مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (70)
عقيدة أهل الحق تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى
يقول رحمه الله ورضي الله عنه: اللهُ تعالى قسّمَ العقولَ بين عبادِه على أحوالٍ شتّى هذا عقلُهُ له غايةٌ ينتهي إليها وهذا عقلُهُ له غايةٌ ينتهي إليها كما جعلَ صورَهم فيها فروقٌ جعلَ عقولَهم مختلفةً، العقلُ القويُّ يعرفُ أنّ خالقَ العالم لا يكونُ له حجمٌ لأنه لو كان لله حجمٌ لكانَ مثلَ غيرِه لكانَ مخلوقًا.
)هنا إخواني وأخواتي في الله يتكلمُ الشيخُ رحمه اللهُ رحمةً واسعة وغفرَ لنا وله وللمسلمين في قضيةٍ مهمة في أمرٍ عظيم وهو أنّ الناسَ يتفاوتونَ في قوةِ الفهم، الناس ليس كلُّهم في مرتبةٍ واحدةٍ في قوةِ الاستيعاب والإدراك والفهم، بل الناسُ مختلفونَ في ذلك، اللهُ سبحانه وتعالى هو الذي قسَّم الأفهامَ بين العباد كما قسّم الأرزاق وكما أنه سبحانه وتعالى جعلَ صورَ الناسِ على تفاوت كذلك جعلَ عقولَ الناس متفاوتة، يعني ليس كلّ الناس بهيئة وصورةٍ واحد بل هذا شكلُهُ حسَنٌ وهذا أحسن وهذا جميلٌ وهذا أجمل وهكذا، وبعضُ الناس في الفهم هذا فهمُه ضعيف وهذا متوسط وهذا قويٌّ جدًّا، لذلك ينبغي أولًا أنْ ننتبه أنّ الإنسانَ الذي نخاطبُهُ ونكلِّمُه إنْ كان لا يستوْعب ولا يفهم ما يُقال له يُتَساهل معه في العبارات وتُكَلَّم هذه الطبقة بطريقةٍ سهلة هيّنة بألفاظٍ خفيفة، أما إذا أردتَ أردتَ أنتَ أنْ تتكلّمَ بعباراتِ العلماء بالآيات بنصوص الأحاديث والناس الذين معك حولَك أمامَك معظمُهم لن يفهم فماذا تفعل هنا؟
أنت مرادُك التعليم وقصدُك نشر العلم فمن اللائقِ بك أنت كأستاذ كشيخ كداعية كمدرّس كخطيب وما شابه أنْ تنزل بالعبارات إلى مستوى فهم الناس.
أليس في بعضِ الآثار “خاطبوا الناسَ بما يعرفون”؟ حتى الناس يقولون خاطبوا الناسَ على قدرِ عقولِهم.
العاقلُ الذي همُّه التفهيم وإيصال العلم ونقل العلم لا يكون مرادُه الترفّع على الناس ولا يكون مرادُه أنْ يظهرَ بين العامة أنه الفصيحُ البليغُ الذي لا يفهمُه إلا الخاصة، لا.
سيّدُ الفصحاءِ محمد صلى الله عليه وسلم، سيّدُ البُلَغاء محمد صلى الله عليه وسلم لكنْ من حكمتِه وحِنكتِه ورحمتِه وشفقتِه صلى الله عليه وسلم كان كلامُهُ مبيَّنًا وكان أحيانًا يُعيدُ الكلمة ثلاثًا لتُفهَمَ عنه، بل أليس قال بعضُ واصِفِيه لو أرادَ الإنسانُ أو الشخص أنْ يَعُدَّ كلامَهُ لعَدَّه؟
لأنّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام مرادُه أنْ يُفهِمَ الناس وأنْ يفهموا عنه، لذلك قال عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما “أفهِموني ما تقولون وافهموا عني ما أقول”
لذلك يا إخواني ويا أخواتي الإنسان الذي وفّقَهُ اللهُ وأعطاهُ الفهمَ السليم والعقل النيّر وأعطاه الذكاء الواسع هذا يعرف كما ذكرْنا في الدرس السابق بأننا كنا تكلّمنا بأنّ الفهم نعمة من الله تعالى، وتكلّمنا عن قولِ الشيخ “خيرُ ما يُؤتاهُ الإنسان الفهم” وشرحْنا ذلك. وهذا الذي نقرأُه الآن له اتصال من حيثُ المعنى بما سبق.
فالإنسان الذي أُعطيَ الفهمَ الواسعَ يعرف الدين يفهم العقيدة فيثبُت على الحق، يفهم الحق ويثبت عليه، يفهم الصواب ويبقى عليه، يعرف الضلال الفساد لأنّه بالفهم السليم والعقل المنوَّر سمعَ الأدلة سمعَ الآيات سمعَ الأحاديث سمع الإجماع فعرَف وثبتَ ولا يتزلزل ولا يتراجع، هذا معنى الفهم خيرُ ما يُؤتاهُ الإنسانُ لأنك بالفهم تعرف الإيمان تعرف الإسلام وبالفهم تثبت على الدين على الإسلام إلى الممات.
وهنا هذا الذي نحن فيه الآن وهو أنّ أفهامَ الناسِ تتفاوت، هذا أيضًا له ارتباط من حيثُ المعنى بما سبق.
إذًا اللهُ يفعلُ ما يشاء لا يُعترَضُ عليه أنْ جعلَ هذا بليدًا وهذا فهمُه متوسطًا وهذا ذكيٌّ جدًّا، لا، ربي لا يُعترَض عليه فعّالٌ لما يريد، كما قال في القرآن {فعّالٌ لِما يريد}[البروج/١٦]
كما أنّ اللهَ سبحانه وتعالى خصّصَ بمشيئتِه الأزلية بعض الناس أنْ يكونَ مثلًا قصيرَ القامة أو متوسط القامة أو طويل إلى الاعتدال أو طويل جدًّا، هذا لا يُعترَض عليه سبحانه لأنه خصّصَ الناسَ بهذه الأنواع من الطول كما لا يُعترضَ عليه أنّه جعلَ هذا أبيضَ اللون وهذا أسمر وهذا أحمر وهذا أشقر وهذا أسود، اللهُ لا يُعترَضُ عليه، كما لا يُعترَضُ عليه أنْ جعلَ هذا صحيحًا وهذا سقيمًا كما لا يُعترَض عليه أنْ جعلَ هذا فقيرًا وهذا متوسط الحال وهذا من كبار الأغنياء وهذا من الأغنياء الذين هم في الطبقةِ الأولى في الغنى وذاك في الطبقة العليا.
كذلك لا يُعترَضُ عليه في ذلك وهكذا لا يُعترَض عليه أنه رزقَ هذا الإنسان أولادًا وهذا رزقَهُ أنثى وهذا رزقَه ذكر وهذا لم يرزقُه بالمرة، كذلك لا يُعترَضُ عليه في ذلك، وهكذا.
لا يعترَض عليه بأنه خصصَ هذا الإنسان أنْ يكونَ أعجميًّا وهذا أنْ يكونَ عربيا، كذلك لا يُعترضُ عليه أنْ يكونَ خصصَ هذا الإنسان بحيثُ كان تلميذًا للشافعي وفي زمن الشافعي، وخصصَنا نحنُ أنْ نكونَ في هذا الزمان، هذا كلُّه بمشيئةِ الله لأنّ اللهَ تعالى سبقَ في تقديرِهِ الأزلي أنْ يكونَ الناس على هذه الأصناف والأنواع والأحوال والأقسام، كما لا يُعترَضُ عليه أنْ جعلَ هذا عاميًّا وهذا أميًّا وهذا أنْ يكونَ فقيهًا وهذا أنْ يكونَ مُحدِّثًا وهذا أنْ يكونَ حافظًا وهذا أنْ يكونَ مفسِّرًا، كذلك لا يُعترَضُ عليه أنْ جعلَ هذا مؤمنًا مسلمًا من العوامِّ الذين لم يصلوا إلى التقوى وهذا مسلمٌ فاسق وهذا مسلم تقي وهذا مسلمٌ وليّ وهذا مسلمٌ من أصحابِ المقامات العالية والأحوال السنِيّة والكشوفات، هذا كلُّه لا يُعترَضُ عليه، ربي أحكمُ الحاكمين اللهُ تعالى منزّهٌ عن الظلم وهو حكيمٌ في كلِّ فعلِه سبحانه، في كلِّ ما يخلُق، حكيمٌ لا يُعترَضُ عليه سبحانه وتعالى.
وهكذا مسئلة تقسيم الفهم بين العباد(
قال الإمام: اللهُ تعالى قسَّم العقولَ بين عبادِه على أحوالٍ شتّى هذا عقلُهُ له غايةٌ ينتهي إليها
)يعني مثلًا التي هي الدنيا(
وهذا عقلُه له غايةٌ ينتهي إليها (يعني مثلًا القصوى العُليا) كما جعلَ صورَهم فيها فروقٌ (هذا مثلًا أعور هذا أحول هذا ضعيف النظر هذا بصرُه قويٌّ جدًّا هذا يدُهُ مشلولة هذا يدُه قوية وهكذا، فروقٌ في صور وأجساد العباد وربي يفعل ما يشاء، اللهُ يقول {فعّالٌ لِما يريد}[البروج/١٦])
جعلَ عقولَهم مختلِفة العقلُ القويُّ يعرف أنّ خالقَ العالم لا يكونُ له حجمٌ لأنه لو كان للهِ حجمٌ لكانَ مِثلَ غيرِه لكانَ مخلوقًا.
)اللهُ تعالى جعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة فبعضُ الناس من الزعماء من الرؤساء من الملوك من الحكام من العامة من الأساتذة في الجامعات دكاترة أطباء مع ذلك سُخفاء العقول يعني أبدأُ بمثلِ النمرود هذا الذي كان في زمنِ نبيِّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، انظروا هذا حاكم ملِك وكان سخيفَ العقل ضعيف الفهم كان مطموسًا على عقلِه وقلبِه والعياذ بالله تعالى، تصوّروا إبراهيم عليه الصلاة والسلام النبيُّ الكريم دعاه لعبادةِ الله لاتّباع الإسلام ليتركَ الكفر الذي كان عليه، كان يدّعي الألوهية وكان يأمرُ الناس بعبادتِه والعياذ بالله تعالى، إبراهيم صلى الله عليه وسلم منْ جرأتِه وتنفيذِه لأمرِ الله ذهب إلى النمرود ودعاه للإسلام وأمرَه بعبادة اللهِ الواحد الأحد، فقال النمرود: وما الله؟ قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ربي الذي يُحيي ويُميت، انظروا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يخاطب هذا الملِك هذا الحاكم الذي يدّعي الألوهية والعياذ بالله، قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ربي الذي يُحيي ويميت، هذا المغفّل النمورد جاء بإنسان كان في السجن عندَه وكان حكمَ عليه بالموت بالقتل بالإعدام أطلقَ سراحَه عفا عنه قال: أحْيَيْتُ هذا، وجاء بآخر فقتلَهُ ضربَ عنقَه وقال أمَتُّ هذا.
انظروا إلى سخافةِ عقلِه هذا ملك لا تُؤخَذوا بالمناصب، ترى ملِكًا وهو لا يساوي فَلس، ترى رئيسًا ولا يساوي قشرة بصلة، هذا ملِك وانظروا إلى أيّ حضيض كان في الفهم السقيم وفي الانحدار. قتلَ هذا وأطلقَ ذاك قال أمَتُّ هذا وأحييْتُ هذا.
إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمّا رأى أنّ هذا النمرود لا يفهم انتقلَ به إلى أسلوبٍ آخر في المناظرة وهو أسلوب التبكيت بكّتَه يعني أخرسَه قطَعَهُ يعني لقّمَه الحجر.
هذا النمرود لما رآهُ سيدنا إبراهيم لا يفهم ولا يستوعب مُقفَل القلب مُظلم العقل والفهم انتقلَ معه في المناظرة إلى أسلوبٍ آخر يعني حطَّمه كسرَه أخرسَهُ أسكتَه قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام “فإنّ اللهَ يأتي بالشمسِ من المشرق فأتِ بها من المغرب” فبُهتَ الذي كفر ما عرفَ جوابًا يعني كما يقال أُسقِطَ في يدِه أُقعِدَ في مكانِه خرسَ ولم يعرفْ جوابًا.
هذا ملِك وكان في الوحل من حيثُ الفهم كان أعمى القلب فهمُه سقيم سىّء في الحضيض في الانحدار المُتَدَنيّ لذلك ليست العبرة بالمناصب، لا تقل هذا دكتور ولا هذا شيخ علّامة اليوم من المعاصرين عند الغوغاء عند العامة الجُهلاء، أما الذين يفهمونَ حتى من العامة لا يقبلونَه.
مثل هذا الذي يعمل نفسَه دكتور وعلّامة الزمان ويقول ابن تيمية له مئات الأقوال في أنّ اللهَ جسم ومرَكّب ويقول والعياذ بالله بحلولِ الحوادث في ذات الله وقاعد وجالس ولا يقبل بنفي الجسمية عن الله ويقول كذا وكذا وكذا من مئات الكفريات ثم يقول هذا المتكلم ولكنْ أنا لا أكفّرُه، مثل هذا له أتباع ويقولون عنه العلّامة الأستاذ الدكتور ويصفونَه بصفاتٍ كما يقولون ما شمّ رائحتَها.
فالحاصل أنّ المسئلة ليست بالألقاب وليست بالمناصب وليست بالزعامات، يعني هذا ملِك وهذا دكتور وهناك دكتور آخر يسمّونَه العلّامة يقول والعياذ بالله تعالى يجوزُ للمسلمة أنْ تكونَ تحت يهوديٍّ أو نصراني في بلاد الغرب، أين هو من القرآن؟ أليس الله تعالى في القرآن يقول {ولا هم يَحِلّونَ لهنّ}[الممتحنة/١٠]؟ أين هو من الحديث؟ أين هو من الإجماع؟
وهذا أتباعُه كما يقول بعض الناس بالعامية يطَبّلون ويزمّرونَ له يسمونه الدكتور العلّامة الأستاذ الفهّامة وهو انظروا أين والعياذ بالله مكذِّبٌ للقرآن، إذًا لا تُؤخَذوا بالشهرة.
نحن اليوم في زمن العجائب والغرائب، في زمنٍ عمَّ فيه الظلم والظلمات والجهل والفساد، أليس روى الحافظ شمس الدين السخاوي رحمه الله في أشراط الساعة أنّ مِن علاماتِ الساعة الصغرى أنْ يُرفَعَ العلم وأنْ يُوضَعَ الجهل؟
هذا نحنُ فيه الآن، لا تُؤخَذوا هذا إعلامي وهذا محاضر في الجامعة وهذا طبيب وهذا شيخ محاضر وهذا قاضي وهذا مفتي لا، العبرةُ بإصابةِ الحق.
واللهِ لو أنَّ العامي الأمي وافقَ الحق وقال به هو مقَدَّمٌ على كلِّ مناصب الدنيا إنْ خالفَ أصحابها الحق، إنْ قال أصحابُها بالباطل، فهو مردودٌ عليهم ونكون مع قولِ هذا العاميّ الذي وافق الحق من الكتاب والسنة والإجماع.
لذلك ليست العبرة بالمظاهر شكلهُ جميل جدا، لفّتُه تلفت الأنظار عينيه الزرقاوان لحيتُه البيضاء ثيابُهُ التي تبرق، كل هذا ليس العبرة.
الصحابة الكرام بعضُهم كانوا يمشونَ حُفاةً في الطريق يلبَسونَ الإزار، الرسولُ صلى الله عليه وسلم سيّد العالمين أفضل خلقِ اللهِ على الإطلاق من شدةِ تواضعِه منْ عظيمِ تواضعِه كان يركب الجمل والناقة والفرس والحمار والبغل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم منْ شدةِ تواضعِه ينام على الحصير، ليست العبرة بالمناظر العبرةُ بإصابةِ الحق.
الله يقول في القرآنِ الكريم {ومَنْ يُشاقِقِ الرسولَ مِنْ بعدِ ما تبيَّنَ له الهدى ويتِّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنين}[النساء/١١٥] ما قال ويتّبِع غيرَ سبيلِ الأطباء والدكاترة والأغنياء والجُملاء والقضاة، لا، الآيةُ هنا تُلزِمُنا باتِّباعِ الإجماع، {نوَلِّهِ ما توَلّى ونُصلِهِ جهنّمَ وسآءتْ مصيرًا}[النساء/١١٥]
العبرةُ بإصابةِ الحق وبقولِه وبموافقتِه وباتّباعهِ وليست بالمظاهر وليست بالأشكال وبالصور(
قال رحمه الله: فالإنسانُ الذي له عقلٌ قوي يعرف أنّ خالقَ العالم لا يكون له حجمٌ لأنه لو كان للهِ حجمٌ لكان مثلَ غيرِهِ مخلوقًا.
)بهذا العقل القوي المنوَّر بهذا الفهم السليم الصحيح الإنسانُ يعرف الحقائق ويفهم أنّ خالقَ الكون والعالم لا يكونُ حجمًا وليس له حجم لأنه لو كان حجمًا لكان محتاجًا إلى مَنْ يخصِّصُهُ بما هو عليه من قِصَرٍ، لأنّ الحجم قصير أو طويل صغير أو كبير، والحجم أصناف وأشكال وألوان الأحجام كثيرة.
الحجم يحتاج إلى مخصِّص والاحتياجية تُنافي الألوهية، الذي عنده عقل قوي منوَّر فهم سليم صحيح يفهم أنّ خالقَ الكونِ والعالَم ليس له حجم لأنّ اللهَ قال {فلا تضربوا لله الأمثال}[النحل/٧٤]
انظروا لهذا الكون والعالم هو في الأحجام على أحجام مختلفة من صغير جدا إلى كبير جدا، يعني مثلًا أصغرُ شىءٍ خلقَه اللهُ بحيثُ إنه لا يُرى بالعين المجرّدة الجوهرُ الفرد.
ما هو الجوهرُ الفرد؟
هو أصلُ كلِّ الحجوم، بعبارةٍ أخرى الجوهرُ الفردُ من كثرةِ تضاؤلِ حجمِه لا يُرى بالعين المجرّدة، وكل جسم مركّب فمن جوهرين فأكثر.
لنُقرِّب لكم مسئلة الجوهر الفرد لنُحاول نتصوّر كم حجمُهُ الصور، الذرةُ الهباء ما هي الذرة؟ الذرةُ مفرَد الذر والذر هو الشىء الذي نراه في أشعة الشمس عندما تدخل من الكُوّة فنرى في هذه الأشعة شيئًا كالغبار يتطاير بكثرة بالملايين، هذا الهباء هذا الذر ويقال لمفردِه الذرة لو وقفتُم في الشمس وفتحتُم أعينَكم في هذا الهباء هل تُحسّونَ به؟ لا، هل تُحسّونَ أنه دخلَ في أعينِكم؟ لا، ولو حاولتُم قبضَه بيدِكم ثم فتحتموها هل تجدونَ فيها شيئًا من هذا الهباء؟
انظروا معي هذا الهباء كم هو صغير يُرى في أشعة الشمس ولا يُرى في الظل، الجوهر الفرد أصغر من ذلك لأنّ الهباء رُؤيَ بالعين المجرّدة أما الجوهر الفرد لا نراه بالعين المجردة لكنّ اللهَ تعالى قادر على أنْ يخرِقَ العادة فيكشِف لأوليائِه مثلًا فيرَوْن هذا الجوهر الفرد، هذا من حيثُ الممكن ممكن لأنّ اللهَ تعالى قادرٌ على ذلك.
فالحاصلُ هذا الجوهر الفرد أصغر من الهباء، ثم لو أردْنا أنْ نتدرّج في الحجم فبدأنا بذكر الجوهر الفرد ثم إلى الذرة ثم إلى حبة الطحين الدقيق يعني الحنطة القمح عندما يُطحَن ألا يصير دقيقًا؟ كم يكونُ هذا صغيرًا؟ ثم لو أردْنا أنْ نتدرّج بعد ذلك إلى حبة الملح الناعم ثم إلى حبة السكر ثم بعد ذلك إلى حجم حبة القمح ثم إلى حجمِ حبةِ الحمّص ثم إلى حجمِ حبةِ العنب ثم إلى حجم حبة الجوز ثم إلى حجم حبة البرتقال ثم إلى حجم حبة البطيخ ثم إلى حجم حجم الخروف ثم إلى حجم الإنسان ثم إلى حجم الشجرة ….وهكذا إلى الجبل وهكذا إلى البحر وهكذا إلى الأرض وهكذا إلى السموات العُلى من حيثُ الحجم، وهكذا إلى العرش المجيد وما بين ذلك منْ أحجام لم نأتِ على ذكرِها.
يعني من الجوهر الفرد إلى الذرة إلى حبة بذر الخردل إلى العرش المجيد الذي هو أكبر مخلوقات اللهِ حجمًا.
ما فائدة ذكر هذه القضية؟ لنُثبت أنّ هذه الأحجام ليست أزلية ولها بداية ومحتاجة إلى مَنْ خصصها بما هي عليه لأنّ الجسم لا يكونُ أزليًّا، الجسمُ الحجمُ لا يكونُ إلا حادثًا والحجمُ لا يخلقُ نفسَهُ ولا يخلقُ غيرَه لأنّ الذي يقول إنّ الحجمَ أو الجسمَ يخلقُ نفسَهُ يلزَمُ على قولِه أنْ يكونَ قبلَ نفسِهِ ليخلقَ نفسَه وهذا تناقض، كيف يكونَ قبل نفسِهِ ليخلقَ نفسَه؟ وهذا كفرٌ وضلال، والحادثُ لا يخلقُ حادثًا آخر، يعني ليس فقط أنه لا يخلقُ نفسَه ولا يخلقُ غيرَهُ لأنّ المخلوق لا يخلق وعجزُهُ ظاهر والعاجزُ لا يكونُ إلهًا ولا يكونُ خالقًا.
فأنتم الآن مخلوقون أنا وأنتم وكل هذه العوالم وكل هذه الأجسام وكل هذه الأرض والبحار والجبال والشمس والقمر والنجوم والسموات والأرض والعرش لو اجتمعنا ولم يتخلّف واحد من كلّ هذه المخلوقات هل نقدر على خلقِ حبةِ بذر خردل واحدة؟ والله لا نقدر، فلو اجتمعنا لا نقدر كيف لو كنا متَفرِّقين؟
إذًا المخلوقُ لا يخلقُ لا الشمس تخلق ولا الجبل يخلق ولا الأرضُ تخلقُ ولا العرشُ يخلق ولا الملائكة يخلقون ولا الأنبياء يخلقون، كلّنا مخلوقون لله والمخلوقُ عاجز والعاجزُ لا يكونُ خالقًا لا يكونُ إلهًا لا يكونُ ربًّا.
الجسمُ الحجمُ الحادثُ المخلوق لا يخلقُ نفسَهُ ولا يخلقُ مخلوقًا آخر والمخلوقُ لا يكونُ أزليًّا المخلوقُ لا يكونُ إلا حادثًا، يعني عاجز، محتاجٌ إلى مَنْ خصّصَهُ بما هو عليه من الحجمية ومن هذه الصفة بدلَ غيرِها، والمحتاجُ لا يكونُ خالقًا لهذا الكون فثبتَ بالدليل العقلي أنّ اللهَ ليس حجمًا وليس له حجم وليس كيفًا وليس له كيْف لأنه خالقُ الكيف وخالقُ الجسم وخالقُ الحجم، العقلُ السليم القوي الفهمُ القوي يعرفُ ذلك ويعتقد صاحب العقل السليم والفهم السليم هذا الاعتقاد ويرفض التشبيه والتجسيم ويرفض القول بحلول الحوادث في ذات الله ويرفض القول بالتغيّر في ذات الله ويرفض القول بأنّ اللهَ قاعد أو جالس أو جسم أو حجم أو شكل أو صورة أو كمية.
مَنْ له فهمٌ سليم فهمٌ كبير يعرف هذه الحقيقة لأنّ اللهَ أنزلَ الكتبَ السماوية الصحيحة الأصلية بهذه العقيدة ولو كانت العقول السليمة لا تقبلُها كيف أنزلَ الكتبَ السماوية الصحيحة بهذه العقيدة؟
أين ذلك؟ في قولِه {ليس كمثله شىء}[الشورى/١١]، أين ذلك؟ في قولِه {فلا تضربوا لله الأمثال}[النحل/٧٤] أين ذلك؟ في قولِه {هل تعلمُ له سمِيًّا}[مريم/٦٥] أين ذلك؟ في قولِه {ولم يكن له كفُوًا أحد}[الإخلاص/٤] أين ذلك؟ في قولِه {سبحان الذي أسرى بعبدِه}[الإسراء/١] أين ذلك؟ في قولِه {سبِح اسمَ ربِّكَ الأعلى}[الأعلى/١] علوّ القدر والشأن والعظَمة وليس المكان والجهة والحيّز والجسم، أين ذلك؟ في قولِه تعالى {الحمدُ لله ربّ العالمين}[الفاتحة/٢] خالق العالمين، لو كان كالعالمين ما كان خالقًا لهم، أين ذلك؟ في قولِه {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] ولو كان جسمًا لكان مخلوقًا ولو كان مخلوقًا ما استطاعَ أنْ يوجِدَ العالم والعالمُ موجودٌ بالحسِّ والضرورةِ أم لا؟ بلى، فخالقُه لا يشبهُهُ بوجهٍ من الوجوه.
ثم هذه الآية {الحمد لله رب العالمين}[الفاتحة/٢] التي احتجّ بها حفيدي الصغير وفهِمَ من هذه الآية أنّ اللهَ تعالى هو الخالق والخالق لا يكونُ كالمخلوق فلا يكونُ جسمًا ولا يكون له مكان فهو موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان.
من هذه الآية {الحمد لله رب العالمين}[الفاتحة/٢] لو كان جسمًا لو كان له مكان لو كان شكلًا لو كان حجمًا ما استطاعَ أنْ يوجِدَ العالم والعالمُ موجود فمُوجدُه لا يشبِهُه بوجهٍ من الوجوه وهو الله سبحانه.
العقلُ السليم والفهم السليم وصاحب الفهم الواسع يعتقد هذا الاعتقاد وهذا نصّ عليه القرآن {فلا تضربوا لله الأمثال}[النحل/٧٤] {لا مِساسَ}[طه/٩٧]
والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول [لا فكرةَ في الرب] رواه السيوطي وأبو القاسم الأنصاري. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول [كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيرُه] رواه البخاري والبيهقي
والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول [اللهم أنتَ الأولُ فليس قبلَك شىء وأنت الآخِرُ فليس بعدَك شىء] وهذا مُوافقٌ تمامًا لمعنى الآية في سورةِ الحديد {هو الأولُ والآخِر}[الحديد/٣] إذًا أزليٌّ أبدي والأزلي لا يكونُ جسمًا ولا يكونُ حجمًا ولا يكونُ كيفًا ولا يكونُ شكلًا ولا كميةً ولا قاعدًا ولا جالسًا ولا متغيّرًا ولا يكونُ متبدِّلًا ولا يكونُ متطوِّرًا ولا يكونُ ضوءًا، والأزليُّ لا يكونُ ظلامًا ولا غيمًا ولا ماء ولا روحًا ولا يكونُ ساكنًا السماء ولا جالسًا على العرش، والأزلي لا يكونُ حالًّا في الفضاء ولا يكونُ حالًّا في الكعبة ولا يكون حالًّا في الجنة ولا يكونُ حالًّا في الأنبياء ولا حالًّا في الأولياء ولا حالًّا في الناس ولا يكونُ حالًّا في الصوَر، والأزليُّ لا يوصَف بالإحساس ولا يوصف بالشعور ولا باللذة ولا بالألم بالتأثر ولا بالتغيّر والانزعاج والألم والموت والزوال لأنه قال {هو الأولُ والآخر}[الحديد/٣] أزلي أبدي، هذا القرآنُ وهذه الأحاديث، فصاحبُ الفهم السليم يُقرّ بهذا ويعتقد أنّ اللهَ لا كيف ولا شكل ولا حجم له موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهة ولا مكان.
أما مَنْ ختم اللهُ على قلبِه وأعماهُ وأضلَّهُ وأصمَّهُ وفي أوديةِ الكفرِ أرْداهُ والعياذ بالله يقول ويعتقد بأنّ اللهَ جسم وشكل وحجم وكيفية ويتغيّر وقاعد وجالس كهؤلاء المشبهة الذين حذّرْنا منهم من قديم إلى اليوم.
لذلك يا إخواني ويا أخواتي اشكروا اللهَ أنْ وفَّقَكم لفهمِ عقيدة الأنبياء، اشكروا اللهَ أنْ وفقكم لفهمِ عقيدةِ أهل السنة وأنْ وفّقكم لفهم عقيدة الملائكة ولفهمِ عقيدة الصحابة ولفهم عقيدة آلِ البيت الكرام، اشكروا اللهَ أنْ وفقكم لفهمِ عقيدةِ الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة والأقطاب الأربعة ولفهم عقيدة أهل السنة والجماعة والأشاعرة والماتريدية.
الذي له فهمٌ واسع وعقل كبير يفهم هذا الذي شرحناه ويُقرُّ به ويعتقد ويصدّق ولا يتردد في ذلك.
ومن هنا يا إخواني هذه الحملة التي يعملُها بعض الإخوة من الأشاعرة والماتريدية في الدنيا وبلغني لله الحمد والفضل أنها توسّعَتْ وأنّ الكثيرَ من الناس شارك فيها وبعضُهم يسأل عن أقوال للعلماء يريد نقولًا ونصوصًا للعلماء أقولُ لكم يا إخواني هذه المسئلة إجماعية وهذه المسئلة ليست من المسائل الخلافية، يعني أنْ تنزِّهَ اللهَ عن الكيفية عن القعود عن الجلوس عن المكان نصٌّ واحدٌ يكفي {ليس كمثلِه شىء}[الشورى/١١]
وسيّدُنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بابُ مدينةِ العلم نفَى الكيفية عن الله.
روى الإمام الحافظ أبو نُعَيم في الحلية عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال “مَنْ زعمَ أنّ إلهَنا محدود فقد جهلَ الخالقَ المعبود” والمحدودُ كيف الحدّ يعني الحجم يعني الكمية صغيرةً كانت أو كبيرة، يعني هذه كيفية من الكيفيات.
الله الذي نزّهَ نفسَهُ عن الحدّ والكمية يقول {ولم يكن له كفُوًا أحد}[الإخلاص/٤] ليس له شبيهًا ولا مثيلًا أحد.
“مَنْ زعمَ أنّ إلهَنا محدود” يعني اعتقد أو قال بأنّ اللهَ له كمية صغيرة أو وسط أو كبيرة لو قال ممتدة إلى غيرِ نهاية أو ممتدة إلى حيثُ لا نعرف، هذا كافرٌ بالله لو قال بلا نهايةٍ نعرفُها لو قال إلى حدٍّ متوسط هذا كافرٌ بالله، كلّ مَنْ جعلَ اللهَ كميةً وحدًّا أو جعلَ له حدًّا لو قال ينتهي إلى حيثُ لا نعلم أو قال لا ينتهي بالمرة فهو كافر.
احفظوا هذا القول “مَنْ زعمَ أنّ إلهَنا محدود –يعني له حجم له امتداد له مساحة مسافة شكل هيئة قعود جلوس صورة كمية كيفية- فقد جهلَ الخالقَ المعبود” ومَن جهلَ اللهَ كان كافرًا به كما قال ذلك سيدُنا وإمامنا وقدوتُنا وملاذُنا أبو الحسن الأشعري رئيسُ أهلِ الإسلام من القرنِ الرابع الهجري إلى اليوم، رئيس أهلِ السنة والجماعة وأبو منصور الماتريدي محمد بن محمد بن محمود.
الأشعري قال “مَنْ جهلَ اللهَ كان كافرًا به” وهذا معنى ما قالَه سيدُنا علي قبلَه، والأشعري هو علي بن إسماعيل.
ثم بعد علي بن أبي طالب وبعد الأشعري قال علماءُ الإسلام كالإمام مالك وكان قبل الأشعري من حيثُ الزمان قال “ولا يُقالُ كيف وكيفَ عنه مرفوع” وفي روايةٍ “والكيف غيرُ معقول”
هذا الذي رواه البيهقي بإسنادٍ جيد.
واحذروا كلّ الحذر مما تلهثُ به المشبهة المجسمة فيقولون والكيفُ مجهول.
والكيفُ مجهول على زعمِهم يعني أثبتوا له حجمًا شكلًا صورةً كيفًا لكنْ هذا الكيف هل هو مربَّع مخَمّس مثلث مثَمَّن متَسَّع، يقولون لا نعرف. وهذا والعياذ بالله لمَن فهمَ من الكيف هذا الكلام فهذا ليس من المسلمين.
سيدُنا علي قال أيضًا “إنّ الذي كيّفَ الكيفَ لا كيفَ له”
القول الأول “مَن زعمَ أنّ إلهَنا محدودٌ فقد جهلَ الخالقَ المعبود”
وروى أبو إسحاق الإسفراييني عن علي بن أبي طالب أنه قال “إنّ الذي كيّفَ الكيفَ لا كيفَ له”
هذا الكلام الرائع احفظوه.
ثم الإمام مالك ثم الأشعري قال “مَنْ جهلَ الله كان كافرًا به”
وبعد هؤلاء الكرام مَن منَ العلماء الكرام نفى الكيف عن الله؟
أبو سليمان الخطابي الفقيه الحافظ المشهور شيخ الحفاظ والفقهاء والعلماء قال فيما نقل عنه البيهقي “إنَّ الذي يجبُ علينا وعلى كلِّ مسلمٍ أنْ يعتقدَهُ أنّ ربَّنا عز وجل ليس بذِي صورةٍ ولا هيئة إذْ أنّ الصورةَ تقتضي الكيفية والكيفية عن اللهِ وعن صفاتِه منفية”
يعني صفاتُه ليست جوارح ليست أجسامًا أشكالًا كميةً حجمًا صورةً لا، هذا منزَّهٌ عنه ربُّنا، فاللهُ ذاتُهُ ليس كميةً ذاتُهُ ليس كيفيةً وصفاتُهُ لا كيفية ولا شكل ولا صورة ولا حجم لأنّ اللهَ صفاتُه ليست كصفاتِ خلقِهِ.
بعد هؤلاء مَنْ أيضًا؟
سيدُنا وإمامُنا وغوثُنا ومفزَعُنا وليُّ الله الشهير القطب الكبير الغوث الرفاعي رضي الله عنه قال “غايةُ المعرفةِ بالله الإيقانُ بوجودِه تعالى بلا كيفٍ ولا مكان”
هذا الذي عليه الصحابة ومَنْ بعدَهم إلى يومِنا هذا وعلى هذا الإجماع، فلا تلتفتوا إلى الذين يلهثون ويعلِكونَ الكلام فيقولون والكيفُ مجهول يموِّهونَ بهذا الكلام ليُثبتوا بعد ذلك على زعمِهم أنّ اللهَ تعالى جالس أو قاعد أو حجمٌ أو شكلٌ أو صورة.
ويا إخواني، العلماء حذّروا ونبّهوا من هذه العقائد الفاسدة الكاسدة التي من اعتقدَها أو اعتقدَ شيئًا منها لا يكون من المسلمين، بل بيّنَ العلماءُ رحمهم الله رحمة واسعة أنّ الذي يشبّهُ الله بخلقِه ويعتقد في الله الكيفية أو الجسمية أو الحجمية هذا ليس من المسلمين، وبيّنوا أيضًا أنه لا تجوزُ الصلاةُ وراءَهُ ولا تصحّ الصلاة منه إذا صلّى.
لذلك علينا أنْ ننتبهَ وأنْ لا نُؤخذَ بمجرد المظاهر كما قلنا وبيّنا وحذّرْنا.
وممّن نقلَ الإجماعَ على تنزيهِ اللهِ تعالى عن الجهةِ وعن المكان وعن الحيّز الشيخ الإمام الأستاذ عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابِه تفسير الأسماء والصفات، هذا الكتاب المخطوط.
ثم قال “وأجمعوا –أي أهل السنةِ والجماعة- على أنه –أي الله- لا يحويهِ مكان ولا يجري عليه زمان” وهذه العبارة بعينِها أيضًا موجودة في كتابِه الفرق بينَ الفِرق.
وقال إمامُ الحرمين عبدُ الملك بن عبد الله الجويني الشافعي “ومذهبُ أهلِ الحقِّ قاطبةً أنّ اللهَ سبحانه وتعالى يتعالى –ينزّه ويتقدّس- عن التحيّزِ والتخصصِ في الجهاتِ”
وقال المفسر الرازيُّ المشهور “انعقدَ الإجماع على أّنّه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهةِ والحيّز”
وقال الشيخ إسماعيل الشيباني الحنفي “قال أهلُ الحق: إنّ اللهَ تعالى مُتَعالٍ عن المكان غيرُ مُتَمَكِّنٍ في مكان ولا مُتَحَيّز إلى جهة خلافًا للكراميةِ والمجسّمة”
وقال سيفُ الدينِ الآمِدي ما نصُّه بعد كلامٍ “كلّ ذلك اختلافٌ منهم في العبارة مع اتفاقِهم جميعًا في المعنى أنه تعالى ليس بمتمَكِّنٍ في مكان ولا مُتَحيِّز بجهة”
وقال الشيخ الفقيه القاضي ابن جَهبل الحلبي الشافعي في رسالتِه التي ردّ فيها على الفيلسوف ابن تيمية الحراني والذي نفى فيها الجهة عن اللهِ تعالى “عقيدةُ أهلِ السنة –التي كان عليها الصحابة ومن بعدهَم كعمر وعلي- تنزيهُ اللهِ عن الجهةِ والمكان”
قال ابنُ جهبل”وها نحنُ نذكرُ عقيدةَ أهلِ السنة فنقول: عقيدتُنا أنّ اللهَ قديمٌ أزلي لا يشبهُ شيئًا ولا يشبِهُهُ شىء ليس له جهةٌ ولا مكان”
وقال الشيخ الإمام الحافظ تقيُّ الدين السبكي الشافعي الأشعري عنْ عقيدةِ أهلِ السنة والجماعة المشهورة بعقيدة ابن عساكر أو بالمرشدة التي ألّفَها وجمعَها الفقيه الأمير محمد بن (دومارت) رحمه الله وشُهرَت في بلاد الشام بعقيدةِ ابن عساكر لأنه كان كثيرًا ما يدرِّسُها في فلسطين وفي بيت المقدس وفي بلاد الشام، قال السبكي عن هذه العقيدة بعد أنْ ذكرَ هذه العقيدة ما نصُّهُ:
“هذا آخرُ العقيدة وليس فيها ما يُنكرُه سنيّ، وهذه العقيدة المرشدة جرى عليها من حيثُ المنهج والعقد المستقيم وأصحاب فيما نزّه العليَّ العظيم” –يعني أهل الحق أهل السنة والجماعة الذي نزّهوا اللهَ تعالى عن صفات المخلوقين-
وهناك نقول كثيرة هنا بين يديّ ممنْ نقلوا الإجماع، أما الذين قالوا الله موجود بلا مكان فهؤلاء قدرَ استطاعتِنا جمَعْنا فيهم كتابًا وهو “مُعجم أهلِ الإيمان في تنزيه الله عن الجسمية والكيفية والمكان”
هذا الكتاب أربع مجلدات في أقوالِ أهل السنة والجماعة بدأنا فيه بالآيات بالأحاديث بالإجماع بأقوال الصحابة بأقوال علماء المذاهب الأربعة وأهل التفسير والقضاة والأئمة والأولياء إلى عصرِنا هذا.
ثم جمعْنا أيضًا مُعجم في عقائدِ أهلِ السنة الذين نزّهوا اللهَ عن الجسمية والكيفية والشكل والصورة “معجم الأصول الجامع لمتونِ عقيدةِ الرسول” صلى الله عليه وسلم، وهذا خمس مجلّدات، 129 رسالة، بدأنا من السلف إلى اليوم، هذه رسائل في تنزيه الله عن المكان والجهة والجسمية والحلول وصفات المخلوقين، ثم في آخره أخذنا مقتطفات وأقوالًا لبعض العلماء 107 عالم.
وجمعنا كتابًا يُعتبَر مُعجَمًا أيضًا “إجماعُ أهلِ التنزيل على إثبات حقيّةِ التأويل” هذا ثلاث مجلدات في الذين أوّلوا تفصيليًّا أو إجماليًّا من الصحابة إلى اليوم.
وهذه “الموسوعة الإسلامية في شروحِ متون العقيدة الأشعرية والماتريدية”
في هذه الكتب المئات من أقوال العلماء وأهل السنة والجماعة من عهد الصحابةِ إلى اليوم في تنزيه اللهِ عن الجهة والكيفية والجسمية والمكان والقعود والجلوس وأقوال العلماء في تكفير المجسمة، بل ونقل الإجماع في ذلك.
ثم هنا في هذا الكتاب ذكرْنا أقوالًا كثيرة في تكفير مَنْ نسبَ لله المكان أو القعود أو الجلوس، وعقدْنا فصلًا فيه أقوال العلماء بالمنعِ من الصلاةِ خلفَ المُبتدِع الكافر ببدعتِهِ كالمجسّم.
مثلًا: “يقول الفقيه المحدّث الحافظ اللغويُّ محمد مرتضى الزبيدي رحمه الله رحمة واسعة في كتابِهِ “إتحاف السادة المتقين” عن سفيان الثوري أنّ الصلاةَ تصح خلفَ المُبتدِع، المراد أنّ البدعَة التي لا نكفِّر صاحبَها –يعني الذي لم يصل إلى حدّ الكفر- وإلا لم تصح إمامتُه، قال ما نصُّه: القدوةُ بأهلِ الأهواءِ صحيحة –يعني الذين لم يصلوا إلى حال الكفر- إلا الجهمية والقدرية والروافض الغالية والخطابية ومَنْ يقول بخلقِ القرآن –يعني من يقول بخلق الصفة الذاتيه- والمشبهة ونحوِهم ممّنْ تكفِّرُه بدعتُه” هذا كلام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي.
وقال الحافظ المجتهد ابن المنذر في الأوسط قيل للثوري رجل يكذّب بالقدر أصلي وراءَه؟ قال لا تقدِّموه .
قال النووي في المجموع باب صفة الأئمة فصل في إمامة الكافر في الصلاة:
“ولا تصح الصلاة خلفَ أحدٍ من الكفار على اختلافِ أنواعِهم وكذا المُبتدع الذي يُكفَّر ببدعتِه”
وقال في باب صفة الأئمة فصل “الصلاةُ خلفَ الفاسق –قال ابنُ المنذر- إنْ كُفِّرَ ببدعةٍ لم تجُز الصلاةُ وراءَهُ وإلا فتجوز وغيرُه أوْلى” يعني هذا إنْ وصل إلى التشبيه والتجسيم إلى التكذيب بالقدر إلى تكذيب عقيدة أهل السنة والقرآن هذا كافرٌ لا يُصلّى وراءه.
وقال الإمام الكبير أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق ما نصه “وأما أهلُ الأهواء من الجارودية والهاشمية والنجارية والجهميةِ والإمامية الذين كفّروا خيارَ الصحابة، والقدرية المعتزلة عن الحق والبكريةِ المنسوبةِ إلى بكرِ بن أختِ عبد الواحدِ والضِّرارية والمشبهة كلُّها والخوارج فإنّا نكفِّرُهم كما يكفّرونَ أهلَ السنة ولا تجوزُ الصلاةُ عليهم عندنا ولا الصلاة خلفَهم”.
وهناك كثيرٌ من الأقوالِ ما استطَعنا أنْ نقرأها لضيقِ الوقت، هذا الكتاب “القواعد القرآنية والأصول الإيمانية في تنزيه الله عن الجسمية والصورة والكيفية”
فللذين يطلبون النصوص وأقوال العلماء من السلف والخلف إلى يومِنا هذا إنْ شاءوا يرجعوا إلى هذه المعاجم وإلى هذه الكتب ففيها المئات وما شفى وكفى.
والحمد لله رب العالمين