الجمعة أبريل 19, 2024
  • محبة الله تبارك وتعالى ومحبة رسوله ﷺ على التحقيق

    يقول الله سبحانه وتعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (63) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} [سورة يونس].

    ويقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ} [سورة البقرة 165].

    ويقول جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سورة المائدة 54].

    اعلموا أنه يجب على المسلم المكلف محبة الله تبارك وتعالى بتعظيمه على ما يليق به سبحانه وتعالى، وكمال هذه المحبة يكون باتباع الرسول الأعظم ﷺ وطاعته بالانقياد لشرع الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه أي بالتزام تقوى الله تعالى التي هي أداء الواجبات واجتناب المحرمات، قال الله تعالى مرشداً ومبيناً لعباده كيف تكون، وكيف تتحقق محبتهم لخالقهم عزّ وجل: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة آل عمران 31].

    أي قل يا محمد يا أشرف الخلق إن كنتتم تقصدون محبة الله تبارك وتعالى وطاعته فاتبعوني فيما جئتكم به من عند الله وافعلوا ما آمركم به. ويقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه مؤكداً هذا المعنى {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [سورة النساء 80].

    وطاعة الله ورسوله- يا أحباب الله ورسوله- تكون بتقوى الله تبارك وتعالى أي أداء الواجبات واجتناب المحرمات، فمن أطاع الله ورسوله واتقى الله تعالى صار من أحباب الله.

    يقول الصّوفي العارف بالله الإمام ذو النون المصري رضي الله عنه: “من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله (أي سيدنا محمد ﷺ) في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه”.

    ويقول ايضاً رضي الله عنه مدار الكلام على أربع: “حبّ الجليل (أي الله عز وجل) وبغض القليل واتباع التنزيل (أي القرآن الكريم) وخوف التحويل”.

    إنّ من كان صادقاً في حب لله ورسوله، وكان اتباعه للنبي المصطفى ﷺ اتباعاً كاملاً وجد حلاوة ولذة الإيمان في قلبه، وكان من أولياء الله وأحبابه الصالحين. يقول النبي المصطفى ﷺ: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن توقد له نار فيقذف فيها رواه البخاري ومسلم.

    فيا سعادة ويا بشرى وهناءة من كان محباً لله ورسوله المصطفى محمد ﷺ وأطاعهما، وكان من أحباب الله تعالى ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ووجد حلاوة ولذة الإيمان في قلبه. وقد قال أحدهم:

    محبةُ خالقي مشكاةُ قلبي

     

    على أنوارِها ألقى وُصولي

    إنّ من وصل إلى الكمال في محبة الله ورسوله ﷺ يصير مُنوّر القلب وإيمانه كاملاً، ويصير من أولياء الله وأحبابه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، كما قال الله:  { أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} [سورة يونس].

    والولي يا أحباب الله ورسوله هو العبد المؤمن المستقيم بطاعة الله تعالى، والاستقامة هي لزوم طاعة الله تعالى بأداء الواجبات واجتناب المحرمات والإكثار من نوافل العبادات، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)} [سورة فصلت 30].

    إنّ العبد إذا وصل إلى الكمال في حُبّ الله ورسوله المصطفى ﷺ واستقام بطاعة الله تعالى صار كامل الإيمان، وصار قلبه عامراً بحبّ الله ورسوله، ويكون من أولياء الله تعالى وأحبابه، وتولى الله سبحانه وتعالى حفظه وحراسته من المحركات وأدام توفيقه للطاعات، وصان جوارحه وحواسه عن الوقوع في الحرام، فيصير لا يسمع إلا لله ولا يُبصرُ إلا له ولا يبطشُ إلا لأجله، كما قال النبي الأعظم ﷺ: “من أحبَّ الله وأبغضَ لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان” رواه أبو داود. ويقول عليه الصلاة والسلام: “أوثقُ عُرى الإسلام الحبُّ في الله والبغضُ في الله”([1]).

    هكذا كانت حالة وسيرة نبينا المصطفى ﷺ، فقد كان من صفته وحالته ﷺ أنه ما انتقم لنفسه في شيء يُؤتى إليه إلا أن تنتهك حرماتُ الله تعالى فيكون هو من ينتقم لله عز وجل. واسمعوا يا أحباب الله ورسوله ماذا يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي في وصف وليّه وحبيبه، وفي بيان حالة وصفة أوليائه وأحبابه: “من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، ولا يزال عبدي يقترب إلي بالنوافل حتى احبه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها” (أي أعطيه قوة غريبة في سمعه وبصره ويده ورجله)… وفي رواية يقول تعالى: “ويكون من أوليائي وأصفيائي”.

    ومن كان من أولياء الله وأحبابه وأصفيائه لا يصير كافراً عدواً لله عز وجل.

    يا أحباب الله ورسوله: ماذا يترتب على محبة الله للعبد؟؟… إن الله تبارك وتعالى وصف نفسه في القرآن الكريم بقوله عزّ وجل: {وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ (14)} [سورة البروج].

    والودود الذي هو من أسمائه سبحانه وتعالى معناه الذي يودُّ ويحبُّ عباده الصالحين فيرضى عنهم ويتقبل أعمالهم.

    فمن صار ولياً لله، فهذا صار من أحباب الله تعالى وعبداً مرضياً عند الله، ومن كان محبوباً لله تولاه الله تبارك وتعالى بحفظه وعنايته وأدام توفيقه للطاعات، وحفظ وصان جوارحه عن الوقوع في المحرمات، وجعله الله تعالى من أحباب الملائكة المقربين سكان السموات، وجعل محبته في قلوب عباده الصالحين في الأرض.

    يقول النبي الأعظم ﷺ: “إذا أحبّ الله تعالى العبد، نادى جبريل إن الله تعالى يحبّ فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي (أي جبريل) في أهل السماء (أي الملائكة): إن الله يحبّ فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يُوضعُ له القبول في الأرض” (أي تصير محبته في قلوب الأتقياء والصالحين من أهل الأرض) متفق عليه. ويقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله يحبُ الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يُدعوا ولم يعرفوا، قلوبهم مصابيحُ الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة” رواه الحاكم في المستدرك.

    وقال حبيبنا المصطفى ﷺ: “إن الله عزّ وجل يعطي الدنيا من يحبُ ومن لا يحبّ ولا يعطي الدين إلا لمن يحبّ” رواه الإمام أحمد.

    إنّ نعمة الإيمان والإسلام هي أكبر نعم الله تعالى على الإطلاق فهي أفضل من نعمة الصحة والمال والطعام والشراب والنوم والظل والهواء العليل الذي نتنفسه وغير ذلك من النعم، فلنحافظ على هذه النعمة العظيمة ولنثبت على الإيمان والإسلام، ولنتجنب الكفر بأقسامه الثلاثة وهو الكفر اللفظي كمسبة الله أو الملائكة أو الإسلام، والكفر الفعلي كإلقاء المصحف أو اسم الله في القاذورات، والكفر  الاعتقادي كاعتقاد أن الله يشبه المخلوقات وكاعتقاد أنه نور بمعنى الضوء أو أنه روح أو أنه كالإنسان له أعضاء وجوارح، أو أن له مكاناً وجهة، فالله تعالى موجود بلا مكان وجهة، موجود لا يشبه المخلوقات، موجود بلا كيف ولا مكان، مهما تصورت ببالك فالله لا يشبه ذلك.

    ([1] ) أخرجه أحمد (4/235).