مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -85
التحذير من أكل الربا وطرق جمع المال بالحرام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدِنا محمدٍ رسولِ الله
يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى
*وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: حديث [الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذكرَ الله وما والاه وعالمًا ومتعلِّمًا]
يقال الدنيا غرّارة الدنيا فتانة يجوز مثلُ هذا {وما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغرور}[آل عمران/١٨٥] اللهُ ذمّها.
هذا الحديث معناه الدنيا ملعونة أي لا خيرَ فيها إلا ذكرُ الله –أي طاعةُ الله- وما والاه –أي ما يساعد على طاعة كطلبِ المال الحلال لأنه يساعد على طاعةِ الله- ذكرُ الله والصلاة والصيام وكلُّ الحسنات وما يساعد على الحسنات.
والعالِم والمتعلّم هؤلاء الأربع، ما سوى هؤلاء الأربع ما فيه خير. الذي لا يتعلمُ علمَ الدين لا هو عالمٌ ولا متعلّم هذا لا خيرَ فيه.
كذلك كلُّ شىءٍ من متاعِ الدنيا وما لا يعينُ على طاعةِ الله لا خيرَ فيه.
(هذا الحديث يجوز ويصح العمل به وروايته وإنْ قال بعض المحدّثين والحفاظ في إسنادِه مقال، بعضُهم ضعّفَ إسنادَه لكنْ يؤخَذ منه عبرة وموعظة ومعناه صحيحٌ وأوردَه عدد من المؤلفينَ في مؤلّفاتِهم. وهذا الحديث معناه أنّ هذه الأمور التي اسْتَثْناها الرسول صلى الله عليه وسلم [إلا ذكرَ اللهِ وما والاهُ وعالِمًا ومتعلِّمًا] معناه هذه الأمور التي فيها الخير والطاعة والعلم والحثّ على الأعمال الصالحة والتزوّد بتقوى الله هذه ممدوحة وكلّ ما يتعلق بهذا المعنى أو يتْبَعُه من الخيرات فهو ممدوح.
ثم هذه الأمور هي بحدِّ ذاتِها ليست من أمورِ الدنيا المذمومة إنما هذه أعمالٌ صالحة في الدنيا يعملُها المؤمن وأما الباقي ما لم يكن بهذا المعنى وتحت هذه العناوين قال [الدنيا ملعونة] ومرادُه الدنيا ملعونة هنا يعني مذمومة، لأنّ هذه الدنيا إذا أردنا الجبال والأشجار والدور وهذه المساكن هذه غير مكلفة لا يقال عملت معصية ولا تستحق اللعن على معنى أنها أذْنبَت فتُذَم وتُسَبّ لفعلِ معصيةٍ لا.
فإذا قال لك قائل ما معنى الدنيا ملعونة؟ يعني مذمومة.
أما معنى العالِمُ والمتعلم فلأنهما يعملانِ بما يُرضي اللهَ تعالى بما ينفعُهما في الدنيا والآخرة بما فيه نجاتُهما لأنّ العالِم ينتفع وينفع غيرَه إنْ عملَ بعلمِه، إنْ أخلصَ لله.
العالمُ إذا عملَ بعلمِه وكان مخلِصًا سيكونُ معلّمًا لغيرِه داعيًا للناس للعلم والطاعة فهذا شىءٌ ممدوح وأجرُه عظيمٌ وكبير.
وأما المتعلم فإنْ طبّق ولو لنفسِه فيكونُ إلى حدٍّ أحسنُ حالًا من الجاهل لأنه تعلّم الفرضَ العيني فسقط عنه هذا الفرض ثم إنْ طبّقَ يكون أدّى الفرضَ الثاني، عملٌ وعمل.
لكنْ إذا كان قصّرَ بالتبليغ وإنكار المنكرات ولم يرْقَ في الهمةِ إلى عمل العالم المخلص الذي يعمل بعلمِه لكنْ يكون أدّى هذه الواجبات إلى حدٍّ ما وعمل على نجاةِ نفسِه وهذا أحسن من الجاهل، لأنّ الجاهل عليه معصية عدم التعلّم ومعصية عدم العمل والقيام بالواجبات، فهذا المتعلم أيضًا يكون عمِلَ على نجاةِ نفسِه فهو ممدوحٌ على ذلك لكنْ ينبغي أنْ يرْقَى ويعلو ويزداد ويقوى في الهمة على نشر العلم وإنكار المنكرات وجلب الناسِ إلى الفرائض والطاعات والعبادات أما بقية الأمور [إلا ذكرَ اللهِ وما والاه وعالمًا ومتعلمًا] هذه الأمور ينبغي أنْ نشتغل على تحقيقِها وتحصيلِها لنكونَ داخلين في الذين وردَ المدحُ بهم في القرآن والحديث أنْ يعملوا بعلمِهم ويعملوا على خدمةِ الدين ونشر الإسلام والقيام بالفرض المؤكّد كما في قولِ اللهِ تعالى {كنتم خيرَ أمةٍ أًخرِجَت للناس تأمرونَ بالمعروف وتنْهَوْنَ عن المنكر وتؤمنونَ بالله}[آل عمران/١١٠]
هذا الأمر ينبغي أنْ نقفَ عنده ونعمل جميعًا على الالتزام بهذه الأمور الأربعة المهمة، يشد الواحد همّتَه إلى أنْ يصيرَ عالِمًا فإنْ لم يصل إلى هذه المرتبة فإلى درجةِ المتعلم وأنْ يشتغل بذكر الله ويُكثر من ذلك وما والى ذكرَ اللهِ تعالى من الطاعات والعبادات).
الدنيا لا تُغني من الآخرة
قال الإمام الهرري رضي الله عنه: اتقوا الله فالدنيا لا تغني من الآخرة، وقد قال الرسولُ عليه الصلاة والسلام [لا تزولُ قدمَا عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِه فيما أفناه وعن جسمِه فيما أبلاه وعن مالِه مِنْ أينَ أخذَه وفيما أنفقَه وعن علمِه ماذا عملَ به]
فمهما جمعَ الإنسانُ من المال الحرام وتنعَّم به فإنه زائل.
(اليوم للأسف أسباب وسبُل وطرق جمع المال من الحرام كثُرَت جدا وانتشرَت بين الناس والكثير من الناس اليوم في قضية أكلِ المال بالحرام واقعون فيها إلا مَنْ سلّمَه الله وحفظه.
فمثلًا من الطرق المنتشرة لجمع المال بالحرام مسئلة الربا، كم وكم من الناس يأكلون الربا ويعملون بالربا ويشتغلون بالربا بين موظف وبين كاتب وبين شاهد وبين مَن يأكل الربا أو يُطعمُ غيرَه، كل هؤلاء واقعون في الحرج في الكبيرة.
واللهُ عز وجلّ قال في القرآن {وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرّمَ الربا}[البقرة/٢٧٥]
الربا قليلُه وكثيرُه حرام ليس كما قال بعض زنادقة المشايخ من مشايخ العصر. شيخٌ زنديق ويلبس العمامة ويطلع في التلفزيون ويقال له الفقيه الأستاذ الدكتور العلّامة أنا سمعتُه، قال إذا كانت النسبة قليلة فيجوز يعني نسبة اثنان ونصف بالمائة هذه قليلة فتكون بمعنى العمولة، شيطان يلبس العمامة ويتكلم بالفتوى والحلال والحرام وله شهرة في الدنيا والفضائيات.
بعض القنوات المشبوهة عملت له شهرة دولية. فهذا الشيطان الذي يظهر على الفضائيات وعليه الأضواء والألوان ودعاية دولية يقول النسبة القليلة من الربا حلال.
الله قال في القرآن {وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرّمَ الربا}[البقرة/٢٧٥] ما قال وحرّم الكثيرَ من الربا، وهذه الآية الشريفة العظيمة الجليلة المباركة تشمل الكثير والقليل من الربا.
ثم هذا الشيطان على زعمِه احتجّ بالقرآن قال اللهُ قال {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعَفة}[آل عمران/١٣٠]، يقال له هذه الآية الكريمة نزلت في أول الأمر، كما أنّ تحريمَ الخمر نزل تدريجيا كذلك تحريم الربا لأنه كان منتشرًا بينهم بكثرة، نزلت هذه أولًا ليبتعدوا عن كثيرِه فيُهَيّأوا بذلك لتجنب الكثير والقليل بعد هذا، فكانت هذه من أوائل ما نزل ثم بعد ذلك نزلت الآية قطعيةٌ صريحة ما فيها كلام {وأحلّ اللهُ البيعَ وحرّمَ الربا}[البقرة/٢٧٥] أما قبل ذلك {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة}[آل عمران/١٣٠] هذا في البداية للتدرج بهم لينزل بعد ذلك تحريم الربا.
ومما يؤكد على أنّ القليل والكثير منه حرام بنصّ القرآن الآية الشريفة التي في سورة البقرة، الله قال {يآ أيها الذين ءامنوا اتقوا اللهَ وذروا ما بقيَ من الربا إنْ كنتم مؤمنين}[البقرة/٢٧٨]–يعني إنْ كنتم مؤمنين كاملين-
ما قال وذروا الكثير منه، ما بقي، حتى أقل القليل منه ذروه اتركوه ابتعدوا عنه اجتنبوه صار محرّمًا عليكم.
{فإنْ لم تفعلوا فأذَنوا بحربٍ من اللهِ ورسولِه وإنْ تبتُم فلكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظلمون ولا تُظلَمون}[البقرة/٢٧٩] بعد هذه الآية {فلكم رؤوسُ أموالِكم}[البقرة/٢٧٩] أيُّ نسبة قليلة تبقى؟ أي كيمة ضئيلة؟ لا يبقى شىء من الربا.
إذًا أكلُ الربا إعطاؤُه أخذُه ظلم كما بيّنَت هذه الآية، أنت عندما أمرتَ أنْ تأخذَ رأسَ المالِ فقط، مثلًا لو كان رأس المال مليون دولار وأخذتَ مليون دولار وزيادة دولار واحد هذا الدولار الوحد زيادة على المليون، الله قال {فلكم رؤوسُ أموالِكم}[البقرة/٢٧٩] يعني حتى الدولار الواحد على المليون دولار ممنوع، وماذا يكون دولار على مليون دولار؟ كلا شىء، ليس اثنان ونصف بالمئة تكون عمولة يا شيطان يا دجال يا مكذّبًا للدين والقرآن وأنت تدّعي أنك شيخ وعلّامة، وهو اطّلعَ على هذه الآيات وعلى الأحاديث التي فيها لعن مَنْ أكلَ الربا وأعطى وكان شاهدًا وكان كاتبًا، هؤلاء يحرّفونَ شريعةَ الله تعالى يكذّبون الدين ويدّعون أنهم علماء وفقهاء ودكاترة ومشايخ.
فإذًا اليوم انتشر بين الناس أكل الربا وهو خبثٌ وملعنة وفسقٌ وفجور. صار الربا اليوم منتشرًا إلى حدّ أنّ معظمَ الناس صاروا واقعين في هذه الكبيرة.
ورد في حديثٍ رواه أحمد قال صلى الله عليه وسلم [يأتي زمانٌ على الناس مَنْ لا يأكلُ فيه الربا يصيبُه غبارُه] معناه يكثُر إلى حدٍّ بعيد بين الناس، ينتشر انتشارًا واسعًا بين الناس.
نحن لا نقول كل فرد من أفراد المسلمين يأكل الربا، نحن نعرف أشخاصًا وأناسًا كثيرين لا يأكلون الربا ولا يتعاطون بالربا ولا يضعون أموالَهم في البنوك.
بعض الناس عندما كنا نقول لهم لا تتعاملوا بالربا ولا تدخلوا إلى هذه البنوك ولا تضعوا أموالَكم فيها بعضُهم كان يرى ذلك شيئًا عجيبًا منا ويستنكر منا وبعضهم كان يضحك، انظروا الآن أموالهُم في البنوك لا يستطيعون الوصول إليها.
بعض الأغنياء صارت قلوبُهم محترقة أكثر من بعض الفقراء، الفقير يعرف نفسَه فقير ما عنده مال في البنوك، من كان معه مليون دولار ومائة ألف دولار وما شابه وهي في البنوك ولا يستطيع أنْ يصل إليها ولا أنْ يأخذَها ولا يحصّلها واليوم تعرفون هذا المسمى شيك بانكير، يعني مثلًا تصوّر إذا كان يريد أنْ يأخذ مائة ألف دولار بهذا الشيك يأخذون عليه سبعين ألف دولار مثلًا ويعطونه ثلاثون ألف فقط، هذه أليست حرقة قلب لأصحاب الأموال الذين ضاعت عليهم أموالهم لعل بعضهم صار معه سكري وضغط واشتراكات بعضهم جلطة وسكتة ودبحة.
انظروا شؤم التعامل بالبنوك وشؤم التعامل بالربا خبثٌ وملعنة، يكفي أنّ آكلَ الربا ملعونٌ عند الله، ملعونٌ على لسانِ محمد صلى الله عليه وسلم.
من ناحية ثانية إذا نظرنا إلى الفقراء كثير منهم اليوم تتصدق عليه تحزن عليه عندما تعرف أنه كان يشغّل ماله بالربا. مثلًا لما كانت البنوك مفتوحة ومعه خمسمائة ألف ليرة لبنانية واليوم هذا المبلغ كلا شىء، ولو كان يأخذ نسبة قليلة حرام لأنه يأكل نارًا في بطنِه، كبيرة، بعضُهم لا يضعونَ مالهم في البنوك مثلًا بعض الأرامل أو هذه الفقيرة يكون معها مائتي ألف ليرة لبنانية مع السمان الذي تحت بيتِها تعمل بالربا، تقول له شغلّي ياهون معك أعطني كل شهر عليهم فقط عشرة آلاف ليرة أو خمسة آلاف، أو مع جارتِها تقول أقرضتُكِ هذا المال على أنْ تعطيني عليهم عشرة آلاف ليرة، تعمل بالربا مع الناطور مع البقال مع جارتها، هذا من الكبائر.
ارجعوا إلى الآية {وإنْ تبتم فلكم رؤوسُ أموالِكم}-سورة البقرة/279- النسبة مهما كانت قليلة هذه محرّمة من الكبائر هذا فجور.
واليوم انتشرت المعاملات الربوية بين الناس في كثير من المؤسسات وغير المسلمين يتفنّنونَ بالقوانين والنظم التي يزرعونَها في المجتمعات ويُدخلونَها إلى المؤسسات ليُطعِموا الربا لأكبر عدد من الناس من الكبار والصغار والرجال والنساء مع هذا يوجَد مَن لا يأكل الربا، يوجد مَنْ يخاف من الله، يوجَد من يقف عند حدّ الشرع، إلى الآن يوجد مَنْ لا يتعامل مع البنوك بالمرة لا بقليل ولا بكثير.
أنا أعرف أحد التجار كان شيخنا رحمه الله يقول له إياك، يقول له يا شيخي أريد أن أسافر إلى بلاد كذا لأشتري بضاعة، يقول له وزِّعْها في ثيابِك ضع هنا شيئًا وهنا شيئًا والبس الجاكيت والمعطف وكان يفعل، الله بارك له في مالِه، ثم توسّعَتْ تجارتُه ويسافر من بلد إلى بلد أحيانًا في الطائرة وأحيانًا في البر وينقل معه الأموال وما كان يتعاطى بالبنوك ولا أدخلَ المال في البنوك، وغيرُه الكثير، هذا حاصل وموجود إلى الآن.
انتبهوا، التعامل في الربا فسقٌ فجورٌ كبيرةٌ ملْعَنة، آكل الربا يستحق أْن يُعذّبَ في جهنم وهذا منتشر اليوم والعياذ بالله.
قد واحد يسأل الآن مثلًا أنا كنتُ آكل الربا ماذا أفعل؟ أنا وضعت مالي في البنك ماذا أفعل؟ كنتُ أتعامل مع التجار مع البقال مع الجار بالربا ماذا أفعل؟
فورًا تب إلى الله، اعزم في قلبِك أنك لا تعود أقلِع وأشعِرْ قلبَك بالخوف من الله لأنك عصيتَ ربَّك ليس خوفًا من الناس، وهذا الزائد الذي أخذْتَه رُدّه لمَنْ أخذْتَه منه لأنّ اللهَ قال {وإنْ تبتمْ فلكم رؤوسُ أموالِكم لا تظلمونَ ولا تُظلَمون}-سورة البقرة/279-
وهنا أيضًا فائدة مهمة للذين جمعوا المال في الربا مثلًا كان معه ألف دولار اليوم بعد أربع أو خمس أو عشر سنوات خمسة عشر سنة كان رأس المال ألف دولار صار كل هذه المدة خمسين ألف دولار رأسُ مالِه ألف دولار، 49 ألف دولار ليست ملكًا له ما دخلَت في ملكِه لا يقل حلالي ولا يقل حق شرعي لي ولا يقل شرعًا يجوز أنْ أكلَهم لأنه يكون يكذّب الآية، يأخذ رأس المال والباقي يُرجِعُه لصاحب المال ويندم ويتوب، إذا ما قبِلَ أنْ يُرجِعَ هذا المال إلى صاحبِه وبقيَ يتاجر فيه أكل نارًا في بطنِه والآخرة أمامَه.
اليوم سهل أنْ تخرج من هذا الذنب أما في القبر والقيامة ماذا تفعل؟ في جهنم ماذا ستفعل؟
لا تعشْ بمال حرام لا تغْنَ بمال حرام إنّ اللهَ يسألُ عن الإبرة يوم القيامة.
تُرجع المال إلى أصحابِه وتتوب وتندم وتعزم أنْ لا تعود وتُقلع عن ذلك، هذه توبة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال [التائبُ من الذنبِ كمَنْ لا ذنبَ له]
إذا قلبك بقيَ متعلّقًا بهذا المال الذي ليس ملكَكَ وتريد أكلَه وتبقى عليه فهَيىءْ نفسَك وبدنَك لعقوبةِ الله وأنت لا قبَلَ لك بعذاب الله وقد يُنتقَم منك في الدنيا قبل الآخرة {وإنْ تبْتُم فلكم رؤوسُ أموالكُم لا تَظلِمونَ ولا تُظلَمون} -سورة البقرة/279-
أسلوبٌ آخر وطريق آخر من طرق جمع المال بالحرام، تكلّمنا في دروس ماضية عن أنواع غير التي ذكرْته الآن مثل ما يسمى التأمين في البلاد مثلًا هو يُتلِفُ سيارتَه ليحصّل سيارة موديل السنة، هو أتلف سيارتهَ لأجل أنْ يدفع له التأمين ليشتري سيارة جديدة وقع في ذنبٍ من الكبائر عصى الله فسق صار ملعونًا، أتلفَ مالًا وهذا من الكبائر والرسول عليه الصلاة والسلام يقول [لا ضررَ ولا ضِرار] يكون مثلًا السيارة سعرها عشرون ألف يورو، يكسّرُها يحرِقُها يرميها في الوادي أو هو يتصل بالحرامي صاحبه يقول له سيارتي في مكان كذا تعال فاسرِقْ لي إياها، كي يتصل بعد ذلك بالتأمين ويقول سيارتي سُرقَت، هذا خبيثٌ ملعون من أهل الكبائر، ثم يقبض بعد ذلك، هذا حرام من الكبائر.
بلغني أنه يحصل الآن شىء جديد في بعض بلاد الغرب وهو أنّ البعض يقترض الأموال من الأشخاص أو مؤسسات خاصة، يشتري سيارة بالدين من عند هذا عشرة آلاف يورو، ساعة من عند هذا مائتين يورو، تلفون من عند هذا خمسمائة يورو، يأتي لعند البقال يقول له أعطني 3 آلاف يورو أعطيك إياهم فيما بعد، يجمع مليون يورو بالدين، ويكون أحيانًا من الأغنياء، قال عندهم قانون هناك إذا اقترض ثم أعلنَ إفلاسَه رسميًّا قال على زعمِهم لا يلاحقونَه بسبب هذه الديون ويعطونه ما يسمى براءة أن تلك الديون سقطت عنه.
اسمع أيها المحتال الخبيث الدجال الفاسق الفاجر الظالم الطماع الأكول الجَهول الظلوم الغَشوم الذي جمع أموالَ الناسِ بالباطل ليأكلَها بالحرام وهو ليس فقيرًا وليس محتاجًا إنما دجل واحتيال وتركيب أفلام ثم أعلنتَ إفلاسَك، أقول لك:
إذا كانت البلدية أسْقطَت عنك بالدنيا الملاحقة إذا كان السوسيال مثلًا أسقط عنك الملاحقة في الدنيا لكنْ في القبر أين ستهرب ممّن ستهرب أيها الأحمق؟ في الآخرة ممّن ستهرب؟
الله يقول في القرآنِ الكريم {وقفوهم إنهم مسئولون}-سورة الصافات/24- ويقول {فوربِّكَ لنسألَنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون}-سورة الحجر/92-93 في القيامة أين ستهرب؟ الله يقول {لا يتكلمونَ إلا مَنْ أذِنَ له الرحمنُ وقال صوابًا}-سورة النبأ/38-
الديون بقيَت في ذمتِكَ في رقبتِك ستُوافَى يومَ القيامة وتُسأل عنها وهؤلاء الناس خصومُك يوم القيامة، فإنْ نجوْتَ يوم القيامة من السجن والعقاب الدنيوي يوم القيامة أين ستهرب أين ستُفلِت؟ هذا في ذمّتِكَ في رقبتِك أدِّه الآن واخرج من هذه المظالم واسألْ نفسَك هل تتحمّل نار قشة الكبريت في الدنيا، نار الشمعة نار الغاز وفرن الغاز تتحمّلهُ؟ ماء التوتيا والنار تتحملها في عينيك؟ ماذا ستتحمل في القبر وفي الآخرة؟ هل تستطيع أنْ تتحمل عذاب الله؟
{ولَعذابُ الآخرةِ أكبر لو كانوا يعلمون}-سورة الزمر/26- هذه المسئلة أشيعوها بين بعضكم أنتم يا مَنْ تعيشون في دول الغرب الذي يعمل هذه الحيَل هذا خبيث.
وهناك طريقة ثالثة لجمع المال بالحرام، يدخلون إلى هذه البلاد مؤَمّنين يسرقون يحتالون على الأشخاص على الدكاكين على الأسواق على التجار على المولات وهذا ظلمٌ وعار وشنار وتُسألونَ عن ذلك، ردّوا هذا المال لأصحابِه، لو عدت إلى بيروت ومعك بضاعة مسروقة من هناك وأنت غنيتَ الآن بهذه الطريقة عليك أنْ ترد هذه الأموال.
طريقة رابعة، بعض الناس يدخلون مثلًا إلى المول المتجر الدكان ويكون قد اشترى من مكان آخر غرضًا خرِبانًا واستعمله حتى خرب، فالتاجر يأخذ القديم ويعطيه واحدًا جديدًا لأنه أوهمَه أنه اشتراه من عندِه وفيه عطل، هذا حرام.
مَنْ يشتري صورة من السارقين والدجالين والمحتالين مع علمِه أنه مسروق لا يصح بيعَه.
واحد في ألمانيا سرق مثلًا ساعة بألف يورو باعها في بيروت بعشرة يورو، أنت عرفت أنه سرقها ويريد بيعَها حرامٌ تعمل صورة البيع والشراء معه، بل حرام تأخذها لنفسِك ولو بلا مال لأنها ليست ملكه ولا يصح له بيعها، فأنت إن استطعتَ تأخذها منه لتردّها إلى مَنْ يردّها إلى صاحب الدكان الذي سُرِقَت منه، قل له اتقِ الله وردّها من حيثُ سرقْتَها.
انتبهوا من أين تجمعون المال.
طريقة خامسة، بعض الناس يموت أبوهم يكون الأخ الكبير عامل نفسه زعيمًا، يعطي إخوانه الشباب ويحرم أخواتِه من الإرث، يقول مال أبينا يذهب إلى صهرِنا الغريب؟
أعطيتَ أختَك للغريب وخفت على المال الذي لها وليس لك؟ زوجتك أنت ماذا تكون بالنسبة لعائلتك؟ كما أنك تأخذ الورثة من أبيك وتُطعِمُ زوجتَك هي تأخذ المال من ميراث أبيها وتُطعم زوجها، أنت ما لك عندها؟ هذا حقٌّ لها شرعًا الحق لها بنصّ القرءان وللذكرِ مثلُ حظِّ الأنثَيَيْن يا جاهل يا خبيث يا ملعون يا فاسق يا فاجر يا مَنْ ارتكبتَ الكبيرة وأكلتَ الحرام في بطنِك والنار، يا مَنْ وقعـْت في العار والشنار، تستقوي على أختِك وتأكل لها مالَها؟ اتّقِ الله قبل أنْ تُعذَّبَ في جهنم قبل أنْ يُشوى بطنك ووجهك بالنار، أعطِها حقَّها نصيبها من الإرث، بعض الضيع والقرى والعشائر إلى اليوم لا يُوَرِّثونَ البنات، القرآن واضح والنص والحديث والإجماعُ واضح فأنت تمشي على طريقة أبي جهل أم على شريعة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الله أثبتَ لها هذا الحق {للذكَرِ مثلُ حظِّ الأنثَيَيْن}-سورة النساء/11- إذا كان أنت يطلع لك مائة ألف هي يطلع لها خمسين ألف بنص القرآن لماذا تريد أكله عليها؟
كم يوجد اليوم عائلات وأسر مثلًا امرأة فقيرة ومات زوجها وعندها أيتام وأخوها يمنعُ حصّتها من ميراث أبيها استولى عليه غصَبَه أمسَكه، يقول بعض المغفّلين من الإخوة “كي لا تصرفه”، أنت ما دخلك؟ لو هي أخذت حصتك وأمسَكَتها عندها وقالت أنا أصرف عليك كل ما أردتَ شيئًا كي لا تصرفها وتضيّعها هل تقبل؟ لا تقبل، لعلك تنفجر من الغضب لماذا أنت تفعل بها ذلك؟
تريد أنْ تتمتع بحصتِك وحصتِها؟ يوم القيامة ماذا تفعل؟ إنّ اللهَ يسألُ عن المِخْيَط يوم القيامة، ذرة إذا أخذتها منها بغير رضاها ماذا فعلتَ بنفسِك؟ سلْ نفسَك، كلُّ جسدٍ نبتَ من حرام فالنارُ أوْلى به.
تصوّر أنت وقد غذيتَ جسدَك بالحرام والحشرات تأكلُك ثم يُخرِجُكَ برازًا، أين عضلاتك؟ أختك المظلومة خصمك يوم القيامة، أبوهم يكون مات من ستين سنة وماتت هي وكبر أولادها وهم فقراء وما أعطاهم حصة أمهم من ورثة أبيها الذي مات وكانت وقتها على قيد الحياة، يعني ترث، وما زلتم لم تعطوها حصتها يا متكبرين يا جماعة المنتفخين في الضيع والعشائر والعائلات والأسر إنْ كان في المدن أو في الأرياف، ماذا ستفعلون يا ظالمون يا فسقة يا خبثاء؟
إنّ اللهَ يسأل عن الإبرة يوم القيامة، تصوّر أنْ تأتيَ أختك يوم القيامة وهي خصمُك تدعو عليك تريد أنْ يُنتقَمَ منك، وهذا موجود لليوم.
ماذا تنتظرون؟ تمشون على خطى أبي جهل؟ ماذا تريدون من هذه الدنيا؟ فاتّقوا اللهَ وأفيقوا.
مَن فعل هذا وحبس حصة أختِه وحرمَها منها فلْيُؤَدِّها إليها فورًا {إنّ اللهَ يأمرُكم أنْ تؤدّوا الأماناتِ إلى أهلِها}-سورة النساء/58- اتقوا اللهَ في أنفسِكم اتّقِ اللهَ في أختِكَ أدِّ إليها حقَّها قبل أنْ تموت ويُنتقَم منك في القيامة، قبل أنْ تدخل جهنم وتُعَذّب في النار يا ظالم يا غشوم يا خبيث يا متكبر يا مُنتفخ يا مُتعجرف، ماذا ستفعل يوم القيامة؟ اتّقِ الله، هذا عملٌ مُنتِن عمل الخبثاء الجبناء، كم يوجَد اليوم أخوات يبكينَ وكبرنَ وصرنَ أمهات وجدات وأخوها لم يعطِها حصّتَها، هذا موجود إلى الآن.
نعوذ بالله من مسخِ القلوب، مَنْ كان واقعًا في ذلك فليتُب وليَندم وليُؤدِّ إليها حقها.
وهناك طريقة سادسة، بعض الإخوة يقول نعم يطلع لها على راسي وعيني وأنا مع القرآن من عيني، كذاب محتال، لها عندي لكنْ لا أعطيها كي لا تصرفهم، أنت ظالمٌ أيضًا، لو أقر واعترف أمام العشيرة أنّ لها مثلًا خمسون ألف دولار لكنْ حبسَهم عنها وعن أولادها الفقراء، أنا أمامي قال الشيخ لواحد كان يفعل هكذا حبس حصة أخته عنده وقال لها عنده واعترف أمام الكل قال له الشيخ أنت واقع في الكبيرة، قال له تصرفهم يا شيخنا، قال له الشيخ ما شأنكَ أنت؟ كما أنت أخذتَ حصتَك أعطِها حصتَها، هل هي سفيهة أم مجنونة؟ قال له الشيخ اتقِ الله هذه كبيرة، مع أنه اعترف لكنه حبسها بحجة أنْ لا تصرفهم.
هذا تفكير الجهلاء الأغبياء، بدل أنْ تعطيَ أختك مالها وتعطيها من حصتِك إكرامًا لها من باب الإحسان؟
طرق كثيرة لجمع الأموال بالحرام يغنَوْنَ بها.
***للحديث تتمة
والحمد لله رب العالمين