الإثنين ديسمبر 23, 2024

باب ذكر نسبه الزكي الطيب الطاهر

يقال: نسبته إلى أبيه نسبًا: عزوته إليه، وانتسب إليه: اعتزى، والاسم النسبة بالكسر وتجمع على نسب كسدرة وسدر، قال ابن السكيت [1]: ويكون من قبل الأب ومن قبل الأم.

وهو ابن عبد الله عبدُ المطلب *** أبوهُ وهو شيبةَ الحمدِ نُسِبْ

أبومُ عمرو هاشمٌ والجدُّ *** عبد مناف        بنُ قُصي زيدُ

ابن كلابٍ أي حكيمٍ يا أخَيْ *** وهو ابنُ مُرَّةَ بنِ كعب بنِ لؤي

وهو ابنُ غالب أي ابن فِهْر *** وهو ابن مالك أي ابن النضر

وأبُهُ كنانةٌ ما أبركه *** والدُهُ خزيمة          بنُ مُدركهْ

وهو ابن الياسَ أي ابن مُضرا *** إبنِ نزار بنِ معدٍّ لا مِرا

ذكر في هذه الابيات ما هو متفق عليه من نسبه، فهو محمد بن عبد الله وأبو عبد الله هو عبد المطلب، ويسمى شيبة الحمد على الأصح وقيل عامرا، فقول الناظم: “نُسب” أي سمي، وقوله: “شيبة الحمد” مفعول مقدم، وإنما سمي به لأنه ولد في رأسه شيبة أي شعرة بيضاء، وكانت ترى في ذوائبه، وكنيته أبو الحارث وقيل أبو البطحاء، وفي نسخة:

“وهو ابن عبد الله والأب انتسب *** لشيبة الحمد اسم عيد المطلب”.

وأبو عبد المطلب اسمه عمرو ولقبه هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه، وهاشم هو ابن عبد مناف سمي به لطوله من قولهم مائة ونيف واسمه المغيرة بن قصي مصغرًا واسمه زيد وقيل مجمع بن كلاب بكسر الكاف مخففًا لقب به لأنه كان أكثر صيده بالكلاب فكان يجمعها لذلك واسمه حكيم كما فسره الناظم بقوله: “أي حكيم” وقيل حكيمة وقيل عروة. وقوله: “يا أخي” بالتصغير حشو كمل به الوزن.

وكلابٌ هو ابن مرة بضم الميم وشد الراء ابن كعب بن لؤي بضم اللام وبالهمزة وتسهل، ابن غالب بن فهر بكسر فسكون واسمه قريش وإليه نسبت قريس فما فوقه كناني، وهو ابن مالك بن النضر بفتح النون وسكون المعجمة واسمه قيس لقب به لنضارة وجهه وحسنه، وأبوه اسمه كنانة سمي به لأنه كان سترًا على قومه كالكنانة أي الجعبة الساترة للسهام وكان عظيم البركة عندهم يتبركون به كما أشار إليه الناظم بقوله: “وأبه كنانة ما أبركه”، وقوله: “أبه” بضم الموحدة والهاء على لغة النقص كقوله:

بأبه اقتدى عدي في الكرم

ويأتي له نظائر كثيرة في كلامه.

ووالده اسمه خُزيمة مصغرًا ابن مدركه بضم فسكون واسمه عمرو وهو ابن الياس بكسر الهمزة أو فتحها ولامه للتعريف وهمزته للوصل عند الأكثر، وهو ابن مضر بضم ففتح معدول عن ماضر واسمه عمرو بن نزار بكسر النون والتخفيف وهو ابن معد بغير شك كما أشار إليه الناظم بقوله: “لا مرا” أي بلا شك وهو حشو كمل به الوزن، ومعد هو ابن عدنان كما في أول الأبيات المذكورة بقوله:

وهو ابن عدنان وأهل النسب *** قد أجمعوا إلى هنا في الكتب

وبعده خلفٌ كثيرٌ جمٌّ *** أصحه حواهُ       هذا النظم

يعني أن النسابين قد أجمعوا في كتبهم على أنه لا يجاوز في نسبه عدنان كما حكاه ابن دحية عنهم، قال ابن قدامة: هذا مما لم يختلف فيه أحد. وبعد عدنان أي فوقه إلى ءادم خلفٌ بضم الخاء المعجمة أي خلاف كثير جم منتشر لكونه من كلام المؤرخين ولا ثقة بقولهم، ومن ثم أنكر مالك على من رفع نسبه إلى ءادم وقال: من أخبره به؟ وأخرج ابن سعد [2] عن ابن عباس رضي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان، ثم أصح هذا الخلاف على ضعفه ما جمعه الناظم في قوله:

عدنان في القول الصحيح ابن أدَدْ *** وبعضهم يزيدُ أدًّا في العدد

بينهما وأدد والدهُ *** مُقوم ناحور بعد جده

وهو ابن تيرح أي ابن يعربا *** وأن يعرب هو ابن يشجبا

عدنان هو ابن أددٍ بضم ففتح من الود أصله فأبدل من الواو همزة، قال السهيلي وهو مصروف، وزاد بعض علماء النسب [بينهما] أدًّا بضم فتشديد نقله ابن عساكر وغيره وأشار ابن عبد البر إلى تفرد قائله به، وأدد بنُ مقوم بفتح القاف والواو مشددًا من قومتُ الرمح أقومه فهو مقوم، هذا ما جرى عليه الناظم تبعًا للحافظ عبد الغني وغيره [3]، واختار الدمياطي أن والد أدد هو اليسع، ومقوم بن ناحور بنون وحاء مهملة هذا هو الصحيح. وقول الناظم: “بعد جده” بضم دال أي وبعد ذلك فجد أدد المذكور هو ابن تيرح بمثناة فوقية وراء فيعل من الترح الحزن كأنه حزن على الأعداء، وتيرح هو ابن يعرب بضم الراء من أعرب في كلامه: أفصح وأبان، أو من قولهم: الثيب تعرب وتبين، أو غير ذلك. وزاد الناظم أي المفسرة تكملة للوزن.

وقوله: “وأن يعرب هو ابن شيحا” بفتح همزة أن وشدة النون على الأصح، أي والأصح أن يعرب هو ابن يشجب من غير تكرار يعرب ويشجب مرتين، ومقابل الأصح ما في سيرة الحافظ عبد الغني [4] عن ابن إسحاق من أنه مكرر. ويشجب بشين معجمة وجيم مضمومة من شجب يشجب: هلك، والعرب تسمي باللفظ المكروه تفاؤلًا به للأعداء، وألف يعرب ويشجب للإطلاق.

وهو ابنُ نابِتٍ وإسماعيلُ *** أبٌ لهُ         وجدُّهُ الخليلُ

إبرهمُ بنُ تارحٍ أي ءازرُ *** وهو ابنُ ناحورَ وهذا ءاخرُ

وهو ابنُ ساروحَ بنِ أرْغو فالَخْ *** أبٌ له ابنُ عَيْبر بن شالخ

أي ويشجب هو ابن نابت بنونٍ من نبت الزرع نبتًا، ونابت هو ابن إسماعيل على الصحيح ابن إبراهيم الخليل فعيل بمعنى مفعول من الخُلة بضم الخاء المعجمة الصداقة، سمي به لما تخلل قلبه من حب الله، فإبراهيم جد نابت وهو ابن تارح بمثناة فوقية وراء مفتوحة، وتارح هو ءازر على ما جرى عليه الناظم تبعًا للسُّهيلي، وهو ابن ناحور بنون وراء وحاء مهملتين من النحر، وناحور هذا ءاخر غير ناحور المتقدم، وناحور هو ابن ساروح بمهملات ويقال ساروغ بغين معجمة [كذا ضبطه النووي، وضبطه الحافظ بشين معجمة وخاء معجمة، وقال الملك المؤيد: وربما قيل بالعين المهملة]، وهو ابن أرعو بعين مهملة وقيل معجمة، وهو ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة وخاء معجمة وقيل فالعٌ بعين مهملة أو معجمة، وقوله: “أبٌ له” إلخ أي فالخ أب لأرعو، وفالخ هو ابن عيبر بمهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة تحتية ويقال عابر، وهو ابن شالخ بمعجمتين بينهما ألف ولام مفتوحة. وقوله: “إبرهم” بحذف الألف والياء لغة في إبراهيم وهو سرياني ومعناه بالعربية أب رحيم، سمي به لمزيد رحمته سيما بالأطفال، ولذلك جاء في حديث [5] أنه هو وزوجته سارة كافلان من مات من أولاد المؤمنين طفلًا إلى يوم القيامة.

وهْو ابنُ أرْفَخْشَذْ أبوه سامُ *** أبوهُ نوحٌ           صائمٌ قوَّامُ

وهْوَ ابنُ لامَكَ بنِ مَتُّوشَلَخا *** ابنِ خَنْوحَ     وهو فيما وُرِّخا

إدريسُ فيما زعموا يرْدٌ أبُهُ *** وهو ابنُ مهليلَ بنِ قَيْنن يعقبه

يانشُ شيثٌ أبهُ ابنُ آدما *** صلى عليه         ربُّنا وسلّما

أي وشالخ هو ابن أرفخشذ بفتح الهمزة وراء ساكنة وفاء مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فشين معجمة ذكره النووي، وقيل غير ذلك، وتفسيره مصباح مضيء، وأبو أرفخشذ هو سام أبو العرب ابن نوح صلى الله عليه وسلم وهو الصائم بالنهار والقوام بالليل، ونوح هو ابن لامك بفتح الميم وكسرها ابن متوشلخا بميم مفتوحة ومثناة فوقية مشددة وواو ساكنة فشين معجمة ولام مفتوحتين، وقيل غير ذلك، وهو ابن خنوخ بخاء معجمة مفتوحة ونون مضمومة وخاء معجمة وقيل مهملة، وخنوخ هو ابن إدريس النبي على ما ذكره المؤرخون، وقيل إدريس في عمود النسب، بل هذا إدريس ابن الياس لقول إدريس في خبر الإسراء [6]: “مرحبًا بالأخ الصالح”، وتعقبه النووي [7] بأنه قاله تلطفًا وإلا بأخوة [الدين] إذ المؤمنون إخوة.

وقوله: “يرد أبه” بضم الباء أي وإدريس أبوه يرْد بمثناة تحتية مفتوحة وراء ساكنة ودال مهملة وهو ابن مهليل بفتح الميم وسكون الهاء ابن قَيْنن بفتح القاف وسكون المثناة تحت ونونين أولاهما مفتوحة، و”يعقبه” أي يتلوه في النسب يانش بمثناة تحتية ونو مفتوحة وشين معجمة وقيل بكسر النون، وقوله: “شيث أبه ابن ءادما” أي شيث هو أبو يانش وشيث ابن ءادم عليه السلام من الأدمة أو الأديم وغير ذلك.

خاتمة: كره مالك رفع الأنساب إلى ءادم والأكثر على جوازه، وفي حديث رواه أبو نعيم وغيره [8] عن أبي هريرة مرفوعًا: “علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر”، لكن حمله الأكثر على التعمق فيه والاشتغال به عما هو أهم منه.

أما قريشٌ فالأصحُّ فِهْرُ *** جماعُها والأكثرونَ النَّضرُ

وأمُّهُ ءامنةٌ والدها *** وهبٌ يلي عبد منافٍ جدها

وهو ابنُ زهرةَ يلي كلاب *** وفيهِ معْ     أبيهِ الانتسابُ

الأصح الذي عزاه البيهقي للجملة أن جماع قريش الذي يجمعها كلها هو فهر بكسر الفاء ابن مالك فمن لم يلده فليس بقرشي، وقال الأكثر وجرى عليه الشيخان الرافعي والنووي إنهم أولاد النضر بن كنانة فمن لم يلده فليس من قريش، وأصل القرش الجمع وتقرشوا: تجمعوا، وبه سميت قريش، وقيل: قريش دابة تسكن البحر وبها سمي الرجل وينسب إلى قريش بحذف الياء فيقال قرشي للضرورة.

وقوله: “وأمه” أي وأم النبي صلى الله عليه وسلم ءامنة وصرفه للضرورة، ووالدها وهب ويلي وهبًا في النسب عبد مناف، وجدها أي جد ءامنة الرابع وهو جد أبيها زهرةُ وصرفه للضرورة [9]، ويلي زهرة في النسب كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.

وقوله: “وفيه” إلخ أي ويجتمع نسبه عليه السلام من أمه مع نسب أبيه في كلاب، والقول بأن زهرة اسم امرأة نسب إليها ولدها دون الأب زيفوه، وسكّن الناظم عين مع للوزن.

[1] نقله عنه الحافظ اللغوي الزبيدي في شرح القاموس [1/483].

[2] أخرجه ابن سعد في طبقاته [1/47].

[3] سيرة النبي صلى الله عليه وسلم [ص/24].

[4] سيرة النبي صلى الله عليه وسلم [ص/24].

[5] أخرجه الحاكم في المستدرك [1/384] وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه، وأخرجه البيهقي في كتابه البعث والنشور من طريق شيخه الحاكم [ص/136].

[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلاة: باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، والنسائي في الكبرى: كتاب الصلاة: باب فرض الصلاة.

[7] شرح صحيح مسلم [2/220].

[8] ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله [2/23-24]، والمناوي في فيض القدير [4/326] وقال: رواه أبو نعيم في رياض المتعلمين، وانظر الاتحاف [1/224-225] وذكره الديلمي في مسند الفردوس [4/334].

[9] الأصل في زهرة منع الصرف للعملية والتأنيث ولا حاجة إلى صرفها ليستقيم الوزن بل الوزن مع منع الصرف مستقيم.