التَّفكُّر في مخلوقاتِ الله
علماء المسلمين قالوا لا بدَّ أن يكونَ هناك دليلٌ إجماليٌّ عقليٌّ يعرفُه العبدُ المكلف على وجود الله.
هناك دليل تفصيلي ودليل إجمالي. الدليل الإجمالي لا بدَّ أنْ يعرفَه العبدُ المكلّف البالغ العاقل على وجودِ الخالق سبحانَه وتعالى، ولا يجوزُ له أنْ لا يتعلمَ هذا الدليل الإجمالي العقلي على وجود الله، لماذا؟ لأنّنا أحيانًا نحتاج في كلامِنا مع بعض الناس الذين لا يؤمنون بوجودِ الخالق أن نُثبِت لهم بالأدلة العقلية، والله سبحانه وتعالى ذكرَ في القرآن ما يدلُّ على استخدام العقل: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. التفكرُ يكون بالعقل، إذًا العقل شاهدُ الشرع يوافقُ على ما جاء به الشرع.
فقد يأتيك إنسان مُلحِد لا يؤمن بوجود الله تبارك وتعالى، فتَحتاج أنْ تذكرَ له دليلًا عقليًّا، فإذا لم تكن أنت تعرف الدليل العقلي هذا يُضْعِفُكَ أمامَ هذا الإنسان الذي لا يؤمن بوجود الله.
لو قلتَ له قال اللهُ تعالى: {أفِي اللهِ شكٌّ} يقول لك هذا القرآن أصلًا أنا لا أؤمنُ به ولا أؤمن بوجودِ الله أريدُ دليلًا عقليًّا على أنّ هذا العالم له خالقٌ خلقَه لا يشبِهُه.
لذلك يروى عن سيّدِنا الشافعي أنّ بعضَ الدهرية (الدهرية: هؤلاء لا يؤمنون بوجود خالق)، ويقولون كما ذكر القرآن عنهم: {وقَالوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} يعني يُرْجِعون إلى الزمن، فهُم كفار لا يؤمنون بوجود الخالق. فقالوا لسيِّدِنا الشافعيّ رضيَ اللهُ عنه: اعطِنا دليلًا على وجود الله، فقال لهم: ورقة الفرصاد يعني ورقة التوت لونُها واحد ريحُها واحد طبعُها واحد، وافقوا قالوا صحيح لونُها واحد طبعُها واحد ريحُها واحد، فقال لهم: تأكلُها النحلة فيخرج منها العسل، وتأكلُها الدودة (دودة القز)، فيخرج منها الحرير، وتأكلها الشاة فيخرجُ منها البعر، وتأكلُها الغزالة فيخرج منها المسك، المسك الذي هو أجود أنواع الطيب يخرج من غزالة هذه موجودة في بلاد قريبة من الصين يقال لها التيبت، هذا النوع من الغزلان يندفع الدم إذا اسودَّ بقوة إلى جهة سُرَّتِه فلمّا يصير في هذه المنطقة يُسَبِّب لهذا الغزال ألم، فيصير يريد أن يحكّ هذا الموضع فيلجأ إلى صخرة حادة فيَحُكَّها فيبدأ يتلذّذ بهذا الأمر حتى تنفجر كما ينفجر الدُّمّل والجراح بعدما تنضج فيسيل على الصخر فيأتي الصيادون ويأخذون هذا ويجمعونه في أوعية وهذا الذي يتهادى به الملوك ويبيعه التجار ويكون نادرًا، هذا أغلى أنواع الطيب الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:أطيَبُ الطيبِ المسكهذا يكون من هذه الغزالة، من هذا الحيوان الذي يأكل ويشرب وله قذر.
فيقول لهم الإمام الشافعي: تأكلها الظبيةُ فتُخرِجُ مسكًا. مَن الذي جعل هذه الأنواع تخرج منهم وأكلوا نوعًا واحدًا له نفس الطبيعة نفس اللون نفس الرائحة، فكلهم قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، أسلموا.