ﷺ ثم بعده الأنبياء. وأهل مكة والمدينة والطائف من أول من يبعث ويحصل البعث بعد أن ينفخ الملك إسرافيل عليه السلام النفخة الثانية فيقوم الأموات من قبورهم بعد عود الأرواح إلى أجسادهم.
(140) ما هو الروح.
الروح جسم لطيف أى لا يقبض باليد، لا يعلم حقيقته إلا الله قال الله تعالى فى سورة الإسراء ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾. وهو خلق من خلق الله، بعض جهلة المتصوفة سموا الله روحا وهذا إلحاد وكفر والعياذ بالله، وقد أجرى الله العادة أن تستمر الحياة فى أجسام الملائكة والإنس والجن والبهائم ما دامت الأرواح مجتمعة معها، وخالف فى ذلك محمد متولى الشعراوى فقال إن البهائم لا أرواح لها، ذكر ذلك فى كتابيه التفسير والفتاوى وهو تكذيب للقرءان والحديث وإجماع الأمة. والروح حادث مخلوق لكنه لا يفنى. والمؤمن التقى إذا مات وبلى جسده ولم يبق منه إلا عجب الذنب يكون روحه فى الجنة أما شهيد المعركة فيصعد روحه فورا إلى الجنة. وتكون أرواح عصاة المسلمين أى أهل الكبائر الذين ماتوا بلا توبةٍ بعد بلى الجسد فيما بين السماء والأرض وبعضهم فى السماء الأولى أما الشهيد العاصى فيصعد روحه فورا إلى الجنة. وتكون أرواح الكفار بعد أن تبلى أجسادهم فى سجين وتبقى هناك إلى يوم القيامة وسجين مكان مظلم وموحش فى الأرض السابعة تسجل فيه أسماء الكفار.
(141) ما هو الحشر.
الحشر هو أن يجمع الناس بعد البعث إلى مكانٍ وقد ورد أنه الشام لكنه يوسع ذلك اليوم ليسع الجميع قال تعالى فى سورة ق ﴿وجاءت كل نفسٍ معها سائق وشهيد﴾ أى ملك يسوقه إلى موقف القيامة وملك يشهد عليه ثم ينقلون عند دك الأرض إلى ظلمةٍ عند الصراط فإن هذه الأرض تدك يوم القيامة أى تزلزل مرة بعد مرةٍ فينهدم كل بناءٍ عليها وينعدم ثم بعد أن تبدل الأرض غيرها يعيد الله البشر إليها ويقضى بينهم. ويكون الحشر على الأرض المبدلة وهى أرض مستوية كالجلد المشدود لا جبال فيها ولا وديان أكبر وأوسع من أرضنا هذه بيضاء كالفضة ويكون الناس فى الحشر على ثلاثة أحوالٍ فقسم من الناس طاعمون كاسون راكبون على نوقٍ رحائلها أى سروجها من ذهبٍ وهم الأتقياء وقسم يحشرون حفاة عراة وهم المسلمون الفاسقون أى أهل الكبائر وقسم يحشرون حفاة عراة ويجرون على وجوههم أى تسحبهم الملائكة على وجوههم وهم الكفار، الكافر يوم القيامة فى بعض الأوقات يمشى على وجهه، كما أمشاه الله فى الدنيا على رجليه يمشيه الله على وجهه حتى يظهر أنه حقير وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ﷺ قال يبعث الناس (أى أغلب الناس) يوم القيامة حفاة عراة غرلا أى غير مختونين فقالت عائشة فكيف بالعورات قال ﴿لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأن يغنيه﴾ أى أن لكل واحدٍ حالا يشغله عن النظر فى حال غيره. وتسلط الشمس على الكفار التى تكون واقفة فى الفضاء بلا غروبٍ ولا شروقٍ فيغرقون فى العرق حتى يصل عرق أحدهم إلى فمه ولا يتجاوز إلى شخصٍ ءاخر بل يقتصر عليه حتى يقول الكافر من شدة ما يقاسى من حر الشمس رب أرحنى (أى من هذا العذاب) ولو إلى النار فقد روى ابن حبان عن عبد الله بن مسعودٍ رضى الله عنه عن النبى ﷺ أنه قال إن الكافر ليلجمه العرق يوم القيامة فيقول أرحنى ولو إلى النار. لكن بعد دخوله جهنم يجد العذاب الأكبر قال تعالى فى سورة الزمر ﴿ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون﴾. أما التقى فلا يصيبه أدنى انزعاجٍ. فالإنس يحشرون وكذلك الجن والبهائم قال تعالى فى سورة التكوير ﴿وإذا الوحوش حشرت﴾ أى بعثت للقصاص وقال رسول الله ﷺ لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء رواه مسلم، أى أن الله تعالى يأخذ الحقوق لأهلها حتى يؤخذ حق الشاة الجلحاء من الشاة القرناء التى ضربتها فى الدنيا والشاة الجلحاء هى الشاة التى ليس لها قرن أما القرناء فلها قرن ولكن ليس معنى ذلك أن تؤخذ القرناء التى ضربت الأخرى إلى النار إنما هذه تضرب هذه كما ضربتها فى الدنيا ثم تموت ولا تدخل الجنة ولا النار إنما تعود ترابا.
(142) تكلم عن القيامة.
القيامة هى قيام الموتى للحساب وأولها من خروج الناس من قبورهم إلى استقرار أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار. ومقدار القيامة خمسون ألف سنةٍ قال الله تعالى فى سورة المعارج ﴿فى يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ﴾ والتقى لا يحس بطول الوقت لأن الله ملأ قلبه سرورا، الله تعالى يجعل هذا اليوم الطويل للتقى كتدلى الشمس للغروب قدر ساعةٍ تقريبا. وقسم من يوم القيامة لا يسأل أحد فيه عن ذنبه يكونون وقوفا بلا كلامٍ حتى يأذن الله لهم وهذا الوقت الذى لا يسأل فيه أحد قدر ألف سنةٍ قال تعالى فى سورة الرحمٰن ﴿فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان﴾. ووجبة القيامة أى وقت وقوعها لا يعلمه على التحديد إلا الله. والقيامة تقوم على الكفار وقبل ذلك بمائة عامٍ تأتى ريح وتدخل تحت إبط كل مسلمٍ فيموت المسلمون ويبقى الكفار فتقوم القيامة عليهم ينفخ الملك إسرافيل عليه السلام فى الصور أى فى البوق فتتقطع قلوب الكفار فيموتون وكذلك الجن الكفار يموتون تلك الساعة فلا يبقى بشر ولا جن على وجه الأرض إلا وقد مات. ثم بعد موت البشر والجن يموت الملائكة وءاخرهم موتا ملك الموت عزرائيل عليه السلام. ثم بعد ذلك يحيى الله إسرافيل فينفخ مرة ثانية فيقوم الأموات من قبورهم للسؤال والحساب. ويوم القيامة تدك هذه الأرض دكا أى تتحطم هذه الأرض جبالها وأشجارها والأبنية التى كانت عليها، الجبال تصير غبارا ناعما إلا ما كان من جبل أحدٍ فإنه ينقل إلى الجنة والمساجد أيضا تنقل إلى الجنة وقد ورد فى الحديث أن المساجد تزف إلى الجنة كما تزف العروس، والسموات تتشقق وتوضع فى الجنة والبحار تشتعل نارا. والكفار فى حالٍ من الأحوال يوم القيامة يختم الله على أفواههم أى يمنع أفواههم من الكلام لأنهم يسألون فينكرون ما كانوا عليه من الكفر فتنطق جوارحهم وجلودهم فتشهد عليهم بما عملوا كما قال تعالى فى سورة فصلت ﴿وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىءٍ﴾. والأرض التى فعل عليها الإنسان من حسنةٍ أو معصيةٍ فى هذه الدنيا، الله تعالى يعيدها فتشهد عليه تنطق وتقول فلان فعل على كذا وكذا فى وقت كذا وكذا.
(143) اذكر أشراط الساعة الكبرى.
أشراط الساعة الكبرى أى علامات القيامة عشرة خروج الدجال ونزول المسيح من السماء وخروج يأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الأرض وهى تكلم الناس وتميز المؤمن من الكافر ودخان ينتشر فى الأرض يكاد الكافرون يموتون من شدة هذا الدخان وثلاثة خسوفٍ خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وهى تقع فى أوقاتٍ متقاربةٍ ويحتمل أن تقع فى ءانٍ واحدٍ بعد خروج الدجال ونزول المسيح من السماء. والخسوف معناه انشقاق الأرض وبلع من عليها ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المغرب.
(144) من هم يأجوج ومأجوج.
يأجوج ومأجوج قبيلتان من البشر كفار ومكانهم فى الأرض محجوب عن الناس حجزهم الصعب ذو القرنين عن قوم ما بين الجبلين بطلبٍ منهم ليمنع عنهم عدوانهم. والصعب ذو القرنين عليه السلام كان من أكابر الأولياء بنى سدا أى حاجزا من حديدٍ ثم أذيب عليه النحاس فصار أمتن فلا يستطيع أحد من البشر أن يترقاه بطريق العادة. ويأجوج ومأجوج يحاولون كل يومٍ أن يخترقوه فلا يستطيعون ويقولون كل يومٍ بعد طول عملٍ وجهدٍ غدا نكمل فيعودون فى اليوم التالى فيجدون ما فتحوه قد سد إلى أن يقولوا غدا نكمل إن شاء الله فيعودون فى اليوم التالى فيجدون ما بدؤوا به قد بقى على حاله فيكملون الحفر ويخرجون. ويحصل هذا بعد نزول سيدنا عيسى من السماء بمدةٍ. ويأجوج ومأجوج لا يموت أحدهم حتى يلد ألفا من صلبه أو أكثر كما ذكر الرسول ﷺ فيصير عددهم قبل خروجهم كبيرا جدا حتى إن بقية البشر يوم القيامة بالنسبة لهم كواحدٍ من مائةٍ. ولا يتجرأ المسلمون لحربهم فيذهب سيدنا عيسى عليه السلام ومعه المؤمنون إلى جبل الطور يدعون الله أن يهلكهم ويستغيثون به منهم فينزل الله عليهم دودا يدخل رقبة كل واحدٍ منهم فيسقط ميتا ثم يرسل الله تعالى طيورا فتحملهم وترميهم فى البحر ثم ينزل مطر يجرف ءاثارهم إلى البحر.
(145) من هو الأعور الدجال.
الأعور الدجال رجل كافر عظيم الجسد من بنى إسرائيل إحدى عينيه طافية كالعنبة والأخرى ممسوحة. وهو محبوس فى جزيرةٍ فى البحر ليست معروفة، الملائكة حبسوه. ويقال له المسيح الدجال لكثرة سياحته أى تنقله فى الأرض، الله تعالى يسهل له التنقل فى الأرض بطريقٍ غريبٍ فيضل خلقا كثيرا لأنه يقول للناس أنا ربكم ويدعو الناس إلى الإيمان به لكنه لا يستطيع أن يدخل مكة والمدينة فقد ثبت أن الدجال يأتى إلى المدينة فيجد على كل نقبٍ من أنقابها ملكا معه سيف مسلط فيفر. الله تعالى ابتلاء منه يظهر على يديه خوارق منها أنه يقول للسماء أمطرى فتمطر ويقول للأرض أخرجى زرعك فتخرجه ويشق رجلا من المؤمنين يكذبه فى وجهه نصفين ثم يحييه بإذن الله فيقول الرجل لم أزدد بهذا إلا تكذيبا لك. والدجال معه نهران واحد من نارٍ وهو برد على المؤمنين وواحد من ماءٍ وهو نار عليهم. وقبل ظهوره بثلاث سنواتٍ تمسك السماء ثلث مائها ثم بعد سنةٍ تمسك ثلثى مائها ثم قبل ظهوره بسنةٍ تمسك كل مائها. والأعور الدجال يصادف نبى الله عيسى عليه السلام بفلسطين فيقتله نبى الله عيسى عليه السلام بباب لدٍ، ولد قرية من قرى فلسطين.
(146) تكلم عن دعوة سيدنا عيسى عليه السلام وعن صفاته الخلقية والخلقية.
سيدنا عيسى عليه السلام هو عبد الله ورسوله إلى بنى إسرائيل وهو ءاخر أنبياء بنى إسرائيل. خلقه الله تعالى من غير أبٍ كما خلق ءادم من غير أبٍ وأمٍ قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من ترابٍ﴾. وأمه الولية الطاهرة مريم بنت عمران أفضل نساء العالمين. لما بلغ عيسى عليه السلام الثلاثين من العمر أوحى الله إليه أن يدعو الناس إلى عبادة الله فقام يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وأن لا يشركوا به شيئا وإلى الإيمان به عليه السلام أنه رسول الله مؤيدا بالمعجزات الدالة على نبوته فآمن به اثنا عشر شخصا يسمون الحواريين فصاروا يدعون الناس إلى الإسلام. علمه الله التوراة وأنزل عليه كتابا سماويا هو الإنجيل فيه الأمر باتباع محمدٍ عليه السلام إذا ظهر وفيه الأمر بعبادة الله وحده وأن لا يشرك به شىء وفيه بيان أحكام شريعته كتحريم الربا وكل ضارٍ للعقل أو البدن وأكل لحم الخنزير وفيه الأمر بالصلاة والصيام وغير ذلك من أمور الدين. وكان سيدنا عيسى عليه السلام جميل الشكل حسن الصوت مربوع القامة أى طوله معتدل، ءادم اللون أى ذا سمرةٍ خفيفةٍ مع شىءٍ من الحمرة وبياضٍ خفيفين، سبط الشعر أي شعره مسترسل ناعم، وكان زاهدا لا يبالى بنعيم الدنيا وملذاتها الفانية بل كان قلبه متعلقا بطاعة ربه والعمل للآخرة ، وكان عليه السلام يلبس الشعر ويأكل من ورق الشجر من نحو الملوخية والهندباء من غير طبخٍ، وكان لا يدخر عنده شيئا بل ينفقه على الفقراء والمساكين، ولم يتخذ منزلا يأوى إليه بل كان بيته المساجد. وكان عليه السلام كثير البكاء من خشية الله شديد التوكل على الله، يتحرى الطعام الحلال وقيل إنه كان يأكل من غزل أمه مريم عليها السلام. وسمى بالمسيح لكثرة سياحته أى تنقله فى الأرض ليعلم الناس دين الله ويدعوهم إلى عبادة الله وحده وقيل سمى بذلك لأنه كان يمسح بيده الشريفة على الأبرص والأكمه أى الذى يولد أعمى فيشفى بإذن الله وليس معناه أن عيسى عليه السلام كان على غير الإسلام.
(147) تكلم عن رفع سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء.
اعلم أن سيدنا عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب إنما رفعه الله إلى السماء الثانية قال تعالى فى سورة النساء ﴿وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم﴾ وقال تعالى ﴿وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه﴾ أى إلى محل كرامته أى إلى المكان الذى هو مشرف عنده وهو السماء وليس معناه أن الله يسكن السماء لأنه موجود بلا مكانٍ ولا جهةٍ وقال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا﴾ أى رافعك إلى السماء ومتوفيك بعد إنزالك إلى الأرض وهو قول عبد الله بن عباسٍ وهذا القول هو الموافق للأحاديث. ﴿ومطهرك من الذين كفروا﴾ أى مخلصك من الذين كفروا وهم اليهود، أوحى الله إليه أن اليهود يريدون قتله فقد روى ابن أبى حاتـمٍ والنسائى بإسنادٍ صحيحٍ عن عبد الله بن عباسٍ أنه قال كان عيسى مع اثنى عشر من أصحابه فى بيتٍ فقال إن منكم من يكفر بى بعد أن ءامن ثم قال أيكم يلقى عليه شبهى ويقتل مكانى فيكون رفيقى فى الجنة فقام شاب أحدثهم سنا فقال أنا قال اجلس ثم عاد (عيسى عليه السلام مقالته) فعاد (الشاب وقال أنا) فقال اجلس ثم عاد (عيسى عليه مقالته) فعاد (الشاب) الثالثة (أى قال أنا) فقال أنت هو فألقى عليه شبهه (أى ألقى الله شبه عيسى عليه السلام على الشاب) فأخذ الشاب فصلب (أى دخل عليه الكفار فى البيت فأخذوه ثم علقوه على خشبةٍ ثم قتلوه) بعد أن رفع عيسى عليه السلام من روزنةٍ فى البيت. والروزنة نافذة فى السطح يصعد إليها تكون فى زاويةٍ من البيت. فيفهم من ذلك أن بعض أمته عليه السلام كفروا بعد أن ءامنوا. وبعد أن ينزل سيدنا عيسى عليه السلام إلى الأرض يمكث فيها أربعين سنة ثم يتوفى فيصلى عليه المسلمون ويدفن فى الحجرة الشريفة بجوار سيدنا محمدٍ ﷺ.
(148) ما الدليل على نزول سيدنا عيسى عليه السلام من السماء.
قال الله تعالى فى سورة الزخرف ﴿وإنه لعلم للساعة﴾ أى أن نزول سيدنا عيسى من السماء علامة من العلامات الكبرى ليوم القيامة وقال رسول الله ﷺ ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى ابن مريم حكما مقسطا وليسلكن فجا حاجا أو معتمرا وليأتين قبرى حتى يسلم على ولأردن عليه، رواه الحاكم فى المستدرك. فيجب اعتقاد أن سيدنا عيسى عليه السلام ينزل إلى الأرض ويحكم بشريعة محمدٍ ﷺ وعندما ينزل من السماء يكون واضعا يديه على أجنحة ملكين ويكون المهدى فى شرق دمشق قد تهيأ لصلاة الفجر فيراه المهدى فينتظر فلما يصل سيدنا عيسى إلى الأرض يتأخر المهدى فيقول له سيدنا عيسى تقدم لك أقيمت فيصلى سيدنا عيسى عليه السلام خلف المهدى إعلاما للناس أنه نزل ليحكم بالإسلام ويعمل بشريعة محمدٍ ﷺ وبعد تلك المرة يصلى سيدنا عيسى بالناس إماما لأنه نبى والنبى أفضل من الولى أما المهدى فهو ولى من أولياء الله تعالى. وفى زمان عيسى تحصل معجزة باهرة فى تأييد الإسلام كل موضعٍ يصل إليه نظر عيسى يصل إليه نفسه فيموت الكفار ولا يبقى على وجه الأرض كافر.
(149) من هو المهدى المنتظر.
اعلم أن القيامة لا تقوم حتى تحصل أشراط الساعة الصغرى والكبرى أما العلامات الصغرى فمنها قلة العلم وكثرة الجهل أى الجهل بعلم الدين وكثرة القتل والظلم وكثرة الأمراض التى ما كان يعرفها الناس سابقا وكثرة الدجالين وخطباء السوء وادعاء أناسٍ النبوة وتداعى الأمم على أمة محمدٍ كتداعيهم على قصعة الطعام يحيطون بهم من كل صوبٍ وهذا كله حصل. ومن ءاخرها ظهور المهدى وهو ثابت فى الحديث الصحيح الذى رواه ابن حبان فى صحيحه وأبو داود فى سننه والترمذى فى جامعه والحاكم فى المستدرك من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتى يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى فيملأها (أى الأرض) قسطا وعدلا. والمهدى عليه السلام هو محمد بن عبد الله وهو حسنى أو حسينى من ولد فاطمة رضى الله عنها وهو رجل طويل القامة ءادم أى أسمر وجهه كالكوكب الدرى فى الحسن والوضاءة أجلى الجبهة أقنى الأنف أكحل العينين واسعهما دقيق الحاجبين طويلهما مفروق الحاجبين غير مقرونهما فى خده الأيمن خال أسود كث اللحية براق الثنايا يولد بالمدينة المنورة وينشأ بها ثم يأتى إلى مكة المكرمة فيبايعه الأولياء. وقد ورد فى الأثر أنه يسير معه فى أول أمره ملك ينادى يا أيها الناس هذا خليفة الله المهدى فى الأرض فاتبعوه وورد فى الأثر أن المهدى عليه السلام أول ما يخرج يخرج من المدينة المنورة ويخرج معه ألف من الملائكة يمدونه ثم يذهب إلى مكة المكرمة حيث ينتظره ثلاثمائةٍ من الأولياء هم أول من يبايعه ويخرج جيش لغزوه فيخسف الله بذلك الجيش الأرض فيما بين مكة والمدينة بعد ذلك يأتى إلى بر الشام وفى أيام المهدى تحصل مجاعة والمؤمن الكامل فى ذلك الوقت يشبع بالتسبيح والتقديس أى بذكر الله وتعظيمه. ويكون بين عيسى والمهدى سبع أو تسع سنواتٍ.
(150) تكلم عن الحساب.
الحساب هو عرض أعمال العباد عليهم أى يعرض عليهم ما عملوا فى الدنيا فيعطى كل إنسانٍ كتاب عمله. المؤمن يأخذ كتابه بيمينه والكافر يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره وهذا الكتاب هو الذى كتبه الملكان رقيب وعتيد فى الدنيا. ويكون الحساب بتكليم الله للعباد جميعهم كما ورد فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمذى ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، أى أن الله تعالى يكلم كل إنسانٍ يوم القيامة فيسمع العبد كلام الله الأزلى الذى ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة فيفهم العبد من كلام الله السؤال عن أفعاله وأقواله واعتقاداته فيسر المؤمن التقى ولا يسر الكافر بل يغلب عليه الخوف والقلق وينتهى حسابهم فى وقتٍ قصيرٍ. فلو كان حساب الله لخلقه من إنسٍ وجنٍ بالحرف والصوت ما كان ينتهى حسابهم فى مائة ألف سنةٍ لأن الخلق كثير وحساب العباد ليس على القول فقط بل على القول والفعل والاعتقاد فلو كان حسابهم بالحرف والصوت لاستغرق حسابهم زمانا طويلا جدا ولم يكن الله أسرع الحاسبين بل لكان أبطأ الحاسبين لكن الله تعالى يقول ﴿وهو أسرع الحاسبين﴾ أى أن الله تعالى أسرع من كل حاسبٍ.
(151) ما معنى الثواب.
الثواب هو الجزاء الذى يجازاه المؤمن فى الآخرة على العمل الصالح مما يسره. والثواب فضل من الله ولا يجب على الله أن يثيب الطائعين لكنه وعدهم بالثواب ووعده حق ولا يخلف الله وعده.
(152) ما معنى العذاب.
العذاب هو الجزاء الذى يجازاه العبد فى الآخرة مما يسوؤه على ما عمل من سيئاتٍ كأذى حر الشمس فإن الشمس تدنو من الأرض يوم القيامة حتى تكون بمقدار ميلٍ أى ألفى ذراعٍ فقد روى ابن حبان عن عقبة بن عامرٍ أنه قال رأيت رسول الله ﷺ يقول تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه كعبيه ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ومنهم من يبلغ إلى العجز ومنهم من يبلغ إلى الخاصرة ومنهم من يبلغ عنقه ومنهم من يبلغ وسط فيه (أى فمه) ومنهم يغطيه عرقه. فمن عاقبه الله فبعدله ولا يظلم الله أحدا لأنه المالك الحقيقى لكل شىءٍ وهو يفعل فى ملكه ما يشاء فلا يتصور منه الظلم لأن الظلم يتصور ممن له ءامر وناهٍ كالعباد إذ الظلم هو مخالفة أمر ونهى من له الأمر والنهى والله تعالى ليس له ءامر ولا ناهٍ قال تعالى فى سورة فصلت ﴿وما ربك بظلامٍ للعبيد﴾.
(153) تكلم عن الميزان.
يجب الإيمان بالميزان الذى توزن به أعمال العباد يوم القيامة والذى يتولى وزنها الملكان جبريل وميكائيل والذى يوزن هو الصحائف التى كتب عليها الحسنات والسيئات. والميزان من حيث التركيب كميزان الدنيا لكنه أكبر حجما له قصبة وعمود وكفتان كفة للحسنات وكفة للسيئات فتوضع صحائف الحسنات فى كفةٍ وصحائف السيئات فى الكفة الأخرى فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل النجاة والفوز يدخل الجنة من غير عذابٍ ومن تساوت حسناته وسيئاته فهو من أهل النجاة أيضا لكن يكون أقل مرتبة. ومن رجحت سيئاته على حسناته فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه مدة فى النار ثم أدخله الجنة وإن شاء غفر له وأدخله الجنة من غير عذابٍ. وأما الكافر فتوضع سيئاته فى كفةٍ من الكفتين فترجح كفة سيئاته لأنه لا حسنات له فى الآخرة فالكافر يجازى فى هذه الدنيا بالرزق وصحة الجسم ونحو ذلك على أعماله الحسنة قال رسول الله ﷺ وأما الكافر فيطعم بحسناته فى الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له منها نصيب، رواه مسلم.
(154) تكلم عن النار.
يجب الإيمان بالنار أى جهنم وهى دار العذاب الدائم للكافرين ويعذب فيها بعض عصاة المسلمين مدة ثم يخرجون منها ويدخلون الجنة ومكانها تحت الأرض السابعة وهى موجودة الآن لقوله تعالى ﴿أعدت للكافرين﴾ لا تفنى ولا يفنى أهلها لقول الله تعالى ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا﴾ وقوله تعالى ﴿وما هم بخارجين من النار﴾ ومن قال بفناء النار فقد كذب القرءان وكفر. ولا يخفف العذاب عن الكفار كأبى لهبٍ لقوله تعالى ﴿خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب﴾. ويزيد الله فى حجم الكافر فى النار ليزداد عذابا حتى يكون ضرسه كجبل أحدٍ وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيامٍ وغلظ جلده سبعين ذراعا تأكله النار كل يومٍ سبعين ألف مرةٍ فلو كانت خلقته كما هى فى الدنيا لذاب بلحظةٍ ولا يموت الكفار فى النار فيرتاحون من العذاب ولا يحيون حياة هنيئة طيبة بل هم دائما فى نكدٍ وعذابٍ. ونار جهنم تأكل اللحم وتكسر العظم ثم تستولى على القلوب فلا يوجد شىء أكثر وأشد تألما من القلب إذا استولت عليه نار جهنم قال تعالى ﴿التى تطلع على الأفئدة﴾. وطعام الكفار فى جهنم من ضريعٍ وهو شجر كريه المنظر والطعم والرائحة قال تعالى ﴿ليس لهم طعام إلا من ضريعٍ﴾ وكذلك يأكل أهل النار من شجرة الزقوم قال تعالى ﴿إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلى فى البطون كغلى الحميم﴾ وهذه الشجرة منظرها قبيح جدا ورائحتها كريهة جدا لا تطاق. وأما شراب أهل النار فهو الماء المتناهى فى الحرارة قال الله تعالى ﴿لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا﴾ أى أن الكفار فى جهنم لا يذوقون الشراب البارد المستلذ ﴿إلا حميما وغساقا﴾ والحميم هو الماء المتناهى فى الحرارة والغساق هو ما يسيل من جلود أهل النار ملائكة العذاب يسقونهم منه فتتقطع أمعاؤهم. وثياب الكفار من نارٍ قال تعالى ﴿فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نارٍ﴾. ويوجد فى جهنم حيات الحية الواحدة كالوادى وعقارب كالبغال لا تتأثر بالنار تلسع الكفار وتعذبهم فوق عذابهم بالنار. اللهم أجرنا من النار.
(155) ما الدليل على أن النار باقية لا تفنى.
أجمعت الأمة على أن النار باقية إلى ما لا نهاية له نقل الإجماع الحافظ المجتهد تقى الدين السبكى فى رسالته الاعتبار ببقاء الجنة والنار ونقل ابن حزمٍ الإجماع على ذلك وأن من خالفه كافر بالإجماع وقال الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر والجنة والنار مخلوقتان الآن ولا تفنيان أبدا. وهذا هو المذهب الحق وخالف فى ذلك ابن تيمية فقال إن النار تفنى لا يبقى فيها أحد وتبعه فى هذه المقالة الفاسدة الوهابية ذكروا ذلك فى كتابهم المسمى القول المختار لفناء النار لعبد الكريم الحميد وقولهم هذا تكذيب للقرءان قال الله تعالى فى سورة الأحزاب ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا﴾ وقال تعالى فى سورة البقرة ﴿وما هم بخارجين من النار﴾ فلو كانت النار تفنى والكفار يخرجون منها فأين يذهبون بزعمهم وقد حرم الله الجنة على الكافرين إذ لا يوجد فى الآخرة إلا منزلتان إما جنة وإما نار.
(156) ما الدليل على أن الكافر محروم من رحمة الله فى الآخرة ولا يخفف عنه العذاب فى جهنم.
اعلم أن الكافر محروم من رحمة الله فى الآخرة لقوله تعالى فى سورة الأعراف ﴿ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة﴾ أى أهل النار ينادون أهل الجنة إما يرونهم عيانا مع بعد المسافة بين الجنة والنار فى وقتٍ من الأوقات وإما يسمعون صوتهم فيطلبون من الضيق الذى هم فيه ﴿أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين﴾ أى حرم على الكافرين الرزق النافع والماء المروى فى الآخرة فلا يجدون ماء باردا مرويا إنما يشربون الحميم وهو الماء المتناهى فى الحرارة وما يسيل من جلود أهل النار لأنهم أعرضوا عن الإيمان بالله ورسوله فكفروا وقصدوا البقاء على الكفر فكان جزاؤهم عذابا لا ينقطع. وقال تعالى فى سورة الأعراف ﴿ورحمتى وسعت كل شىءٍ﴾ أى أن رحمة الله وسعت فى الدنيا كل مؤمنٍ وكافرٍ ﴿فسأكتبها للذين يتقون﴾ أى أخصها فى الآخرة للذين يجتنبون الشرك وسائر أنواع الكفر. ولا يخفف العذاب عن الكفار فى جهنم لقوله تعالى ﴿خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب﴾ وقوله تعالى فى سورة فاطرٍ ﴿ولا يخفف عنهم من عذابها﴾ وقد ورد أن الكفار فى جهنم يستغيثون بمالكٍ خازن النار فيجيبهم بعد ألف سنةٍ إذلالا لهم واستغاثتهم به ليست للخروج بل يطلبون الموت من شدة العذاب قال تعالى ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون﴾. أما ما يدعيه خالد الجندى أن الله يرحم الكافرين فى الآخرة وأن الكفار يخفف عنهم العذاب فى جهنم فهو تكذيب للقرءان ورد للنصوص الشرعية ورد النصوص كفر كما قال النسفى رحمه الله.
(157) تكلم عن الصراط.
يجب الإيمان بالصراط وهو جسر عريض يمد فوق جهنم فيرده الناس جميعا فمنهم من ينجو ومنهم من يقع فيها فالكفار يقعون منه فى ابتداء ورودهم وبعض عصاة المسلمين يمشون عليه مسافة ثم يقعون منه ومنهم من تأخذه الكلاليب الموجودة على جانبيه فيكاد يقع ثم تفلته فيمر على الصراط ومن الناس من يعبر الصراط مشيا ومنهم من يرده ورود مرورٍ فى هوائه من غير أن تمسه قدمه وهؤلاء منهم من يـمر كالبرق الخاطف ومنهم من يـمر كطرفة عينٍ على حسب عمله. والأنبياء والصالحون والأتقياء والشهداء والأطفال لا يدخلون النار قال تعالى ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾. والصراط أحد طرفيه فى الأرض المبدلة والطرف الآخر فيما يلى الجنة بعد النار أى قبل الجنة وبعد النار وقد ورد فى صفة الصراط أنه دحض مزلة أى أملس تزل منه الأقدام أما ما ورد أنه أحد من السيف وأدق من الشعرة كما روى مسلم عن أبى سعيدٍ الخدرى فليس المراد ظاهره بل هو عريض وإنـما المراد أن خطره عظيم فإن يسر العبور عليه وعسره على قدر الطاعات والمعاصى فقد ورد فى صحيح مسلمٍ أنه تجرى بهم أعمالهم.
(158) تكلم عن الحوض.
يجب الإيمان بالحوض وهو مكان أعد الله فيه شرابا لأهل الجنة يشربون منه بعد عبور الصراط وقبل دخول الجنة فلا يصيبهم بعد ذلك ظمأ فمنهم من يشرب تلذذا وهم الأتقياء ومنهم من يشرب عطشا وهم العصاة ولكل نبىٍ من أنبياء الله حوض تشرب منه أمته وأكبر الأحواض حوض نبينا ﷺ طوله مسيرة شهرٍ وعرضه كذلك وعليه أكواب كعدد نجوم السماء وينصب فيه من ماء الجنة فقد روى البخارى عن عبد الله بن عمرٍو أنه قال قال رسول الله ﷺ حوضى مسيرة شهرٍ ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدا.
(159) تكلم عن الشفاعة فى الآخرة.
يجب الإيمان بالشفاعة وهى طلب إسقاط العقاب عن بعض العصاة من المسلمين فيشفع الأنبياء والملائكة والعلماء العاملون وشهداء المعركة ويشفع نبينا ﷺ لأهل الكبائر من أمته قال رسول الله ﷺ شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى رواه الحاكم. والشفاعة تكون لبعض العصاة قبل دخولهم النار ولبعضٍ بعد دخولهم لإخراجهم منها قبل أن تمضى المدة التى يستحقون ويدل على ذلك قوله ﷺ يخرج ناس من النار بشفاعة محمدٍ رواه البخارى. فيعلم من ذلك أنه لا بد أن يدخل بعض عصاة المسلمين النار فلا يجوز الدعاء بنجاة جميع المسلمين من دخول النار. أما الأتقياء والذين ماتوا تائبين فلا يحتاجون للشفاعة. وأما الكفار فلا شفاعة لهم يوم القيامة لقوله تعالى فى سورة الأنبياء ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ أى إلا لمن ارتضى الإسلام دينا أى لا يشفعون إلا لمن مات على الإيمان. ويدل على ذلك قوله ﷺ لابنته فاطمة أول ما نزل عليه القرءان يا فاطمة بنت محمدٍ سلينى ما شئت من مالى لا أغنى عنك من الله شيئا رواه البخارى معناه لا أستطيع أن أنقذك من النار إن لم تؤمنى أما فى الدنيا فأستطيع أن أنفعك بمالى. ولنبينا محمدٍ الشفاعة العظمى وهى عامة لا تختص بأمته بل ينتفع بها غير أمته من المؤمنين وهى لتخليصهم من حر الشمس يوم القيامة فإن الناس فى ذلك الموقف يقول بعضهم لبعضٍ تعالوا لنذهب إلى أبينا ءادم ليشفع لنا إلى ربنا فيأتون إلى ءادم ويقولون يا ءادم أنت أبو البشر خلقك الله بيده (أى بعنايةٍ منه) وأسجد لك ملائكته فاشفع لنا إلى ربنا فيقول لهم لست فلانا (أى أنا لست صاحب هذه الشفاعة) اذهبوا إلى نوحٍ فيأتون نوحا فيطلبون منه أن يشفع لهم فيقول ايتوا إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول لهم لست فلانا فيأتون موسى فيقول لهم لست فلانا ثم يقول لهم ايتوا عيسى فيأتون عيسى فيقول لهم لست فلانا ولكن اذهبوا إلى محمدٍ فيأتون النبى ﷺ فيسجد النبى لربه فيقال له ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط.
(160) تكلم عن الجنة.
يجب الإيمان بالجنة وهى دار النعيم الدائم للمؤمنين ومكانها فوق السماء السابعة وهى موجودة الآن لقوله تعالى ﴿أعدت للمتقين﴾ لا تفنى ولا يفنى أهلها. ونعيم الجنة قسمان نعيم عام لكل أهل الجنة ونعيم خاص لا يناله إلا الأتقياء أما النعيم العام فهو أن أهل الجنة كلهم أحياء لا يموتون أبدا وكلهم فى صحةٍ لا يمرضون أبدا وكلهم شباب لا يهرمون أبدا وكلهم فى نعيمٍ لا يبأسون أبدا قال رسول الله ﷺ إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، رواه مسلم. وأما النعيم الخاص فهو الذى أعده الله لعباده الصالحين كما جاء فى الحديث القدسى قال رسول الله ﷺ قال الله عز وجل أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ، رواه البخارى. والجنة هى الدار المطهرة من الأقذار كالبول والغائط والحيض والنفاس والبصاق والمنى. فطعام أهل الجنة وشرابهم لا يتحول إلى بولٍ أو غائطٍ إنما يفيض من جسمهم عرقا كالمسك قال رسول الله ﷺ إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس. وأهل الجنة على صورة أبيهم ءادم ستون ذراعا طولا فى سبعة أذرعٍ عرضا وقد ورد فى الحديث الذى رواه الترمذى فى سننه أن أهل الجنة جرد مرد فى عمر ثلاثةٍ وثلاثين عاما، أى لا شعر على أجسادهم إلا شعر الرأس والأجفان والحاجبين كأنهم فى عمر ثلاثةٍ وثلاثين عاما. والزيارات فى الجنة سهلة فأحيانا سرير الشخص يطير به إلى حيث يريد وأحيانا يركب خيولا لها أجنحة تطير به. ثم أعين أهل الجنة قوية ترى الشخص من مسافة ألف سنةٍ وأكثر. اللهم ارزقنا الجنة.
(161) تكلم عن صفة الجنة.
قال رسول الله ﷺ لأصحابه هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها ثم قال فى وصفها هى ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة فى مقامٍ أبدىٍ فى حبرةٍ ونضرةٍ، رواه ابن حبان. وقوله ﷺ هل مشمر للجنة أى هل من مجتهدٍ فى طاعة الله ومستعدٍ للجنة فإن الجنة لا خطر لها أى لا مثل لها هى ورب الكعبة نور يتلألأ أى أقسم برب الكعبة على أنها نور يتلألأ أى أنها منورة لا يوجد فيها ظلام فلا تحتاج الجنة إلى شمسٍ ولا قمرٍ، إذا كانت المرأة من نساء الجنة كما وصفها رسول الله بحيث لو اطلعت على هذه الدنيا لأضاءت ما بين المشرق والمغرب فمن أين يكون فيها ظلام. ووصف الرسول الجنة بأنها ريحانه تهتز أى ذات خضرةٍ كثيرةٍ معجبة المنظر. وكل شجرةٍ فى الجنة ساقها من ذهبٍ وأشجار الجنة عندما تتحرك يصدر لها صوت جميل جدا تميل إليه النفوس. ووصف الرسول الجنة بأنها قصر مشيد أى فيها قصور عالية مرتفعة. أما قوله عليه السلام ونهر مطرد أى أنهار الجنة جارية فالجنة فيها أنهار من ماءٍ وأنهار من لبنٍ أى حليبٍ وأنهار من عسلٍ مصفى. وقوله عليه السلام وفاكهة نضيجة أى فيها من الفواكه كل ما تشتهيه النفس وكل ما فيها من الفواكه نضيج. وقوله عليه السلام وزوجة حسناء جميلة أى فيها للمؤمنين أزواج حسان جميلات. وقوله عليه السلام فى مقامٍ أبدىٍ أى فى حياةٍ دائمةٍ لا نهاية لها وقوله فى حبرةٍ أى سرورٍ دائمٍ وأما قوله نضرةٍ فمعناه أن وجوه أهلها جميلة. وفى نهاية هذا الحديث قال الصحابة لرسول الله نحن المشمرون يا رسول الله فقال قولوا إن شاء الله. اللهم ارزقنا الجنة.
(162) تكلم عن الرؤية لله تعالى فى الآخرة.
يجب الإيمان بأن الله يرى فى الآخرة يراه المؤمنون وهم فى الجنة بلا كيفٍ ولا مكانٍ ولا جهةٍ أى من غير أن يكون متصفا بصفات المخلوقين ومن غير أن يكون فى مكانٍ أو جهةٍ قال الله تعالى فى سورة القيامة ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ أى أن المؤمنين يرون ربهم ذلك اليوم يرون من ليس كمثله شىء، لا يرونه حجما لطيفا كالنور ولا حجما كثيفا كالإنسان ولا يرونه مستقرا حالا فى الجنة ولا خارجها ولا يرونه متحيزا فى مكانٍ أو جهةٍ فلا يرونه متحيزا عن يمينهم ولا عن يسارهم ولا فى جهة فوقٍ ولا فى جهة تحتٍ ولا فى جهة أمامٍ ولا فى جهةٍ خلفٍ يرونه من غير أن يكون له حجم وكمية ومقدار ومساحة وحد لأنه ليس جسما مؤلفا من أجزاءٍ وليس له أعضاء يرونه من غير أن يكون له طول وعرض وعمق وسمك ولون وشكل وهيئة وكيفية يرونه بلا وصف قيامٍ وقعودٍ واتكاءٍ وتعلقٍ واتصالٍ وانفصالٍ وساكنٍ ومتحركٍ ومماسٍ ومن غير أن يكون بينه وبين خلقه مسافة. رؤية المؤمنين لله فى الآخرة ليس اجتماعا بالله كاجتماع المصلين بإمامهم فى المسجد لأن الله تعالى يستحيل عليه السكنى فى مكانٍ. رؤية المؤمنين لربهم فى الآخرة جائزة عقلا بدليل أن موسى عليه السلام سأل ربه الرؤية بقوله ﴿رب أرنى أنظر إليك﴾، فلو كانت الرؤية مستحيلة لم يسأل موسى ربه أن يراه أما قوله تعالى لموسى ﴿لن ترانى﴾ أى فى الدنيا وموسى عليه السلام لما طلب من ربه أن يراه بعينه لم يكن أوحى إليه بأن الله لا يرى بالعين الفانية فى الدنيا. قال رسول الله ﷺ إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون فى رؤيته، رواه مسلم. شبه الرسول ﷺ رؤية المؤمنين لربهم من حيث عدم الشك برؤية القمر ليلة البدر ولم يشبه الله بالقمر أى أنهم يرونه رؤية لا شك فيها لا يشكون هل الذى رأوه هو الله أم غيره كما أن مبصر القمر ليلة البدر إذا لم يكن سحاب يراه رؤية لا شك فيها. لا تضامون فى رؤيته أى لا تتزاحمون فى رؤيته وهذا شأن من لا مكان له لأن الناس إذا أرادوا رؤية من فى مكانٍ يتزاحمون ويتدافعون ليروه فيراه الأقربون منه ولا يراه الأبعدون فيتدافعون.
(163) تكلم عن الإيمان بالملائكة.
يجب الإيمان بالملائكة أى بوجودهم وهم أجسام لطيفة لا تجس باليد خلقهم الله من نورٍ لهم أرواح وعقول وإرادة. ليسوا ذكورا ولا إناثا لا يأكلون ولا يشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا ينامون ولا يتعبون ولا يتناكحون ولا يتوالدون وهم مسلمون مكلفون وعباد لله طائعون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يصلون الصلوات الخمس ويذكرون الله كثيرا. أعطاهم الله القدرة على التشكل بصور الرجال من بنى ءادم من غير ءالة الذكورية لكنهم لا يتشكلون بأشكال الإناث ولا بأشكال البهائم البشعة كالحية والعقرب والكلب والخنزير. وكل ملكٍ له جناحان أو أربع أو ست أو غير ذلك من العدد قال الله تعالى فى سورة فاطرٍ ﴿أولى أجنحةٍ﴾ فسيدنا جبريل عليه السلام له ستمائة جناحٍ وقد رءاه الرسول ﷺ بمكة بمكانٍ يقال له أجياد فقال له جبريل اطلب من ربك أن ترانى على صورتى الأصلية فطلب الرسول ذلك فظهر له من المشرق فسد ما بين المشرق والمغرب فصعق رسول الله ﷺ أى غشى عليه ثم أخذه جبريل عليه السلام وقد تحول إلى الصورة البشرية فضمه إليه ثم قال رسول الله ﷺ يا جبريل ما ظننت أن الله تعالى خلق أحدا على مثل هذه الصورة فقال جبريل عليه السلام إن الله خلقنى على ستمائة جناحٍ وما نشرت منها إلا جناحين وإن الله خلق إسرافيل على ستمائة جناحٍ الجناح الواحد منها مثل كل أجنحتى. ويوجد فى الملائكة من هو أعظم خلقة كحملة العرش قال رسول الله ﷺ أذن لى أن أحدث عن ملكٍ من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عامٍ رواه أبو داود، أى بخفقان الطير المسرع وهذا الملك كتفه عند العرش ورجله فى الأرض السابعة.
(164) من هم الجن.
اعلم أن الجن أجسام لطيفة لا يراهم أحد من البشر على هيئتهم الأصلية لقوله تعالى فى إبليس وذريته ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾ لكن يجب الإيمان بوجودهم لأن وجودهم ثابت بالقرءان والحديث فمن أنكر وجودهم كفر. الله تعالى أعطاهم القدرة على التشكل بأشكالٍ مختلفةٍ وخلق فيهم شهوة الأكل والشرب والجماع فهم يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ولا ينامون. والجنى أول ما يولد يولد مكلفا. وإبليس هو أبو الجن خلق قبل ءادم خلقه الله من لهيب النار الصافى لقوله ﷺ خلقت الملائكة من نورٍ وخلق الجان من مارجٍ من نارٍ وخلق ءادم مما وصف لكم، أى من تراب هذه الأرض، رواه مسلم عن عائشة رضى الله عنها. فمن هنا يعلم أن الملائكة والجن ليسوا من جنسٍ واحدٍ فإبليس ليس ملكا ولا طاووسا للملائكة فلا يجوز اعتقاد أن إبليس كان طاووس الملائكة أو رئيسهم كما يقول بعض الجهال بل هو كافر بنص القرءان قال تعالى فى سورة البقرة ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾. والجن فيهم التقى والفاسق والكافر وليس فيهم أنبياء إنما أنبياء البشر هم أنبياء الجن. أما الشياطين فهم الكفار من الجن منهم القرين الذى يوكل بالشخص بعد ولادته فإنه يدخل فى صدر غير النبى من غير أن يشعر ويوسوس له ويأمره بالشر. الوسوسة تكون فى الصدر وليس فى الأذن، الشيطان له حديث بكلامٍ خفىٍ مع نفس الإنسان فى الصدر، الأذن لا تسمعه هو يحدث النفس فتفهم عنه لكنه لا يعلم الغيب ولا يعلم بما يحدث به الشخص نفسه. والقرين يلازم العبد إلى وفاته ليلا ونهارا فإذا بات العبد بات القرين على خيشومه الذى هو منتهى الأنف فإذا استيقظ العبد يقفز القرين إلى جهة الصدر لذلك يستحب عند الاستيقاظ إذا توضأ الشخص أن يبالغ فى الاستنشاق لإزالة أثر مبيت القرين هناك إلا أن يكون صائما. أما القرين الذى مع الأنبياء فلا يستطيع أن يدخل فى أجسادهم ولا يبيت عند خياشيمهم إنما يدور حولهم ويوسوس لهم من الخارج والشيطان ليس له سلطان على الأنبياء ولا على الأولياء فلا يستطيع أن يغرقهم فى المعاصى. والظاهر أن قرناء الأنبياء سوى سيدنا محمدٍ كانوا شياطين كفارا أما قرين النبى ﷺ فقد أسلم قال رسول الله ﷺ إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخيرٍ. ويوجد غير القرين من الشياطين يشوش على المسلم فى الصلاة يقال له خنزب فعن عثمان بن أبى العاص الثقفى رضى الله عنه أنه أتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله إن الشيطان حال بينى وبين صلاتى وقراءتى قال ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله من شره واتفل على يسارك ثلاثا رواه الإمام أحمد. وعن أبى بن كعبٍ عن النبى ﷺ أنه قال إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء رواه الترمذى. وينبغى أن لا يسترسل الإنسان مع الوسواس بل ينبغى أن يلجأ إلى الله فى دفعه وأن يعرض عنه وأن يبادر إلى قطعه بالاشتغال بغيره حتى لا تتنكد عيشته وينبغى أن لا يقعد وحده بل يقعد مع الصالحين.
(165) بين أن إبليس لم يكن قط من الملائكة.
يجب اعتقاد أن إبليس لم يكن ملكا من الملائكة بل هو أبو الجن، وقد جاءت الآيات صريحة فى بيان أن إبليس اعترض على الله فكفر به كقوله تعالى ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾. وأما الملائكة فلا يعصون الله طرفة عينٍ بل هم كما قال الله فيهم ﴿لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾ فلو كان إبليس ملكا لكان كل ما يعمله بأمرٍ من الله عز وجل ولكان اعتراضه على الله من جملة ما أمره الله به وذلك باطل فإن الله تعالى لا يأمر بالكفر والفسوق والعصيان قال الله تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر) وقال تعالى (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء). والرسول ﷺ أخبر أن الملائكة خلقوا من نورٍ وإبليس خلق من نارٍ فهو نوع ءاخر مختلف فظهر من ذلك أنه لا يجوز أن يكون إبليس من الملائكة بل هو أكفر خلق الله وأشدهم عذابا فى الآخرة.
(166) تكلم عن الإيمان بالرسل.
اعلم أن الأنبياء عليهم السلام أرسلهم الله للدعوة إلى دين الإسلام وهو الدين الذى رضيه الله لعباده وأمرنا باتباعه وأول الأنبياء ءادم عليه السلام وءاخرهم محمد ﷺ وبينهما جم غفير من الأنبياء منهم من ذكرهم الله فى القرءان وهم ءادم وإدريس ونوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون ويونس وأيوب وذو الكفل وإلياس واليسع وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعلى جميع إخوانه الأنبياء وسلم. والأنبياء هم أفضل خلق الله وأفضلهم سيدنا محمد ﷺ منهم من كان نبيا رسولا ومنهم من لم يكن رسولا والنبى الرسول هو من أوحى إليه بشرعٍ جديدٍ وأمر بتبليغه أما النبى غير الرسول فهو من أوحى إليه باتباع شرع الرسول الذى قبله وأمر بتبليغه. والنبى لا يكون إلا رجلا من البشر فلا نبى من الملائكة ولا من الجن قال تعالى ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم﴾. جملهم الله بصفاتٍ حميدةٍ وأخلاقٍ حسنةٍ ونزههم عن الصفات الذميمة فلا يكذبون ولا يغشون ولا يأكلون أموال الناس بالباطل وليس فيهم من هو رذيل يختلس النظر إلى النساء الأجنبيات بشهوةٍ وليس فيهم من هو سفيه يتصرف بخلاف الحكمة أو يقول ألفاظا شنيعة تستقبحها النفس وليس فيهم من هو جبان ضعيف القلب أو ضعيف الفهم عصمهم الله من سبق اللسان فى أمور الدين وغيرها فلا يتكلمون بكلامٍ لا يريدون قوله.
(167) ما الدليل على نبوة ءادم عليه السلام.
يجب اعتقاد أن سيدنا ءادم عليه السلام هو أول الأنبياء والمرسلين قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين﴾ أى اختار ءادم ونوحا للنبوة والرسالة وقال تعالى فى سورة نوحٍ ﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه﴾ فنوح بنص القرءان رسول فيفهم من قوله تعالى ﴿إن الله اصطفى ءادم ونوحا﴾ أن اصطفاء ءادم هو من نفس جنس اصطفاء نوحٍ الذى هو بالرسالة والنبوة. ويشهد لنبوته حديث الترمذى ءادم فمن سواه من الأنبياء تحت لوائى يوم القيامة، وأجمع المسلمون على نبوته فمن أنكر نبوته فهو كافر بالإجماع كما فى كتاب مراتب الإجماع.
(168) ما الدليل على أن سيدنا ءادم عليه السلام لم يكن قردا ثم تطور.
سيدنا ءادم عليه السلام هو أول البشر وأول الأنبياء والمرسلين لم يكن قردا ثم تطور ولا شبيها بالقرد بل كان جميل الشكل حسن الصوت منتصب القامة ولم يكن كالبهائم التى تمشى على أربعٍ فقد قال رسول الله ﷺ كان طول ءادم ستين ذراعا طولا فى سبعة أذرعٍ عرضا، رواه أحمد فى مسنده. أما قول بعض الملحدين إن أول البشر كان على صورة القرد فإنه تكذيب للقرءان قال تعالى فى سورة التين ﴿لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويمٍ﴾ أى فى أحسن صورةٍ أى أنه حسن التركيب منتصب يمشى برجليه ويأكل بيديه وقال تعالى فى سورة الإسراء ﴿ولقد كرمنا بنى ءادم﴾ أى أن الله خلق الإنسان وكرمه وجعل خلقته أحسن من خلقة غيره وقال تعالى ﴿إنى خالق بشرا من طينٍ﴾ وروى مسلم عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ﷺ قال خلقت الملائكة من نورٍ وخلق الجان من مارجٍ من نارٍ وخلق ءادم مما وصف لكم، أى من تراب هذه الأرض. ثم كيف يكون ءادم نبيا ويكون قردا هذا ينفر الناس منه ومن دعوته فلو كان قردا بزعمهم لكان هذا بابا للطعن فيه وانتقاصه وهذا لا يليق بالأنبياء.
(169) ما الدليل على أن دين الأنبياء جميعهم هو الإسلام.
قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ أى أن الدين الصحيح المقبول عند الله هو الإسلام وقال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ وقال تعالى فى سورة البقرة ﴿ووصىٰ بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفىٰ لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ وقال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾ وقال سيدنا يوسف عليه السلام ﴿توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين﴾ وقال رسول الله ﷺ الأنبياء إخوة لعلاتٍ دينهم واحد وأمهاتهم شتى، رواه الإمام أحمد. شبه الرسول الأنبياء بالإخوة لعلاتٍ أى كما أن الإخوة لعلاتٍ أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفات كذلك الأنبياء إخوة فى الدين دينهم واحد أى عقيدتهم واحدة وشرائعهم مختلفة.
(170) ما الدليل العقلى على أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء.
اعلم أن الله تعالى أرسل نبيه محمدا ﷺ للدعوة إلى دين الإسلام وأيده بمعجزاتٍ عظيمةٍ وأعظم معجزاته ﷺ هى معجزة القرءان الكريم فهى دليل على صدق دعواه عليه الصلاة والسلام لأنه تحدى المشركين من العرب فى زمن الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بمثله فعجزوا قال تعالى فى سورة الإسراء ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا﴾ وتحداهم أن يأتوا بمثل أقصر سورةٍ منه فعجزوا قال تعالى فى سورة البقرة ﴿وإن كنتم فى ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ معناه إذا كنتم لا تقدرون أنتم ولا مناصروكم ومعاونوكم بالإتيان بسورةٍ من مثله فكيف تزعمون أنه من جنس كلامكم وكيف يلحقكم فى ذلك ارتياب وشك أنه من عند الله. أما المعجزة فهى أمر خارق للعادة صالح للتحدى لا يستطيع أحد من المكذبين للنبى أن يأتى بمثل ما جاء به من المعجزات وهو نازل منزلة قول الله تعالى صدق عبدى فى كل ما يبلغ عنى أى كأن الله تعالى قال صدق عبدى محمد فى كل ما يبلغ عنى. أما كيف وصل إلينا خبر هذه المعجزات فبطريق التواتر ومعنى التواتر انتقال الخبر بواسطة عددٍ كبيرٍ ينقل عن عددٍ كبيرٍ شهد المعجزة وهكذا إلى أن يصل الخبر إلينا بحيث لا يمكن إتفاقهم جميعا على الكذب فى هذا الخبر. وهذا النبى المرسل الذى أيده الله بالمعجزات التى تدل على صدقه نزل عليه بالوحى القرءانى ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ أى أن الدين الذى رضيه الله لعباده هو الإسلام ونزل عليه بالوحى القرءانى ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ فدل ذلك على أن الله لا يقبل دينا غير دين الإسلام فلا يعقل أن يرسل إنسانا يدعو إلى دينٍ غير مقبولٍ عنده فمن أراد السلامة والنجاة فى الآخرة فعليه أن يتبع دين الإسلام فهو سبب للسعادة الأبدية.
(171) ما الدليل على أن عيسى عليه السلام كان على الإسلام ولماذا سمى بالمسيح.
قال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله﴾ أى أنصار دين الله ﴿ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون﴾ والحواريون هم تلاميذ عيسى فقد كانوا على الإسلام بدليل قولهم ﴿واشهد بأنا مسلمون﴾ وهذا دليل على أن عيسى عليه السلام كان على الإسلام لأنه هو الذى علمهم هذا الدين ثم كيف يكون عيسى على دينٍ ءاخر غير الإسلام كما يقول بعض الجهلة والله تعالى يقول ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ فإذا على زعمهم عيسى النبى المرسل يكون فى الآخرة من الخاسرين لكن الله يقول ﴿وكلا فضلنا على العالمين﴾ أى أن أنبياء الله هم أفضل الخلق. أما تسمية عيسى بالمسيح فقد قيل لكثرة سياحته أى تنقله فى الأرض ليعلم الناس دين الله ويدعوهم إلى عبادة الله وحده وقيل سمى بذلك لأنه كان يمسح بيده الشريفة على الأبرص والأكمه أى الذى يولد أعمى فيشفى بإذن الله وليس معناه أن عيسى عليه السلام كان على غير الإسلام.
(172) ما الدليل على أن موسى عليه السلام كان على الإسلام.
يجب اعتقاد أن سيدنا موسى عليه السلام لم يكن يهوديا بل كان على الإسلام كغيره من الأنبياء بدليل أن السحرة لما ءامنوا بموسى وأسلموا دعوا الله أن يثبتهم على الإيمان والإسلام فقالوا ﴿ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين﴾.
(173) تكلم عن الإيمان بالكتب السماوية.
يجب الإيمان بالكتب السماوية المنزلة على رسل الله وهى مائة وأربعة وأشهرها القرءان الذى أنزل على سيدنا محمدٍ بالعربية والتوراة أى الأصلى الذى أنزل على سيدنا موسى بالعبرانية والإنجيل أى الأصلى الذى أنزل على سيدنا عيسى بالسريانية والزبور الذى أنزل على سيدنا داود بالعبرانية. فقد روى ابن حبان فى صحيحه من حديث أبى ذرٍ أنه قال قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل الله قال مائة كتابٍ وأربعة كتبٍ أنزل على شيثٍ خمسون صحيفة وأنزل على أخنوخ (أى إدريس) ثلاثون صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرءان. والتوراة والإنجيل مزقا وحرفا ولا يقال رفعا ويوجد كتب رفعت فقد جاء عن سيدنا علىٍ رضى الله عنه أنه قال إن المجوس كان لهم كتاب وعلم يدرسونه، رواه أبو داود من حديث ابن عمر، أى كانوا على الإسلام وكان لهم كتاب سماوى وعلم يدرسونه ثم ملكهم شرب الخمر فسكر فوقع على أخته ثم لما صحا تسامع الناس بأمره فجمع رؤساء من رعيته فقال لهم ءادم أيضا كان يزوج بنيه من بناته فلا يجوز لنا أن نقبح ما فعله ءادم فقالوا له لكن أنت ما فعلته حرام أما ما فعله ءادم فهو حلال فبعضهم خالفوه وأنكروا عليه وبعضهم وافقوه فرضى عنهم وعذب الآخرين فقتل من قتل منهم حتى مشى رأيه. قال سيدنا على فلما فعلوا ذلك أسرى بكتابهم أى رفع من بينهم وفقدوه وأخذ من قلوبهم ذلك العلم الذى كان فيهم وهو علم الإسلام فعبدوا النار. أما القرءان الكريم فقد حفظه الله من التحريف لقوله تعالى ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ وفى ءاخر الزمان يرفع القرءان إلى السماء ولا تبقى ءاية منه فى الأرض.
(174) تكلم عن الإيمان بالقدر خيره وشره.
يجب الإيمان بالقدر خيره وشره أى أن كل ما دخل فى الوجود من خيرٍ وشرٍ فهو بتقدير الله الأزلى أى أن الله أوجده على حسب علمه الأزلى ومشيئته الأزلية. قال رسول الله ﷺ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، رواه مسلم. والقدر يطلق ويراد به صفة الله أى التقدير ويطلق ويراد به المقدور أى ما قدره الله تعالى من المخلوقات وهذا هو المقصود بقوله ﷺ وتؤمن بالقدر خيره وشره. ذكر القدر أولا بمعنى تقدير الله ثم أعيد الضمير إليه بمعنى المقدور لأن تقدير الله حسن ليس شرا قال الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر والطاعة كلها ما كانت واجبة بأمر الله تعالى ومحبته وبرضائه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره والمعاصى كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره. فيجب اعتقاد أن كل شىءٍ يحصل بقضاء الله وقدره أى بخلق الله ومشيئته قال الله تعالى ﴿إنا كل شىءٍ خلقناه بقدرٍ﴾ وقال تعالى ﴿وخلق كل شىءٍ فقدره تقديرا﴾ وقال رسول الله ﷺ كل شىءٍ بقدرٍ، رواه مسلم. وخالف فى ذلك محمد راتب النابلسى فقال ولكن هذه الأعمال التى تقترفونها ليست من قضاء الله وقدره بل هى من اختياركم أنتم. وكلامه هذا تكذيب للقرءان والحديث وإجماع الأمة.
(175) اذكر حديثا فيه تكفير من لم يؤمن بالقدر.
جاء فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه وابن حبان فى صحيحه عن ابن الديلمى أنه قال أتيت أبى بن كعبٍ أى صاحب رسول الله ﷺ فقلت يا أبا المنذر إنه حدث فى نفسى شىء من هذا القدر أى خطر لى خاطر خبيث يتعلق بالقدر فحدثنى لعل الله ينفعنى أى بكلامك قال أبى بن كعبٍ إن الله لو عذب أهل أرضه وسمواته أى لو شاء الله فى الأزل أن يعذب كل عباده من إنسٍ وجنٍ وملائكةٍ لعذبهم وهو غير ظالمٍ لهم ولو رحمهم أى من العذاب كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم أى من يرحمه الله وينعمه فى الآخرة يكون تنعمه بفضل الله وكرمه وإحسانه ولا يكون شيئا واجبا على الله بسبب عمله، ثم قال له أبى ولو أنفقت مثل جبل أحدٍ ذهبا أى للجهاد فى سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك أى من رزقٍ أو مصيبةٍ لم يكن ليخطئك أى لا يخطئك شىء قدر الله وشاء أن يصيبك وما أخطأك لم يكن ليصيبك أى وما لم يصبك فقد أراد الله أن لا يصيبك ولو مت على غير هذا أى على غير هذا الاعتقاد لكنت من الكفار ودخلت النار، قال ابن الديلمى ثم أتيت عبد الله بن مسعودٍ فحدثنى مثل ذلك ثم أتيت حذيفة بن اليمان فحدثنى مثل ذلك ثم بعد ذلك أتيت زيد بن ثابتٍ فحدثنى مثل ذلك عن النبى ﷺ.
(176) ما الرد على من يدعى أن الله يحب كل عباده.
قال الله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿قل أطيعوا الله والرسول﴾ أى قل يا محمد لهؤلاء الكافرين ءامنوا بالله والرسول ﴿فإن تولوا﴾ أى فإن أعرضوا عن الإيمان بالله ورسوله ﴿فإن الله لا يحب الكافرين﴾ أى فهم كفار ولا يحب الله من تولى عن الإيمان بالله ورسوله ولو أحبهم أى لو أراد لهم الخير فى الآخرة لرزقهم الإيمان بالله ورسوله قال رسول الله ﷺ إن الله يعطى المال لمن يحب ولمن لا يحب ولا يعطى الإيمان إلا لمن يحب رواه الحاكم فى المستدرك، وهذا الحديث دليل على أن من لم يؤمن بالله ورسوله محمدٍ ﷺ فهو كافر وأن الله تعالى لا يحبه لكفره مهما حسن خلقه وأحسن إلى الناس ومن ادعى غير ذلك فهو مكذب لله ورسوله كمحمد راتب النابلسى فإنه قال إن الله يحب كل عباده فيقال له الله تعالى خلق الجميع لكن لا يحب الكل كما يدل على ذلك حديث ابن حبان لا تحلفوا بآبائكم الذين ماتوا فى الجاهلية والذى نفسى بيده (أى تحت مشيئته وتصرفه) إن الذى يدهدهه (أى يدحرجه) الجعل بأنفه خير من هؤلاء المشركين. والجعل حشرة صغيرة سوداء تسوق القذر الذى يخرج من بنى ءادم وتجعله حبيباتٍ لتتقوت به. وقال تعالى فى سورة الأنفال ﴿إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون﴾ والدواب هى كل ما يمشى على وجه الأرض من إنسانٍ وبهائم وحشراتٍ ومعنى الآية أن الكفار هم أحقر وأخس خلق الله وإن كانت صورتهم صورة البشر لأنهم أعرضوا عن الإيمان بالله ورسوله فكفروا بالله عز وجل.
(177) تكلم عن بعض ما يتعلق بالإيمان برسالة نبينا محمدٍ ﷺ.
يجب الإيمان أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين أى ءاخرهم قال تعالى فى سورة الأحزاب ﴿وخاتم النبيين﴾ وقال ﷺ وختم بى النبيون، رواه مسلم. وخالف فى ذلك جماعة يقال لها الأحمدية ويقال لها القاديانية وهم أتباع غلام أحمد القاديانى الذى كان فى الهند وتوفى منذ نحو قرنٍ ونصفٍ ادعى أنه نبى يوحى إليه فقام عليه المسلمون ليقتلوه فاحتمى بالانكليز ثم قال فيما ادعى أنه وحى من الله يجب علينا شكر الدولة البريطانية لأنهم أحسنوا إلينا بأنواع الإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وحرام علينا وعلى جميع المسلمين قتال الانكليز. أتباعه يعتقدون أنه نبى مجدد وأحيانا يقولون نبوته نبوة ظلية أى تحت ظل محمدٍ أى ليس مستقلا إنما هو منتسب إلى سيدنا محمدٍ وكل هذا كفر فإنه لا يجوز أن ينبأ أى أن ينزل الوحى على شخصٍ بعد محمدٍ استقلالا ولا تجديدا لنبوة محمدٍ فهؤلاء القاديانية يموهون على الناس بقولهم إن معنى قوله تعالى ﴿وخاتم النبيين﴾ زينة النبيين وينكرون أن معناه ءاخر الأنبياء. ومما يدل على أن المراد بقوله تعالى ﴿وخاتم النبيين﴾ أنه ءاخرهم قراءة الآية بالكسر ﴿وخاتم النبيين﴾ وقوله ﷺ وختم بى النبيون رواه مسلم. فيقال ختم به الحضور أى كان ءاخر من حضر ولا يقال لغة ختم بالخاتم إنما يقال تختم بالخاتم فبطل تفسيرهم للآية بأنه زينة النبيين. فيجب اعتقاد أن النبى ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين أى ءاخرهم وأنه سيد البشر لقوله ﷺ أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر، أى لا أقول ذلك افتخارا إنما تحدثا بنعمة الله. والحديث رواه الترمذى.
(178) اذكر بعض الصفات الواجبة للأنبياء.
يجب اعتقاد أن كل نبىٍ من أنبياء الله يجب أن يكون متصفا بالصدق والأمانة والشجاعة والفصاحة والفطانة أى الذكاء.
(179) تكلم عن صفة الصدق للأنبياء.
يجب للأنبياء الصدق ويستحيل عليهم الكذب لأن الكذب نقص لا يليق بمنصب النبوة فقد كان سيدنا محمد ﷺ معروفا بين أهل مكة بالأمين لما عرف به من الصدق والأمانة والنزاهة فلم تحصل منه كذبة قط. أما قول إبراهيم عليه السلام عن زوجته سارة إنها أختى وهى ليست أخته فى النسب فكان لأنها أخته فى الدين بغرض صيانتها من أذى الملك الجبار الظالم فليس هذا كذبا من حيث الباطن والحقيقة إنما هو صدق هو قصد أنها أخته فى الدين فليس كذبا أليس الله يقول ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ فلا يجوز اعتقاد أن إبراهيم عليه السلام كذب لأن الأنبياء منزهون عن الكذب. إبراهيم عليه السلام قال عن زوجته سارة إنها أختى لما جاء إلى أرض جبارٍ من جبابرة الكفار فكان من عادة هذا الملك أى امرأةٍ جميلةٍ تدخل أرضه تحمل إليه ليزنى بها وسارة كانت من أجمل النساء. هذا الملك كان من عادته أنه إذا كانت المرأة أخت الرجل يتركها وإلا يأخذها. بعض سماسرته قال له اليوم جاءت امرأة من أحسن البشر إلى أرضك فقال ايتوا بها فلما رءاها ما تمالك نفسه مد يده إليها فيبست يده أى ما كان يستطيع أن يحركها فقال لها ادعى لى فدعت الله فصحت يده ثم لم يتمالك نفسه مد يده إليها ثانية فيبست يده فقطع الأمل جزم أن لا يحاول بعد هذا. قال لها ادعى لى لا أعود إليك فصحت يده.
(180) ما معنى قوله تعالى حكاية عن نبى الله إبراهيم ﴿بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾.
يجب اعتقاد أن الأنبياء منزهون عن الكذب أما ما ورد فى أمر إبراهيم فى هذه الآية فليس كذبا بل هو صدق من حيث الباطن والحقيقة فقومه كانوا يعبدون الأصنام فأراد إبراهيم عليه السلام أن يفعل بأصنامهم شيئا يقيم به الحجة عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم وكان من عادة قومه أن يقيموا لهم عيدا خارج بلدهم فلما حل عيدهم خرجوا فذهب إبراهيم عليه السلام إلى بيت الأصنام فوجد صنما كبيرا وأصناما أخرى صغيرة فأمسك بيده فأسا وأخذ يهوى على الأصنام الصغيرة يكسرها ويحطمها حتى جعلها حطاما وعلق الفأس على عنق الصنم الكبير حتى إذا رجع قومه يظهر لهم أن الأصنام لا تدفع عن نفسها ضررا وبذلك يقيم سيدنا إبراهيم عليه السلام الحجة على قومه الكافرين. قال تعالى فى سورة الأنبياء ﴿قالوا﴾ أى قومه الكفار ﴿ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ فقالوا ﴿لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم﴾. أقام الحجة عليهم لأنهم يعلمون أن الأصنام لا ينطقون ولا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم ضررا فهم عاجزون والعاجز لا يكون إلها فلا يستحق العبادة. وهو عليه السلام أراد بقوله ﴿بل فعله كبيرهم﴾ المعنى المجازى أى أن قومه كانوا يبالغون فى تعظيم الصنم الكبير فحمله ذلك على أن يكسر الأصنام الصغيرة ويهين الكبير أى من شدة اغتياظه منه كما لو قلت قتل الملك فلانا مع أن الملك لم يقتله بنفسه وهذا ليس كذبا فقد أسند الفعل إليه إسنادا مجازيا أى قتل بأمره ولم يرد سيدنا إبراهيم عليه السلام أن الصنم الكبير هو حقيقة كسر الأصنام الصغيرة لأنه يعلم أن الصنم الكبير ليس له القدرة على فعل شىءٍ. فلما غلبهم بالحجة قرروا أن يحرقوه بالنار لكن الله تعالى نجاه فلم تحرقه النار ولا ثيابه إنما أحرقت القيد الذى قيدوه به.
(181) تكلم عن صفة الشجاعة للأنبياء.
يجب اعتقاد أن الأنبياء هم أشجع خلق الله فليس فيهم من هو جبان ضعيف القلب وقد قال بعض الصحابة كنا إذا حمى الوطيس فى المعركة نحتمى برسول الله ﷺ أى كنا نحتمى به إذا اشتدت المعركة فقد أعطى الله نبينا محمدا ﷺ قوة أربعين رجلا من الأشداء. أما الخوف الطبيعى فلا يستحيل على النبى كالتخوف من تكالب الكفار عليه حتى يقتلوه كما جاء فى القرءان عن سيدنا موسى عليه السلام أنه قال ﴿ففررت منكم لما خفتكم﴾ والفرار لا يشعر بالجبن وهو غير الهرب المشعر بالجبن. والأنبياء يخافون الله خوف الإجلال والتعظيم لكنهم يوم القيامة لا يخافون أن يصيبهم أذى.
(182) تكلم عن فصاحة الأنبياء.
يجب اعتقاد أن الأنبياء كلهم فصحاء يتكلمون بكلامٍ واضحٍ مفهومٍ وليس فيهم من لا يحسن النطق أو من يعجل فى كلامه فلا يطاوعه لسانه وليس فى ألسنتهم علة تجعل كلامهم غير مفهومٍ للسامعين. وقد كان ءادم عليه السلام فصيح اللسان ويتكلم كل اللغات وكان يتفاهم مع أولاده بالكلام الواضح وليس بالإشارة بدليل قوله تعالى فى سورة البقرة ﴿وعلم ءادم الأسماء كلها﴾ وقوله تعالى فى سورة إبراهيم ﴿وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾ وقوله ﷺ إن الله علم ءادم أسماء كل شىءٍ رواه الحاكم فى المستدرك. وكان عليه السلام حسن الصوت قال رسول الله ﷺ ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا، رواه الإمام أحمد. وروى مسلم عن جبير بن مطعمٍ رضى الله عنه أنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقرأ ﴿والطور﴾ فكاد قلبى يطير، أى من حسن صوته عليه الصلاة والسلام. أما سيدنا موسى عليه السلام فقد تأثر لسانه بالجمرة التى تناولها ووضعها فى فمه حين كان طفلا أمام فرعون أى أثرت تلك الجمرة شيئا قليلا فى اللحم ولم تؤثر على فصاحته ولا على بلاغته ولا على حسن نطقه ولا على مخارج حروفه بل كان يتكلم على الصواب وكان كلامه واضحا مفهما لا يبدل حرفا بحرفٍ ولم يكن فيه شىء بحيث يكون معيبا عند الناس فدعا الله تعالى لما نزل عليه الوحى فقال ﴿واحلل عقدة من لسانى﴾ فذهب ذلك الأثر من لسانه.
(183) تكلم عن صفة الفطانة للأنبياء.
يجب للأنبياء الفطانة أى الذكاء ويستحيل عليهم البلادة أى الغباوة فلا يليق بهم أن يكونوا أغبياء لأن الله أرسلهم ليبلغوا الرسالة ويبينوا الحق ويقيموا الحجة على الكفار المعاندين فلو كانوا أغبياء لنفر الناس منهم لغباوتهم والله حكيم لا يجعل النبوة والرسالة فى الأغبياء.
(184) تكلم عن بعض ما لا يجوز على أنبياء الله من الصفات.
يجب اعتقاد أن الله تعالى حفظ الأنبياء من الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والجبن والبلادة أى الغباوة وحفظهم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة أى الذنوب الصغيرة التى فيها خسة ودناءة نفسٍ كسرقة حبة عنبٍ قبل النبوة وبعدها خلافا لقول حزب التحرير بجواز ذلك على الأنبياء قبل النبوة فإن من جملة كفرهم وضلالهم ما ذكره زعيمهم تقى الدين النبهانى فى كتابه المسمى الشخصية الإسلامية ونص كلامه إلا أن هذه العصمة للأنبياء والرسل وإنما تكون بعد أن يصبح نبيا أو رسولا بالوحى إليه أما قبل النبوة والرسالة فإنه يجوز عليهم ما يجوز على سائر البشر لأن العصمة هى للنبوة والرسالة. فعلى قوله تصح النبوة لمن كان لصا سراقا أو لائطا. فمن كانت له سوابق من هذا القبيل لا يصلح للنبوة ولو تخلى عنها فيما بعد فيعلم من ذلك أن الله تعالى لا يختار لهذا المنصب إلا من هو سالم من الرذالة والسفاهة والخيانة لأن الله عز وجل لا يرسل إنسانا مطعونا فيه بسفاهةٍ أو خيانةٍ أو رذالةٍ أو كذبٍ لهداية عباده بل يرسل إنسانا نشأ على الصدق والعفة والنزاهة فى العرض والخلق وحسن معاملة الناس.
(185) ما معنى الخيانة والرذالة والسفاهة والجبن.
الخيانة ضد النصيحة وقد تكون بالفعل كأكل الأمانة أو بالقول كجحد الأمانة أى إنكارها أو بالحال كمن يوهم الناس أنه من أهل الأمانة وهو ليس كذلك. والرذالة هى صفات الأسافل الدون من الناس كاختلاس النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوةٍ. أما السفاهة فهى التصرف بخلاف الحكمة أو التلفظ بألفاظٍ شنيعةٍ تستقبحها النفس. وأما الجبن فهو ضعف القلب.
(186) ما معنى قوله تعالى إخبارا عن يوسف ﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه﴾.
قال بعض المفسرين من أهل الحق ﴿ولقد همت به﴾ أى همت امرأة العزيز بدفعه ليزنى بها ﴿وهم بها﴾ أى هم يوسف بدفعها ليخلص منها ﴿لولا أن رأى برهان ربه﴾ أى أن الله أعلمه أنك يا يوسف لو دفعتها لقالت لزوجها دفعنى ليجبرنى على الفاحشة فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهبا فشقت قميصه من خلفٍ فكان الدليل عليها. فيجب اعتقاد أن الأنبياء معصومون من الكبائر ومن الهم بها فليس فيهم من يقع فى الزنى أو يهم به أى يقصده أما ما يروى كذبا من أن يوسف هم بالزنى وأنه حل إزاره وجلس من امرأة العزيز مجلس الرجل من زوجته أى كما يجلس الرجل مع زوجته وكذلك ما قاله سيد قطب فى كتابه المسمى التصوير الفنى فى القرءان بأن يوسف كاد يضعف أمام امرأة العزيز فإن هذا باطل لا يليق بنبىٍ من أنبياء الله.
(187) ما الدليل على براءة يوسف مما نسب إليه.
يجب اعتقاد أن يوسف عليه السلام كسائر الأنبياء عصمه الله تعالى أى حفظه من الفواحش والرذائل وهو عليه السلام أقام فى بيت العزيز وزير مصر وكان فائق الحسن والجمال فلما شب وكبر أحبته امرأة العزيز زليخة حبا جما وعشقته. وذات يومٍ وقيل كان عمره سبعة عشر عاما أرادت امرأة العزيز أن تحمله على مواقعتها وهى فى غاية الحسن والجمال والشباب فتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها ودعته صراحة إلى نفسها من غير حياءٍ وطلبت منه ما لا يليق بحاله ومقامه فأبى وامتنع وقال معاذ الله أى أعوذ بالله أن أفعل ذلك فأمسكت به تريد أن تجبره على مواقعتها وارتكاب الفاحشة معها فصار يحاول أن يتخلص منها فأفلت من يدها فأمسكت ثوبه من خلفٍ فتمزق قميصه وظلت تلاحقه وهما يتراكضان إلى الباب هو يريد الوصول إليه ليفتحه ليتخلص منها وهى تريد أن تحول بينه وبين الباب وفى تلك اللحظات وصل زوجها العزيز فوجدهما فى هذه الحالة فبادرته بالكلام وحرضته عليه واتهمته بأنه حاول الاعتداء عليها بالفاحشة فرد يوسف عليه السلام هذه التهمة عن نفسه وفى هذا الموقف أنطق الله القادر على كل شىءٍ شاهدا من أهلها وهو طفل صغير فى المهد لتندفع التهمة عن يوسف وتكون الحجة عليها ولتظهر براءة يوسف واضحة أمام العزيز فقال هذا الشاهد من أهلها ﴿إن كان قميصه قد من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين﴾ أى لأنه يدل على أنه راودها فدفعته حتى شقت مقدم قميصه، ثم قال ﴿وإن كان قميصه قد من دبرٍ فكذبت وهو من الصادقين﴾ أى لأنه يدل على أنه تركها وذهب فتبعته وتعلقت به من خلفٍ فشقت قميصه، فلما وجد العزيز أن قميص يوسف قد انشق من خلفٍ قال ﴿يوسف أعرض عن هذا﴾ أى لا تذكره لأحدٍ وأمر زوجته بالاستغفار والتوبة إلى الله قائلا ﴿واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين﴾.
(188) تكلم عن تنزيه الأنبياء عن كل ما ينفر عن قبول الدعوة منهم.
يجب اعتقاد أن الأنبياء يستحيل عليهم كل ما ينفر الناس عن قبول الدعوة منهم كالأمراض المنفرة ومنها الجرب والجذام والبرص وخروج الدود من الجسم فالله تعالى جعل الأنبياء قدوة للناس وأرسلهم للدعوة إلى دين الإسلام فلا يجوز عليهم المرض الذى ينفر الناس منهم فلو كانت تصيبهم الأمراض المنفرة لنفر الناس منهم والله حكيم لا يسلط عليهم هذه الأمراض أما المرض المؤلم الشديد حتى لو كان يحصل منه إغماء فيجوز عليهم فيعلم من ذلك أن ما يقوله بعض الجهال عن نبى الله أيوب عليه السلام بأن الدود أكل جسمه فكان الدود يتساقط ثم يأخذ الدودة ويعيدها إلى مكانها من جسمه ويقول يا مخلوقة ربى كلى من رزقك الذى رزقك فهو كذب وافتراء وفيه نسبة المعصية الكبيرة إلى نبىٍ من أنبياء الله لأن الإضرار بالنفس حرام وتحريم ذلك يفهم من قوله تعالى فى سورة النساء ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ فأيوب عليه السلام لم يخرج منه الدود إنما ابتلاه الله بلاء شديدا استمر ثمانية عشر عاما وفقد ماله وأولاده ثم عافاه الله وأغناه ورزقه الكثير من الأولاد.
(189) تكلم عن عصمة الأنبياء من الكفر.
يجب اعتقاد أن الأنبياء تجب لهم العصمة أى الحفظ من الكفر قبل النبوة وبعدها أما ما ورد فى القرءان من قول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه ﴿هذا ربى﴾ فهو على تقدير الاستفهام الإنكارى فكأنه قال أهذا ربى كما تزعمون أما إبراهيم عليه السلام فكان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله قال تعالى ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾. وخالف فى ذلك سيد قطب فنسب الشرك إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد قال فى كتابه المسمى التصوير الفنى فى القرءان وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر فى السماء فيرى نجما فيظنه إلهه. وكلامه هذا مناقض لعقيدة الإسلام التى تنص على أن الأنبياء تجب لهم العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها.
(190) تكلم عن عصمة الأنبياء من الكبائر.
تجب للأنبياء العصمة من الكبائر أى كبائر الذنوب كشرب الخمر والزنا والانتحار فلا يجوز اعتقاد أن سيدنا لوطا شرب الخمر وزنى بابنتيه ولا يجوز اعتقاد أن سيدنا يونس ألقى بنفسه فى البحر لينتحر أو أن نبينا محمدا ﷺ هم أن يلقى بنفسه من رأس الجبل ليقتل نفسه فمن اعتقد ذلك فهو كافر لأن الانتحار ذنب كبير وهو أكبر الذنوب بعد الكفر فلا يتصور حصوله من الأنبياء وتحريم ذلك يفهم من قوله تعالى فى سورة النساء ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾.
(191) ما الدليل على جواز حصول المعصية الصغيرة التى ليس فيها خسة ولا دناءة من الأنبياء.
مما يدل على جواز حصول ذلك منهم قوله تعالى فى سورة طه ﴿وعصى ءادم ربه﴾ أى أخطأ بأكله من الشجرة التى نهاه الله عن الأكل منها لما كان فى الجنة وكان ذلك قبل أن يوحى إليه بالنبوة. ولم تكن معصية ءادم ذنبا كبيرا كما تدعى النصارى بل هى معصية صغيرة ليس فيها خسة ودناءة. وسوس له الشيطان بالأكل من الشجرة من غير أن يدخل فى جسده كما قال تعالى ﴿فوسوس إليه الشيطان قال يا ءادم هل أدلك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى﴾ فوقع فى معصية صغيرةٍ ليس فيها خسة أو دناءة ثم تاب منها.
(192) ما حكم من نسب إلى الأنبياء اسما شنيعا.
يجب اعتقاد أن الله حفظ الأنبياء من أن تكون أسماؤهم خبيثة أو مشتقة من خبيثٍ أو يشتق منها خبيث فمن نسب إليهم اسما شنيعا بشعا فقد انتقصهم فيعلم من هذا أنه لا يجوز أن يقال إن لوطا الذى هو اسم نبىٍ مشتق من اللواط أو إن اللواط مشتق من لوطٍ فاللواط لفظ عربى ولوط اسم أعجمى أى ليس عربيا فكيف يدعى مدعٍ أنه مشتق من اللواط أو أن اللواط مشتق من لوطٍ. والاشتقاق فى اللغة العربية من المصدر وليس من الفعل قال الحريرى والمصدر الأصل وأى أصل ومنه يا صاح اشتقاق الفعل.
(193) اذكر بعض ما يستحيل على الأنبياء.
يستحيل على الأنبياء الجنون والخرف وتأثير السحر فى عقولهم وتصرفاتهم ولا تحصل فى أبدانهم ولا فى أفواههم ولا فى ثيابهم الروائح الكريهة ولم يكن فيهم ذو عاهةٍ فى خلقته فلم يكن فيهم أعرج ولا أعمى خلقة.