بسم الله الرحمن الرحيم
درسٌ ألقاهُ المحدثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدري الحبشي رحمهُ اللهُ تعالى في السابع عشر من جُمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وألفٍ من الهجرة الموافق لثمان وعشرين من شهر أيلول سنة تسع وتسعين وتسعمائة وألف ر في بيته وهوَ في التحذير من بعضِ أهلِ الضلالِ.
بعدَ حمدِ الله والصلاةِ والسلامِ على رسول الله قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
بعضُ هؤلاءِ السَّحَريَّاتِ يعتقدنَ أنَّ وضعَ إصبع الحائضِ في الطبيخ ينجسه. عائشةُ لمَّا قال لها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ناوِليني الخُمْرَةَ فقالت إني حائضٌ فقال لها: ليسَتْ حيضَتُكِ في يَدِكِ([i]) اهـ عائشة ما قالت إني أنجّسُ هذه الخُمرة إذا أمسكتُها إنما معناهُ هل منَ الأدَبِ أم يُنافي الأدبَ هذا معناهُ. ويدلُّ لذلكَ أنّه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدني لها رأسَهُ وهوَ في المسجدِ فتُسرِّحُ له عائشةُ وهيَ خارجَ المسجدِ وهيَ حائضٌ. بينَ المسجدِ وبينَ بيتِ عائشةَ يوجدُ جدارٌ فقط. الرسولُ يُخرجُ رأسَهُ إلى خارجِ جدارِ المسجدِ وهوَ في المسجدِ من غيرِ أن يقومَ وهيَ في بيتها تُسرِّحُ لهُ رأسَهُ.
وهذا شيءٌ هيّنٌ بالنسبةِ لكُفرياتهنّ. من جملةِ كفريّاتهنّ أنهُ عندَهُنّ كتابٌ يُنْشِدْنَ منهُ هُنَّ عَمِلْنَ ذلكَ الكتابَ. رَئيسَتُهُنَّ التي في الشام عمِلَتْ ذلك الكتابَ أعطَتْهُ لمن يطبع لها ثمَّ صِرنَ يشتَرين من عندَ صاحبِ مكتبةٍ يقالُ لها مكتبةُ الفارابيّ في وسطِ دمشق. هذا الكتابُ فيه أستغفر الله من تَرْكِي للمعصيةِ اهـ هذا عكسُ دينِ اللهِ. الاستغفارُ في الإسلامِ مِنْ فِعْلِ المعصيةِ ليسَ من ترْكِ المعصيةِ. ما أبشعَ هذا الكفرِ. ويوجدُ عندَهُنَّ أبشَعُ من هذا وهوَ قولُ رئيسَتِهنَّ إنّ التي لا تتزوج في الدنيا يتزوجها الله في الآخرة. هؤلاء ما عرفنَ الله.
وأيضًا قالتْ لهُنَّ مَن يتهجَّدُ بالليلِ أي يُصلي السُّنَّةَ النافلةَ في النصفِ الأخيرِ فلْيَتَصَوَّرْ أنهُ يسجدُ على أفخاذِ الله اهـ هؤلاء ما عرفن الله. أصلُ الإسلامِ معرفةُ اللهِ هؤلاءِ انتسابهنَّ للإسلامِ لا معنى له. بعدَ المعرفةِ الصلاةُ والصيامُ والزكاةُ والحجُّ وقراءةُ القرءانِ تنفعُ أمّا قبلَ معرفةِ اللهِ لا ينفعُ شيءٌ منَ الأعمالِ بل فوقَ الكفرِ يُكتَبُ عليهِ سيئَةٌ لأنهُ يُصلّي صلاةً مخالفةً للشرعِ ويصومُ صومَا مخالفًا للشرع ويحجّ حجًّا مخالفًا للشرع. الأعمالُ التي هيَ حسناتٌ صورةً تكونُ عليهن ذنوبًا لأنَّ الصلاةَ إذا كانت لا تُوافق شريعةَ اللهِ فهيَ معصيةٌ والصيامُ إذا كان لا يُوافقُ شريعةَ اللهِ والحجُّ إذا كانَ لا يوافقُ شريعةَ اللهِ فهوَ معصيةٌ وهكذا سائرُ الأعمالِ إلا صدقة التطوع. الكافرُ إذا تصدَّقَ صدقةَ التطوّعِ من غيرِ أن يطلب بها الثوابَ منَ اللهِ ليس عليه معصية أمّا إذا زكَّى عليهِ معصيةٌ لأنَّ مَن يعملُ عبادةً فاسدةً عليهِ إثمٌ. أمّا الصدقةُ فتصحُّ بلا نيةٍ وصلةُ الرّحم كذلك. الشخصُ إذا نَوَى به الثوابَ أو لم ينوِ بهِ الثوابَ إنْ وصلَ رحمهُ عملٌ جائزٌ لكنْ إنْ لم ينوِ بهِ للهِ تعالى ما لهُ ثوابٌ. أمّا إنْ نوَى للهِ أي أصِلُ أرحامي لأنَّ اللهَ أمرَ بزيارةِ الأرحامِ لهُ ثوابٌ أي بشرطِ الإسلامِ، أما بغيرِ هذهِ النيةِ ليسَ لهُ ثوابٌ لكنْ لا تكونُ معصية. أمّا الصلاةُ والصيامُ والحجُّ والزكاةُ الأعمالُ التي لا تصحُّ إلا بالنيةِ الكافرُ إذا عمِلها يقالُ لها عبادةٌ فاسدةٌ والعبادةُ الفاسدةُ يأثَم فاعِلُها.
من فسادِ الزمانِ أن يظهرَ مثلُ هؤلاءِ كامرأةٍ اسمُها غِنى حمّود وأنْ تتكلمَ أمامَ الناسِ باسمِ الوعظِ هيَ جاهلةٌ كافرةٌ. اليومَ لا يوجدُ حاكمٌ شرعيٌّ مثل أيام الصحابةِ وما بعدَ ذلكَ مثل أيام الأمويّينَ وأيام الخلفاءِ العباسيينَ وأيام الخلفاء العثمانيينَ الأتراكِ. في تلكَ الأيام إذا تكلَّمَ شخصٌ بكلمةِ الكفرِ يشهدُ عليهِ شاهدانِ دَيِّنانِ عَدلانِ عندَ الحاكمِ الحاكمُ يَستدعيهِ فإنِ اعترفَ يقولُ لهُ تشهَّدْ فإن لم يتشهّد يمهلهُ ثلاثةَ أيامٍ فإنْ لم يرجِعْ يقتلهُ فرضٌ عليه أن يقطعَ رأسَه، وكذا الحكمُ لو أنكرَ لكنْ شهدَ عليهِ الشاهدانِ.
أيام سيدنا أبي بكرٍ ارتدَّت واحدةٌ فقتلَها، قطعَ رأسها، كانت مسلمةً ثمَّ ارتدّت بنوعٍ من أنواعِ الردةِ. يقالُ لها أمُّ قِرفَة.
وءاخَرُ كانَ في أيامِ الأمويينَ في أيامِ الخليفةِ الأمويّ هشام بنِ عبدِ الملكِ رجلٌ كانَ من موالي سيدنا عثمانَ أي من ذريةِ إنسانٍ كان عبدًا وأعتَقَهُ سيّدنا عثمانُ هذا الرجلُ فسدَتْ عقيدتهُ صارَ يقولُ ضدَّ عقيدةِ أهلِ السنةِ صارَ يقولُ الشرُّ ليسَ بمشيئةِ الله بل بغير مشيئة الله يوجد الشر أمّا الخيرُ فمبشيئة اللهِ وبمشيئةِ العبد يفعله الإنسان والعبد هو يخلق أفعاله. طلبَهُ هشامُ ابنُ عبدِ الملكِ الخليفةُ في الشامِ في دمشقَ قالَ لهُ أنتَ تقولُ ذلكَ الكلامَ الي يَبلغني عنكَ قال أحضِرْ لي مَنْ يُناظِرُني فأحضرَ لهُ الإمامُ الأوزاعيَّ هذا الذي الآنَ هنا مَدفونٌ بساحلِ بيروتَ الخليفة أحضَرهُ فناظرَ هذا الرجلَ واسمُهُ غيلان فأثبتَ عليهِ سيدنا الأوزاعيُّ أنهُ مُنحرفٌ عن الدينِ ولم يجدْ هذا الضالُّ حجّةً فقالَ الإمامُ الأوزاعيُّ للخليفةِ كافرٌ وربّ الكعبةِ يا أميرَ المؤمنينَ اهـ أميرُ المؤمنينَ أخذهُ قطعَ لسانه ويدَيهِ ورجلَيهِ ثمَّ قطعَ رأسَهُ وصلَبه. ماذا كان يفعلُ أولئكَ الخلفاءُ لو كانت هذه وأمثالُها في زمانهم. هذهِ غِنَى من جماعةِ رجب ديب. وهذا رجب زعيمُهم قال إن الله يُدَنْدِل رأسه من السماء يوم الجمعة ويقول يا عِبادي تعالَوا إلى الجامع اهـ وهذا تشبيهٌ لله بخلقهِ والعياذُ بالله. كانَ يقضي أربعةَ أيامٍ في بيروت كلّ أسبوعٍ ثم يعودُ إلى دمشقَ كان يُعلِّمُ الكفرَ، كان يقولُ نحن أنبياءُ مُصَغَّرُونَ فاعتقدَ بعضُ الناسِ أنهُ نبيٌّ. هذا ماذا كانَ يفعلُ بهِ الخليفةُ لو كانَ في عصرهِ.
هذا المعتزليُّ الذي كانَ حافظَ القرءانِ وإذا تكلمَ يُعجَبُ الناسُ بفصاحتهِ عاشَ في عصرِ الصحابةِ لكن انحرفَ عن عقيدةِ أهلِ السنةِ. أهلُ السنةِ يقولونَ الخيرُ والشرُّ بمشيئةِ اللهِ لكنَّ اللهَ يكرهُ الشرَّ ويحبُّ الطاعةَ لكنِ الخيرُ يحصلُ بمشيئتهِ والشرُّ يحصلُ بمشيئتِهِ وهوَ خالقُ كلّ شيءٍ.
هذه عقيدةُ الإسلامِ التي كان عليها الرسولُ والصحابةُ. أهلُ السنة إلى اليوم على هذا. نحنُ عقيدتُنا أنه لا خالق لخيرٍ ولا لشرٍّ إلا اللهُ. هذه عقيدةُ أهلِ السنةِ. هذهِ العقيدةُ هيَ عقيدةُ القرءانِ واللهُ تعالى ذكرَ في القرءانِ هذه الآيةَ
﴿قُلِ اللهُ خالقُ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ الواحِدُ القهَّارُ﴾([ii]) كلمةُ شيءٍ تشملُ كلَّ الموجود. الأجسامُ شيءٌ وحركاتُ الأجسامِ وسكَناتُها شيءٌ والعقائدُ والأفكارُ والنّوايا شيءٌ. معنى الآيةِ أنَّ اللهَ تعالى هوَ يخلقُ هذه الأشياءَ كلَّها بلا استثناءٍ. العبادُ يفعلون لكنْ لا يخلقونَ. الحسناتُ نفعَلُها ولكنْ ليسَ نحنُ نخلُقها بلِ اللهُ يخلُقها فينا والمعاصي نحنُ نفعَلُها ولا نخلُقها بلِ اللهُ يخلُقها فينا. هذه عقيدةُ أهل الحقّ. مَن ماتَ عليها معَ معرفةِ أنَّ الله لا يشبه شيئًا ليسَ متحيزًا في السماءِ ولا في العرشِ ولا في الكعبةِ موجودٌ بلا مكانٍ لأنهُ كانَ قبلَ المكانِ بلا مكانٍ ثمَّ خلقَ المكانَ وهو موجودٌ بلا مكانٍ. فمَن ماتَ على هذا وهوَ مؤمنٌ بسيدنا محمدٍ أنهُ رسولُ اللهِ وتجنَّبَ كلماتِ الكفرِ سبَّ اللهِ وسبَّ الرسولِ سبَّ الملائكةِ والاستهزاءَ بالقرءانِ والاستهزاءَ بشريعةِ الإسلامِ ونحو ذلكَ فهوَ مسلمٌ مؤمنٌ لو بلَغت ذنوبُهُ عَنانَ السماء ويدخلُ جنَّة الله لا بُدَّ.
انتهى والله تعالى أعلم.
[i])) رواه ابن ماجه في سننه بابُ الحائض تتناولُ الشيءَ منَ المسجدِ.
[ii])) سورة الرعد/الآية16.