الأحد ديسمبر 22, 2024

الردّ على الوهّابيَّة القائِلين بأنّ نِداء الرسولِ “يا محمّد” شِرْك:

اعلمْ أخي المسلم أنّ نِداء الرسولِ “يا محمد” في حياتهِ وبَعْدَ وفاتِه جائِز بالاتِّفاق، وإنّما حُرِّمَ نِداؤه “يا محمّد” في وَجْهِه في حياتهِ بَعْدَ نزولِ الآية “لا تَجْعَلوا دُعاءَ الرسولِ بَيْنَكم كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا” وكان سببُ تَحْريمِ ذلك أنّ قَوْمًا جُفاة نادوه مِنْ وراءِ حُجْرَتِه: “يا محمّد اخْرُجْ إِلَيْنا” فحَرَّمَ الله ذلك في وَجْهِه تَشْريفا له، وإنّما الصحابة كانوا يقولون يا رسولَ الله. أما في حياتهِ في غيرِ حَضْرَتهِ فإنّه جائِز والدليل على ذلك ما رواهُ الطَبَرانيّ في مُعْجَمَيْهِ الكبيرِ والصغيرِ وصحَّحهُ أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ الأعْمى الذي طلبَ مِنه أنْ يَدْعُوَ لهُ بأنْ يَرُدَّ الله بَصَرَهُ أنْ يقولَ: “اللهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتَوجّه إلَيْك بِنَبيِّك محمّد نبيِّ الرَّحْمَة يا مُحمّد إنّي أتَوجَّه بِكَ إلى ربّي في حاجتي” فدعا الرَّجُلُ بهذهِ الكلماتِ في غَيْرِ حَضْرَةِ الرسولِ بدليلِ أنّ راوي الحديثِ عُثْمانَ بنَ حُنَيْف قال لَمَّا روى حديثَ الأعْمى: “فَوَالله ما تَفرَّقْنا ولا طالَ بِنا المْجْلِسُ حتّى دخلَ عَلَيْنا الرَّجُلُ وقدْ أبْصَر”. فمِنْ قولهِ: “حتّى دخلَ عَلَيْنا” عَلِمْنا أنّ هذا الرَّجُلَ لم يَكُنْ حاضِرا في مَجْلِسِ الرسولِ لَمّا قال “يا محمّد”. ومِمّا يَدُلّ أيضا على أنّ الأعْمى قال يا محمّد في غَيْرِ حَضْرَتهِ أنه ثَبَتَ النّهْيُ عَن نِداء الرسولِ باسْمِه في وَجْههِ كما بَيَّنا. وكذلك ثَبَتَ أنّ الصحابيَّ الجليلَ خبَيْبَ بنَ عَدِيّ حِين قدِّمَ لِلقَتْلِ نادى: “يا محمّد” روى ذلك الحافِظ أبو نعَيْم الأصْبَهانيّ، وهذا دليلٌ على أنّ نِداءَ الرسولِ في غَيْبَتهِ بـ “يا محمّد” جائِز. وخبَيْبٌ هو مِن أولياءِ الصحابةِ كان قتلَ واحدًا مِن رؤوسِ الكُفارِ ثم الكُفارُ أمْسَكوهُ وأرادوا أنْ يأخذوا الثأرَ ويقتلوه فنادى: “يا محمّد” ولم يَنْتَقِدْهُ أحَد مِن الصحابةِ ولا مِمّنْ جاء بَعْدَهم مِن أهْلِ الحقّ. وأمّا الدليلُ على جوازِ نِداءِ النبيّ بَعْدَ مَوْتهِ بـ “يا محمّد” ما ذكره البُخاري في كتابه الأدَب المُفْرَد: “باب ما يقول الرَّجُلُ إذا خَدِرَتْ رِجْلُه، قال: خَدِرَتْ رِجْلُ ابنِ عُمَرَ – والخَدَرُ مَرَض في رِجْلِهِ تَتَعَطَّلُ حركتها – فقال له رَجُلٌ: اذكُرْ أحَبَّ الناسِ إليكَ؟ فقال: يا محمّد”، وأوْرَدَهُ أيْضا ابن السُّنِيّ في كِتابه عَمَل اليوم والليلة، والحافِظ الكبير إبراهيم الحَرْبي في كتابه غريب الحديث، والحافظ النوَوِيّ في كتابه الأذكار، وشيخ القرَّاءِ الحافِظُ ابن الجَزَرِيّ في كتابه الحُصْن الحَصين، والشَوْكانيّ في تحْفَة الذاكرينَ وهو غَيْر مَطْعون فِيهِ عِنْدَ الوهّابيَّة، وابن الجعد في مُسْنَدهِ، وأوْردَهُ أيضا إمام الوهّابيَّة ابن تَيْمِيَة في كتابه الكَلِم الطَّيِّب في الصحيفة  ونصُّ عِبارتهِ: “فَصْل في الرَّجُلِ إذا خَدِرَتْ رِجْلُهُ: عن الهيثم بن حنش قال: كُنّا عِنْدَ عبدِ الله بنِ عُمرَ رضي الله عنهما فَخَدِرَتْ رِجْلُهُ فقالَ لهُ رَجُلٌ: اذْكُرْ أحَبَّ الناسِ إلَيْكَ، فقالَ: يا محمّد فكَأنّما نَشِطَ مِن عِقال”، وكتابه الكَلِم الطَّيِّب ثابِت أنّه مِن تأليفهِ ذكرَ ذلك صلاحُ الدِّينِ الصَّفَدي وكان مُعاصِرًا لابْنِ تَيْمِيَة ويَتَرَدَّدُ عليه وقد اعترفَ بصِحَّةِ هذا الكتابِ أنه لابنِ تَيْمِيَة زعيمُ الوهّابيَّة المَدْعو ناصِر الدِّين الألْبانيّ وهذا مذكورٌ في مُقَدِّمَةِ النسْخة التي طبَعَها الوهّابيّ تِلْميذ الألْبانيّ زهَيْر الشاويش، فإنْ قالوا: ابن تَيْمِيَة رواهُ مِن طريقِ راوٍ مُخْتَلَف فِيه يُقالُ لهم: مُجَرَّدُ إيرادهِ لِهذا في هذا الكتابِ دليلٌ على أنه اسْتَحْسَنَه إنْ فرِضَ أنّه يراهُ صحيحًا وإنْ فرِضَ أنّه يراهُ غَيْر صحيح، لأنّ الذي يُورِدُ الباطِلَ في كتابهِ ولا يُحَذِّرُ مِنْه فهوَ داعٍ إلى ذلكَ الشىء. فَهُم وقعوا في حيْرَة لأنّ شيخَهم ابنَ تَيْمِيَة أجازَ قَوْلَ يا محمّد عِنْدَ الضِّيق واسْتَحْسَنَهُ وهذا فيه اسْتِحْبابُ الكُفْرِ والشِّرْكِ عِنْدَهم وقائِلُ هذا زعيمُهم الذي أخذوا مِنْه أكثرَ عقائِدِهِمْ، فماذا يقولون كَفَرَ لِهذا أمْ لم يَكْفرْ، فإنْ قالوا كَفَرَ لِهذا وهم يُسَمُّونَه شيخَ الإسلامِ فهذا تناقض يُكفِّرونَه ويُسَمُّونه شيخَ الإسلامِ، إنْ قالوا: نحن على صَوابٍ وابن تَيْمِيَة اسْتَحَلَّ الشِرْكَ والكُفرَ، قلنا: قد كَفّرتم شيخَكُمْ، وتكونون اعْتَرَفْتم بأنّكم مُتّبِعونَ لِرَجُلٍ كافرٍ تَحْتَجّونَ بكلامهِ في كثيرٍ مِن عقائِدِكُمْ، فقد تَبِعْتمُوهُ وجَعَلَتمُوهُ قدْوَة لكمْ فيما خالفَ فيه الحقّ وخالفْتمُوه فيما وافقَ فيه الصَّوابَ وهو جواز الاسْتِغاثَة بالرسولِ عِنْدَ الضِّيقِ بقَوْلِ “يا محمّد”. وإنْ قالوا لم يَكْفرْ نَقَضوا عقيدَتَهم يكونون قالوا قَوْل يا محمّد اسْتِغاثَة بهِ بَعْدَ وفاتهِ جائِز، وإن لم يُكفِّرونَه جِهارا فإنّهم مُعْتَقِدُونَ أنّ قَوْلَه هذا شِرْك فلِماذا لا يَتَبَرَّءونَ مِنه؟ والآن وقد وضحَ لهم الأمْرُ لكنّهم لا يزالونَ يُخالِفونَه فِيما وافقَ فيه الحقّ ويَتّبِعُونَه فِيما ضلَّ وزاغَ فِيه. فكَيْفَ يَدَّعونَ أنهم على دِين الإسلام، وهم كَفّروا الأمَّة، والأمَّة لم يكنْ فِيهم خِلاف في جوازِ قَوْلِ “يا محمّد” فهم أوَّلُ مَن حَرَّمَ هذا. ثمّ هُم بِسببِ هذا الاعتقادِ الفاسِدِ صاروا يُنْكِرُون على المسلمين الذين يَقْرأون في الصلاة “السلام عليك أيها النبيّ” ويَرَوْنَ أنْ يُقالَ بَدَلا مِن ذلك “السلام على النبيّ” كما ذكرَ الألبانيّ في كِتابه “صِفة صلاة النبيّ”، ألَمْ يسمعوا أنّ سيّدَنا أبا بكر وعمرَ وابنَ الزبَيْر وغيرَهم كانوا يُعلِّمونَ الناسَ على المِنْبَرِ بَعْدَ وفاةِ النبيّ التشهُّدَ باللَّفْظِ المَشْهورِ الذي فيه: “السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته” ولم يُنْكِرْ عليهِم أحَد مِن الصحابة، فكَيْفَ يُتْرَكُ ما جاءَ عَن هؤلاءِ الأكابرِ ويُتّبَعُ قَوْلُ هذا الجاهِل. ألَيْسَ المسلمون مِن زمنِ الصحابةِ إلى زمانِنا هذا يقولون هذهِ الصِّيغَةَ؟! فكأنّ الألبانيَّ لا يأخذ بقَوْلِ هؤلاءِ الصَّحابةِ ولا يُعْجِبُه ما عَلَيْهِ المسلمون إلى زمانِنا هذا بَلْ يَعْتَبِرُ ذلك ضلالا والعياذ بالله.

   

أمَا سَمِعُوا بقِصَّة المَرْأةِ الشَرِيفة أي المَنْسُوبة إلى سيّدِنا الحَسَن أو الحُسَيْن والتي وقعتْ في الأسْرِ أسَرَها الرُّومُ أيَّامَ الخَليفةِ المُعْتَصِم ابنِ هارونِ الرشيد وأنّ واحدا مِنْهُم لَطَمَها على وَجْهِها فصاحتْ: وامُعْتَصِماه، فبلَغَ الخبَرُ مُعتَصِمًا فاغْتَمَّ غَمًّا شديدا وخرَجَ بنفسِه على رأس جيش كبير يُقَدَّرُ بسَبْعينَ ألْف مُقاتِل لغَزْوِهِم فدخلَ بلدَهم وهو يقولُ لَبَّيْكِ لَبَّيْكِ فانْتَصرَ عليهم واستَردَّ الأسْرى وفيهِم تِلْكَ المرأة. وهذا مِن الأدلّة الظاهِرَة على اسْتِحْسان المسلمين لِمَا حصلَ مِن هذه المرأة المسلمة مِن نِداء المُعْتَصِم الذي لم يكن حاضِرا عندها مُسْتَغِيثة به، لأنه لم يَعِبْ أحَدٌ مِنْ عُلَماءِ الإسْلام قَوْلَها وامُعْتَصِماه وهذا ما عليه كلُّ المُسلمين عُلماؤهم وعَوامُّهم خِلافا للوهابيَّة فهي عِنْدَهم كافرةٌ لأجْلِ قَوْلها وامُعْتَصِماه لأنّ مِن عَقائدِهم أنّ مَن نَادَى مَيّتا أو حيّا غيرَ حاضِر كافِرٌ.