بسم الله الرحمن الرحيم
درسٌ ألقاه المحدثُ الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى في سويسرة في الواحد من محرم سنة تسع وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للثالث عشر من شهر ءاب سنة ثمان وثمانين وتسعمائة وألف ر وهو في بيان بعض ما يتعلق بحديثِ مَن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمّد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين.
أما بعدُ فإنَّ حديثَ عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن قال أستغفرُ الله الذي لا إلهَ إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحفِ([1]) اهـ هذا الحديثُ يُحملُ على ظاهرهِ ولا يُقالُ فيه كما قال بعضُ العلماءِ إن الذي يقول: وأتوبُ إليه ولم يكن تائبًا بالفعلِ يكونُ كاذبًا فهذا غيرُ صحيح ولا ينبغي أن يُلتفت إليه فإنَّ الذي يقولُ: وأتوبُ إليه إن كان في ذلك الوقتِ بعدُ متلبسًا ببعض المعاصي لم يَتُبْ منها بعدُ لا يكونُ بقوله: وأتوبُ إليه كاذبًا لأن معنى وأتوبُ إليه أنه في المستقبل يتوبُ وأنه عازمٌ على أن يتوبَ في المستقبل فيما بعد هذا الوقت فلا يكون كاذبًا، فإن رأيتم في بعضِ المؤلفاتِ ككتابِ الأذكارِ للنوويّ وغيره أنَّ الذي يقول: وأتوبُ إليه وهو غيرُ تائبٍ يكون كاذبًا مذنبًا فاحذروا هذا الكلام هذا كلام لا معنى له وهو مردود لأمرين أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإن كان قد فرَّ من الزحفِ فهو دليلٌ صريحٌ على أنهُ يُغفرُ له من الكبائرِ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: وإن كان قد فرَّ من الزحفِ معناه حتى لو كان وقعت منه هذه المعصيةُ الكبيرة فإن الله تباركَ وتعالى بهذا الاستغفار يغفِرُها له وهذا يدل على أنه يغفر له بهذا الاستغفار من الكبائر لأنه لو كان الأمر كما يقولُ هؤلاء العلماء أن هذا الاستغفارَ لا ينفعُ إلا الذي تابَ بالفعلِ من الكبائرِ وليس عليه كبيرةٌ واحدةٌ لم يقل رسول الله: وإن كان قد فرَّ من الزحف كما أنه لا يصح أن يُقال إن مُرادَ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكونَ الشخصُ قد كان تابَ من الكبيرة كالفرار من الزحف ثم بعد ذلك قال هذا الاستغفارَ حتى يُغفرَ له لأن الذي تابَ من الذنب يغفر له ذنبه سواء قال هذا الذكرَ أم لم يقل، بتوبته غُفرَ له ولا يحتاجُ إلى أن يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه حتى تحصلَ له المغفرة بل توبتُه محت كلَّ الكبائر التي كان عملَها ثم تاب منها فلا يحتاجُ إلى هذا الاستغفارِ لأن التوبةَ تهدِمُ الذنوبَ. والتوبةُ هي الندمُ بالقلب على المعصيةِ التي فعلها والعزمُ على أنهُ لا يعودُ إلى تلكَ المعصيةِ والإقلاعُ عنها هذا يكفي لتُمحَى تلكَ الكبائرُ سواءٌ قال بعد ذلك أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه أم لم يقل فلا معنى لاشتراط أن يكونَ قائلُ هذا الاستغفار تائبًا.
والأمر الثاني الذي يوجبُ ردَّ هذا الكلام الذي قاله بعضُ العلماءِ أن معنى وأتوبُ إليه أي سأتوبُ إليه فمن أينَ دخلَ عليه الكذب. هذا الشخصُ حينَ يقولُ وأتوبُ إليه قصدُه فيما بعدَ هذا أُنشئُ التوبةَ ليس معناه وقد تُبتُ. الشخصُ الذي لم يتب من الكبائر إذا قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وقد تُبت من ذنوبي هنا كان يأتي الكذب، في هذه الحالة يكون وقع في الكذب أما وهو لم يقل ذلك إنما قال وأتوب إليه فمعناه سأتوب إلى الله فيما بعد هذا فمن أين يكون دخل عليه الكذب. بعض العلماءِ يُشدِّدونَ من غير داعٍ إلى التشديد. أيُّ داعٍ إلى هذا التشديد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ وإن كان قد فرَّ من الزحفِ. هذا غلطٌ من هؤلاء العلماءِ.
ثم هذا الحديث حديثُ أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه أو الحيُّ القيومُ وأتوب إليه رُويَ بعدةِ وجوهٍ منها هذا اللفظُ مَن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوبُ إليه غُفرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحف اهـ ورُويَ بوجهٍ ءاخَرَ وهو من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوبُ إليه دُبُر الصلاةِ غفرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحفِ اهـ ورُويَ بلفظ من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه ثلاثَ مراتٍ غُفرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحفِ اهـ فالروايةُ التي إسنادها صحيحٌ هي الروايةُ الأولى ليس فيها ذكرُ ثلاث مراتٍ وليس فيها ذكرُ دُبُرَ الصلواتِ أما الروايتان الأخريان روايةُ ثلاثِ مراتٍ وروايةُ دُبُرَ الصلواتِ فهما غيرُ صحيحتي الإسنادِ والروايةُ الصحيحة هي التي ليس فيها تقييدٌ، روايةُ الإطلاق هي الصحيحة.
انتهى والله تعالى أعلم
[1])) رواه أبو داود في سننه بابٌ في الاستغفار.