الخميس نوفمبر 21, 2024

ولأهميةِ هذا المبحثِ أذكرُ شرحًا موجزًا لصفاتِ اللهِ الثلاثَ عشرةَ الواجبةِ لهُ إجماعًا:

يقولُ اللهُ تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) ([1])، فَدلَّنا هذا إلى أنَّ الهدايةَ أيِ العلمَ باللهِ هيَ سبيلُ الخشيةِ، مَنْ عَرَفَ اللهَ ينبغي أنْ يؤديَه ذلكَ إلى الخشيةِ منهُ، الجاهلُ بربّهِ لا يَعرفُ تعظيمَه، الجاهلُ بربِّهِ لا يعرفُ كيفَ يُطيعُهُ، إنما يخشى اللهَ مِنْ عبادِه العلماءُ، معرفةُ اللهِ تحصلُ بمعرفةِ ثلاثَ عشرَةَ صفةً ذُكِرَت في القرءانِ كثيرًا، وفي السُنَّةِ كثيرًا، وردَّدَها المسلمونَ كثيرًا، فهي صفاتٌ ثابتةٌ للهِ ولا تُشْبِهُ صفات المخلوقين.

فاللهُ موجودٌ لا شَكَّ في وجودِهِ لم يَسْبِقْ وجودَه عدمٌ، هو الخالقُ وكلُّ ما سواهُ مخلوقٌ، وكلُّ شىءٍ يحصُلُ بتقديرِهِ ومشيئتِه وعلمِه تعالى، وربُّنا هو الأولُ الذي لا بدايةَ لوجودِهِ موجودٌ قبلَ الزمانِ والمكانِ قال اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﳃ ﳄ ([2])، واللهُ عزَّ وجلَّ هو الآخِرُ الذي لا يفنى ولا يبيدُ قالَ اللهُ تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ([3])، وَ ﭧﭐﭨ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ([4])، أي يبقَى ذاتُ اللهِ.

        واللهُ سميعٌ بصيرٌ، فسمعُ اللهِ صفةٌ له بلا كَيفَ، وبصرُ اللهِ صفةٌ له تعالى بلا كَيف، يَسمَعُ سبحانَه بلا حاجةٍ إلى الآلاتِ كالأُذُنِ والصِماخِ، ويَرى عزَّ وجلَّ بلا حاجَةٍ إلى حَدَقةٍ واتصالِ شُعاعِ ضَوءٍ، أما المخلوقُ فيَحتاجُ للآلاتِ والأدواتِ، واللهُ تعالى ليسَ كمثلِه شىءٌ وهو السميعُ البصيرُ، وربُّنا له كلامٌ، لا يُشبِهُ كلامَ الخَلقِ، لا هو لغةٌ ولا حرفٌ ولا صوتٌ، بلْ هوَ صفةُ ربِّ العالمينَ المنزَّهِ عنْ مشابهةِ المخلوقينَ، أمَّا كلامُ البشرِ فهوَ حرفٌ وصوتٌ ولغةٌ، وربُّنا موصوفٌ بالإرادةِ أعني المشيئةَ، وهيَ صفةٌ يُخَصِّصُ اللهُ بها مَنْ شاءَ مِنَ الخلقِ بما يشاءُ، فهذا شقيٌّ وهذا سعيدٌ، وذاكَ قبيحٌ وذاكَ حَسَنٌ، وهوَ تعالى القادرُ على كلِّ شىءٍ ولا يُعجِزُهُ شىءٌ، وهوَ العالِمُ لا يَغيبُ عَنْ علمِهِ شىءٌ مِنَ المعلوماتِ مما كانَ ويَكونُ وسَيكونُ، واللهُ هوَ الحيُّ القيومُ، وحياةُ اللهِ صفةٌ لهُ عزَّ وجَلَّ ليستْ بروحٍ وجسدٍ، ولا تُشبِهُ شيئًا مِنْ معاني المخلوقينَ، فحياةُ ربِّ الأحياءِ لا تُشْبِهُ حياتَهم، ﭧﭐﭨاللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ([5])،  واللهُ لهُ الوَحدانيةُ، فاللهُ واحدٌ بمعنى أنَّه لا شريكَ لهُ في ذاتِهِ ووصفِهِ وفعلِهِ، قالَ تعالَى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ([6]) وكلُّ شىءٍ يحتاجُ إلى اللهِ، وهوَ تعالى لا يحتاجُ إلى شىءٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَلِله صفةُ القيامِ بالنفسِ لا يحتاجُ إلى ما سواهُ وهو الغنيُّ عنِ العالمينَ.
وهوَ الخالقُ الذي وَصَفَ نفسَهُ فقالَ:
 أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ([17])، فهوَ سبحانَه مخالفٌ للحوادِثِ أي لا يُشبِهُ شيئًا مِنْ خَلْقِهِ، ولا يُشبهُهُ شىءٌ مِنْ خَلْقِهِ ﭧﭐﭨﭐ  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ([8])، وهكذا يعرفُ العبدُ ربَّه، ومَنْ قالَ بخلافِ ذلكَ أوِ اعتقَدَ خلافَ ذلكَ فمَا عَرفَ اللهَ، فَمَنْ لم يُقِرَّ بوجودِ اللهِ كأنَّه قائلٌ: هذا العالمُ غيرُ مخلوقٍ، ومَنْ قالَ اللهُ ليسَ هوَ الأوَّلَ، كأنَّه قائلٌ: اللهُ مخلوقٌ، ومَنْ
قالَ اللهُ ليسَ باقيًا، كأنَّه قالَ يجوزُ على اللهِ العدمُ، وَمَنْ قالَ اللهُ لا يُوصَفُ بالسَّمعِ والبصرِ، كأنَّه قالَ: اللهُ أعمى وأصمُّ، نعوذُ باللهِ مِنَ الكفرِ.

     وتجبُ معرفةُ هذهِ الصفاتِ وجوبًا عينيًّا على كلِّ مكلفٍ، نصَّ على ذلك العديدُ مِنَ العلماءِ المتأخرينَ منهمْ محمّدُ بنُ يوسفَ السنوسيُّ ([9]) صاحبُ العقيدةِ السنوسيةِ ([10]) ومحمدُ بنُ الفَضاليِّ الشافعيُّ ([11]) ([12]) وعبدُ المجيدِ الشُّرنوبيُّ المالكيُّ ([13]) ([14]) وقبلَهم بكثيرٍ ذكر مثلَ ذلكَ الإمامُ أبو حنيفةَ في “الفقهِ الأكبرِ” ومثلُه نصَّ على ذلكَ الحافظُ النوويُّ في كتابِ “المقاصِدِ” وغيرُهم كثيرٌ.


([1]) سورة النازعات / 15-19.

([2]) سورة الحديد / 3.

([3]) سورة الحديد / 3.

([4]) سورة الرحمن / 27.

([5]) سورة البقرة / 255.

([6]) سورة البقرة / 163.

([7]) سورة النحل / 17.

([8]) سورة الشورى / 11.

([9]) أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني محدث متكلم، من تصانيفه أم البراهين في العقائد وحاشية على صحيح مسلم، له أيضًا شرح عجيب على البخاري لم يكمله، وحاشية لطيفة على مشكلاته وغير ذلك، توفي بتلمسان سنة 895هـ .اﻫ
معجم المؤلفين لرضا كحالة ج 12 ص 132
.

 في عقيدته الصغرى.([10])

 ([11])
محمد بن شافع الفضالي فقيه مصري شافعي من كتبه كفاية العوام فيما
يجب عليهم من علم الكلام توفي سنة 1236ﻫ. معجم المؤلفين ج 10 ص60
.

 في شرح السنوسية .([12])

([13]) عبد المجيد بن إبراهيم الشرنوبي الأزهري المالكي، عالم مشارك في الفقه والحديث والتصوف واللغة والنحو وغيرها، ولد في بلدة شرنوب بمصر والتحق بالأزهر وعين بدار الكتب الأزهرية. توفي سنة 1348 ﻫ عن سن عالية. من تصانيفه شرح الأربعين النووية وشرح تائية السلوك. معجم المؤلفين ج 6 ص 167.

 في شرح تائية السلوك .([14])