بسم الله الرحمن الرحيم
هذه فائدة أملاها المحدثُ الفقيهُ الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى سنة عشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق لسنة تسع وتسعين وتسعمائة وألف ر في الرد على يوسف القرضاوي. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد فيُقال ليوسف القرضاوي أنت ألغيتَ ءاية الإكراه. ءايةُ الإكراه تحكم أن الـمُكرَهَ إذا تغير حاله عند النطق بالكفر فنطق بكلمة الكفر شارحًا به صدره عندئذ يكون مستحقًّا للعذاب. أنت عمَّمْتَ جعلتَ جميع البشر في حكم المكره فأنت خالفتَ كتابَ الله وفتحتَ للناس أبواب الكفر كأنكَ تقول بِمِلءِ فمك يا ناس قولوا ما شئتم سُبُّوا الله وسُبُّوا القرءان وسُبُّوا النبيَّ ما عليكم حرجٌ. خرجتَ عن إجماعِ علماءِ الإسلام الذين وضعوا في كُتب الفقه كتابَ المرتد كما وضعوا كتابَ النكاح وكتابَ الطلاق وكتابَ البيع. وبقولك هذا جعلتَ للشخص المرتد أن يتزوج المسلم ويرثَ المسلم وجعلتَ له حقًّا في أن يدخل المسجدَ ويُصليَ وإن مات أن يُدفنَ في مقابر المسلمين، وعلماءُ الإسلام على خلاف هذا. المذاهبُ الأربعةُ كلها في مؤلفاتهم علماؤهم وضعوا كتاب الردة ليُبَيِّنُوا الأحكامَ التي تترتب عليها ولم يشرط أحد منهم لا من المتقدمين ولا من المتأخرين أن الرجل لا يكون مرتدًا محكومًا عليه بالكفر إلا أن يكون شارحًا صدره وناويًا الخروجَ من الإسلام إلى دينٍ غيره. الحافظُ الإمامُ المجتهدُ المطلقُ ابن جرير الطبريُّ والحافظ أبو عوانة الذي له مستخرج على مسلم وغيرُهما من متقدمين ومتأخرين نصُّوا على ذلك أي على أنه لو كان قلبه منشرحًا بالإسلام يُحكم على من يتلفظ بكلمات الكفر بالكفر. والكتب التي ذُكرَ فيها هذا كثيرة منها شرحُ الفقه الأكبر لملا عليّ القاري فهؤلاء صرَّحوا بأن الذي يتكلم بكلمات الكفر وقلبُه مطمئن بالإيمان يحكم عليه بالكفر والردة وأنت وسيد سابق وحسن قاطرجي وصلاح الدين الإدلبي شذذتم عن علماء الإسلام وجرَّأتم الناس على الكفر.
وهل تجد في تاريخ السلف والخلف أن حاكمًا رُفِعَ إليه شخصٌ تكلم بكفرٍ أنه قال له هل كنتَ شارحًا صدركَ حين تكلمتَ بكلمة الكفر. لا تجدُ ولن تجده. ابن هاني المغربيُّ لما استُدعيَ للمحاكمة أجري عليه حكم المرتد فقُتلَ من غير أن يسألَه الحاكم عن هذا الشرط الذي اشترطتموه أنتم يا محرفون لدين الله. وكذلك هذا المرتد الذي كان ارتدَّ بعد أن أسلم من اليهود في اليمن أجرى عليه أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل حُكمَ الردة فقُتل رواه البخاري وغيره فهل ذُكر هناك أنه سئل هل كنت شارحًا صدرك لما تحولت عن الإسلام.
وهكذا شأن كثير ممن ارتدوا وحُوكِموا ما كان أحدهم يُسألُ عن هذا الشرط الذي أحدَثتُموه. كانوا يكتفون بمجرد اعترافِ الشخصِ أو شهادةِ شاهدين بأنه قال كلمةَ كذا من الكفر فيَعرضون عليه الإسلام فإن رجعَ وإلا أُجرِيَ عليه حكمُ المرتد القتلُ. هذا عملُ حكام المسلمين وعلمائهم فأنتم تركتم هذا وعملتم شرعًا جديدًا.
الكافر إذا دخل بلادَ المسلمين يغزوها أليس يتأكد وجوبُ قتاله. وهذا القرضاويُّ مثلُه.
انتهى والله تعالى أعلم.