الجمعة أبريل 19, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول “رقم (69)

 

عمى القلب نوعان

 

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد طه النبي الأمي العالي القدر العظيم الجاه وعلى آلهِ وصحبه ومَن والاه

قال الشيخ رضي الله عنه: خيرُ ما يُؤتاهُ الإنسانُ الفهم

(هذه العبارة سبق معنا في الدروس يمكن الدرس الرابع أو الثالث إلى الوراء تكلمنا عن مثل هذه العبارة، لأنّ الفهم السليم الذي به يفهم الإنسان الإيمان والتوحيد والعقيدة والإسلام والتنزيه ويثبت على ذلك ويعمل بمُقتضاه يؤدي به إلى النجاة إلى الأمن والأمان والخير والنجاح والفلاح، الفهم السليم هذا إذا عملتَ بمقتضاه والتزَمتَهُ كنتَ من الفائزين لذلك قال “خيرُ ما يؤتاهُ الإنسان الفهم” هذا مع الإيمان لأنّك بالفهم تفهم الإيمان، بالفهم تعرف التنزيه بالفهم تعرف الأحكام تتعلم تفهم تطبّق تلتزم تثبت على ذلك.

أما الذي لم يؤتَ هذا الفهم الذي فهمُه سليم ينزلق إلى الكفر إلى الضلال إلى التشبيه إلى التجسيم إذا مات على غير الإسلام خسر الدنيا والآخرة.

وإذا أردنا أن نقول بما هو أقل من ذلك، يعني هو مسلم لكنّه بسبب فهمِه الضعيف كان ينجرف إلى الكبائر إلى الموبقات، هذا أيضا يعرّضُ نفسَهُ للهلاك لكنْ أقل ممّنْ وصلَ إلى الكفر.

فالحاصل الفهم السليم الذي به يتوصل الإنسان للثباتِ على الحق هذا خيرٌ عظيم وخير كبير وطريقٌ للنجاة.

كم منْ أناس انزلقوا إلى وِهادِ الكفر والضلال، إلى أودية الجهل إلى وحول الشرك والتشبيه والتجسيم بسبب سوء الفهم لو كان منظورًا عند أهل الدنيا في الدنيا، للدنيا، لو كان منظورًا في الدنيا بما يسمى الاكتشافات والعلوم الكونية لكنْ فهمُه السقيم أدى به والعياذ بالله إلى اتّباعِ غير الإسلام أو ليقعَ في التشبيه ليقعَ في التجسيم ليقع في التضارب في الآيات المتشابهات، هذا فهمُه السقيم أدى به إلى تشبيه اللهِ بخلقِهِ.

وكم مِنْ أناسٍ ممنْ لهم شهرة واسعة في الدنيا هم من المشبهة أو من المجسمة قلوبُهم عمياء عقولُهم ضعيفة سقيمة مريضة لم يُؤتَوا الفهم السليم، لأجل ذلك قال الشيخ رحمه الله رحمة واسعة “خيرُ ما يؤتاهُ الإنسان الفهم”

لذلك مَنْ فتحَ اللهُ قلبَه ونوَّر عقلَه بنورِ المعرفةِ والإيمان فليَحمد الله وليَثبتْ على ذلك)

 

قال الشيخ رحمه الله: عمى القلب

عمى القلبِ نوعانِ: الجهلُ بالإسلام الجهلُ بحقيّةِ الإسلام، والجهلُ بالحقوق التي هي دونَ ذلك كلٌّ يقال له عمى القلب نسألُ اللهَ النجاة

(الآن يحذّرُنا رحمه الله من عمى القلب، عمى القلب كما تكلمنا في المجلس السابق عن الأقفال المعنوية التي على القلوب، الآن يحذّرنا الشيخ رحمه الله من عمى القلب.

وهنا تنبيه عمى القلب أخطر من عمى البصر إذا كان الإنسانُ موقِنًا مؤمنًا مُهتدِيًا. لذلك الإنسان إذا كان على الهُدى على الإسلام وقلبُه منوَّر بالإسلام بالإيمان وهو على الهدى على الإيمان على الإسلام مع عمى البصر هذا لا يضرُّه.

هنا علينا أن ننتبه، الله عز وجل يفعل ما يشاء هو الهادي، فالإنسان الذي عرف الحق والإيمان ولو كان أعمى البصر هذا لا حرجَ ولا بأسَ عليه، أما الذي جهلَ الإسلام جهلَ التوحيد لو كان مُبصِرًا بعينيه هذا لا معنى لبصرِ عينيه.

الآن نتوسّع قليلًا بهذه العبارة، كم وكم من الزعماء والرؤساء والملوك والشعراء والفصحاء والبلغاء والشعراء والقادة وزعماء العشائر قديمًا وحديثًا، كم وكم من الناس الذين يقال عنهم العالم الفلاني الذي اكتشف كذا الذي توصّل إلى كذا الذي اكتشف الدواء الفلاني أو توصّل إلى صناعة القمر الاصطناعي أو ما شابه كلّ هؤلاء لا يكونونَ من أصحاب القلوب  المنوّرة إنْ كانوا على غير الإسلام.

أما مَنْ عرف الإيمان الإسلام عرف حقية الإسلام فهذا الذي هو منوَّر القلب، لماذا؟

النتيجةُ واضحة وسهلة لمَنْ يفهم، رجعنا لمسئلة الفهم، المؤمن المسلم نتيجةُ أمرِه إنْ مات على ذلك إلى الجنة وأما غير المسلم من مشبّه من مجسم منْ مكذّب بالإسلام ممن يقول بالتضارب في القرآن ممن يعبد غير الله ممن يشرك بالله ممن يتّبع البوذية الهندوسية السيخية اليهودية الوثنية المجوسية أو أيّ دينٍ آخر هذا مآلُه ونهايتُه إلى جهنم فماذا يكون فعل بنفسِه؟

أذلّها وحقّرَها وأهانَها لأنه بقيَ على عمى القلب إلى أنْ وصل إلى جهنم، مع أنّ له عقل وكان مُبصِرًا وسمع بدعوةِ الرسل وسمعَ الكتابَ الذي أنزلَه اللهُ على رسولِه وربّما قرأه أو سمِعه ومع ذلك اختار الكفر اختار العمى اختارَ الضلالةَ اختار الشرك اختار التشبيه اختار التجسيم اختار الكفر على الإسلام على الهدى على النور على الحق على الضياء فكانت النتيجة أنْ مات على غير الإسلام وكان مخلّدًا في جهنم إلى أبدِ الآبدين، كان مخلّدًا في النار لأنه مات على الكفر وهو من المكلفين فمآلُه إلى النار إلى جهنم.

عندما أقول النتيجةُ ظاهرة لأنّ الذي يموتُ على الكفر إلى جهنم فهذا قلبُه أعمى لو كان في الدنيا اكتشف مائة اكتشاف، ماذا يعني؟ كم من الدواب ننتفع بها ونستفيد ونركب عليها وتقضي لنا الحاجات وتأخذُنا المسافات لكنها بهائم ماذا يكون من أمرِها؟

وهكذا مَنْ كان مُبصِرًا بعينيه وقلبُه أعمى لو كان كهذه البهيمة التي يركبُها الكبير والصغير والرجل والمرأة والضعيف والقوي والغني والفقير هي بهيمة، ما تفعل وإنْ كانت سببًا لقضاء حاجات؟ وهذا أعمى القلب ومبصِرٌ بعينيه هذا لو اكتشف ألف اكتشاف ونفع الناس نهايتُه إنْ مات على غير الإسلام إلى النار إلى جهنم.

هنا فرّقَ رحمه الله وميّزَ بين الخطر الأكبر في عَمى القلب الذي هو القسمُ الأول وما يؤدي إلى الجهل بالإسلام وبحقّية الإسلام، وهذا يكونُ والعياذ بالله من الكافرين لأنه إما أنه يعبد غيرَ الله يُشرك بالله يسبّ الله يسبّ الإسلام يسبّ القرآن، أو يحتقر الإسلام أو يستخف ويستهزىء به، أو يعترض على شريعة الإسلام يعترض على القرآن يعترض على الأحكام الإسلامية والأحكام القرآنية، نعم هذا من القسم الأول الذي يقع في الكفر والضلال، فهذا العمى الأكبر في القلوب.

وهناك العمى الأصغر في القلوب وهو ما كان دون الكفر، العمى الأكبر في عمى القلوب ما كان مؤدّيًا إلى الكفر، العمى الأصغر في القلوب ما كان دون الكفر لم يوصِلْ إلى الكفر وهذا أيضًا هو أنواعٌ كثيرة.

من الأمثلة عليها كالإنسان الذي يتهاون في أمورِ الفتوى فيُفتي بغيرِ علمٍ ولم يصل إلى حدّ الكفر هذا وقعَ في الكبائر في الفسق في الفجور، صار ظالمًا لنفسِه متهَتِّكًا، صار لجرأتِهِ على الدين لهجومِهِ على الدين صار فاسقًا من أهلِ الكبائر وإنْ لم يصل إلى حدّ الكفر، أما إنْ وصل إلى حدّ الكفر صار من القسم الأول الذي هو عمى القلب الأكبر وهو الكفر والعياذ بالله.

أما إذا كان يُفتي بغير علم بما لا يؤدّي إلى الكفر هذا من عمى القلب الأصغر لأنه أدّى به إلى الكبيرة أدى به إلى الفسق، واليوم الكثير من الناس يتجرؤون على الفتوى بغير علم، الكثير من الناس يهجمونَ هجومًا على الفتوى يظنّونَ كأنّهم يأكلونَ العسل واللحم لا، بعض الصحابةِ قال “أجرؤُكم على الفتوى أجرؤُكم على النار”

حتى قال بعض العلماء الذي يُفتي في كلّ شىء ويتكلم في كلّ شىء هذا مجنون، أرادوا بالمجنون التشبيه يعني كأنه مجنون، كما المجنون الذي يورّطُ نفسَه يُلقي بنفسِهِ يأكل السم يضرب الرصاص على نفسِهِ هذا مجنون والذي يهجم على الدين يتكلم في كلّ شىء بدون علم، يفتي في كل شىء، هجومًا بلا علم ولا مُستنَد، هذا كالمجانين يشبُه المجانين من بعض النواحي.

لذلك الحذر الحذر أجرؤكم على الفتوى أجرؤُكم على النار.

كذلك من أنواعِ عمى القلب الذي هو من الكبائر من الفسق والفجور ما يُفتي به بعضُ الناس اليوم والعياذ بالله تعالى بأحكام تتعلق بالطلاق أو بالنكاح أو بالبيع أو بالشراء أو بالربا مما هو مخالفٌ للشرع لكنْ بسبب المؤسسات العصرية وبسبب الدوائر العصرية والرسمية صار بعضُهم يتماشى معها، بل إنّ بعضَ الناس رجَع إلى زوجتِه التي كانت بعد أنْ طلّقَها بالثلاث وهو والعياذ بالله يعرف أنها حرُمَتْ عليه، لكنْ بفتوى هذا الدجال أو بفتوى هذا المحتال أو بفتوى ذلك الشيخ الذي يُفتي لأجل المال رجَع فعاشرَها، هذا هناك تفصيلٌ في أمرِه، إنْ رجعَ إليها وعاشرها وهو يعتقد أنّ هذه المعاشرة حلال وقد عرف الآيات عرف الأحاديث عرف الإجماع أنها في دين الإسلام هذا حرامٌ وباطلٌ وهي محرّمةٌ عليه ومع ذلك استَحلّه صار من الكافرين لأنه كذّب الله كذّب القرآن.

اللهُ يقول في القرءان الكريم {الطلاقُ مرتان فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان} [البقرة/٢٢٩]، إلى قولِهِ عز وجل {فإنْ طلّقَها}[البقرة/٢٣٠]– يعني الثالثة – {فلا تحلُّ مِنْ بعدُ حتى تنكِحَ زوجًا غيرَه}[البقرة/٢٣٠] هذا القرءان.

وأما من الحديث ففي صحيح البخاري وعند البيهقي وعند كثير من الحفاظ صحابية زوجُها طلّقَها بالثلاث ثم قبل أنْ يدخلَ عليها الزوج الثاني جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تسألُهُ ماذا تفعل، قال لها [تريدينَ أنْ ترجِعي إلى رِفاعة؟ لا تحِلّينَ له ولا يحِلُّ لكِ حتى تذوقي عُسيْلَتَه – عن الثاني – ويذوقَ عُسيْلَتَكِ -] يعني يحصل نكاح عقد زواج صحيح ثم يحصل دخول حقيقي من الثاني بها ثم هذا الثاني إنْ شاء يطلِّقُها بعد أنْ يدخلَ بها وليس بمجرد العقد، وإلا لماذا قال [حتى تذوقي عسيلَته ويذوقَ عُسيْلَتَكِ]؟ كناية عن الجماع، هذه من الألفاظ التي كنّى بها الرسول عليه الصلاة والسلام عن حقيقة الجماع، ثم هذا الزوج الثاني بعدَما يدخل بها إنْ شاء يطلّقُها ولا يكونُ مُكرَهًا، يعني لا يأتي الزوج الأول يقول له طلِّقْها أو أقتُلُك، تحت القتل والتهديد بالقتل والإكراه لا يقع الطلاق من الثاني، فهذا الثاني إنْ أرادَ يطلّقها، فإنْ طلّقَها أول شىء تبدأ به أنْ تعملَ العدة من الثاني، والأول تكون قد عملَت منه عدة قبل أنْ تتزوج الثاني، ثم الثاني بعد أنْ طلّقَها وعملت عدة وانتهتْ العدة إنْ شاءت ترجِع للأول بعقدِ نكاحٍ جديد يعني وليّ أمر واثنان شهود وإيجاب وقبول هذا إنْ شاءت هي، هكذا ترجِع.

أما بمجرد عقد النكاح من دونِ دخولٍ بها لا يصح أو بدون عقد نكاح ولا دخول أيضًا لا يصح، لا بدّ من حصول عقد النكاح والدخول الحقيقي هكذا، هذه الآية وهذا الحديث والإجماع على هذا الأمر نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ النووي بل ألّف في ذلك وفي مسئلة الطلاق المعلّق والطلاق بالثلاث بلفظ واحد ألّف رسالة في ذلك المحدّث الشيخ محمد زاهد بن حسن الكوثري وكتابه مطبوع واسمُه “الإشفاق على أحكام الطلاق” وردّ فيه على ابنِ تيمية في قولِه إنّ الطلاق المعلّق يُدفَع فيه مثل كفارة اليمين ولا يقع على زعمِه، وهذا خرقٌ للإجماع.

فالحاصل أنّ هذه المسئلة إنْ كان هذا الرجل يعرف الأحكام يعيش بين المسلمين وعرف أنه إنْ أرجَعها بدونِ عقدِ نكاح من آخر ودخول بها ثم يطلّقُها الآخر ثم تمضي العدة ثم هو إنْ شاء وإنْ شاءت تتزوجُه من جديد لا يغيب عنه هذا الحكم، سمع بالآية سمع بالحديث سمع بالإجماع ثم اعتقد أنه يحِل يجوز أنْ يرجعَ فيُعاشرها، صار خارجًا من الإسلام صار مرتدّا عن الإسلام لأنه كذّبَ القرآنَ والحديث والإجماع.

أما إنْ كان جاهلًا لا يعرف ولم يسمع لا بآية ولا بحديث ولا من أحد من المسلمين لا بالإجماع ولا أنّ هذا الحكم هو أصلًا هكذا في الإسلام ما سمع، فظنَّ لجهلِهِ ولغرقِهِ في الجهل ولبُعدِه عن العلماء وعن مجالس العلماء لا أهلُه علّموه ولا تعلّم في مدارس المسلمين ولا سمع في المساجد فظنّ أنه يجوزُ له أنْ يرجِعَ إليها وأنْ يعاشرَها من جديد هذا لا يعرف ذلك من الدين بالمرة، يعني هو في القضية كمَنْ أسلمَ الآن ولا يعرف الأحكام، في مثلِ هذا يعلَّم ولا يُكفَّر وعليه ذنبٌ عظيم لأنه تصرّفَ في أحكام الشريعة أو أفتى بغير علمٍ.

لذلك كم وكم من الناس يُهلِكونَ أنفسَهم بعمى القلب الأصغر وإنْ لم يصلوا إلى الكفر أحيانًا يَغرقون في الكبائر في الفسق والفجور.

كم وكم من الناس اليوم والعياذ بالله تعالى يُفتونَ فتاوى ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان، كم من الناس اليوم هو يحكِّمُ رأيَه فيتكلم في قضية دينية.

تراه في الشارع على الرصيف يلعب الألعاب المحرمة أمام الناس، وبعد قليل إذا حُكيَ أمامه في مسئلة شرعية صار شيخ الجلسة صار مفتي الشارع مفتي الزمان.

مثل المرأة التي تراها بصّارة بعد قليل تصير شيخة، هذه المسماة بصّارة إنْ كان بالكف أو بالفنجان أو بالرمل أو بالمندل أو بالورق كل هذا باطل حرام لا يجوز لو على زعمهم يمزحون، يعرفونَها كذابة وتكون تتكلم بالتبصير بعد قليل صارت شيخة على زعمِها، وهذا حاصل وموجود، ربما من جهلِها ظنت بنفسِها السيدة نفيسة العلم، هؤلاء اليوم كثُروا.

مثل الوقح الذي يطلع على التلفزيون ويبصّر ويحكي بالتنجيم والسحر وبالكهانة ويعمل عرّاف ومشعوذ دجال لا يستحي يعمل دعاية لنفسِه ويعملونَ له دعايات في المواقع والجرائد والمجلات، ومنهم دوليون ويأتي إليهم الرؤساء والزعماء والنساء الغنيات، هؤلاء يجب التحذير منهم عظُمَ ضررُهم وكثُرَ فسادُهم على الناس وعلى الأبدان وعلى الأموال وعلى الأعراض، هؤلاء هتكوا أعراضًا كثيرة أوقعوا عائلات وأناسًا ببعضهِم حتى القتل، فهؤلاء يُحذَروا.

فإذًا الإنسان مطلوب أنْ ينتبه، هؤلاء الذين يحكِّمونَ آراءهم اليوم ويتكلمونَ بأهوائِهم هذا سببُه عمى القلب.

وهناك شىء هو أصل وأساس لعمى القلب وهو الجهل من الأول، لا هو تعلّم ولا أقبلَ إلى العلم ولا طلب العلم ولا يريد التعلّم وربما أهلُه أو بعض مَنْ حولَه يقول له تعالَ معنا إلى مجالس العلم احضرْ معنا، لا يريد التعلم جاهل، ومع عمى القلب يصير عمى مركبًا إلى أنْ يُهلِكَ نفسَه والعياذ بالله تعالى.

ينبغي أنْ نقفَ عند عبرة وهي كم من أناسٍ لا يروْنَ بأبصارهِم لكنْ هم أولياء وعلماء وصلَحاء وأخيار وأطهار قلوبُهم منوّرة، لا تنغشوا بمَن عيونه جميلة وكبيرة ويرى من هنا إلى هناك الشعرة على الأرض لكنه كافر بالله لكنه مشبّه، هذا أعمى القلب لا تنغروا به ولا بجمال عينِه ولا بلونِ عينِه ولا بقوة بصرِه لأنّه أعمى القلب لأنه على غير الإسلام، فهذا عماهُ يَقودُه إلى النار إنْ مات على ذلك، عماهُ يقودُه إلى الخلود في الهوان والعذاب والمَهانة والويلات والجحيم إلى أبدِ الآباد، هذا لمنْ مات على غير الإسلام.

كم من الصحابة كانوا أصيبوا بالعمى وهم أولياء وصلَحاء وعلماء كعبدِ اللهِ بنِ عباس رضي الله عنهما، في آخر حياتِه فقد بصرَه، وكذلك عدد من الصحابة.

ويعقوب عليه الصلاة والسلام فقد بصرَه مدة، وغيره أيضًا بعض العلماء ذكر عن شعيب عليهما الصلاة والسلام لكنْ النبي لا يُبعَث من الأول أعمى ولا يبقى أعمى ولا يستمر معه العمى إنما يكونُ بصيرًا وقد يطرأ عليه العمى إلى وقت إلى مدةٍ ثم يرجِع إليه بصرُه، هذا لا يعارض ولا يقدح بمنصب النبوة ولا يطعن بعصمة الأنبياء.

العلماء قالوا لا يكونُ النبيُّ أعمى يعني من الأول لا يُبعَث أعمى ويبقى على ذلك إلى أنْ يموت لأنّ هذا في بعض الأحوال قد يؤخّرُهُ عن عملِ الدعوة لذلك لا يحصل له هذا الأمر.

قد ترى إنسانًا أعمى البصر لكنْ قلبُه منوّر فالعبرةُ بنور القلب بالتقوى بالعلم بالإيمان بالإسلام بالتوحيد بالتنزيه بمتابعة الشريعة بالاقتداء برسولِ الله صلى الله عليه وسلم)

 

قال المؤلف رحمه الله: الولدُ إنْ تعصَّبَ لأمِّهِ إنْ كانت ظالمةً فيا ويلَهُ، كذلك إنْ تعصَّبَ الولدُ لأبيه الظالمِ لأمه فيا ويلَه. لا يجوزُ للولدِ أنْ يتعصّبَ  للظالمِ من الأب أو الأم، فالنجاةُ أنْ يقول إنْ علمَ أنَّ أباهُ هو الظالمُ لأمِّهِ  أنْ يقولَ يا أبي اتّقِ الله في أمي والأم إنْ كانت هي تظلمُ الأب يقول يا أمي اتّقي اللهَ في أبي كفّي عن ذلك لا تظلِميه، هذا ينجو وله ثواب.

(هنا قضية مهمة وللأسف هي منتشرة بين الكثير من العائلات والشباب والشابات أنّ البعضَ يتعصب للظالمِ منْ أبويْه، يعني مثلًا تكون أمه شديدة عليه في تربيتِه في متابعتِه، أبوه يظلم أمه هو عنده ميْل لأبيه لأنّ أمه كانت شديدة عليه لما كان صغيرًا مثلًا، فتصير ميوله لأبيه، أبوه يعطيه الأشياء التي يريدها من مال ونحوه، وفي وقت من الأوقات الأب يظلم الأم فهذا الشاب يتحزّب لأبيه يعني يقف مع الظالم، الزوج ظلم زوجتَه يأتي الولد البالغ الشاب يقف مع أبيه الظالم ضد أمِّه المظلومة، هذا الشاب صار خبيثًا ظالمًا لأنه أعان على الظلم لأنه نصر الظالم ووقف معه وأيّدَه وساعدهَ لو كان الظالم والده يجب عليه أنْ يقف مع الحق، أنْ ينصر المظلوم وأنْ ينصرَ الظالمَ على نفسِه بأنْ يمنعَه منْ ظلمِه، يعني يقول له يا أبي أتّقِ اللهَ في أمي وكُفَّ عنْ ظلمِها والآخرةُ أمامَك.

أحيانًا إذا كان الشاب وقف بوجه أبيه يستطيع أنْ يمنعَه من الظلم لكنْ لما يراه واقفًا معه مع كونِهِ ظالمًا يصيرُ يتمادى في الظلم يقول ابني معي والأم المسكينة فقيرة مكسورة، فيصير الزوج يظلمُها وابنها الملعون الظالم الخبيث يزيد بظلمِها لأنّه يساعد والده الظالم على الظلم فيقوى الظلم ويشتد ويزيد وربّما دام إلى سنوات.

فإذًا انظروا ماذا كانت النتيجة، صار هذا الشاب ظالمًا لأنه ساعد والده على الظلم وظلمَ أمَّهُ، يعني نصر الظلم وشجّع عليه زاد الظلم وقوّاه ودفعَ به صار هو ظالمًا يعني من أهل الكبائر يعني صار مستحقًّا لعقوبةِ الله في الآخرة، صار ظالمًا وعاقًّا لأمِّه، والعاقُّ لوالديه قد تُعجَّل عليه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة قد يُنتقَم منه في الدنيا فيصير عبرةً للمُعتبِرين مع ما يُدَّخَر له من العذاب إلى الآخرة.

صار ملعونًا ظالمًا عاقًّا لأمّه والعاقُّ لأمِّه أو العاقّ لأبيه أو العاقّ لهما هذا عاقبتُه وخيمة وتنزل عليه اللعائن وينزل عليه السخط والغضب وربما انتُقِمَ منه في الدنيا قبل الآخرة.

ثم أحيانًا بعض البنات الشابات تقف مع أمِّها الظالمة، يعني يتحزّبوا البنات والشباب في البيت بعضُهم مع الأب وبعضُهم مع الأم، تكون الأم ظالمة تقف ابنتها الشابة معها ضدَّ أبيها وتساعد الأم على ظلمِ الزوج على ظلم أبيها، صارت هذه البنت ظالمة.

والرسول عليه الصلاة والسلام قال [اتّقوا الظلمَ فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة] هذه الأم أو هذا الأب إذا كان هو الظالم نمنعُه من ظلمِه نمنعُها منْ ظلمِها ننصحُه ننصحُها نخوِّفُه من الله نخوِّفها من الله ولا نصير نحن ظالمين، يعني لا تقف البنت مع أمِّها الظالمة وتساعدُها وتشجعها وتقويها على الظلم، هذا حرامٌ لا يجوز.

فهؤلاء لهم الويل، يعني الشاب الذي يقف مع أبيه في ظلم أمِّه والبنت التي تقف مع أمِّها في ظلمِ أبيها هذان لهما الويل، يعني يستحقان الهلاك والعذاب الشديد إنْ ماتا على ذلك بلا توبة.

وهذا الأمر للأسف يحصل اليوم بين بعض الشباب والشابات أنهم يتمادَوْن في هذا الظلم، إنما المطلوب والذي يحثُّهم عليه الشرع الشريف هو منع الظلم، هو أنْ ننهى الظالم عن ظلمِه هذا الذي أمرَنا به الشرع، ليس لأنه أبي أقفُ معه على الظلم وأساعدُه هذا ليس عذرًا، ليس لأنها أمَّها تقف معها على الظلم وتساعدها على الظلم وتنصرها، هذا ليس عذرًا، فتكون صارت ظالمة خبيثة كأمِّها وصارت عاقةً لأبيها.

شؤم العقوق عظيم وخطير وكبير، أليس الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [انصرْ أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا]؟ قالوا: هذا المظلوم فما بالُ الظالم؟ يعني كيف يكون نصرة أخي الظالم؟ قال [بأنْ تمنعَه من الظلم] المظلوم نقف معه فندفع عنه الظلم نَحول بينَه وبينَ مَنْ يريد أنْ يظلمَه، أما الظالم لو كان أخي أو أبي أو ابني كيف أنصرُهُ وهو ظالم؟ بمنعِه من الظلم، بأنْ أنصرَه على نفسِه بأنْ أقفَ في وجهِه لمَنْعِه من الظلم، هكذا أكون نصرتُه على نفسِهِ لمنعِه من هذه الكبيرة لأنّ الظلم من الكبائر والظلم ظلماتٌ يومَ القيامة.

لذلك الحذرَ الحذر من هذا الأمر الذي يقع فيه بعض الشباب بعض الشابات بعض الإخوة والأخوات يتحزّب بعضُهم لبعض على الظلم، حتى لو كان أخوك وفي الطريق وظلمَ إنسانًا، رأى واحد غريب عن البلد مهجّر لاجىء ضعيف فقير متسوّل سائل جاء أخوك ضرب هذا الفقير الغريب المهجّر أنت لا تأخذُك الحمِية والعصبية على الجهل وتقف مع أخيك وتضرب المظلوم اتّقِ الله، أخوكَ لن يكونَ معك في قبرِك بل اعمل رجلًا وقفْ في وجهِ أخيك وامنعْه منْ ظلمِه وكنْ جريئًا بأنْ تقفَ في وجهِ أخيك وأنْ تمنعَهُ من ظلمِه، هكذا تكون الرجولة ليست بأنْ تكونَ ظالمًا وخبيثًا كأخيكَ، إذا أخوك خبيث تعمل مثلَه؟ إذا أخوكَ اقتلَعَ عينَه بيدِهِ تقلع عينَك بيدِك؟ لا، إذًا اتّقِ الله لا تقفْ مع الظالم بل قفْ في وجهِه وامنعْه من ظلمِه.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم عندما بُعثَ في مكة كم كانت زعامات وصناديد قريش يكيدونَ  له ويتآمرونَ عليه، مرة من المرات كانوا في ناديهم في مكة وجاء رجل له حق عند أبي جهل، له مال عنده، ودخل على صناديد قريش ووجهائها قال مَنْ يقوم معي إلى أبي الحكم – كانوا يسمونَه أبا الحكم ثم الصحابة والمسلمون صاروا يسمونَه أبو جهل وهذا اللائق به – فنظر بعضُهم إلى بعض وأرادوا أنْ يهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويضحكوا ويلعبوا ثم قالوا لهذا الغريب الذي يستنجدُ بهم لتحصيلِ حقِّه منْ أبي جهل، ما قام أحدٌ منهم معه لأنهم يخافونَ منْ أبي جهل، فأشاروا إلى النبي وهو عند الكعبة قالوا له انظر ذاك الرجل يذهب معك إلى أبي الحكم ويحصّلُ لك حقّكَ منه – هم يريدونَ أنْ يهزأوا – فجاء هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له ما حصل بينه وبين صناديد وزعماء قريش وأنهم دلّوني وأرشدوني إليك لتقوم معي إلى أبي الحكم، فالرسولُ عليه الصلاة والسلام ما خاف حاشاه، ولا فزِعَ ولا قال هو ظالمٌ وأنا لا أقدر عليه اذهبْ أنت وحدَك، لا، الرسول يعرف أنه منصورٌ عليه بإذن الله، ولم يعرِّضْ نفسَه للهلاك حاشى، مؤيَّد منصور وله معجزات، فهؤلاء ضحكوا رأوا النبي خرج مع هذا الرجل إلى أبي جهل ظنوا أنه الآن سيفتك به والعياذ بالله، يقول راوي هذا الخبر وهو الحافظ أبو نُعَيم: عندما ضرب الرسول عليه الصلاة والسلام الباب وخرجَ أبو جهل ورأى الرسول فزِع خاف ارتعب، قال له “أعطِهِ الحق الذي له عندَك” قال: انتظرْني، دخل إلى بيتِه ثم جاءه بما له عنده من مال وسلّمَه  للرجل، فرحَ الرجل فرحًا عظيمًا الرسول نصرَه على الظالم وأخذ له الحق جاء معه خرج معه لدفعِ الظلمِ عنه، ثم جاء أبو جهل إلى ناديهم وعرفوا ما الذي حصل فصُعقوا كيف هذا يا أبا الحكم؟ قال ما أنْ فتحتُ البابَ فرأيتُ محمدًا رُعبْتُ فظنَنْتُ أني إنْ لم أُعطِهِ يصيبُني شىء فأعطيتُه الذي له.

انظروا، الرسول عليه الصلاة والسلام انتصر لهذا المظلوم ممن؟ من رأس من رؤوس الكفر والشرك، من زعيم من زعماء مكة والرسول كان في بداية الدعوة والبعثة، وحدَه ذهبَ إليه.

اليوم كيف يتجرأ بعض الناس على الظلم في البيوت مع الأم ضد الأب أو مع الأب ضد الأم؟ كونوا مع الحق كونوا مُنصِفين، العدل العدل، هذا الذي يحبُّه الله عز وجل.

والزوج إياك أنْ تكونَ من الظالمين اتّقِ الله في زوجتِكَ ولا تظلِمْها لأنه صلى الله عليه وسلم قال [خيرُكم خيرُكم لأهلِه] وقال [خيرُكم خيرُكم للنساء] يعني لزوجتِه، فأنت أيها الزوج إنْ كنتَ قويَّ البُنية مفتول العضلات كثيرَ المال عشيرتُك كبيرة وزوجتُك فقيرة أو من عائلة فقيرة أو من بلدٍ آخر فهي غريبة أنت إنْ ظلمْتَها لا تنسَ أنّ اللهَ قادرٌ عليك، لا تنسَ أنّ اللهَ  قادرٌ على أنْ ينتقمَ منك وعلى أنْ يُنزِلَ بك المرض الذي يفتك بعظامِك بقلبك بعيونِك بدمك، انظر الذين يُبتلَون واعتبِر، انظرْ في الأبطال في الشجعان الذين لهم شهرة كيف تأكلهم الأمراض واعتبِر، وإنْ كان بسبب المال تتكبّر وتتجبّر عليها وتنتفخ تؤذيها تضربُها تسبُّها انظر في الأغنياء الذين أذهبَ اللهُ عنهم المال وصاروا يتسوّلونَ في الشوارع، إنْ كنتَ في عشيرتِك فاذكر أنك ستوضَع في قبرِكَ وحدَك وأنّ عشيرتَك في الدنيا لا تستطيع أنْ تدفعَ عنك الموت فكيف بعذاب القبر وكيف بأهوال القيامة وكيف بعذاب جهنم؟

فاتّقِ اللهَ في أمِّكَ واتّقِ اللهَ في أبيكَ واتّقِ اللهَ في زوجتِك واتّقِ اللهَ في نفسَكَ واتّقِ اللهَ في أبنائكَ واتّقِ اللهَ  في جيرانِك واتّقِ اللهَ  في الناس واتّقِ اللهَ  فيمَنْ تعمل عندهم أو معهم واذكرْ أنّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة.