الخميس أبريل 18, 2024

روى مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير، بَاب الإمداد بالملائكة في غزوة بدرٍ وإباحة الغنائم[(308)]: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الحَنَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ. (ح) وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ – وَاللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ هُوَ سِمَاكٌ الحَنَفِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ *} فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالمَلاَئِكَةِ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى المُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلقِيًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَِبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو العَمِّ وَالعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا تَرَى يَا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شىء تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ الغَنِيمَةَ لَهُمْ».

هذا الحديث مما انفرد به مسلم، وهي رواية معلولة لا يُحتَج بها، فهي مخالفة للأصول لأن ما وافق عليه الرسول أبا بكر مستحيل شرعًا أن يكون سببًا للعذاب، فهذه الرواية خالفت القاعدة الدينية، والرسول صلى الله عليه وسلم خيَّرَهُ جبريلُ بين أن يأخذ الفداء من الكفار وبين أن يقتلهم فاختار الفداء.

فقد ذكر كثير من المفسرين ما لا يجوز، ذكروا ما هو خلاف حديث صحيح ثابت رواه ابن حبان وغيره أن جبريل عليه السلام خيَّر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بين الفداء وبين تركِه، وأخبره أنه إن أخذ الفداء يُصاب من المسلمين العدد الذي أصاب المسلمون من الكفار، فاختار رسول الله الفداء، وذلك ليس حبًّا في المال الذي يأخذونه من الكفار الذين يُطلق سراحهم بعد أن وقعوا في الأسر، إنما غرضه من ذلك رجاء أن يسلم هؤلاء بعد فدائهم كلهم أو بعضهم، كان عنده هذا الاحتمال، فأخذ من كل رأس منهم مالاً فأطلقه، عدل عن إبادتهم إلى هذا الفداء لأجل هذا، ثم تحقق ما أخبر به جبريل إذ حصل للمسلمين في وقعة أحد التي هي بعد بدر إصابة عدد أي قتل سبعين نفسًا من المؤمنين.

الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ما فعل من أخذ الفداء بإذن الله، ليس كما يقول بعض المفسرين وبعض المحدثين إنه فعل ذلك برأي منه موافقة لآراء بعض الصحابة الذين أشاروا عليه بالفداء كأبي بكر رضي الله عنه، ثم إنه رأى العذاب قد نزل ودنا واقترب منهم فبكى، هذا غير صحيح، مهما كثُر من يروي هذا من المفسرين وغيرهم فهو غير صحيح، فإذا مرَّ عليك – أخي المسلم – قصة الفداء في تفسير أو كتاب من كتب الحديث فلا تعتقد هذا بل احذره، واعتقد أن القول الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخذ الفداء إلا بوحي جاء به جبريل، خيَّرَه جبريل بين الفداء على أن يقتل العام المقبل منهم عدتهم، مثل العدد الذي قتل من الكفار في بدر، وبين الإثخان أي إبادتهم.

وقد ورد في صحيح ابن حبان ذكر تخيير الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بين الفداء والقتل: عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام هبط عليه صلى الله عليه وسلم فقال له: خيِّرهم – يعني أصحابه صلى الله عليه وسلم – في الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل العام المقبل منهم عدتهم قالوا: الفداء ويقتل منا عدتهم.

قال القاضي عياض اليحصبي المالكي (544هـ) في كتابه «إكمال المعلم بفوائد مسلم» في شرحه على صحيح مسلم[(309)]: إذْ ورد في بعض الأخبار أنه أمر صلى الله عليه وسلم بتخييرهم على أن يقتلوا الأسرى أو يفادوهم على أن يُقتل من عام قابل مثلهم» اهـ

ـ[308]   كتاب الجهاد والسير: بَاب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدرٍ وإباحة الغنائم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، ص700 رقم الحديث1763).

ـ[309] إكمال المعلم بفوائد مسلم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1427هـ، الجزء السادس ص96).