بسم الله الرحمن الرحيم
درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى في بيروت وهو في بيان الفرض العيني والفرض الكفائي. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمّد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين.
أما بعد فقد ورد في صحيح البخاريّ ومعجم الطبرانيّ الكبير بالإسناد المتصل من حديث أبي هريرة عند البخاري ومن حديث حذيفة بن اليمان عند الطبراني أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال عن ربه: مَنْ عادَى لي وليًّا فقدْ ءاذَنْتُهُ بالحربِ وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افتَرَضْتُ عليهِ([i]) اهـ.
هذا الحديث دليل على أنّ العناية بما افترض الله على عباده خيرٌ من العناية بالنوافل التي لم يفترضها عليهم فإهمال جانب الفرائض والانشغال بالنوافل من علامات الغرور لذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه في البخاري قال بعض الأكابر مَن شَغَلَهُ الفرضُ عن النفل فهو معذورٌ ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور اهـ فمن علامة المفلح أن يكون اهتمامه بما افترض الله عليه واعتناؤه بذلك فوقَ اعتنائه بالنوافل.
ومما افترض الله على عباده تعلُّمُ العلم الدينيّ الضروريّ هذا الذي فرضه الله على كل بالغ عاقل، كلُّ مَن بلغَ وكان بصفة العقل فهو مسؤول يوم القيامة عن تعلم علم الدين الضروري لأن علم الدين قسمان قسم يجب على كل مكلف أي بالغ عاقل تعلّمه فمن لم يتعلمه فهو عاصٍ فاسقٌ وهو ما يتعلق بمعرفة الله ورسوله وسائر أصول الدين وما يتعلق بالصلاة أي الصلوات الخمس وصيام رمضانَ هذا فرض عين لا يستغني أحدٌ من المكلفين عنه، كذلك معرفة أعمال القلوب لأن القلب له أعمال منها ما هي عباداتٌ تُقرِّبُ إلى الله ومنها ما هي معاصٍ تُبعِدُ من الله. ثم مِنَ الذي هو فرضٌ معرفته على كل مكلف المعاصي التي تتعلق بالعين واللسان والأذن واليد والرجل والبطن ونحو ذلك فمن هنا فرضٌ على كل مكلف أن يعرف التفرقة بين المال([ii]) الحلال الواصل إليه من المال الحرام لأن الإنسان يصل إليه مال حلال ومال حرام فإذا لم يعرف ما هو المال الحلال في الشرع وما هو المال الحرام في شرع الله يقع في استعمال المال الحرام.
هذا هو العلم الضروريُّ الذي لا يجوز لأحد من البالغين العاقلين الجهلُ به هذا الذي من لم يتعلمه يكون مؤاخذًا في الآخرة معاقبًا لأن السؤال في الآخرة يوم القيامة كما ورد في جامع الترمذيّ عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تَزولُ قدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسئَلَ عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ وعَنْ عِلمِهِ فيمَ فعلَ وعن مالِهِ من أينَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنفَقَهُ وعَنْ جسمِهِ فيمَ أبلاهُ([iii]) اهـ.
المال فيه مسؤولية كبيرة في الآخرة من أين أخذت هذا المال من حلال أم من حرام وفيما صرفت هذا المال في حلال أم في حرام. حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما القسم الآخر من علم الدين فهو فرضُ كفايةٍ أي أنه يجب على بعض المسلمين بحيث تحصل بهم الكفاية وهو ما زاد على ذلك من علم الدين. فرضُ الكفاية هو العلم الذي يستطيع الشخص أن ينفع به غيره. هذا هو القدر الذي هو فُرضَ على بعض المؤمنين لا على جميع المكلفين فهو العلم الذي يزيدُ على حاجاتِ هذا الشخص لنفسه وهو القدر الذي يحتاج إليه ليصلح الشخصُ لأن يفتيَ غيره، القدرُ الذي يُحتاجُ إليه للحادثات التي تحدث للناس، تحصل في الصلاة مسائلُ وفي الزكاة وفي الحج وفي النكاح وفي الطلاق مسائلُ غيرُ ظاهرةٍ فيجبُ أن يوجدَ في المسلمين من يعرف هذه المسائل، هذا القدر إذا علمه بعض المسلمين سقط الحرَج عن الآخرين.
ومن هذا العلم وجودُ أناس يعرفون علم العقيدة بأصولها وبأدلتها بحيث يستطيعون الردَّ على المشبهة المجسمة الذين يشبهون الله بخلقه وعلى المعتزلة الذين يقولون الإنسان هو يخلق أفعاله وعلى الجبرية وعلى المرجئة وعلى الخوارج وعلى الملحدين الذين لا ينتسبون إلى الإسلام كالدهرية. يجب أن يُوجدَ في كل بلد من بلاد المسلمين مَن يستطيع الردَّ على هؤلاء وهذا يتطلبُ العلم بالدلائل العقلية زيادةً على الدلائل النقلية. وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
[i])) رواه البخاري في صحيحه بابُ التواضعِ والطبراني في المعجم الكبير باب عُثمانُ بنُ أبي العاتِكةِ عن علي بن يَزيد.
[ii])) قوله المال ليس المراد منه العملة فقط بل كل ما له قيمة مما يُتملَّكُ يقال له مال.
[iii])) رواه الترمذي في سننه باب في القيامة.