الجمعة أبريل 19, 2024

روى مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، بَاب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنالُه شفاعة ولا تنفعُه قرابة المقرَّبين[(246)]: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» .

قال الحافظ جلال الدين السيوطي (911هـ) في رسائله في «نجاة والدَي النبي صلى الله عليه وسلم » في الرسالة الثانية «التعظيم والمنَّة في أن أبوَي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة»[(247)]: فصلٌ: ظهر لي في حديث: (إن أبي وأباك في النار)، علتان؛ إحداهما: من حيث الإسناد، وذلك أن الحديث أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن رجلاً قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار. فلما قَفَّى، دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار. وهذا الحديث تفرّد به مسلم عن البخاري، وفي أفراد مسلم أحاديث مُتكلّمٌ فيها، ولا شك أن يكون هذا منها. أما أولاً: فثابتٌ وإن كان إمامًا ثقة، فقد ذَكَرَهُ ابن عَدي في (كامله) في الضعفاء وقال: إنه وقع في أحاديثه نكرة، وذلك من الرواة عنه، فإنه روى عنه الضعفاء. وأورده الذهبي في الميزان.

وأما ثانيًا: فَحمَّادُ بن سَلَمة وإن كان إمامًا عابدًا عالمًا، فقد تكلَّم جماعة في روايته، وسكت البخاري عنه، فلم يخرج له شيئًا في صحيحه.

وقال الحاكم في (المدخل): ما أخرج مسلم لحماد بن سلمة في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وقد خرَّجَ له مسلم في الشواهد عن طائفة.

وقال الذهبي: حماد ثقة، له أوهام وله مناكير كثيرة وكان لا يحفظ، فكانوا يقولون: إنها دُسَّت في كتبه، وقد قيل: إن ابن أبي العرجاء كان ربيبُهُ وكان يدسّ في كتبه» ثم قال: فبَانَ بهذا: أن الحديث المتنازع فيه لا بَدْعَ أن يكون منكرًا، وقد وُصِفَتْ أحاديث كثيرة في مسلم بأنها منكرة» اهـ.

وقال السيد أحمد السايح الحسيني في كتابه «نشر الأعطار ونثر الأزهار في نجاة آباء النبي الأطهار»[(248)]: يشير الناظم إلى الحديث الذي يأخذ بظاهره القاصرون وهو ما رواه مسلم عن أنس أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي؟ فقال: إن أبي وأباك في النار» وقال[(249)]: وذكر أبو نعيم في الحلية: أن عمر بن عبد العزيز غضب على كاتبه وعزله من جميع دواوينه لأنه سمع منه ما هو من هذا الباب» وقال[(250)]: «أما حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم على من سأله قائلاً: إن أبي وأباك في النار، فإنما هو من رواية حماد بن سلمة، وهو معارض بحديث معمر بن راشد كلاهما أي (حماد ومعمر) عن ثابت» ثم قال: وعند العلماء أن معمرًا أثبت من حماد، لأن حمادًا في أحاديثه مناكير شتى، وقد تكلم علماء الرجال في حفظه، فهو مجروح متهم، ولم يخرج له البخاري ومسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت» ثم قال: وهكذا يسقط حديث حماد علميًا واصطلاحيًا، كسقوطه أدبيًا وذوقيًا، فليس عليه من نور النبوة أو البلاغة المحمدية شىء» اهـ.

وقال الحافظ الإمام المجتهد المجدد الفقيه شيخ الإسلام والمسلمين عبد الله بن محمد الهرري المعروف بالحبشي في بعض إملاءاته: «قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه «والِدا الرسولِ ما ماتا كافِرَين» لكن بعضُ النُّسَّاخ حرّفوا فكتبوا ماتا كافِرين وهذا غلط شنيع. نحن لا نقول ماتا كافرَين إذ لا مانع من أن يكونا أُلهِما الإيمانَ بالله فعاشا مؤمنين لا يَعبُدان الوَثَن.أمّا حديث «إنّ أبي وأبَاكَ في النّار» فهو حديثٌ معلولٌ وإن أخرجه مسلم.

في مسلم أحاديثُ انتقدَها بعض المحدّثين وهذا الحديث منها. وأمّا حديث «إن الرسولَ مكثَ عند قبر أمّه فأطال وبكى فقيل له: يا رسول الله رأيناك أطلتَ عند قبرِ أمّكَ وبكَيْتَ فقال: «إنّي استأذَنتُ ربّي في زيارتها فأذِن لي وطلَبتُ أن أستغفر لها فمنعني» هذا الحديث أيضًا في مسلم، وهذا الحديثُ مؤوّل بأن يقالَ إنّما منَعَه من أن يستغفرَ لها حتى لا يلتبس الأمر على الناس الذينَ مات ءاباؤهم وأمّهاتُهم على عبادة الوَثن فيستغفروا لآبائِهم وأمّهاتِهمُ المشركينَ، لا لأنّ أمَّ الرسولِ كانت كافرةً، وهكذا يُرَدُّ على الذين أخذوا بظاهر الحديث فقالوا إنّ والدةَ الرسولِ مُشركةٌ لذلك ما أُذِنَ له بأن يستغفر لها، والدليلُ على أنّ أمَّه كانت مؤمنةً أنها لما ولدته أضاء نورٌ حتى أبْصَرت قصورَ الشام، وبين المدينة والشام مسافةٌ بعيدةٌ، رأت قصورَ بُصرَى وبُصْرى هذه من مدُن الشام القديمةِ، وهي تُعَدّ من أرضِ حَوران مما يلي الأردن. فأمّه عليه السلام رأت بهذا النّور الذي خرجَ منها لما ولدتهُ قصورَ بُصرَى، وهذا الحديثُ ثابتٌ رواه الحافظ ابنُ حجرٍ في الأماليّ وحسّنه، ورؤيةُ ءامنة لقصور بُصرَى يُعَدُّ كرامةً لها لأن هذا خارق للعادة».

ـ[246]   كتاب الإيمان (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، ص100 رقم الحديث203).

ـ[247]   التعظيم والمنَّة في أن أبوَي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1432هـ ص98 – 99).

ـ[248]   نشر الأعطار ونثر الأزهار في نجاة آباء النبي الأطهار (دار جوامع الكلم – القاهرة، ص124).

ـ[249]   نشر الأعطار ونثر الأزهار في نجاة آباء النبي الأطهار (ص/129).

ـ[250]   نشر الأعطار ونثر الأزهار في نجاة آباء النبي الأطهار (ص/134).