سُورَةُ النَّازِعَاتِ
مَكِّيَةٌ وَآيَاتُهَا سِتٌ وَأَربَعُونَ
بِسْمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ
وَالنَّازِعَاتِ: المَلَائِكَةُ تَنزِعُ أَروَاحَ الكُفَارِ.
غَرْقًا: نَزْعًا بِشِدَّةٍ وَقَالَ عَلِيٌ وَابْنُ عَبَاسٍ: ” وَالنَّازِعَاتِ ” المَلَائِكَةُ تَنْزِعُ نُفُوسَ بَنِي ءَادَمَ. وَغَرْقًا: فِي جَهَنَّمَ يَعنِي نُفُوسُ الكُفَّارِ.
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا: المَلَائِكَةُ تَنْشُطُ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ تُسِلُّهَا بِرِفقٍ.
وَالسَابِحَاتِ سَبْحًا: قَالَ عَلِيٌّ وَمُجَاهِد: المَلَائِكَةُ تَتَصَرَّفُ فِي الآفَاقِ بِأَمرِ اللهِ تَعَالَى تَجِىءُ وَتَذْهَبُ.
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقَا: هِيَ المَلَائِكةُ تَسبُقُ بِأَروَاحِ المُؤمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ.
فَالمُدَبِّرَاتِ أَمرًا: المَلَائِكَةُ تُدَبِّرُ أَمْرَ الدُنيَا أَي تَنزِلُ بِتَدبِيرِهِ[1].
يَومَ تَرجِفُ الرَاجِفَةُ: النَفخَةُ الأُولَى بِهَا يَرجِفُ كُلَّ شِىءٍ أَي يَتَزَلزَلُ.
تَتْبَعُهَا الرَادِفَةُ: النَفْخَةُ الثَانِيَةُ بَينَهُمَا أَربَعُونَ سَنَةً. قَالَ ابنُ عَبَاسٍ وَغَيرُهُ الرَاجِفَةُ وَالرَادِفَةُ هُمَا الصَيْحَتَانِ.
قُلُوبٌ يَومَئِذٍ وَاجِفَةٌ: خَائِفَةٌ قَلِقَةٌ مُضطَرِبَةٌ.
أَبصَارُهَا خَاشِعَة: ذَلِيلَةٌ لِهَولِ مَا تَرَى.
يَقُولُونَ: أَي أَصحَابُ القُلُوبِ وَالأَبصَارِ استِهزَاءً وَإِنكَارًا لِلبَعثِ.
ءَإِنَّا لَمَردُوْدُوْنَ فِي الحَافِرَةِ: أَي أَنُرَدُّ بَعدَ المَوتِ إِلَى الحَيَاةِ فِي قُبُورُنَا.
ءَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً: بَالِيَةً مُتَفَتِتَةً.
قَالُوا تِلْكَ: أَي رَجعَتَنَا إِلَى الحَيَاةِ.
إِذًا: أَي إِنْ رُدِدْنَا.
كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ: أَي قَالُوْا ذَلِكَ لِتَكذِيبِهِمْ بِالبَعثِ أَي لُو كَانَ هَذَا حَقًا لَكَانَتْ رَدَّتُنَا خَاسِرَةً إِذ هِيَ إِلَى النَّارِ.
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ: أَي الرَادِفَةُ الَّتِي يَعقُبُهَا البَعْثُ لِأَنَّ قَولَهُمْ {ءِإِنَّا لَمَرْدُوْدُوْنَ} يَتَضَمَّنُ استِبْعَادَ النَشْأَةِ الثَانِيَةِ وَاستِصْعَابَ أَمرِهَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَيسَ بِصَعْبٍ مَا تَقُولُونَ فَإِنَّمَا هِيَ نَفخَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ مَنشُورُون أَحيَاءٌ عَلَى وَجهِ الأَرْضِ.
فَإِذَا هُمْ بِالسَاهِرَةِ: أَي كُلُّ الخَلَائِقِ بِوَجْهِ الأَرْضِ أَحيَاءٌ بَعدَمَا كَانُوا بِبَطِنِهَا أَموَاتًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ: السَاهِرَةُ أَرْضٌ مِنْ فِضَةٍ يَخلُقُهَا اللهُ تَعَالَى.
هَل أَتَاكَ: يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثُ مُوسَى: قِصَّةُ مُوسَى وَتَمَرُّدُ فِرعَونُ.
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى: طُوًى اسْمٌ لِلوَادِي.
اذْهَبْ إِلَى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغَى: تَجَاوَزَ الحَدَّ فِي الكُفْرِ.
فَقُلْ هَلْ لَكَ: أَدْعُوكَ.
إِلَى أَنْ تَزَكَّى: وَتَزَكَّى تَحَلَّى بِالفَضَائَلِ وَتَطَهَّرَ مِنَ الرَذَائِلِ وَالزَكَاةُ هُنَا يَندَرِجُ فِيهَا الإِسلَامُ وَتَوحِيدُ اللهِ تَعَالَى.
وَأَهدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ: أَدُلّكَ عَلَى مَعرِفَتِهِ بِالبُرَهَانِ.
فَتَخْشَى: فَتَخَافَهُ.
فَأَرَاهُ الآيَةَ الكُبْرَى: مِنْ آيَاتِهِ السَبْعِ وَهِيَ اليَدُ أَوِ العَصَا
فَكَذَّبَ: فِرعَونُ مُوسَى.
وَعَصَى: اللهَ تَعَالَى.
ثُمَّ أَدْبَرَ: عَنِ الإِيمَانِ.
يَسعَى: فِي الأَرضِ بِالفَسَادِ.
فَحَشَرَ: جَمَعَ السَحَرَةَ وَجُنُودَهُ.
فَنَادَى: أَي قَامَ فِيهِم خَطِيبًا.
فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعلَى: مَعنَى قَولِهِ لَا رَبَّ فَوقِي.
فَأَخَذَهُ اللهُ: أَهلَكَهُ بِالغَرَقِ.
نَكَالَ: عُقُوبَةً.
الآخِرَةِ وَالأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الآخِرَةُ قَولَتُهُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي وَالأُولَى قَولَتُهُ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعلَى وَكَانَ بَينَ قَولَتَيهِ أَربَعُونَ سَنَةً.
وَقِيلَ ” الأُولَى ” هَلَاكُهُ غَرَقًا وَ ” الآخِرَةِ ” دُخُولُهُ النَّاُر يَومَ القِيَامَةِ.
إِنَّ فِي ذَلِكَ: أَي فِيمَا جَرَى لِفِرعَونَ وَأَخذِهِ تِلكَ الأَخذَةَ.
لَعِبرَةً: لَعِظَةً.
لِمَنْ يَخشَى: أَي لِمَنْ يَخَافُ عُقُوبَةَ اللهِ تَعَالَى يَومَ القِيَامَةِ وَفِي الدُنيَا .
ءَأَنْتُمْ: الخِطَابُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَامٌ وَالمَقصُودُ الكُفَّارُ مُنْكِرُو البَعثِ.
أَشَدُّ خَلْقًا: أَصعَبُ إِنشَاءً.
أَمِ السَمَاءُ بَنَاهَا: بَيَّنَ تَعَالَى كَيفِيَةَ خَلقِهَا.
رَفَعَ سَمْكَهَا: أَي جَعَلَ مِقْدَارَ ذَهَابِهَا فِي العُلُوِ مَدِيدًا رَفِيعًا مَسِيرَةَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَالسَمْكُ الارتِفَاعُ الَّذِي بَينَ سَطحِ السَمَاءِ الَّذِي يَلِينَا وَسَطحَهَا الَّذِي يَلِي مَا فَوقَهَا.
فَسَوَّاهَا: أَي جَعَلَهَا مَلسَاءَ مُستَوِيَةً لَيسَ فِيهَا مُرتَفَعٌ وَلَا مُنخَفَضٌ أَوْ تَمَّمَهَا وَأَتقَنَ إِنشَاءَهَا بِحَيثُ إِنَّهَا مُحكَمَةُ الصَنعَة.
وَأَغطَشَ لَيلَهَا: أَي أَظلَمَهُ.
وَأَخرَجَ ضُحَاهَا: أَبرَزَ ضَوءَهَا وَشَمْسَهَا وَالضُحَى هُوَ نُورُ سِرَاجِهَا.
وَالأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ: أَي بَعدَ خَلقِ السَمَاءِ وَمَا فَعَلَ فِيهَا.
دَحَاهَا: أَي بَسَطَهَا فَخَلَقَ الأَرضَ ثُمَّ السَمَاءَ ثُمَّ دَحَا الأَرضَ.
أَخرَجَ مِنهَا: أَي مِنَ الأَرضِ.
مَاءَهَا وَمرَعَاهَا: بِتَفجِيرِ عُيُونِهَا وَمَا تَرعَاهُ النَعَمُ مِنَ الشَجَرِ وَالعُشبِ وَمَا يَأكُلُهُ النَّاسُ مِنَ الأَقوَاتِ وَالثِمَارِ وَأُضِيفَ المَاءُ وِالمَرعَى إِلَى الأَرضِ لِأَنَهُمَا يَظهَرَانِ مِنهَا.
وَالجِبَالَ أَرسَاهَا: أَثبَتَهَا عَلَى وَجهِ الأَرضِ لِتَسكُن .
مَتَاعًا لَكُمٍ وَلِأَنعَامِكُمْ: أَي فَعَلَ ذَلِكَ تَمتِيعًا لَكُمْ.
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبرَى: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: القَيَامَةُ.
يَومَ يَتَذَكَرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى: فِي الدُنيَا مَن خَيرٍ وَشَرٍ.
وَبُرِّزَتِ الجَحِيمِ: ظَهَرَتِ النَّارُ المُحرِقَةُ.
لِمَنْ يَرَى: لِكُلِّ رَاءٍ.
فَأَمَّا مَنْ طَغَى: أَي كَفَرَ.
وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُنيَا: بِاتِبَاعِ الشَهَواتِ.
فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأَوَى: النَّارُ المُحرِقَةُ مَأوَاهُ.
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ: أَي مَقَامًا بَينَ يَدِي رَبِّهِ[2] يَومَ القِيَامَةِ لِلْجَزَاءِ.
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى: أَي نَهَى النَفْسَ الأَمَّارَةَ عَنِ الهَوَى المُردِي بِاتِبَاعِ الشَهَوَاتِ.
فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأَوَى: وَحَاصِلُ الجَوَاب فَالعَاصِي فِي النَّارِ وَالمُطِيعُ فِي الجَنَّةِ.
يَسئَلُونَكَ: أَي كُفَارُ مَكَّةَ.
عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرسَاهَا: مَتَى وُقُوعُهَا وَقِيَامُهَا.
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا: لَيسَ عِندَكَ عِلمُهَا حَتَّى تَذْكُرَهَا.
إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا: مُنْتَهَى عِلمِهَا لَا يَعلَمُهُ غَيرُهُ.
إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ: إِنَّمَا يَنفَعُ إِنذَارُكَ.
مَنْ يَخْشَاهَا: يَخَافُهَا.
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوْا: فَي قُبُوْرِهِمْ.
إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا: عَشِيَةَ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَتَهُ.
وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
[1] – قَالَ: هَذَا تَدبِيرٌ جُزئِيٌ
[2] – قَألَ: أَي لِلحِسلبِ وَالجَزَاءِ وَلَيسَ عَلَى مَعنَى المُقَابَلَة لِأَنَّ اللهَ مَوجُودٌ بِلَا مَكَأنٍ