الخميس مارس 28, 2024
  • علاماتُ ومظاهر محبة اللهِ تبارك وتعالى

    يا أحباب الله ورسوله ويا أحباب النبي الأعظم يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [سورة المائدة 54].

    ويقول عزّ وجل: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ } [سورة البقرة 165].

    إنّ من أحب الله تعالى وكان صادقاً في حبه له سبحانه وتعالى امتلأ قلبه بتعظيم الله تعالى وآثر رضاه وموافقة شرعه ومحبته ومحبة رسوله المصطفى ﷺ على كل ما سواهما، وأطاع الله تعالى ورسوله المصطفى ولم يعصهما. وقد قيل في تفسير محبة الله تعالى إنها مواطأة القلب أي موافقته لمراد الرب سبحانه وتعالى، فيحب العبد ما أحب الله ويكره ما كرهه الله. وقيل ايضاً في تفsير هذه المحبة إنها اتباع للرسول الأعظم ﷺ وذلك إشارة إلى قوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [سورة آل عمران 31].

    فمحبة العبد المكلف لله تعالى هي تعظيمه تبارك وتعالى على ما يليق به، وكمال هذه المحبة يكون بالانقياد لشرعه سبحاناه وتعالى وطاعته فيما أمر به وفيما نهى عنه ويكون باتباع نبيه الأعظم ﷺ وموافقته فيما جاء به، وعدم عصيانه، ويقول الله تعالى: { مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80)} [سورة النساء].

    إذاً محبة العبد لربه هي طاعته وطاعة رسولهﷺ، والمحب الصادق من شأنه وحاله أن لا يخالف حبيبه ومحبوبه كما قالت العارفة بالله السيدة الجليلة رابعة العدوية رضي الله عنها:

    تعصي الإله وأنت تزعم حُبَّه

     

    هذا لعمري في الفعال شنيعُ

    لو كان حُبّك صادقاً لأطعته

     

    إن المحبَّ لمن يُحبُّ مطيعُ

    والصادقُ في حبّ الله تعالى تظهر عليه علامات هذا الحب الأسمى في سلوكه وأفعاله وأقواله، فمن مظاهر وعلامات هذا الحب الأسمى في حب الله تبارك وتعالى:

    أولاً: الاقتداء برسوله الأعظم محمد ﷺ واتّباع شرعه بأداء الواجبات واجتناب المحرمات والتأدب بآدابه عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال.

    يا عُشّاق الحبيب مُحمّد… ويا أحباب اللهِ ورسولهِ.

    إن المؤمن الكامل الصادق في حب الله تبارك وتعالى يتبع رسوله المصطفى ﷺ فيما جاء به ويكون هواه أي ميلُ قلبه تابعاً وموافقاً للشرع الذي جاء به هذا الرسول العظيم ﷺ، فيصير مُؤدياً للفروض والواجبات مجتنباً للمحرمات، وهذا هو معنى قول الرسول المصطفى ﷺ: “لا يؤمنُ أحدكم حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به” رواه البيهقي في سننه.

    يقول الله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [سورة آل عمران 31].

    ويقول سبحانه: { مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [سورة النساء 80].

    يقول إمام الصوفية العارفين الجنيد البغدادي رضي الله عنه وكان سيد ورئيس الصوفية في زمانه: الطريق إلى الله مسدود على خلق الله عز وجل إلا على المقتفين آثار رسول الله ﷺ والتابعين لسنته (أي لشريعته، العقيدة والأحكام) كما قال عز وجل: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } [سورة الأحزاب 21].

    ومعنى “المقتفين آثار رسول الله ﷺ” أي التابعين له فيما جاء به من عند الله.

    وقال الصّوفي العارف بالله الإمام ذو النون المصري: “من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله ﷺ في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه”.

    ثانياً: إن من علامات محبة الله تبارك وتعالى إيثار طاعة الله عزّ وجل في كل الحالات على طاعة الناس، وإسخاط العباد في رضا ومحبة الله ورسوله، فالمحبُّ لله قلبه متعلق بطاعة الله ورسوله، فهو يطلب رضا الله ورسوله أولاً وآخراً، ولا يبالي بعد ذلك بالناس إن غضبوا أو سخطوا عليه.

    يا عُشّاق الحبيب مُحمّد… ويا أحباب اللهِ ورسولهِ.

    إنّ لسان حال المحب لله تعالى والعاشق لرسوله المصطفى ﷺ في جميع حالاته يقول:

    إنْ صحَّ منك الرضا يا من هو الطلبُ

     

    فلا أُبالي بكل الناس إن غضبوا

    يقول النبي الأعظم ﷺ: “من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس (أي الخيار الأتقياء)، ومن أسخط الله برضى الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس”([1]) رواه ابن حبان وصححه.

    ويقول الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام: “لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق”. رواه أحمد وسنده صحيح.

    ثالثاً: ومن علامات محبة الله تعالى محبة ذكره والإكثار منه وملازمته والدوام عليه.

    اعلموا أنّ ملازمة ذكر الله تعالى بالقلب واللسان نور للقلوب وطمأنينة للنفوس وانشراح للصدور، وفيه اسرار جليلة ومنافع عظيمة في الدنيا والآخرة، وهو طريقة ومنهاج العابدين، ولذة المتقين وأولياء الله الصالحين وأحباب الله العارفين.

    إنّ من علامة حب الله تعالى كثرة ذكره، لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، فوليّ الله وحبيب الله والمحب لله لا يخلو لسانه وقلبه من ذكر ربه، ومن اشتغل قلبه ولسانه بذكر الله قذف الله تعالى في قلبه نور الاشتياق إليه، وقد كان بعض السلف يقول في مناجاته ربه: “إذا سئم البطالون من بطالتهم فلن يسأم مُحبُّك من مناجاتك وذكرك”.

    إن من شأن العاشق المحب لله تعالى أن يكون لسانه دائماً رطباً بذكر الله، ولا يخلو قلبه من ذكر الله وتعظيمه. لذلك كان من سيرة السلف الصالح وعباد الله المتقين وأولياء الله العارفين الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً، وفي جميع أحوالهم اقتداء نبينهم وحبيبهم المصطفى عليه الصلاة والسلام حيث ثبت عنه ﷺ أنه كان يذكر الله تعالى في كل أحيانه وأحواله.

    فلذلك كان أحباب الله تعالى وأولياؤه الصالحون من شأنهم وعادتهم أنهم يكثرون من ذكر ربهم وخالقهم، لأنهم بذكره تعالى يتلذذون ويفرحون، وبذكره تعالى يطمئنون، كما قال الله تبارك وتعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ } [سورة الرعد 28].

    وقال سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [سورة الأنفال 2].

    وقد قيل في محبة الله وذكره: “ما تنعّم المتنعمون بمثل أنيسه، ولا تلذذ المتلذذون بمثل ذكره”.

    وقال أحدهم في وصف حالة العاشقين المحبين لله الذاكرين له كثيراً وما يجدون ويشعرون عند ذكره تعالى من راحة وسرور ولذة:

    بذكرِ اللهِ ترتاحُ القلوبُ

     

    ودُنْيانا بذكراه تطيب

    رابعاً: ومن علامات محبة الله تعالى محبة القرآن الكريم ومحبة قراءته.

    إنّ من علامة المحب لله تبارك وتعالى ورسوله حب القرآن الكريم الذي أتى به النبي الأعظم ﷺ من عند الله تبارك وتعالى وأنزل عليه، وهدى به صلى الله عليه وسلم واهتدى وتخلق به حتى قالت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق النبي الأعظم ﷺ: “كان خلقه القرآن”. أي أن نبي الله سيدنا محمداً ﷺ كان على خصال الخير التي أمر الله تبارك وتعالى في القرآن بالتخلق بها، فكل خصلة خير أمر الله عز وجل بالتخلق بها في القرآن العظيم فهي من خلق رسولنا ﷺ.

    إن محبة المحب للقرآن هو حبه لتلاوته حق تلاوته، والعمل به واتباعه وتفهمه وتدبر آياته ومحبة سنته وطريقته ومنهاجه والوقوف عند حدوده.

    يقول العارف بالله سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه: “علامة حب الله حب القرآن… وعلامة حب القرآن حب النبي ﷺ … وعلامة حبّ النبي ﷺ حبّ السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا… وعلامة بغض الدنيا ألا يدخر منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة”.

     

    إن القرآن الكريم الذي أنزله الله تبارك وتعالى على حبيبه محمد ﷺ ويقرؤه المؤمنون في المصاحف، ويحبه  الصالحون ويعملون به، هو كلام ربّ العالمين، وفيه أسرار عظيمة ومنافع كثيرة، وهو حبل الله المتين والنور والهدي المبين، وهو هدى للمتقين، وذو النفع العظيم، وفيه الشفاء والدواء، وهو العصمة لمن تمسك به، والنجاة لمن اتبعه وعمل به وسار على  هديه، كما قال الله تعالى: { إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [سورة الإسراء 9].

    ويقول جلّ جلاله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2)}  [سورة الكهف].

    ويقول النبي الأعظم ﷺ: “تركتُ فيكم أمرين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي”

    ومعنى “عترتي” ذريتي أي الحسن والحسين وذريتهما. أي اتّبعوا القرآن وخيار أهل البيت، فأهل البيت لا يزال فيهم صالحون إلى يوم القيامة، هؤلاء الذين هم قدوة يقتدى بهم.

    يقول نبينا الأعظم ﷺ في فضل القرآن وقراءته: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه” رواه مسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام: “خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه” رواه البخاري.

    ويقول ﷺ: “من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولا حرف، وميم حرف” رواه الترمذي.

    وقال نبينا المصطفى ﷺ يحضُّ أمه على قراءة القرآن: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتّل كما كنت تُرتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها”. رواه أبود داود والترمذي

    يا عُشّاق محمد… ويا أحباب الله ورسوله

    نبينا محمد ﷺ أعظم الأنبياء معجزات، وأعظم معجزاته عليه الصلاة والسلام معجزة القرآن الكريم الذي تحدى به قومه المشركين فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثله ولقد صدق من قال:

    اقرأ القرآن والأثرا

     

    وانظر التاريخ والسّيرا

    تعرف الأمر الذي بهرا

     

    كيف فاق المصطفى البشرا

    اعلموا رحمكم الله بتوفيقه أن سور القرآن الكريم وآياته كلها ذات شفاء ومنافع كثيرة، وأسرار وبركات وفضائل لا تحصى ولا تعد، ولكن الله تبارك وتعالى جعل بعض السور والآيات أفضل من غيرها وذات خصوصيات، وذلك لما تضمنت من معانٍ عظيمة في توحيد الله تعالى وذكر صفاته وأسمائه ولما فيها من الثناء عليه، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقات، ومن هذه السور والآيات: سورة “الفاتحة” وآية الكرسي وسورة “الملك” والمعوّذات الثلاث “سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس”.

    فضائل آية الكرسي

    لقد قال الرسول الأعظم ﷺ يوماً للصحابي الجليل أُبي بن كعب رضي الله عنه: “يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟” قال أبي: “الله لا إله إلا هو الحي القيوم”- أي آية الكرسي- فضرب عليه الصلاة والسلام على صدر هذا الصحابي الجليل وقال له مثنياً عليه مهنئاً له لعلمه: “ليهنك العلم، أبا المنذر” رواه المسلم.

    إن آية الكرسي هي أفضل آية في القرآن الكريم كما أخبر بذلك النبي المصطفى العظيم ﷺ. وقد جعل الله تبارك وتعالى في هذه الآية المباركة من البركات والأسرار في الشفاء والتحصين وغير ذلك ما ليس في غيرها، وذلك لما تضمنت من معان عظيمة في توحيد الله تعالى وإثبات الوهيته، وتنزيهه عن أوصاف المخلوقات، وإثبات حياته تعالى التي لا تشبه حياة غيره، وإثبات علمه تعالى الشامل لكل شيء، وأنه سبحانه وتعالى هو القيّوم المدبر لجميع مخلوقاته، وأنه تبارك وتعالى هو المالك للسموات والأرض وما فيهما من مخلوقات كثيرة متنوعة، إلى غير ذلك من معانٍ كثيرة تضمنتها هذه الآية المباركة الكريمة.

    وحقيق- يا أحباب الله ورسوله- لهذه الآية الطيبة المباركة العظيمة (آية الكرسي) التي فيها كل هذه المعاني العظيمة أن يُداوِمَ المسلم على قراءتها كثيراً، وأن يستشفى بها من كل داء، وأن تكون حافظة بإذن الله تعالى، وحصناً حصيناً لمن يُواظب على قراءتها صباحاً ومساءً من شر شياطين الإنس والجن، وسائر المكروهات كالسحر والحسد والعين وغير ذلك.

    ([1] ) أي الخيار الأتقياء.