فصل في الرد على من يقولون ءاه اسم من أسماء الله
أقول: هذا باطل لأن ءاه من ألفاظ الأنين وقد نص فقهاء المذاهب الأربعة بأنّ الأنين يُبطل الصلاة لمن تعمده، وقد ثبت الحديث بأن ءاه يُعجِبُ الشيطان فقد روى الحافظ المجتهد محمد أبو بكر بن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يقل ءاه ءاه فإن الشيطان يضحك منه” أخرجه في كتابه “الأوسط” [1].
وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [2] عند ذكر حديث التثاؤب الذي أورده البخاري إنّ في رواية ابن عجلان فإذا قال ءاه ضحك منه الشيطان.
وأما استدلال بعض الناس بحديث عائشة أنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا مريضٌ يئن فنهيناه عنه فقال: دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله فهو حديث موضوع كما قال الحافظ أبو الفضل أحمد بن الصديق الغماري في كتابه “المغير على الجامع الصغير” [3] فإنّ الأنين المذكور فيه يشمل اثنتين وعشرين كلمة كلها أنين ففي القاموس [4] مع الشرح اثنتان وعشرون كلمة كلها أنين منها أوهَ أوهِ أوهُ أوّه أوَّ أوّ أوّي أوَّه ءاهٍ ءاوٍ ءاوِ أوَّتاه ءاوي ءاهًا واهًا أوُّه أواه هاه ءاهه اثنتان وعشرون لغة كل ذلك كلمة تقال عند الشكاية أو التوجع والتحزن، فعلى موجب هذا الحديث تكون كل هذه الكلمات أسماء الله. وهؤلاء الذين يشتغلون بآه كيف انتقوا من بين هؤلاء ءاه وتركوا البقية.
ثم إن قولهم ءاه اسم من أسماء الله معارض للقرءان وهو قوله تعالى: {وللهِ الأسماءُ الحسنى فادعُوهُ بها وذَروا الذينَ يُلحدون في أسمائه} [سورة الأعراف/180] أي أن كلاًّ من أسماء الله يدلُ على معنى حسن وءاه لا تدل على معنى الكمال لله تعالى بل تدل على الشكاية والتوجع والتحزن وذلك بإجماع أهل اللغة لأنها للشكاية والتوجع والتحزن، فأي مسلم يرضى أن يسمي الله بهذا اللفظ الذي هذا معناه بما ذكر بإجماع أهل اللغة.
وأما إيراد الجامع الصغير لحديث دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله فليس حجة في صحته لأن فيه أحاديث أخرى حكم المحدثون بأنها موضوعة والسيوطي إنما أوردها ليعرف أنها غير صحيحة لأنه لم يضع عليه علامة الصحة.
ومما يرده أيضًا أن العلماء قالوا: لا يسمى الله إلا باسم ورد في القرءان أو الحديث الصحيح، قال الإمام أبو الحسن الأشعري: لا يُسمى الله مستطيعًا وإن كان معناه القادر لأنه لم يرد أي في القرءان والحديث، والعياذ بالله من عمى القلب كيف اعتقد هؤلاء أن ءاه اسم من أسماء الله وءاه لا يدل على الكمال والقرءان الكريم نص على أن أسماء الله حسنى أي تدل على الكمال قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوهُ بها}.
هذا وقد أفتى شيخ الجامع الأزهر الشيخ سليم البشري رضي الله عنه جوابًا لسؤال دفع إليه عن هؤلاء الذين يعملون حضرات ذكر ثم يقومون ويرقصون ويقولون ءاه ءاه وربما قالوا أح أح بأنه يحرم حضور مجالسهم” وكذلك غيره من علماء مصر أفتوا بمنع ذلك.
فعلى موجب هذا الحديث الموضوع الذي أنتم استندتم إليه كل هذه العشرين كلمة من كلمات الأنين وكذلك الكلمتان الأخريان اللتان ذكرهما شارح القاموس كلها أسماء لله. فتبين أنه لا معنى لقول العزيزي: “حديث فإن الأنين اسم من أسماء الله قال شيخنا حديث حسن لغيره” اهـ.
أما الأواه فقد فسره علماء اللغة بغير الأنين وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود بإسناد حسن [5] تفسير قول الله تعالى: {إنّ إبراهيم لَحَليمٌ أوَّاهٌ مُنيب} [سورة هود/75] بالرحيم، وإبراهيم يُنزَّه عن أن يسمي الله بألفاظ الأنين، وليس أحد من المفسرين قال إن إبراهيم لأواه أي كان يقول ءاه ءاه ولن تجدوا نقلاً بذلك أيها المولعون بهذا اللفظ. قال الإمام أحمد: “الأنين مكروه للمريض”.
والذي يريد الحق ويقف عند الحق يكفيه اتفاق المذاهب الأربعة أن ءاه وسائر كلمات الأنين تفسد الصلاة إن تعمدت فماذا بعد هذا وماذا بعد الحق إلا الضلال.
[1] وأخرجه الترمذي في سننه بنحوه: كتاب الأدب: باب ما جاء أن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب.
[2] فتح الباري [10/612].
[3] المغير [ص/62].
[4] تاج العروس [9/376-377].
[5] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره [6/1896]، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح الباري [6/389].