مجلس تلقي كتاب ” سمعت الشيخ يقول” (3)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أي القاسم محمد طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وأصحابِه الطيبين الطاهرين
يقولُ جامعُ هذا الكتاب عمادُ الدين الشيخ جميل حليم الحسيني رحمه الله تعالى
التنزيه
قال الإمام الهرري رضي الله عنه: قال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل رضي اللهُ عنه ” مَن قال اللهُ جسمٌ لا كالأجسامِ كفر” رواه الحافظُ بدرُ الدينِ الزركشيُّ في كتابِه “تشنيف المسامع”
وقال رضي الله عنه: قال الإمام الشافعيُّ رضي الله عنه ” منْ قال أو اعتقدَ أنَّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر” رواه ابنُ المعلم القرشي في كتابه “نجم المُهتدي ورجم المُعتَدي”
(الإمام أحمد رضي الله عنه هو إمامٌ منْ أئمِة أهلِ السنّة وهو منَزِّه، ليس صحيحًا أنه كانَ منَ المشبِّهة أو المجسمة، حاشى، بل هو الذي قال “مَنْ قال اللهُ جسمٌ لا كالأجسامِ كفر”، يعني لو قال لا كالأجسام ما دامَ يفهم ما معنى جسم فقال اللهُ جسم هذا كافر وبالإجماع، لماذا؟ لأنهُ يؤخَذ بإقرارِه ولا يُعذَر بإنكارِهِ بعدَ ذلك.
يعني هذا الذي قال الله جسم يعني قال اللهُ مخلوق، فقولُهُ لا كالأجسامِ صار تناقُضًا كأنهُ يقولُ والعياذُ باللهِ اللهُ مخلوقٌ اللهُ ليس مخلوقًا. ففي قولِهِ الأول اللهُ مخلوق، هذا تكذيبٌ للقرآن.
والإمام أحمد رضي الله عنه هو أايضًا أوّلَ ثبتَ عنه التأويل التفصيلي كما روى عنه ذلك الإمام البيهقي في كتابِ “مناقبِ أحمد” في قولِ اللهِ عزّ وجلّ منْ سورةِ الفجر {وجآءَ ربُّكَ والملَكُ صفًّا صفًّا}[الفجر/٢٢] قال جاءتْ قدرتُه، أي آثارُ قدرتِهِ يعني الأهوال العِظامُ التي يُظهِرُها اللهُ بقدرتِهِ يومَ القيامة.
فإذًا الإمام أحمد ما كانَ يحمِلُ الآيات المتشابهات على الظاهر، ما كان مُجسِّمًا. لو كان كهؤلاءِ المُجسمة ابن تيمية الذي يقول اللهُ شاب أمرد وعلى زعمِهِ والعياذُ باللهِ تعالى له شعر جَعد وهو بهيئةِ شابٍّ أمرد، وفي بعضِ عباراتِ هؤلاءِ المُجسمة يقولون يلبَسُ حُلّةً حمراء وفي رجليهِ نَعْلَيْن منْ ذهب وما شابه، فهؤلاء الإمام أحمد برىءٌ منهم هؤلاء عبَدةُ الأجسام، هؤلاءِ لا يعبُدونَ اللهَ إنما يعبُدونَ الأجسام.
والإمامُ أحمد رضي الله عنه منزِّه ليس مشبِّهًا وليس مجسِّمًا ولا كان يحمِلُ الآياتِ المتشابهات أو الأحاديث المتشابهة على ظاهرِها، بل الإمام أحمد نفسُهُ رضي الله عنه يُكَفِّر مَنْ يقول الله جسم، ويقول الإمام أحمد “اللهُ ليس له صورة” لأنَّ الصورة تخاطيط واللهُ منَزَّهٌ عن ذلك.
والإمام أحمد ابن حنبل في هذا هو موافقٌ لعقيدةِ الصحابةِ ومَن بعدَهم، يعني مع السوادِ الأعظم مع جمهورِ الأمة. وحتى في التوسلِ والتبرّك هو أيضًا مع السوادِ الأعظم.
الأمام أحمد نفسُهُ كان يتبرّك بشعَراتِ الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى عنه ذلك ابْنُهُ عبدُ الله، كما روى عن عبدِ اللهِ الذهبي في كتابِهِ “معجم الشيوخ”.
فالذهبي تحبُّه المشبهة وهو تلميذ ابن تيمية يروى عن عبدِ اللهِ بن أحمد بن حنبل أنه كان يرى والدَه الإمامَ أحمد يخرِج شعرات منْ شعراتِ الرسول صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُها ويَغْمِسُها في الماءِ ويشرب. هذا الإمام أحمد.
ويوم امْتُحِنَ وضُرِبَ كان معه شعَرات كان عقَدَها وصرّها في ثيابِه رضي الله عنه وأرضاه. وكان عندَهُ قصْعة التي كان يأكلُ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم يغسِلُها أيضًا بالماءِ ويشرب.
هذا الإمام أحمد سنيّ ليس مشبِّها ليس مجسّمًا. والإمام أحمد هو تلميذُ الإمام الشافعي رضي الله عنهما.
فإذًا هذا قول أحمد “مَنْ قال اللهُ جسمٌ لا كالأجسامِ فهو كافر”
والإمامُ الشافعي رضي الله عنه وأرضاهُ أيضًا على نفسِ هذه العقيدة. الإمام الشافعي روى عنه عدد منَ العلماءِ منهم الإمام ابنُ الرّفعة أبو العباس أحمد بن محمد في كتابِهِ “كفايةُ النّبيه شرح التنبيه” – هذا فقيهٌ شافعي – في المجلّدِ الرابع في كتاب الصلاة في بابِ صفةِ الأئمةِ عن القاضي حسين عن نصِّ الشافعي رضي الله عنه يقول ” منِ اعتقدَ أنَّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر”.
ومنَ النسخةِ الكبيرة المطبوعة الآن في المُجلَّدِ الرابع صحيفة 24 هذا نصّ الشافعي رضي الله عنه وأرضاهُ.
إذًا علماءُ أهلِ السنّةِ والجماعة السلف والخلف على تنزيه الله عنِ المكان والجسمِ والحجمِ وعنِ الكمية والقعود والشكل والصورة ويُكفِّرونَ مَنْ قال بالتجسيمِ في حقّ اللهِ تعالى.
هذا الإمام الشافعي الذي فيه فُسِّرَ حديث [لا تسبّوا قريشًا فإنَّ عالِمَها يملأُ طباقَ الأرضِ علمًا] وفي روايةٍ [علمًا ونورًا] هذا الإمام الشافعي يقول “من اعتقدَ أّنَّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر]
لا عذرَ لِمَنْ يقول اللهُ جسم وهو يفهمُ معنى الجسم، ولا عُذرَ لِمَنْ يقول اللهُ قاعد أو الله جالس أو مُتحيّز في مكان أو جهة، هذا كافرٌ بالإجماعِ كما نقلَ الإجماع على ذلك عددٌ كبيرٌ منَ العلماءِ منهم علاءُ الدينِ البخاريّ في كتابِهِ “مُلجِمة المُجسمة” صحيفة 61 يقول “فالمجسِّمُ كافرٌ إجماعًا”. وعندَنا نصوص كثيرة فيها نقل الإجماع على تكفيرِ مَنْ قال الله جسم، وهذا ليس شيئًا جديدًا ولا يُعاند في هذا ولا يُخالفُ في هذا إلا مَنْ طمَسَ اللهُ على بصيرتهِ وأعْمى قلبَهُ وأضَلَّهُ عنِ السبيل.
بعضُ المنافقينَ يُداهِنون المجسمة المشبهة ويقولون لا لا تقولوا ضال قولوا أخطأ لا تقولوا كافر. هذا الإمام أحمد يقول هذا الإمام الشافعي يقول، هذا علاء الدين البخاري ينقُلُ الإجماع، هذا فلان ينقُلُ الإجماع، وعندَنا نقولٌ كثيرة بالمصادر والكتب والأسماء.
إذًا هذه قضيةٌ ليست جديد، هذه عليها الإجماع، لأّنَّ الذي يقول الله جسم ويفهم ما يقول هذا ما عبدَ اللهَ هذا ما آمَنَ بالله، ما صدّقَ القرآن، هذا كذّبَ الله وكذّبَ القرآن وكذّبَ الرسل، وكذّبَ العقيدةَ الإسلاميةَ وعبدَ شيئًا هو تصوَّرَهُ, واللهُ تعالى يقول {فلا تضرِبوا للهِ الأمثال}[النحل/٧٤]).
وقال رضي الله عنه: قال الإمامُ أبو الحسن الأشعريُّ رضيَ اللهُ عنه “من اعتقدَ أنّ اللهَ جسمٌ فهو غيرُ عارفٍ بربِّه وإنه كافرٌ به “، في كتابهِ النوادر.
(هذا نقلَه عنِ الإمام الأشعري القاضي الفقيه الحنفي كمالُ الدينِ البياضيّ في كتابِه “إشارات المرام منْ عباراتِ الإمام”.
يعني لو زعمَ أنه مسلم هذا ليس من المسلمين والأشعري ذكر ذلك في كتابٍ له يقال له النوادر. والإمام الأشعري هو إمامُ أهلِ السنّةِ والجماعة، هو إمامُ المسلمين كان جبلًا راسخًا وبحرًا عظيمًا في العلمِ في التوحيدِ والعقيدة ونصبِ الأدلّةِ لنُصرةِ مذهبِ أهلِ السنّةِ والجماعة، وكان وليًّا صالحًا تقيًّا طيّبًا، كانَ مِنْ أهلِ العلمِ وأهلِ الفهمِ وهو الذي نصرَ مذهبَ عقيدةِ الصحابة وأهلِ السنّة في الأرض، هو منْ جهةٍ وأبو منصورٍ الماتريدي منْ جهةٍ أخرى رضي اللهُ عنهما.
فهذا الإمام عليّ بن إسماعيل أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه من ذريةِ الصحابيّ الجليل أبي موسى الأشعري.
عندَما نزلت الآية {فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يحبُّهم ويُحبُّونَهُ}[المائدة/٥٤] أشارَ الرسولُ إلى أبي موسى الأشعري وقال [هم قومُ هذا] وأبو الحسن منْ ذريةِ أبي موسى الأشعري, وهذا رواه البخاريّ ورواه الحافظ ابن عساكر في كتابِهِ “تبيينِ كذبِ المُفتري “.
فإذًا هذه الآية بوَّبَ العلماء أنها نزلَتْ في مدحِ الأشاعرة، عندما أشارَ الرسول إلى أبي موسى وقال هم قومُ هذا وأبو الحسن منْ ذريَّتِهِ وهو حامل لواء أهلِ السنة في العقيدة فهذا مدحٌ لهم.
وهذا القول الذي قالَه أبو الحسن الأشعريّ رضي اللهُ عنه وأرضاه ينبغي أنْ يُوقَفَ عندَهُ لأنه هو الإمام. فكيفَ يسُوغُ بعدَ ذلك لمُتَمَشْعِر – يدّعي أنه أشعري – ثم يقول المجسم لا يُكفَّر، إنْ كنتَ أشعريًّا فهذا إمامُك الذي تزعُمُ أنكَ تنتسِبُ إليه يُكَفِّر المجسمة، كيفَ تقول إنك أشعري ولا تُكفِّر المجسمة؟ إذا كان إمام الأشاعرة، مؤسس المذهب الأشعري في العقيدة وإمام أهلِ السنّة يقول ” من اعتقدَ أنّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر “، وعبارتُهُ “من اعتقدَ أنَّ اللهَ جسمٌ فهو غيرُ عارفٍ بربِّهِ وإنهُ كافرٌ به “.
لاحظوا قال من اعتقد أنّ اللهَ جسمٌ، ما قال من اعتقدَ أن اللهَ جسمٌ كالأجسام، ما قال، أنتم أفهم أم الأشعري أفهم؟ أنتم أفهم أم الإمام أحمد أفهم؟ أنتم أفهم أم الإمام الشافعي أفهم؟ هؤلاء أفهم منا ومنكم وهؤلاءِ هم الأئمة وهم القُدوة رضي اللهُ عنهم.
وذكرتُ أنَّ قولَ الشافعي رضي اللهُ عنه رواه ابنُ الرِّفعة نعم، ومرّ معنا في القرءاة رواه ابنُ المعلم القرشي كذلك رواه. يعني هذا صحيحٌ ولا يمنع أنْ يكونَ قولًا لإمام ويرويهِ عددٌ منَ العلماءِعنه في كتُبِهم.
فقولُ الشافعيِ هذا رواه ابنُ الرِّفعة في المصدرِ الذي ذكَرْتُه ورواهُ ابنُ المعلم القرشي في كتابِهِ “نجم المُهتدي ورجمِ المُعتَدي”).
وقال رضي الله عنه: قال الإمامُ عليِّ بنِ أبي طالب رضي اللهُ عنه “سيَرجِعُ قومٌ منْ هذه الأمةِ عندَ اقترابِ الساعةِ كفارًا يُنكِرونَ خالِقَهُمْ فيصِفونَهُ بالجسمِ والأعضاء”
(سيّدُنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه هو بابُ مدينةِ العلمِ، هذا الحديث بعضُ الناس مِنْ جهلِهِمْ يُنْكِرونَه ويطعَنونَ فيه ويقولون عنه منْكَر ومقطوع وباطل، لكنْ هؤلاء الجهال لا يؤْخَذُ بقولِهِم في التصحيح والتضعيف لأنَّ التصحيحَ والتضعيفَ في الحديثِ وظيفة الحُفّاظِ ليس لِمُطلَقِ شيخٍ أو فقيهٍ أو مفسِّر أو قاضي أنْ يتكلَّمَ في التصحيحِ والتضعيفِ لا، كمْ منَ الفقهاءِ ألّفوا في الفقه مجلَّدات كثيرة لكنْ في الحديث ليس لهم نصيب، تراه يذكر الأحاديث الموضوعة والمكذوبة في كتابِهِ، إذًا هذه وظيفة الحُفّاظ.
قال الحافظ الفقيه المفسّرُ السيوطي
“وخذْهُ حيثُ حافظٌ عليه نصّ أو منْ مصَنَّفٍ بجَمْعِهِ يُخَصّ”
يعني الأمر على ما قرّره العلماء، فالتصحيحُ والتضعيفُ ليس وظيفة الألباني أو هؤلاء الذين طلعوا اليوم خلفاء للألباني، هؤلاءِ لا قواعِدَ عندَهم في علمِ المصطلح، إنما شرِبوا ما وضعهُ لهم الألباني منَ الخليطِ، منْ قواعد ابْتَكرَها منْ بناتِ أفكارِه، وإلا فعلماءُ الأصولِ والمصطلَح والدِّراية والرواية تركوا مراجعَ ضخمة وكبيرة وعديدة وواسعة في علمِ المصطلَح.
إذًا التصحيح والتضعيف ليس للمشبهة المجسمة ولا للألباني وأتباعِ الألباني منْ تجارِ الكتبِ الذين يُصَحِّحونَ ما يُوافِقُ هواهُمْ في التشبيهِ والتجسيم ويُضَعِّفونَ ما يَهْدِمُ عليهم عقيدَتَهم.
إذًا التصحيحُ والتضعيفُ هو وظيفةُ الحفّاظ ليس كلّ عالِم ولا كلّ فقيه، ولا كلّ مفسِّر، ولا كلّ مفتي ولا كلّ قاضي له التصحيح والتضعيف، إنما التصحيحُ والتضعيفُ وظيفةٌ خاصة لها أهل وهم الحُفّاظ كما قلتُ لكم ماذا قال السيوطيُّ “وخذْهُ – أي الحديث – حيثُ حافظٌ عليه نصّ – نصَّ عليه صراحةً قال هذا الحديث صحيح كحديثِ الأعمى حديث عثمان بن حنيف، هذا رواه الإمام الطبراني وهو حافظٌ كبيرٌ كانَ منَ العلماء المتقدِّمين توُفّيَ بسنة 360 للهجرة، هذا روى في المعجم الصغير حديث عثمان بن حنيف الذي فيه قصة الأعمى الذي علّمَه التوسل وأنْ يستغيثَ بالرسولِ ويتوسّل بالرسولِ وقال له ” إيتِ الميضأةَ ” يعني فارِق المجلس الذي أنا فيه، عندما توسّل لمْ يكنْ في حضرةِ الرسولِ كان في غيْبَتِه، بدليلِ قولِ الراوي قال: ما تفرَّقْنا ولا طالَ بنا الحديث حتى دخلَ علينا الرجل وقدْ أبصرَ وكأنهُ لمْ يكنْ به ضرٌّ قط، يعني توسّلَ بالرسولِ في غيرِ حضرةِ الرسولِ وليس كما يقولُ هؤلاء توسّلَ بدعاءِ الرسول، الرسولُ علَّمَهُ هو أنْ يدعوَ ” اللهم إني أسألُكَ وأتوجَّهُ إليك بنبيِّنا محمدٍ نبيِّ الرحمة يا محمد – هذا توسل استغاثة استعانة وفي غيرِ حضرتِهِ – يا محمدُ إنّي أتوجّهُ بك إلى ربي في حاجتي لِتُقضَى لي” ذهب الرجل ففعلَ ما قالَ له الرسول صلى الله عليه وسلم فردَّ اللهُ عليه بصرَه.
هذا الإمام الحافظ الطبراني اللهُ ألهَمَهُ أنْ يذكرَ بالتصريحِ عقِبَ هذا الحديث “والحديثُ صحيح” مع أنكَ لو نظرْتَ في كتابِهِ المعجم الصغير لا تظهر هذه العادة له هناك، لا يقول هذا صحيح هذا صحيح، هذا حسَن هذا ضعيف، إلا عندَ هذا الحديث قال والحديثُ صحيح. اللهُ تعالى ألْهَمَهُ لِيَزيدَ المشبهة المجسمة غيظًا.
فنصُّهُ على التصحيحِ كافٍ، وخُذهُ حيثُ حافظٌ عليه نصّ” أو أنْ يؤلِّفَ الحافظ كتابًا ويلتزِم يقول لا أذكرُ فيه إلا الصحيح، يعني التزمَ أخذَ على نفسِه أنهُ جرَّدَ هذا المُصنَّف للصحيح، أنه أفردَ هذا التأليف للصحيح ولا يذكر فيه إلا الصحيح، هذا معنى قول السيوطي
“وخذْهُ حيثُ حافظٌ عليه نصّ أو مِنْ مصنّفٍ بجَمْعِهِ يُخَصّ”
هكذا يؤخَذ الحديث. فإذًا هذا الحديث في مدحِ عليٍّ رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم [أنا مدينةُ العلمِ وعليٌّ بابُها] هؤلاءِ يطْعَنونَ فيه ويقولون موضوع مع أنَّ الحافظَ العراقي حسَّنَه، وأينَ هم منَ الحافظِ العراقيِّ شيخ الحُفّاظ؟
فسيِّدُنا عليّ باب مدينةِ العلمِ يقولُ في هذا الحديث الذي فيه أنّ النبيَّ مدحَه يقول “سيَرجِعُ قومٌ من هذه الأمةِ عندَ اقترابِ الساعةِ كفارًا – يعني الصحابة كانوا يُكَفِّرونَ مَنْ يقولُ بالتجسيمِ والتشبيه – قال رجلٌ يا أميرَ المؤمنين كفرُهم بماذا أبالإنكارِ أم بالإحداث؟ قال: بل بالإنكار يُنكِرونَ خالِقَهم فيَصِفونَهُ بالجسمِ والأعضاءِ ” سيّدُنا علي قال عنهم كفار.
وأيضًا قال رضي اللهُ عنه وأرضاه فيما رواه الحافظ أبو نُعَيم في الحِلية في المجلّد الأول ” مَنْ زعمَ أنَّ إلهَنا محدود فقدْ جَهِلَ الخالقَ المعبودَ ” يعني لا يكونُ مسلمًا.
وأبو الحسن الأشعري يقول ” مَنْ جَهِلَ اللهَ كانَ كافرًا به “، سيّدُنا عليّ يقول عنه جاهل (عن المشبه المجسم)
كيف يسوغُ بعدَ ذلك لبعضِ المُتَمَشْعِرينَ في هذا الزمان وبعضِ المُتَأخِّرين يُطلِقونَ القولَ بأنَّ المجسمَ لا يُكَفَّر ويقولونَ هذا القول الصحيح وهذا القول المُعتمَد وهذا القول الراجح، أنتم أفهم ممَّنْ نقلَ الإجماع؟ أفهم مِنْ إمامِ أهلِ السنّة ومن عليّ بن أبي طالب والإمام الأشعري والشافعي وأحمد وفلان وفلان منَ الأئمةِ العِظام؟
سيِّدُنا عليّ يقول ” مَنْ زعمَ أنّ إلهَنا محدود فقد جهِلَ الخالِقَ المعبود ” ويقول فيما رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي في كتابِه الفرق بينَ الفِرَق ” كان اللهُ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان “. ويقول ” إنَّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لقُدْرَتِهِ ولمْ يتَّخِذْهُ مكانًا لِذاتِه ” وقال أيضًا فيما رواه عنه أبو إسحق الإسفراييني “إنَّ الذي كيَّفَ الكيفَ لا كيفَ له والذي أيَّنَ الأيْنَ لا أيْنَ له “. هذه أقوال الإمام عليّ في التوحيدِ والتنزيه ثم في تكفيرِ مَنْ يقولُ في اللهِ بالحدِّ والجسميةِ والأعضاء.
وهذا ابنُهُ سيِّدُنا الحسين يقولُ في توحيدِ الله ” نُوَحِّدُهُ ولا نُبَعِّضُهُ “، لا نُبَعِّضُهُ لأنهُ ليس جسمًا.
وهذا جعفر الصادق حفيدُ عليّ يقول ” مَنْ زعمَ أنَّ اللهَ في شىءٍ أو على شىءٍ أو مِنْ شىءٍ فقدْ أشرك إذْ لو كانَ في شىءٍ لكانَ محصورًا ولوْ كانَ على شىءٍ لكانَ مَحْمولًا ولوْ كانَ مِنْ شىءٍ لكانَ مُحْدَثًا أي مخلوقًا “.
وهذا زينُ العابدين حفيدُه أيضًا، يعني عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب المُلَقَّب بالإمامِ السّجاد رضيَ اللهُ عنه يقولُ في توحيدِ اللهِ وتعظيمِه وتقديسِهِ ” لا إله إلا أنتَ سبحانك لا يحويكَ مكان لا تُحَسّ ولا تُمَسّ ولا تُجَسّ”.
ماذا يريدونَ بعدَ كلِّ هذا؟ إذًا سيِّدُنا علي والصحابة ومَن بعدَهم منَ الأئمةِ والعلماء أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي كلُّهم على تكفيرِ المجسمة المشبهة الذين يصفونَ اللهَ بالأعضاءِ والشكلِ وينسُبونَ لهُ القعود والجلوس والعياذُ باللهِ تعالى.
وقولُ عليّ هذا رضي الله عنه ” سيرجِعُ قومٌ منْ هذه الأمةِ عند اقترابِ الساعةِ كفارًا، قال رجلٌ يا أميرَ المؤمنينَ كفرُهُم بماذا أبالإنكارِ أم بالإحداث، قال بل بالإنكارِ يُنكِرونَ خالِقَهمْ فيصِفونَهُ بالجسمِ والأعضاء” رواه ابنُ المعلم القرشي في كتابِه نجم المهتدي ورجم المُعتدي. والكتاب الذي طبعَ لأولِ مرة موجودٌ عندَنا).
قال الإمام الهرري رضي الله عنه: قال الشيخُ نظامٌ الهندي “ويكفرُ بإثباتِ المكانِ لله” ذكرَهُ في كتابِ الفتاوى الهندية في المجلدِ الثاني.
وقال رضي الله عنه: نقلَ الحافظُ النووي عن الإمام المتَولّي الشافعي “أنَّ مَنْ وصفَ اللهَ بالاتصالِ والانفصالِ كان كافرًا” ذكرَهُ في كتاب روضةِ الطالبين.
(هذا الإمام المُتولي جمالُ الدين أبو سعد وأحيانًا في بعض النُّسَخِ في ترجمتِهِ يقولون أبو سعيد وأبو سعد أكثر، هذا كان منْ أصحابِ الوجوه في الطبقة التي تلي الإمام في المذهبِ الشافعي.
يعني الإمام الشافعي صاحب المذهب، أصحابُ الوجوهِ في المذهب هي الطبقة التي تَلي الإمام. هذا الإمام جمال الدين المُتولّي منْ أصحابِ الوجوه في المذهب الشافعي، هو الذي يقول إنَّ مَنْ وصفَ اللهَ بالاتصال والانفصالِ كانَ كافرًا.
عندَما يقول جالس أو قاعد عن الله يعني وصفَهُ بالاتصال، وعندما يقول فوق العرش بالمكان لكنْ بلا جلوس يعني وصفَه بالانفصال، فيكونُ كافرًا.
فما هو الخلاص؟ في عقيدةِ أهلِ السنة الله لا يوصَفُ بالاتصال ولا بالانفصال {ليس كمثله شء}[الشور/١١])
وقال رضي الله عنه: قال الإمام محمدُ بنُ بدرِ الدين بنِ بَلبانَ الدمشقي الحنبلي “فمَن اعتقدَ أو قال إنّ اللهَ بذاتِه في كلِّ مكان أو في مكان فكافر” ذكرَهُ في كتابِهِ مختصَر الإفادات.
(هذا حنبلي، هؤلاء المشبهة المجسة ينتسبونَ كذِبًا وزورًا إلى الإمام أحمد والأمام أحمد برىء منهم براءة موسى منَ اليهود، وهذا حنبلي يكفِّرُ المجسمة لو قالوا عن أنفسِهم حنابلة.
هذا بدرُ الدينِ بن بلبان الدمشقي الحنبلي يقول “مَنْ قال إنّ اللهَ بذاتِه في كلِّ مكان أو في مكان فكافر”
وأيضًا يقول” إنَّ اللهَ تعالى موجودٌ لا كالموجودات ليس جسمًا ليس حجمًا لا يشبه شيئًا منْ خلقِه، ويقول إنَّ اللهَ تعالى مَنْ قال عنه إنه جسمٌ لا كالأجسام كفر، وهذا حنبلي).
وقال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه اللهُ واجبٌ علينا أنْ نُعَظِّمَه وأنْ لا نستَخِفَّ به في حالِ الهدوءِ وفي حالِ الغضبِ. (يجبُ تعظيمُ اللهِ في كلِّ الأحوال، منِ استخفَّ أو اسْتَهزَأَ بالله أو اعترض على الله أو سبَّ اللهَ والعياذُ بالله في حالةِ الغضب وحالة المصائب واللعب لا يكونُ مسلمًا ولا يكونُ عذرًا له أنه كان غاضبًا أو كان في بليّةٍ ومصيبة.
أليس اللهُ يقول في سورةِ التوبة {ولئنْ سألْتَهمْ لَيَقولُنَّ إنّما كنا نخوضُ ونلعبُ قل أباللهِ وآياتِهِ ورسولِه كنتمْ تسْتَهْزئون* لا تعتذروا قدْ كفَرْتُمْ بعدَ إيمانِكُمْ}[التوبة/٦٥-٦٦] هذا النص القرآني فيه الرد عليهم).
وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: اللهُ تعالى أعلى مِنْ كلِّ شىءٍ قدْرًا أعلمُ مِنْ كلِّ عالمٍ، أقْدَرُ مِنْ كلِّ قادر رفيعُ الدرجاتِ هذا حق.
(يعني عندما نقول الله أكبر ليس بالحجم، لا، يعني اللهُ أكبرُ منْ كلِّ شىءٍ قدْرًا وعظَمةً وشأنًا ورِفعةً ومَنزِلةً. اللُه أكبر يعني اللهُ أقدَرُ منْ كلِّ قادر أعظمُ مِنْ كلِّ عظيم أعلمُ منْ كلِّ عالم، هذا معنى الله أكبر، ليس معناه أكبر بالجسم والحجم أكبر من الجبل والشجر والإنسان والسماء والعرش، حاشى.
بعضُ الجهال كانوا عندما يُكَبِّرون يقولون اللهُ أكبر يتخيّلون يتصوّرونَ أنّ اللهَ جسمٌ أوسع منَ السماء، هؤلاء كفار لو صاموا وصلَّوا بزعمِهم لأنهم كذّبوا ا لقرآن وجعلوا اللهَ جسمًا.
كذلك عندَما نقول سبحانَ ربيَ العظيم يعني أعظمُ منْ كلِّ عظيمٍ قدْرًا وشانًا ومنزِلةً ورِفعةً وليس بالحجمِ والجثةِ وهذا عندَما نقول سبحان ربيَ الأعلى، أعلى منْ كلِّ شىءٍ عُلُوَّ القدْرِ والشأن والعَظَمة وليس المسافة والمكان لا، فالعبرةُ بعُلوِّ القدرِ والشأن وليست العبرة بعلُوِّ المسافةِ والمكان. فملائكةُ العرش هناك عند العرش، يعني فوقَ الجنة والرسولُ عليه الصلاة والسلام في الأرض مدفونٌ في المدينةِ المنورة زادَها اللهُ شرفًا ونورًا وبركةً ورزقَنا زيارةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في وقتٍ قريب، ثم الرسولُ وُلِدَ في هذه الأرض وعاش في هذه الأرض وماتَ في الأرض ودُفِنَ في المدينة، مَنْ أفضل هو أم ملائكة العرش؟ هو، إذًا ليست العبرةُ بعُلوِّ المسافة والمكان بل العبرةُ بعلوِّ القدرِ والشأن، سبحانَ ربيَ الأعلى أعلى عُلُوَّ القدرِ والشأن والعظمة وليس المسافة، المكان مخلوق له بداية، اللهُ خالق لا بدايةَ له لذلك موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان، هذه عقيدةُ كلِّ الأنبياءِ والملائكة والأولياء والصحابة وآلِ الرسول والسلف والخَلَف والخُلفاء الأربعة والأئمة الأربعة والأقطاب الأربعة وكلّ علماء الأمة الإسلامية ولا يُخالف في ذلك إلا مَنْ كذّبَ اللهَ فجعلَهُ مخلوقًا وكذّبَ القرآنَ فلا يكونُ منَ المسلمين).
وقال رضي الله عنه: البلادُ الإسلامية في الشرقِ والغرب يعلّمونَ هذا علماؤُهم يعلِّمون أنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكان بلا حدٍّ بلا شكل مِنْ غيرِ أنْ يتحيَّزَ في جهةٍ منَ الجهات أو في جميعِ الجهات ومِنْ غيرِ أنْ يتحيّزَ في مكانٍ واحد أو في جميعِ الأماكن، مِنْ كلِّ هذا هو موجود. هذا سيّدُنا عليٌّ رضي الله عنه صرّحَ بنفيِ الحدِّ عنِ اللهِ تعالى.
هذه عقيدةُ الصحابة وعقيدةُ التابعين وأتباعُ التابعين ( أبو بكر رضيَ اللهُ عنه وأرضاه قال كيف يكونُ في مكانٍ والمكانُ وضْعُهُ؟ يعني خَلقُه. اللهُ هو خالقُ المكانِ فكيف يكونُ هو في مكان؟)
قال رضي الله عنه: وهذا الإمامُ أبو جعفر كتابُهُ مشهورٌ في الشرقِ والغرب (أبو جعفر يعني الإمام الطحاوي الورّاق المصري أحمد بنُ سلامة الإمام المشهور صاحب العقيدة الطحاوية رضي الله عنه، وهذه العقيدة أقبلَتْ عليها الأمة سلفًا وخلَفًا في الشرقِ والغربِ والشمال والجنوب فحفِظوها وشرَحوها وعلَّموها ودرّسوها لأنّها جمَعَتْ عقيدة أهل السنّة والجماعة، هذا المقصود بأبي جعفر رضي اللهُ عنه)
وهذا الإمامُ أبو جعفر كتابُهُ مشهورٌ في الشرقِ والغرب على هذا كان هو ومشايخُه وكلُّ علماءِ أهلِ السنةِ على هذا كانوا.
وقال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه: العقلُ السليم إذا لمْ يُعِقْهُ عائق يفهَمُ أنَّ هذه العوالِم التي خلقَها الله خالِقُها لا يكونُ مثلُها .
(كلّ إنسان عندَه عقلٌ سليم وفهمٌ قويم بعقلِهِ يعرف يتوصل إلى أنّ الخالقَ لا يشبهُ المخلوق. هل يوجَد عاقل يقبل أنْ تكونَ هذه الكرسي التي هنا هي التي صنعَتْ هذا الكرسي الثاني؟ العاقل لا يقبل هذا. هل العاقلُ يقبل أنْ يكونَ الذي صنع هذه المكتبة هي المكتبة الثانية؟ العقل لا يقبل هذا، فكيف يقبَل أنْ يكونَ خالق العالمِ كالعالم؟ كيف يقبلُ أنْ يكونَ خالقُ الكونِ كالكون؟ لا يقبلُ هذا العقلُ السليم، لكنْ اللهُ تعالى يفعلُ ما يشاء هو سبحانَهُ قسّمَ الأفهامَ بينَ العبادِ كما قسّمَ الأرزاق فمَنْ وفَّقَه اللهُ لِفَهمِ مذهبِ أهلِ السنّةِ والجماعة فلْيَحْمَدِ الله ومَنْ خالفَ في ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَهُ لأنهُ خرجَ عنْ قيمةِ البرهانِ العقلي وأعلنَ أنهُ عدوُّ العقلِ وأنهُ ضدُّ العقلِ وأنهُ لا يوافقُ العقل بلْ هو حربٌ على العقل).
وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: هؤلاء المسلمون الذين هم مئاتُ الملايين تعليمُهم واعتقادُهم أنّ اللهَ تباركَ وتعالى موجودٌ بلا مكان ليس له كمية ليس جسمًا لطيفًا كالنورِ والهواء ولا هو جسمٌ كثيفٌ كالحجرِ والشجر وأنَّ الشىءَ الذي له حدٌّ مخلوق على هذا مئاتُ الملايين من المسلمين علماؤهُم يدَرِّسونَ العلمَ على هذا الوجه أنّ اللهَ موجودٌ بلا مكان وليس له حد لا حدٌّ صغير ولا حدٌّ كبيرٌ لأَّنَّ الشىءَ الذي له حدّ يحتاجُ إلى مَنْ جعلَهُ على ذلك الحد الذي هو عليه. الشمسُ تحتاجُ إلى مَنْ جعلَها على هذا الحد ليست هي خلقَتْ نفسَها على هذا الحد لا يصحُّ في العقل، والإنسانُ أربعةُ أذرُعٍ طولًا وراعٌ عرضًا مِساحتُه لسنا نحنُ نخلقُ أنفسَنا على هذا الحدّ.
(هذا بعرض نفسِه بذراعِ يدِهِ طولُه أربعة أذرع وعرضُه ذراع بذراع يدِهِ هو)
لسنا نحنُ نخلقُ أنفسَنا على هذا الحد بل كلُّ هذه المخلوقاتِ لها خالق جعلَها على هذا الحد فلا يصحُّ في العقلِ أنْ يكونَ شىءٌ منَ الأجرامِ هو خلقَ نفسَهُ على الحدّ الذي هو عليه، فاللهُ تبارك وتعالى الذي خلقَ هذه الأشياء التي لها أجرام لا يجوزُ أنْ يكونَ لهُ جِرم، لا يجوزُ أنْ يكونَ له حد.
وقال رضي الله عنه: وجبَ تنزيهُ اللهِ تعالى عنِ الحدِّ والكمية وهذا شىءٌ ثبَتَ في عباراتِ السلفِ الصالح. سيّدُنا عليٌّ رضي الله عنه قال: مَنْ زعمَ أنَّ إلهَنا محدود فقدْ جهِلَ الخالقَ المعبود.
وقال رضي الله عنه: أصلانِ عظيمان مِنْ أصولِ العقيدةِ يجبُ العنايةُ بهما أحدُهما تنزيهُ الله عنْ مُشابهةِ الخلقِ والآخَرُ إفرادُهُ بالخَلقِ والتكوينِ، أي أنهُ لا خالقَ لشىءٍ منَ الأشياءِ إلا اللهُ تباركَ وتعالى.
(مَنْ قال بأنَّ الإنسانَ يخلُقُ أعمالَ نفسِهِ الاختيارية أو أنّ ذرةً تدخلُ في الكونِ أو تتحرّك بغيرِ إرادةِ الله فهو مشرِكٌ بالله لأنهُ يكون جعلَ اللهَ مخلوقًا عاجزًا ضعيفًا مغلوبًا واللهُ يقول {واللهُ غالبٌ على أمره}[يوسف/٢١] ويقولُ سبحانه {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] والرسولُ عليه السلامُ يقول [إنَّ لكلِّ أمةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولونَ لا قدر] وقال [صِنفانِ منْ أمتي لا نصيبَ لهما في الإسلامِ المُرْجِئةُ والقدرية] وقال ابنُ عباس “كلامُ القدريةِ كفرٌ” وقال سيّدُنا عليّ على منبرِ الكوفة “ليس منّا مَنْ لمْ يؤمنْ بالقدرِ خيرِهِ وشرِّه “، وقال الإمامُ الحسنُ البصري والأوزاعيُّ رضي الله عنهما “مَنْ كذّبَ بالقدرِ فقدْ كفر”، ونقلَ الإمام أبو منصور البغدادي في كتابهِ “تفسيرُ الأسماءِ والصفات” الإجماعَ على كفرِمَنْ يقول بأنَّ العبدَ هو يخلقُ أفعالَ نفسِهِ الاختيارية وليس اللهُ يخلقُها.
فهذه عقيدةُ أهلِ الإسلام عقيدةُ كلِّ الأنبياءِ أنَّ اللهَ هو خالقُ كلِّ شىء وهو المُنْفَرِدُ بالخَلقِ والإيجادِ، فمَنْ نازَعَ في ذلك فليس منَ المسلمين لأنهُ جعلَ لله شركاء وجعلَ اللهَ مغلوبًا ومنْ جعلَ اللهَ مغلوبًا كان كافرًا بربِّهِ لا يكونُ منَ المسلمين).
وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: اللهُ تعالى خالقُ النورِ وخالقُ الأرواح وخالقُ الأجسامِ اللطيفةِ والكثيفة. الأجسامُ اللطيفة كالروحِ والريح والنورِ والظلامِ، هذه أجسامٌ لطيفة اللهُ هو خلقَها ما كانت موجودةً، الليلُ والنهارُ ما كانا موجوديْنِ قبلَ أنْ يخلُقَهما الله، لمّا خُلقَ الماء ثم خُلِقَ منه العرش ما كان نورٌ ولا ظلام ولمْ يكنْ ليلٌ ولا نهار، ثم الأجسامُ اللطيفة والكثيفة ما كانت موجودة لمْ يكنْ شىءٌ موجودٌ إلا الله، اللهُ تعالى كانَ قبل المكانِ قبلَ الجهاتِ الستِّ بلا مكان بلا جهة ثم اللهُ تبارك وتعالى خلقَ الأجسامَ منها على حجمٍ صغير ومنها على حجمٍ كبير. الذي خلقَ الحجمَ الصغير والحجمَ الكبير لا يكونُ حجمًا، ليس حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا.
وقال رضي الله عنه: اللهُ تعالى موجودٌ ليس كمثلِه شىء. الأشياءُ الكثيفةُ كالإنسانِ والحجرِ والشجر والأشياءُ اللطيفةُ كالهواء والروحِ والملائكة. والملائكةُ في أصلِ خِلقَتِهم جسمٌ لطيفٌ لطيفٌ لطيف، يستطيعونَ أنْ يدخلوا إلى صدرِ الإنسان ولا يُحسُّ بهم. (لكن الملائكة عليهم السلام لهم أرواح ولهم عقول ولهم إرادة هم مُكلَّفونَ بالعقائدِ الإيمانية ومكلَّفونَ بالصلاةِ وبها يأمرُهُم اللهُ ويُكلِّفُهمْ به، ليسوا ذكورًا وليسوا إناثًا لا يأكلونَ ولا يشربونَ ولا ينامون، لا يبولونَ ولا يَمْتَخِطونَ ولا يتناكحون ولا يتزوجون ليس لهم أولا د وليس لهم ذرية، كلّهم أولياء أتقياء صلَحاء لأنَّ اللهَ قال عنهم {بل عبادٌ مُكرَمون}[الأنبياء/٢٦] وقال {لا يعصونَ اللهَ ما أمرَهُمْ ويفعلونَ ما يؤمَرون}[التحريم/٦] وقال {وهم بأمرِهِ يعملون}[الأنبياء/٢٧] لكنْ احذروا بعضَ الدجاجلة الذين يقولون إبليس طاووس الملائكة، أصلًا إبليس ليس ملَكًا. اللهُ قال في سورةِ الكهف {إلا إبليسَ كانَ منَ الجنِّ ففسقَ عنْ أمرِ ربِّه}[الكهف/٥٠] والجنُّ خُلِقوا منْ نار كما قال اللهُ في القرآنِ {وخلقَ الجآنَّ منْ مارجٍ منْ نار}[الرحمن/١٥].
وفي صحيحِ مسلم [إنَّ اللهَ تعالى خلقَ الملائكةَ منْ نور] وفي القرآن أنَّ إبليس له ذرية {أفَتتّخِذونَهُ وذرّيتَهُ أوليآءَ منْ دوني}[الكهف/٥٠] وروى الحافظُ السيوطي أنَّ الملائكةَ ليس لهم ذرية ولا يتناكحون. إذًا إبليس ليس ملَكًا ولا طاووس الملائكة.
اللهُ قال عن إبليس في سورة البقرة { إلا إبليس أبى واسْتَكْبَرَ وكانَ منَ الكافرين}[البقرة/٣٤] فكيفَ يكونُ رئيس الملائكة زعيمًا عليهم طاووسًا لهم، حاشى، هذا لا يليق بالملائكة. إبليس كافر والملائكة أولياء. إبليس ليس ملَكًا، كلُّ الملائكةِ أطهار لا يعصونَ اللهَ ما أمرَهمْ ويفعلونَ ما يؤمَرون ليسوا ذكورًا وليسوا إناثًا، حذِّروا أبناءكُمْ وحذروا الكبارَ والصغار منْ هذه الصور التي تُعمَل لبعضِ البناتِ والنساء ثم يوضَع لها أجنحة ويقولون ملائكة، هذه العقيدة خلاف القرآن وخلاف عقيدةِ الإسلام.
اللهُ قال في القرآن {إنَّ الذين لا يؤمنونَ بالآخرةِ لَيُسَمّونَ الملآئكةَ تسميةَ الأنثى}[النجم/٢٧]
الملائكة نعم أجسامٌ لطيفة لكنْ لهم أرواح، وأرواحُهم ألْطف منْ أجسَامِهم ولهم إرادة لكنْ لا يختارونَ إلا الطاعةَ بمشيئةِ الله تعالى، ليس كما قال مفتي إحدى المحافظات شيطان عفريت يلبَس ثيابَ المشيَخة قال عندَما نزَلت الآية {إنّك ميِّتٌ وإنهم ميِّتون}[الزمر/٣٠] قال كان مطلوب منْ جبريل أنْ يدافعَ عن محمد وأنْ يرُدَّ على الله، أعوذُ بالله العظيم، نحنُ نرى الفرقَ عظيم بين جبريل وإبليس، إبليس هو الذي اعترضَ على الله، كيف لهذا الإنسان الجاهل الساقط يريد لجبريل أنْ يعترضَ على الله؟ واللهُ يقول عن جبريل {مُطاعٍ ثمَّ أمين}[التكوير/٢١] مُطاع بين الملائكة، الملائكة تُطيعُهُ لأنّهُ رئيسٌ عليهم، أمينٌ لأنهُ أمينُ اللهِ على الوحي، هذا يدّعي أنهُ شيخ ويريد من جبريل أنْ يعترضَ على الله وأنْ يرُدَّ على الله، تنزَّه الله وحاشى لله وحاشى لجبريل.
فإذًا الملائكة كلُّهم أولياء وهم أجسامٌ لطيفة، المرأة الحامل ملَكُ الرحِم يُدخِلُ يدَيْهِ مِنْ بطنِها مثلًا إلى رحمِها ويُصَوِّر الجنين في الرحم وهي لا تُحس ولا تشعر، هذا دليل على لطافةِ أجسامِ الملائكة عليهم السلام).
قال رضي الله عنه: فاللهُ تبارك وتعالى خلقَ هذا الجسمَ اللطيف كجسمِ الملائكة والجسمَ الكثيفَ كجسمِ البشر والحجرِ والشجر فهو لا كهذا ولا كهذا، اللهُ لا يشبه هذا ولا هذا لذلك موجودٌ بلا مكان. ولوْ كان عقلُ الإنسانِ لا يتصوَّرُ موجودًا بلا مكان يجبُ علينا أنْ نؤمنَ بأنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكان. ليس كلُّ موجودٍ يتصوّرُهُ قلبُ الإنسان
(يعني ليس شرطًا لتعتقدَ بأنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكان أنْ تتصوّرَ ذلك بقلبِك لا، اللهُ لا يُتصَوَر في البال، لكنْ يجب أنْ نؤمنَ بأَّنَّه موجودٌ بلا مكان لأنهُ لو كانَ في مكان لكانَ حجمًا ولكانَ محتاجًا للمكان، ولو كانَ حجمًا لكانَ مخلوقًا ولو كانَ في مكان لكانَ عاجزًا محتاجًا للمكان وهذا لا يجوزُ على الله. وهناك أمور كثيرة كلّ واحد منا يُقِرّ ويعترف بأنهُ لا يستطيع أنْ يتصوَّرَها مع ذلك يُصَدِّق بوجودِها، مَنْ منكم يستطيع أنْ يتصوَّرَ روحَهُ في جسدِه؟ تقدرون؟ لا، لا أنتم ولا نحنُ، مع ذلك نُصَدّق بوجودِ الروحِ في أجسادِنا والروح مخلوق ولا نستطيع أنْ نتصوّرَه، منْ بابِ أولى أننا لا نستطيعُ أنْ نتصوّرَ الله لأنَّ اللهَ لا مثيلَ له موجودٌ بلا جهةٍ ولا مكان والخالقُ لا يشبه المخلوق).
وقال رضي الله عنه: يجبُ أنْ نعتقدَ أنَّ اللهَ موجودٌ لا كالموجودات لا يجوزُ عليه التحيّزُ في مكان ولا في جميعِ الأمكنة لا يجوز أنْ يملأَ جميعَ الأمكِنة ولا أنْ يختصَّ بجهةِ العرش، الحقّ هو أنْ يُعتقَدَ أنَّ اللهَ موجودٌ لا كالموجودات ليس حجمًا له حد كذلك لا يجوزُ أنْ يكونَ الله تعالى جسمًا لطيفًا كالنور، لا يجوزُ، اللهُ خالقُ النورِ كيفَ يكونُ نورًا؟ هو خالقُ الظلام فلا يشبهُ الظلام.
(أمّا ما وردَ في القرآنِ {اللهُ نورُ السمواتِ والأرض}[النور/٣٥] يعني اللهُ هادي المؤمنين لنورِ الإيمانِ لأنّهُ قال {يهدي اللهُ لنورِه}[النور/٣٥] يعني لنورِ الإيمان.
وابنُ عباس رضي الله عنهما فسّرَ هذه الآية {اللهُ نورُ السمواتِ والأرض} أي هو هَدى الملائكة سكّان السماء لنورِ الإيمانِ وهَدى المؤمنينَ في الأرضِ منَ الإنسِ والجنِّ لنورِ الإيمان كما روى ذلك البيهقي عن ابن عباس. ولها تفسيرٌ آخر {اللهُ نورُ السموات والأرض}[النور/٣٥] مُنَوِّر السموات والأرض، ليس هو ملأ السمواتِ والأرض، هو خالقُ الأضواء كيفَ يكونُ ضوءًا وقدْ قال المحدِّثُ الفقيهُ الحنفيُّ الشيخ عبدُ الغني بن إسماعيل النابلسي رحمه الله “من اعتقدَ أنّ اللهَ ضوءٌ ملأَ السمواتِ والأرض أو أنّهُ جسمٌ قاعدٌ فوقَ العرشِ فهو كافر وإنْ زعمَ أنهُ مسلم”.
ومنْ أسماء اللهِ النور لكنْ بمعنى الهادي ليس بمعنى أنه ضوء، اللهُ هو خالقُ الأضواء. وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول “أنّى يُشبهُ الخالقُ مخلوقَه” يعني لا يشبه الخالقُ مخلوقَه.
إذًا اللهُ نورُ السمواتِ والأرض هادي المؤمنينَ لنورِ الإيمان وليس معناهُ أنّ اللهَ ضوء تنزّهَ اللهُ لأنَّ اللهَ قال {فلا تضربوا للهِ الأمثال}[النحل/٧٤]).
قال رضي الله عنه: هو أي الله خالقُ الظلام فلا يشبه الظلام. الإنسانُ يتصوّرُ النورَ والظلامَ وحدَه يتصوّره، أمّا أنْ لا يكونَ نور ولا ظلام هذا لا يستطيع الإنسان أنْ يتصوّرَه، عقلُ الإنسانِ لا يستطيع، فاللهُ تبارك وتعالى لا يستطيعُ الإنسانُ أنْ يتصوّرَه (احفظوا هذه العبارة: ليس منْ شرطِ صحةِ الإيمانِ بالشىء أنْ يُتصَوَّرَ في العقلِ. لأنّ المشبهة المجسمة يقولون لكم هذا شىء لا يتصوّرُهُ العقل، لذلك ذهبوا إلى الكفر فتصوّروا شيئًا اعتقدوا أنه هو الله فكذّبوا الآية {الخالقُ البارىءُ المصوِّرُ}[الحشر/٢٤] فجعلوه مصوَّرًا، هو المصَوِّرُ يعني خالقُ الأشكالِ والصوَّرِ جعلوه مخلوقًا مُصَوَّرًا فكذّبوا الآية وكذّبوا {ليس كمثلِهِ شىء}[الشورى/١١] إذًا أشياء كثيرة هي موجودة لا تستطيع أنْ تتصوَّرها وأنت تُصَدِّق بوجودِها، فمِنْ بابِ أوْلى أنْ نعتقدَ ونؤمن ونصَدِّقَ بوجودِ اللهِ معَ أننا لا نستطيع أنْ نتصوَّرَهُ بعقولِنا.
إذًا ليس منْ صحّة الإيمانِ بالشىء أنْ يُتصوَّرَ بالعقلِ لأننا أُمِرْنا أنْ نأخُذَ بالشرعِ لا بالوهم والخيال).
قال رضي الله عنه: فطريقُ النجاةِ هو أنْ يُقال مهما تصوّرْتَ ببالِكَ فاللهُ بِخلاف ذلك. هذا طريقُ النجاة، هذا يوافقُ قولَ اللهِ تعالى في القرآنِ الكريم {ليس كمثلِه شىء}[الشورى/١١]
وقال رضي الله عنه: قول اللهُ لا يَحُول ولا يَزول ولا تُدركُهُ العقول هذه جميلة.