الأربعاء أبريل 2, 2025

روى مسلم في صحيحه في كتاب الطلاق[(298)]: حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللَّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَن ابنِ طَاوُسٍ عَن أَبِيهِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلاَقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكرٍ وَسَنَتَينِ مِن خِلاَفَةِ عُمَرَ طَلاَقُ الثَّلاَثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَد استَعجَلُوا فِي أَمْرٍ قَد كَانَت لَهُم فِيهِ أَنَاةٌ فَلَو أَمضَينَاهُ عَلَيهِم فَأَمضَاهُ عَلَيهِم» .

قال الإمام أحمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي (321هـ) في كتابه «شرح معاني الآثار»[(299)]: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابنُ أَبِي عِمرَانَ، قَالَ: ثنا إِسحَاقُ بنُ أَبِي إسرَائِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بنُ عَبدِ العَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بنُ مَنصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: ثنا عَبدُ الرَّزَّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن طَاوُسٍ عَن أَبِيهِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ، مِثلَ الحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا البَابِ، غَيرَ أَنَّهُمَا لَم يَذكُرَا أَبَا الصَّهبَاءِ وَلاَ سُؤَالَهُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَا مِثلَ جَوَابِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي فِي ذَلِكَ الحَدِيثِ، وَذَكَرَا بَعْدَ ذَلِكَ مِن كَلاَمِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مَا قَد ذَكَرنَاهُ قَبلَ هَذَا الحَدِيثِ.

فَخَاطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِذَلِكَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَفِيهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنهُم، الَّذِينَ قَدْ عَلِمُوا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ، فِي ذَلِكَ، فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيهِ مِنهُم مُنكِرٌ، وَلَم يَدفَعْهُ دَافِعٌ، فَكَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ الحُجَّةِ فِي نَسْخِ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَلِكَ.

لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِعْلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا، فِعْلاً يَجِبُ بِهِ الحُجَّةُ، كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا إجمَاعُهُم عَلَى القَولِ إجمَاعًا يَجِبُ بِهِ الحُجَّةُ.

وَكَمَا كَانَ إجمَاعُهُم عَلَى النَّقْلِ بَرِيئًا مِن الوَهْمِ وَالزَّلَلِ، كَانَ كَذَلِكَ إجمَاعُهُم عَلَى الرَّأيِ بَرِيئًا مِن الوَهْمِ وَالزَّلَلِ» اهـ.

وقال القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي (494هـ) في كتابه «المُنتقَى شرح موطأ مالك»[(300)]: فَمَن أَوقَعَ الطَّلاَقَ الثَّلاَثَ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ مَا أَوقَعَهُ مِن الثَّلاَثِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الفُقَهَاءِ، وَحَكَى القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشرَافِهِ عَن بَعضِ المُبتَدِعَةِ يَلزَمُهُ طَلقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ هَل لاَ يَلزَمُهُ شىء، إنَّمَا يُروَى هَذَا عَن الحَجَّاجِ بنِ أَرطَاةَ وَمُحَمَّدِ ابنِ إِسحَاقَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لأَِنَّ هَذَا مَروِيٌّ عَن ابنِ عُمَرَ وَعِمرَانَ بنِ حُصَينٍ وَعَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ وَابنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنهُم وَلاَ مُخَالِفَ لَهُم وَمَا رُوِيَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ قَالَ فِيهِ بَعضُ المُحَدِّثِينَ: هُوَ وَهْمٌ، وَقَد رَوَى ابنُ طَاوُسٍ عَن أَبِيهِ عَن ابنِ وَهبٍ خِلاَفَ ذَلِكَ، إنَّمَا وَقَعَ الوَهْمُ فِي التَّأوِيلِ» اهـ.

وقال الحافظ النووي الشافعي (676هـ) في شرحه على صحيح مسلم[(301)]: وهو معدود من الأحاديث المشكلة» اهـ.

وقال الحافظ أبو الفرج ابن رجب الحنبلي (795هـ) في كتابه «شرح علل الترمذي»[(302)]: كذلك حديث طاوس عن ابن عباس في الطلاق الثلاث، وقد تقدم في كتاب الطلاق كلام أحمد وغيره من الأئمة فيه وأنه شاذ مطّرَح. قال إبراهيم بن أبي عبلة: من حمل شاذ العلماء حمل شرًا كثيرًا» اهـ.

وقال محمد بن خليفة الوَشتاني الأُبيّ (827 أو 828هـ) في شرحه على صحيح مسلم المسمى «إكمالُ إكمالِ المُعَلِّم»[(303)]: قال المازري: مذهب الكافة أن المطلق ثلاثًا في كلمة واحدة تلزمه الثلاث» اهـ.

وقال مفتي المدينة المنورة الشيخ محمد الخضر بن عبد الله الشنقيطي (1353هـ) في كتابه «لزوم طلاق الثلاث دُفعة بما لا يستطيع العالِمُ دَفعَه»[(304)]: «وكيف يسوغ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر وهو على مذاهب أهل السنة والجماعة، أن يستدل على حِلّيَّةِ المبتوتة بالثلاث المجتمعة بقول ابن تيمية، وقد نص علماء زمانه الأجلاّء ومن بعدهم كالإمام تقي الدين السبكي والعز ابن جماعة وغيرهما على أن هذه من مسائله التي خرق فيها الإجماع ولم يسبقه إلى القول بها أحد من أهل المذاهب الأربعة من تقرير المذاهب في القرن الثاني والثالث إلى وجوده هو، وظهوره في القرن السابع؟! ومن قال إنه سبقه إلى هذا القول عالم معروف من أهل المذاهب الأربعة فليذكره لنا فإننا لم نطلع عليه بعد البحث الشديد في كتب الحديث والفقه، وأما بعد أن قال هو ما قال فيمكن أن يتبعه في ذلك بعض من تلامذته من متأخري الحنابلة» اهـ.

وقال المحدث محمد زاهد الكوثري في كتابه «الإشفاق على أحكام الطلاق»[(305)]: ففيه مخالفة لرأي الراوي الصحابي، فكم رد النقاد أحاديث بمخالفتها لآراء رواتها كما بسط ابن رجب في شرح علل الترمذي، وهو مذهب يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وابن المديني»، ثم قال: «وقد تواتر عن ابن عباس أنه يرى أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثًا وقد سبق رواية ذلك عنه بطريق عطاء وعمرو بن دينار وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم بل بطريق طاوس نفسه. وفيه أيضًا انفراد طاوس على خلاف رواية الآخرين وهذا شذوذ يرد به الحديث كما يرد الأول» اهـ.

فلا عبرة برأي أحمد بن تيمية الذي خرق به الإجماع في قوله إن الطلاق المعلّق المحلوف به لا يقع من الحِنْثِ وليس عليه إلا كفارة اليمين، فرأيُ ابنِ تيمية هذا خلافُ الإجماع، وقد نقل الإجماعَ على هذا الحكم الفقيهُ المحدّث الحافظ الثقة الجليل محمد بن نصر المَروَزي وجماعة غيره.

وقد نقل الشيخ أحمد بن عبد العزيز آل مبارك ، رئيس القضاة بدولة الإمارات العربية المتحدة، قول الباجي والنووي وابن رجب الحنبلي والغماري، في كتابه «لزوم الطلاق الثلاث في كلمة واحدة»[(306)].

وقال الشيخ محمد أمين أر في كتابه «الحجة الدامغة في الرد على من يفتي بأن الطلاق الثلاث دفعة واحدة تقع به واحدة»[(307)]: إن انفراد الراوي بالحديث مخالفًا للأكثرين وإن كان ثقة هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، ويكون شاذًّا منكرًا إذا لم يرد معناه من وجه يصح، وهذا الحديث ما رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما غيرطاوس، وقال الإمام أحمد: كل أصحاب ابن عباس روى عنه خلاف ما رواه طاوس.

إن الجوزجاني قال: هو حديث شاذ، وقد عنيت بهذا الحديث فلم أجد له أصلاً. وكذا قال الحافظ ابن رجب.

إنه قد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو راوي هذا الحديث: أنه أفتى بخلاف هذا الحديث وبلزوم الثلاث المجموعة، وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما ذكره ابن قدامة في المغني، وهو أيضًا علة في الحديث بانفراده، فكيف إذا انضم إليها علة الشذوذ والإنكار وإجماع الأمة على خلافه، كذا قاله الحافظ ابن رجب.

إن القاضي إسماعيل قال: إن طاوس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة، ومنها هذا الحديث، وعن أيوب أنه كان يتعجب من كثرة خطأ طاوس، وقال ابن عبد البر: شذّ طاوس في هذا الحديث، وكان علماء مكة ينكرون على طاوس ما انفرد به من شواذ الأقوال» اهـ.

ـ[298]   كتاب الطلاق: بَاب: طلاقِ الثلاث (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، ص560 رقم الحديث 1472).

ـ[299]   شرح معاني الآثار (دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1427هـ، الجزء الثاني ص/419 – 420).

ـ[300]   المُنتقَى شرح موطأ مالك (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1420هـ الجزء الخامس ص/184 – 185).

ـ[301]   صحيح مسلم (دار الكتاب العربي 1407هـ، المجلد الخامس الجزء العاشر ص/70).

ـ[302]   شرح علل الترمذي (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1428هـ ص163).

ـ[303]   إكمالُ إكمالِ المُعَلِّم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415هـ، الجزء الخامس ص/196).

ـ[304]   لزوم طلاق الثلاث دُفعة بما لا يستطيع العالِمُ دَفعَه (مكتبة الإيمان – المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1408هـ ص/12 – 13).

ـ[305]   الإشفاق على أحكام الطلاق (دار ابن زيدون – بيروت، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، الطبعة الأولى ص46).

ـ[306]   لزوم الطلاق الثلاث في كلمة واحدة (دار ظفير – أبو ظبي، ص/35 – 44 – 45 – 46 – 47).

ـ[307]   الحجة الدامغة في الرد على من يفتي بأن الطلاق الثلاث دفعة واحدة تقع به واحدة (المكتبة الإسلامية – ديار بكر 1389هـ ص/33 – 34).