الجمعة مارس 29, 2024
  • حكم لعن الفاسق المعين

     

    هذا ما ما أملاه شيخ الإسلام والمسلمين الإمام عبد الله الهرري غفر الله له ولوالديه

    الأربعاء 12-10-1977م

     

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، أما بعد،

    فقد روينا بالإسناد المتصل في صحيح أبي حاتم ابن حبان رضي الله عنه وفي صحيح مسلم رحمه الله أن النبي ﷺ قال: ” من أشار إلى أخيه بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه لعنته الملائكة“.

    من هذا الحديث وأمثاله أخذ العلماء أن ترويع المسلم من كبائر الذنوب، سواء كان المروع جادًا أو مازحًا، معنى هذا الحديث الصحيح أن من فعل ذلك أي أشار بحديدة إلى أخيه المسلم أي على وجه الترويع لعنته الملائكة، ويؤخذ أيضًا من هذا الحديث الصحيح أنه يجوز لعن العاصي المعين من المسلمين فضلًا عن غير المسلمين أنه يجوز لعنه. فهؤلاء الملائكة يلعنونه بالتعيين يلعنونه بخصوصه.

    فمن هذا الحديث أخذ كثير من العلماء وأشباه هذا الحديث من ارتكب الظلم أو الغش ونحو ذلك، ولو كان من ارتكب ذلك مسلمًا يجوز لعنه بالتعيين. فإن قال قائل: “لا يعطي هذا الحديث اللعن للشخص المعين، فالجواب أن فيه التعيين وذلك لأن الرسول ﷺ قال فيه: “لعنته الملائكة“، فقوله عليه الصلاة والسلام “لعنته” عائد إلى الشخص الذي أشار بحديدة إلى أخيه المسلم وهذا فيه اللعن بالتعيين.

    وقد أخذ بجواز لعن العاصي المعين كثير من الفقهاء منهم الإمام الحافظ الفقيه سراج الدين البلقيني والإمام الرافعي. وكذلك صح حديث: “أن المرأة إذا باتت وزوجها ساخط عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح” هذا الحديث فيه اللعن بالتعيين ففيه أن المرأة التي تسخط زوجها بغير حق كأن تمتنع من الاستمتاع لغير عذر أو أسخطته لغير ذلك كالخروج من بيته بدون إذنه وكإدخال من لا يحب دخوله إلى بيته، فهذه المرأة تلعنها الملائكة حتى تصبح وهذا أيضًا لعنًا بالتعيين.

    وكذلك زين العابدين رضي الله عنه لعن المختار بن أبي عبيد الثقفي عند باب الكعبة، هذا أيضًا دليل على أنه يجوز لعن العاصي المعين. وأما ما شاع عند كثير من الشافعيين أنه لا يجوز لعن الشخص المعين سواء كان كافرًا أم مسلمًا إن لم يعلم بالنص موته كافرًا فهذا القول ضعيف لا نأخذ به لأنه خالف الحديث الصحيح، حيث إنه خالف الحديث الصحيح لا نأخذ به.

    كثير من الناس من أهل هذا القول الضعيف يتحاشون عن لعن كافر معين فكيف لا يتحاشون عن لعن العاصي المعين. المسلم الظالم الغشاش هذا عندهم أشد لأن يتجنب لعنه، فعند هؤلاء الذين قالوا بهذا القول الضعيف لا يجوز لعن الشخص الكافر إلا إذا ورد النص بلعنه. ورد النص بأنهم يموتون كافرين كفرعون وأبي جهل وأبي لهب وأبي بن خلف وقالون وهامان وأشباههم.

    من هؤلاء الذين قالوا بهذا القول الضعيف أبو حامد الغزالي وكثيرون من الشافعية، وأولى القولين بالصواب هو قول هؤلاء الذين أجازوا لعن العاصي المعين إن كان كافرًا وإن كان غير كافر، فعلى قولهم الذي هو صحيح من لعن مسلمًا عاصيًا معينًا لكونه غشاشًا للمسلمين بنية التحذير أو بنية ردعه أو بنية زجره عن ذلك كان جائزًا ليس عليه شىء، أما لعنه للتفكه بذكر مساوئه فهذا حرام عند الجميع. مهما كان هذا المسلم العاصي غشاشًا أو ظالمًا فإنه لا يجوز لعنه أو غيبته للتفكه بذكر عيوبه.

    أما المختار بن أبي عبيد الثقفي كان يتظاهر بحب أهل البيت ثم ظهر منه أنه يدعي أنه ينزل عليه الوحي. ذات مرة جاءه شخص بعد أن فسد وضل فقال له: “الآن كان هنا جبريل قاعدًا”، فمن شدة افترائه وعظم تدجيله ادعى أنه ينزل عليه الوحي، هذا الذي لعنه زين العابدين مع أنه كان يتظاهر بالدفاع عن أهل البيت لكن الإمام زين العابدين لم يداهن ولم يحاد في دين الله تعالى بل لعنه عند باب الكعبة. فقيل له: إنه كان يتظاهر بموالاتكم وبموالاة أهل البيت، فكان لعن الإمام زين العابدين للمختار ابن أبي عبيد لأنه ضل بدعواه نزول الوحي عليه.

    وأما مأخذ أبي حامد الغزالي ومن وافقه في تحريم لعن العاصي المعين إلا إذا جاء النص بموته كافرًا فهو أن هذا الكافر الذي لم يرد نص بموته كافرًا قد يسلم فيما بعد. هذا حجتهم، وهذا ليس بحجة، نحن لسنا مكلفين بأن نعرف خاتمة هذا.

    الإلمام والعلم بخاتمة كل إنسان عند الله، ليس عندنا العلم بذلك. الله تعالى لم يكلفنا بمعرفة بماذا يختم لهذا الإنسان ولهذا الإنسان، فإذا كان في الوقت كافرًا جاز لعنه. وكذلك إذا وجدنا مسلمًا جبارًا غشاشًا جاز لنا لعنه بنية التحذير منه أي حتى لا يقتدي الناس به في هذا العمل المحرم أو بنية ردعه في أخذ الذين حرموا اللعن الكافر المعين إلا إذا ورد كونه يموت على الكفر ضعيف لأن الرسول قال: “اللهم إنما أنا بشر فمن سببته أو شتمته أو لعنته من المسلمين فاجعل ذلك كفارةً له“. هذا الحديث ليس فيه دليل على قول أبي حامد الغزالي لأن الذي قال الرسول إنه إن لعنه أو سبه أن يجعل الله ذلك كفارةً له، وفي رواية: “قربةً له” مراده أن الرسول لا يعلم إلا ما علمه ربه، لا يعلم بما يختم لكل إنسان. فكان الرسول يسب بعض الأشخاص وقد يلعن بعض الأشخاص اعتمادًا على الظاهر من حاله من غير أن ينزل عليه وحي أن هذا الإنسان يموت على الكفر أو يظل على فسقه ولا يتغير حاله، من غير أن يعلم الرسول بذلك.

    كان يقدم على سب شخص بحق أو لعنه بحق، أما أن يلعن إنسانًا بغير حق فهذا ما حصل من الرسول ولا يجوز أن يحصل منه، كذلك لا يحصل من رسول الله أن يضرب إنسانًا بغير حق.

    كذلك لا يحصل منه أن يلعن إنسانًا مسلمًا ظلمًا لكنه من شدة رحمته وشفقته على المسلم طلب من ربه أنه إن صدر منه لعن إنسان مسلم أو شتمه أو ضربه بحسب ظاهر هذا الإنسان في الوقت الذي يشتمه ولا يدري بماذا يختم لهذا الإنسان، هل يختم له بعد ذلك بالإيمان أو بالتقى، فطلب أن يكون هذا الشتم لهذا المسلم المستحق أن يجعل ذلك سببًا لتوبته، وليس مقصود رسول الله أنه يضرب أو يشتم أو يلعن إنسانًا بغير حق، فهذا لا يجوز اعتقاده في حق رسول الله، مستحيل على رسول الله ﷺ أن يضرب إنسانًا مسلمًا بغير حق أو يشتمه أو يلعنه، إنما الذي يجوز على رسول الله أن يضرب إنسانًا مسلمًا مستحقًا لذلك تأديبًا له ليكون ذلك محرضًا له إلى التوبة.