الجمعة مارس 29, 2024

أسماؤه الشريفة

أي هذا باب ذكر أسماء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، والأسماء جمع اسم وهو كلمة وضعت بإزاء شيء متى أطلقت فهم منها:

محمدٌ معَ    المُقفّي أحمدا *** الحاشرُ العاقِبُ والماحي الرّدا

وهوَ المسمى بنبي الرحمةِ *** في مسلمٍ        وبنبي التوبةِ

له صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة منها ثلاثين اسمًا ولا ينافيه حديث البخاري [1]: “إن لي خمسة أسماء” لأن مراده خمسةٌ اختصت بي لم يتسم بها أحد قبلي أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية أو الكتب السالفة، فليس المراد الحصر فيها.

الأول: محمد، وابتدأ به لكونه أشهر أسمائه وأشرفها لإنبائه عن كمال الحمد المُنبي عن كمال ذاته، سمي به مع كونه لم يؤلف قبلُ إما لكثرة خصاله الحميدة وإما لأنه تعالى وملائكته حمدوه حمدًا كثيرًا بالغًا غاية الكمال. قال القاضي عياض [2]: “وقد حمى الله هذا الاسم فلم يتسم به أحد ممن ادعى النبوة في الإسلام مع كثرتهم ولم يتسمّ به أحد قبله، وإنما سمت العرب محمدًا قرب ميلاده لما أخبر الأحبار والكهان أن نبيًا يُبعث في ذلك الزمان يسمى محمدًا فسموا أبناءهم بذلك”، قال وهم ستة، واستدرك عليه الحافظ ابن حجر نحو خمسة عشر.

الثاني: المقفي بكسر الفاء المشددة أي التابع للأنبياء فكان ءاخرهم، وقافية كل شيء ءاخره، أو جعله الأنبياء عقبهم.

الثالث: أحمد وأخّره الناظم عن المقفي لضرورة الوزن وإلا فحقه التقديم إذ محمد وأحمد أعظم أسمائه وأبلغها وإليهما ترجع سائر صفاته لأن صيغة المبالغة تؤذن بالتضعيف والتكثير، وصيغة أفعل تنبئ عن الوصول إلى غاية ليست وراءها غاية إذ معناه أحمد الحامدين لربه، وسببه ما في الصحيح [3] أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، ويقال الأنبياء حمّادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدًا وأعظمهم في صفة الحمد. قال عياض [4]: “كان المصطفى أحمد قبل أن يكون محمدًا كما وقع في الوجود لأن تسمية أحمد وقعت في الكتب القديمة، وتسميته محمدًا وقعت في القرءان وذلك أنه حمِد ربه قبل أن يحمده الناس وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس وقد خص بسورة الحمد وبلواء الحمد وبالمقام المحمود، وشرع له الحمد بعد الأكل والشرب والدعاء والقدوم من السفر، وسميت أمته بالحمادين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه فلذلك كان أحمد”.

الرابع: الحاشر أي الذي يحشر الناس على قدمه أي على إثر زمن نبوته إذ لا نبي بعده، أو على إثره في الحشر لأنه أول من تنشق عنه الأرض.

الخامس: العاقب أي الذي خلف من قبله في الخير، أو الذي لا نبي بعده إذ العاقب هو الآخر وهو عقب الأنبياء أي ءاخرهم [5].

السادس: الماحي ولفظ رواية البخاري [6]: “أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر” أي أهله وهو المشار إليه بـ”الردا” بفتح الراء والدال المهملة في عبارة الناظم، وهذا محمول على الأغلب لأن الكفر ما انمحى من جميع البلاد أو أنه سينمحي أولًا فأوّلا إلى أن يضمحل بعد نزول عيسى فإنه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف. وفي رواية نافع بن جبير [7]: “وأنا الماحي فإن الله يمحو بي سيئات من اتبعني”، قال الحافظ ابن حجر [8]: “وهذا يشبه أن يكون من قول الراوي”.

السابع: نبي الرحمة أبي نبي المرحمة كما ورد تسميته به في صحيح مسلم وغيره [9] أي نبي التراحم بين الأمة، أو مخبر عن رحمة الله لرحمة دينه، أو جعل ذاته نفس الرحمة {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [سورة الأنبياء].

الثامن: نبي التوبة كما في حديث مسلم [10] أيضًا أي نبي مخبر عن الله بقبوله التوبة أي بشروطها، أو ءامر بها، أو كثير التوبة أي الرجوع إلى الله تعالى.

وفيهِ أيضًا بنبي المَلحمهْ *** وفي روايةٍ نبيّ المرحمة

التاسع: نبي الملحمة كما سمي به حديث مسلم أيضًا [11]، والملحمة الحرب لاشتباك الناس فيها كاشتباك السّدى باللحمة، سمي به لحرصه على الجهاد ومسارعته إليه، وفي الحديث [12]: “جعل رزقي تحت ظل رمحي”.

العاشر: نبي المرحمة كما جاء في رواية أخرى.

طهَ ويس مع الرسول *** كذاك عبدُ الله في التنزيل

الحادي عشر والثاني عشر: طه ويس حكاهما مكي وغيره [13]، وقد قيل في بعض التفاسير: طه إنه يا هادي ويا طاهر، وياسين يا سيد، حكاهما السلمي وغيره [14].

الثالث عشر: الرسول أي رسول الرحمة هكذا رواه ابن سعد [15] عن مجاهد مرسلًا، ورسول الملاحم [16] كما رواه عنه أيضًا.

الرابع عشر: عبد الله، ووصف العبودية أشرف الأوصاف وقد جاء وصفه به في التنزيل {وأنَّهُ لمَّا قامَ عبدُ اللهِ يدعُوهُ} [سورة الجن] وهو العبد المطلق ولم يوصف به غيره فيه إلا مضافًا.

والمتوكِّلُ النبيُّ الأميُّ *** والرَّؤفُ الرحيمُ أيُّ رُحمِ

الخامس عشر: المتوكل سماه به في التوراة، أي الذي يكل أموره إلى الله.

السادس عشر: النبي الأمي الذي لا يكتب ولا يقرأ [17] وذلك في حقه معجزة وفي حق غيره عجزٌ.

السابع عشر والثامن عشر: الرءوف الرحيم بشهادة {حريصٌ عليكُم بالمؤمنينَ رءوفٌ رحيمٌ} [سورة التوبة]، والرأفة شدة الرحمة فهو شديد الرحمة على المؤمنين كما أشار إليه بقوله: “أي رحم” بشد الياء المضمومة وضم الراء وسكون الحاء المهملة.

وشاهدًا مُبشرًا نذيرا *** كذا سِراجًا صلْ بهِ مُنيرا

التاسع عشر: الشاهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ والشاهد على أمته قال تعالى: {وجِئنا بكَ على هؤلاءِ شهيدًا} [سورة النساء].

العشرون والحادي والعشرون: المبشر لأهل الإيمان بالرضوان في هذه الدار وفي دار القرار، والمنذر لأهل الكفر بالخذلان والهوان في دار البوار.

الثاني والثالث والعشرون: السراج المنير قال تعالى: {وسِراجًا مُنيرًا} [سورة الأحزاب] إذ به انجلت ظلمات الشرك كما ينجلي ظلام الليل بالسراج واهتدت بنور نبوته البصائر كما يهتدي بنور السراج الأبصار، ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يكون نيرًا. وقوله: “صل به” أي اجعله متصلًا بما عد قبله من الأسماء، وفي نسخة “سل به” بالسين أي اسأل الله به يعني اجعله وسيلتك وشفيعك إليه، وكيف ما كان [فهو] حشوٌ لإكمال الوزن.

كذا بهِ المُزَّمِّلُ المُدثرا *** وداعيًا لله والمُذَكِّرا

الرابع والخامس والعشرون: المزمل والمدثر كما في سورتيهما.

السادس والعشرون: الداعي إلى الله بإذنه كما في قوله: {وأنَّهُ لمَّا قامَ عبدُ اللهِ يدعوهُ} [سورة الجن]، {وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ} [سورة الأحزاب].

السابع والعشرون: المذكر بفتح الذال وكسر الكاف قال تعالى: {إنَّما أنتَ مُذَكِّرٌ} [سورة الغاشية]، فقوله “كذا به” أي كذا صل بما تقدم من الأسماء هذه الأربعة وهو حشو كمّل به كما تقدم.

ورحمةً ونعمةً وهادي *** وغيرها تَجِلُّ عن تعدادِ

الثامن والعشرون: نبي الرحمة أي رحمة للعالمين، فهو رحمة.

التاسع والعشرون: نعمة الله إذ هو نعمة على من ءامن به في الدارين.

الثلاثين: الهادي إلى الصراط المستقيم بواضح الحجج وساطع البراهين حسبما ذُكر في قوله تعالى: {وإنَّكَ لتهدي} [سورة الشورى] الآية، وله غير ذلك من الاسماء التي تجل بكسر الجيم أي تعظم عن العد لكثرتها، والتعداد بفتح التاء كما قال الحافظ ابن حجر، ومن أسمائه المشهورة المختار والمصطفى والشفيع والمشفع والصادق والمصدوق وغير ذلك.

وقد وعى ابن العربي سبعهْ ** من بعدِ ستينَ وقيلَ تسعهْ

من بعد تسعينَ ولابن دِحيةِ *** الفحصَ يُوفيها ثلاثمائة

وكزنها ألفًا ففي العارضة *** ذكرهُ عن بعض ذي الصوفية

أفاد الناظم أن القاضي أبا بكر محمد بن العربي قد وعى أي جمع في كتابه المسمى بعارضة الأحوذي في شرح الترمذي: للمصطفى سبعة وستون اسمًا، قال: وأوصلها بعضهم إلى تسعة وتسعين موافقة لعدد الأسماء الحسنى، وأوصلها ابن دحية إلى ثلاثمائة، وبعضهم إلى أربعمائة، وبعض الصوفية إلى ألف، بل قال ابن فارس: هي ألفان وعشرون، وأكثرها من قبيل الصفات. وقوله: “دِحية” بكسر الدال المهملة، و”يوفيها” بالفاء المكسورة.

تتمة: نقل الجلال السيوطي عن البارزي أن من خصائصه عليه السلام أن أسماءه توقيفية كأسماءه تعالى وهو غريبٌ [18].

فائدة: نقل الحافظ ابن حجر عن بعض شيوخه أن المصطفى وإن كان ذا أسماء كثيرة لكن لا ينبغي أن يُنادى بشيء منها بل يقال: يا رسول الله [19]، ثم أشار إلى التوقف فيه [20].

[1] بخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[2] الشفا بتعريف حقوق المصطفى [1/229-230].

[3] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير: باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَملنا معَ نوحٍ إنَّهُ كانَ عبدًا شكورًا}.

[4] فتح الباري [6/555].

[5] هذا التفسير الثاني متعين وهو المأثور أما التفسير الأول فلا يلتفت إليه.

[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[7] أخرجه الحاكم في المستدرك [4/273-274]، والبيهقي في الدلائل [1/156]، وابن سعد في الطبقات [1/84-85].

[8] فتح الباري [6/557].

[9] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل: باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم، وأحمد في مسنده [5/405].

[10] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل: باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم.

[11] لم نقف عليه في مسلم لكن أورده المزي في تحفة الأشراف [6/472] ذكره بلفظ الملحمة، وفي الهامش تعليق بأن المطبوعة: “نبي الرحمة”.

[12] ذكره البخاري في صحيحه معلقًا بصيغة التمريض: كتاب الجهاد: باب ما قيل في الرماح، وأخرجه أحمد في مسنده [2/50، 92]، وابن منصور في سننه [2/143]، وابن أبي شيبة في مصنفه [6/471]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [5/267]: “رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وثقه ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات”.

[13] انظر الشفا [1/231].

[14] انظر الشفا [1/231].

[15] أخرجه ابن سعد في طبقاته [1/84].

[16] انظر المصدر السابق.

[17] أي المكتوب.

[18] علماء التوحيد قالوا: أسماء الله توقيفية أما الرسول فلا يقال فيه ذلك، بعض المسلمين سماه عليه السلام باسم لم يرد في الحديث، الآن عند الناس مشهور تسمية الرسول بالمصطفى وهذا ما ورد في الحديث.

[19] بعدما نزل النهي عن ذلك حرم وعلى هذا حمل كلام المؤلف إن كان مراد المؤلف أنه لا يقال: “يا محمد” مطلقًا، فيجاب بأنه ثبت في الحديث الذي رواه الترمذي والطبراني وغيرهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعمى دعاء التوسل به صلى الله عليه وسلم وهذا الدعاء هو: “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل لتقضى لي حاجتي”، والله أعلم.

[20] معناه ما أعجبه.