الخميس مارس 28, 2024

خاتمة في الاعتبار بموت النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم
قال الله تبارك وتعالى في محكم القرءان الكريم:”وما جعلنا لبشرٍ من قبلِك الخُلد افإين مِتّ فهم الخلدون” سورة الأنبياء
وقال عزّ من قائل مخاطبا نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم :” إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون” سورة الزمر
إن وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هي مصيبة الأولين والآخرين.. فيا لها من مصيبة ما اصيب المسلمون بمثلها قط، يقول الصحابي الجليل أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم “لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله المدينة اضاء منها كل شىء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شىء، ولمّا نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا” . يريد رضي الله عنه أنهم وجدوها قد تغيرت عمّا عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرّقة لفقدان ما كان يمدّهم به الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من التعليم والتأديب والإرشادات والفوائد العظيمة.
أخي المؤمن… تفكر واعتبر بموت نبيّك المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن الذكرى تنفع المؤمنين فالدنيا متاع الغرور والموت حق قد كتبه الله تبارك وتعالى على عباده، قال الله سبحانه وتعالى:” كلّ نفسٍ ذائقة الموت” سورة ءال عمران. وليُعلم أنه إذا كان أفضل الخلائق وسيد الأنبياء والمرسلين قد مات فلا بد إذا لكل واحد منّا أن يموت، فالموت يجمعنا والقبر يضمنا والكفن يحفنا ويلفنا وإلى الله العزيز الحكيم مرجعنا ومصيرنا، وسيحاسبنا على ما قدمنا في هذه الحياة الدنيا كما أخبرنا في محكم كتابه الكريم الذي أنزله على نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، واعلم يا أخي أن الموت حقّ وهو مُنتظر منّا في كل ساعة وهو يقطع نعيم هذه الدنيا الفانية، فالدنيا دار ممر وليست دار مقر وأما الآخرة فهي دار القرار, فهذه الدنيا لا تُغني عن الآخرة، والكيّس العاقل الفطن هو من تزوّد من دنياه لآخرته كما أمر الله تبارك وتعالى بقوله في القرءان الكريم:” وتَزوّدوا فإنّ خيرَ الزّاد التقوى واتّقونِ يَأولي الألبَب” سورة البقرة.

وعليك يا عبد الله أن تعتبر أحسن الإعتبار بموت نبيّك محمد سيد العالمين ، وسيد الأولين والآخرين وأن تصبر على مصائب الدنيا على اختلافها وأنواعها كما صبر النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي هو إمام الصابرين والمجاهدين .
فإذا ما انهالت عليك المصائب وهجمت عليك البلايا فاجعل قدوتك واسوتك نبيّك المصطفى صلى الله عليه وسلم في صبره على المصائب والبلايا، فهو عليه الصلاة والسلام إمام الصابرين والمجاهدين وهو اشد الأنبياء بلاء، فتذكر عند نزول المصائب عليك مُصيبة موته عليه الصلاة والسلام، ولتتَعزّ بهذه المصيبة العظيمة الجلل عن كل ما يصيبك من مصائب الدنيا مع شدائدها وأثقالها فما مصائب الحياة الدنيا على اختلافها وأنواعها أمام مصيبة موت الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي هو سيّد العالمين ، واشرف الأنبياء والمرسلين وسيّد ولد ءادم يوم القيامة كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام .
يقول النبيّ الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه:” يا أيها النّاس أيّما أحد من الناس أو المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإنّ أحدًا من أمتي لن يُصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي” رواه ابن ماجه في سننه.
أخي المسلم.. اصبر على ما ابتلاك الله تعالى به من مصائب سواء في نفسك أو أهلك أو مالك، اصبر صبرًا جميلاً واعمل لآخرتك واثبت على هدى نبيك واقتد به صلى الله عليه وسلم في صبره وسيرته، وأكثر من الصلاة عليه عند نزول المصائب والبلايا فإنّ الصلاة عليه عند المصيبة نور وضياء في دنياك، فعسى أن تكون بذلك معه في جنات النعيم.
وما أجمل قول القائل:
اصبر لكل مُصيبة وتجـلّد ~~~ واعلم بأن المرئ غيرُ مخـلّد
واصبـرْ كما صبر الكرام فإنها ~~~ نوبٌ(1) تنوبُ اليومَ وتُكشف في غد
وإذا أتتك مصيبة تُشْجَى (2) بها ~~~فاذكر مصابك بالنبيّ محمــد
(1) النّوبُ: النوائب، جمع نائبة، وهي المصيبة
(2) تُشجى : تحزن

وقال بعضهم: تذكرتُ لما فرّق الدهر بيننا ~~~ فعزيتُ نفسي بالنبي محمـــد
وقُلت لها إنّ المنايا سبيلنا ~~~ فمن لم يمُت في يومه مات في غــدِ
فائدة: قال ابن الجوزاء البصري رضي الله عنه :” كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحَه ويقول: يا عبدَ الله ثِق بالله ، فإن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة.

كل المصائب تهون بعد مصيبة موتك يا سيدي يا رسول الله…
يا خير خلق الله…يا تاج رُسل الله.. يا سيد الآولين والآخرين..
إنّ لنا معاشر المؤمنين في الله تعالى بعد مصيبة موت النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم عِوضًا من كل تالف، وخلفًا من كل هالك ودَرَكًا من كل فائت وعزَاءً من كل مصيبة.
اللهم فرّج كرباتنا، اللهم أقل عثراتنا، اللهم اغفر زلاتنا، وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.