السبت سبتمبر 7, 2024

التحذير ممن زعم أنه لا يجوز تكفير المعين

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى أَشرَفِ الأنبياءِ والمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ وَعلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم،

أَمَّا بَعْدُ،

فلْيُعْلَم أنَّ مِنَ البِدَع المُخالِفةِ لِدِينِ اللهِ تعالَى والتِي ظَهَرَتْ بَيْنَ بَعْضِ أَدْعِياءِ المَشْيَخَةِ فِي هذَا العَصْرِ قَوْلَهُم بِعَدَمِ تكْفِيرِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَمُرَادُهُم بِذَلِكَ أنَّ الشَّخْصَ المُعَيَّنَ الذِي ثَبَتَ كُفْرُهُ لَا يَحْكُمُونَ علَيهِ بالكُفْرِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُونَ علَى اللَّفْظِ فَقَط بِأَنَّهُ كُفْرِيٌّ، وَكَلامُ هَؤلاءِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَىءٍ.

بَل إنَّ هذِهِ البِدْعَةَ التِي يَتَنَطَّعُ بِهَا هؤلاءِ هِيَ هَدْمٌ لِلدِّينِ وَتَضْيِيعٌ لِأَحكامِهِ وَإِبطالٌ لِبَابِ الرِّدَّةِ الذِي نَصَّ علَيهِ الفُقَهَاءُ والعُلَمَاءُ فِي مُؤَلَّفَاتِهِم وَتَعْطِيلٌ لِمَسْأَلَةِ الاسْتِتِابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ التِي تَتَرَتَّبُ عَلَيها. فَمَن ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الكُفْرِ فَلا ضَرَرَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ إنَّهُ كَافِرٌ.

وَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِنَا هُوَ تَكْفِيرَ النَّاسِ بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ فَهَذَا خَطَرُهُ شَدِيدٌ، وَلَكِن كَلَامُنَا هُوَ مِن بَابِ بَيَانِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَتَحْذِيرِ النَّاسِ مِمَّنْ يُحَرِّفُ دِينَ اللهِ.

فَهَؤُلاءِ مِنْهُم مَن يَحْكُمُ علَى الكَلِمة أنَّهَا كُفْرٌ وَلَا يَحْكُمُ بِتَكْفِيرِ قَائِلِهَا، وَمِنْهُم مَن يَدَّعِي الوَرَعَ بِزَعْمِهِ وَيَتَبَجَّحُ بِتَرْكِ تَكْفِيرِ الكَافِرِ مُتَوَهِّمًا أنَّ هذَا مِن تَمَامِ الوَرَعِ،

والحَقُّ أَنَّ هذَا القَوْلَ المُخَالِفَ للشَّرِيعَةِ لا يُثْبِتُ لِقَائِلِهِ عِلْمًا وَلَا فَهْمًا فِي الدِّين فَضْلاً عَن وَرَعٍ أَو صَلَاحٍ، وَهُوَ قَوْلٌ لا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَائِلُهُ لَيْسَ بِأَحْرَصَ علَى دِينِ الإِسْلَامِ مِن رَسُولِ اللهِ وَلا مِن أَبِي بَكْرٍ وَلَا مِن عُمَرَ وَلَا مِن عُثْمَانَ وَلَا مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَقَائِلُ هذَا القَوْلِ الفَاسِدِ لَيْسَ بِأَوْرَعَ مِن أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والأَوْزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَكُلُّ هؤُلاءِ قَد كَفَّرُوا الكَافِرَ المُعَيَّن الَّذي ثَبَتَ كُفْرُه، وَهُم أَئِمَّةُ هُدًى.

هؤلاءِ يُقَالُ لَهُم: لَو أنَّ إِنْسَانًا سَرَقَ لَكُم أَمْوالَكُم أَكُنْتُم تَدَّعُون عَلَيهِ أَم علَى السَّرِقَةِ؟

وَلَو أنَّ إِنْسَانًا قَتَلَ لَكُم أَوْلاَدكُم أَكُنْتُم تَدَّعُونَ علَى القَاتِلِ بِعَيْنِهِ أَم عَلَى الفِعْلِ الذِي هُوَ القَتْلُ؟

فَإِنْ كُنْتُم فِي مِثْلِ هذِهِ الأُمُورِ التِي هِيَ كَلَا شَىءٍ بالنِّسْبَةِ لِلْكُفْرِ لَا تَقْبَلُونَ إِلَّا الادِّعَاءَ علَى الفَاعِلِ بِعَيْنِهِ وتُسَمُّونَهُ باسْمِهِ -سارِقٌ- و-قاتِلٌ-، فَلِمَاذَا تَهَاوَنْتُم فِي أَمْرِ الكُفْرِ فَسَكَتُّم عَن القَوْلِ لِمَنْ كَفَرَ -كَفَرْتَ ارْجِعْ إِلَى الإِسْلَامِ بالشَّهَادَتَيْنِ-؟

وإنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلَامِ قُلْتُم لِلنَّاسِ: -هذَا كَافِرٌ- تَحْذِيرًا لَهُم مِنْهُ. ثُمَّ قَوْلُكُم: -لَا نُكَفِّرُ المُعَيَّنَ- مَعْنَاهُ أَنْ يُتْرَكَ علَى الكُفْرِ وَلَا يُؤْمَرَ بالشَّهَادَتَيْنِ، وَهَذَا غَشٌّ لِلنَّاسِ.

وهُنا نَسُوقُ الأدِلَّةَ علَى جَوَازِ تَكْفِيرِ المُعَيَّنِ الذِي ثَبَتَ كُفْرُهُ:

1- مِن القُرْءَانِ:

قول الله تعالى ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [سورة الكهف: 37] فهذا الذي أنكر البعث وأنكر الجزاء والحساب وأنكر الآخرة قال له صاحبه في وجهه -كفرت بالله- وهذا تكفير للمعين، والقرءان أورده وما عاب عليه، ففي ذلك استدلال على جواز أن يقال للكافر بعينه -يا كافر- سواء كان كافرًا أصليًا أم مرتدًّا.

وقد ذكر بعض المفسرين مثل الإمام البغوي والإمام المفسر النحوي أبي حيان الأندلسي في تفسيرَيهما أنَّ المؤمن فِي هذِه القِصَّةِ قال لصاحبه الكافر -أكفرت- في وجهه.

2- مِن الحَدِيثِ: فمنه ما رواه مسلم في صحيحه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُما إنْ كَانَ كَمَا قَالَ وإلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ)، فقول الرسول (إنْ كَانَ كَمَا قَالَ) معناه إنْ كَفَّره بِحَقّ فلا يكفر، وأما إن كفّره بغير حقّ وبلا تأويل هو يَكْفُر، ففي قوله (إنْ كَانَ كَمَا قالَ) دَلِيل ظاهر على جواز تكفير الكافِر المُعَيَّن.

ومِنهُ مَا ذَكَرَه الإمام العمراني الشافعي في كتاب البَيان أنه رُوِيَ: أن رجلًا مَرَّ بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يَقسِم الغنيمة، فقال: يا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ فإنك لم تَعْدِلْ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْلَكَ، إذَا لَم أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ)، ثم مَرَّ الرَّجُل، فَوَجَّهَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وراءه ليقتله فوجَدَه يصلي، فقال: يا رسول الله وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فوَجَّهَ عُمَرَ ليقتله فوجده يصلي، فقال: يا رسول الله وجدته يصلي، فوجَّه بعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال: (إنَّكَ لَن تُدْرِكَهُ) فذهب علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فلم يجده. انتَهى الحديث.

فأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ لأنَّهُ نَسَبَهُ إِلى الجَوْرِ وذَلِكَ يُوجِبُ كُفْرَه، وقد عَلِمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه يُصَلِّي، فَدَلَّ علَى أنه لا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الصَّلاةِ (أَي بَل بالرُّجُوعِ عَنِ الكُفْرِ والنُّطْقِ بالشَّهَادَتَيْنِ) انتَهَى كَلامُ العمراني. وهذا الحديث رواه الشافعي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود وغيرهم.

ومِن الأدلّة الحديثية أيضًا ما رواه سِبْطُ ابنِ الجَوْزِي – أحَدُ علماء القرن السابع الهجري – في كِتابِهِ وَسائِل الأَسْلاف إلى مسَائِلِ الخِلَافِ ما نَصُّه:
وَرُوِي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل مرتدة يقال لها أم قِرْفَةَ، وهي غير أم قِرْفَةَ التي قتلها أبو بكر.
وهذَا الحَدِيثُ ذَكَرَه الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ فِي تَلْخِيصِ الحَبِيْرِ.

وأما الدَّلِيل على جواز التكفير مِن كلام العلماء، فقد جاء في كتاب -الإعلام بقواطع الإسلام- لابن حجر الهيتمي ما نصه:
-ومعنَى كَفَّرَ الرَجُلُ أَخَاهُ نِسْبَتُهُ إِيَّاه إِلَى الكُفْرِ، بِصِيغَةِ الخَبَرِ نَحْوُ: -أنْتَ كَافِرٌ-، أو بصيغة النِّدَاء نحو: -يَا كَافِرُ-، أو باعْتِقَاد ذَلِك فيه كاعْتِقَادِ الخَوارِج تَكْفِيرَ المُؤْمِنِينَ بالذُّنُوبِ- ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ:
-فالمُوَافِقُ لِلْقَواعِدِ أنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ كُفْرُهُ بَاطِنًا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ المُرْتَدِّ، وَلَا تَعْزِيرَ علَى مَن قَالَ لَهُ يَا كَافِرُ-. اهـ

وقال الحَافِظُ البَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ:
-وأَمَّا البَرَاءَةُ مِنَ التَّشْبِيهِ بإِثْبَاتِ أنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ ولا عَرَضٍ، فَلِأَنَّ قَوْمًا زَاغُوا عَنِ الحَقِّ فَوَصَفُوا البارِئَ عَزَّ وَجَلَّ بِبَعْضِ صِفَاتِ المُحَدِّثِينَ، فَمِنْهُم مَن قَالَ:
إنَّهُ جَوْهَرٌ، وَمِنْهُم مَن قَاَل: إنَّهُ جِسْمٌ، وَمِنْهُم مَن أَجَازَ أَنْ يَكُونَ علَى العَرْشِ قَاعِدًا كَمَا يَكُونُ المَلِكُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ اسْمِ الكُفْرِ لِقَائِلِه كالتَّعْطِيلِ والتَّشْرِيكِ- اهـ

كَمَا ثَبَتَ أَيضا أنَّ أبا حنيفةَ قَال لِجَهْمٍ -يا كافر- وكذلك الإمام الأوزاعي كَفَّر غَيْلَانَ القَدَرِيَّ لَمَّا سأله الخَلِيفةُ عَن غَيْلَان فقال له الأوزاعِيُّ:
-كافرٌ، ورَبِّ الكَعْبَةِ يا أَمِيرَ المُؤمنين-، وَقَد كَفَّر الإمامُ الشافعيُّ حَفْصًا الفَرْدَ حيث قال له: -لقد كَفَرْتَ باللهِ العَظِيم-.

وقد كَفَّر الإمامُ مالك القدرية وقالَ إِنَّهُم يُسْتَتَابُون وإلا قُتِلوا، ذَكَرَ ذَلِكَ الإمَامُ أَبُو بَكْرِ ابنُ المُنْذِرِ الشافِعِيُّ فِي كِتابِهِ الإِشْرَافِ. وقَد سَبَق مالِكًا الخليفةُ الصالِحُ عُمَرُ بنُ عبد العزيز فَكَفَّر القَدَرِيَّةَ لِخُرُوجِهِم عَن دِينِ الإسلَام.

وَقَد ذَكَر الإمامُ العَجْلُونِيُّ فِي كِتَابِهِ عِقْدِ اللَآلئِ والزَّبَرْجَدِ فِي تَرْجَمَةِ الإمامِ أَحْمَدَ أنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ كَفَّرَ شَخْصًا قَالَ عَن عِلْمِ اللهِ إنَّهُ مَخْلُوقٌ.

وَقَد ثَبَتَ عَن كَثِيرٍ مِنَ الأَئِمَّةِ تَكْفِيرُ كَافِرِينَ بِعَيْنِهِم وَنَذْكُرُ مِنْهُم: تَكْفِيرُ الإمامِ يزيدَ بنِ هارونَ لِجَهْمِ بنِ صَفْوَانَ، وَتَكْفِيرُ الإمام شَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ والإمامِ هاشِمِ بنِ القَاسِمِ لِبِشْرٍ المَرِيسِيِّ، وتَكْفِيرُ الحافظِ عبدِ الكَريمِ السَّمْعَانِيِّ لأَبِي قاسِمٍ الكَعْبِيِّ، وتَكْفِيرُ الإمامِ الأُستاذِ أَبِي مَنْصُورٍ البَغْدَادِيِّ لِلْمُشَبِّهَةِ وَزُعَمَاءِ المُعْتَزِلَةِ ولِلْقَدَرِيَّةِ والخَوَارِجِ وغَيْرِهِم مِنَ الفِرَقِ الضَّالةِ، كَمَا أنَّهُ كَفَّرَ جَهْمَ بنَ صَفْوَانَ بِعَيْنِهِ وَكَفَّرَ بَكْرًا ابنَ أُخْتِ الوَلِيّ عَبْدِ الوَاحِدِ ابنِ زَيْدٍ، وَتَكْفِيرُ الإمامِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ صَاحِبِ الإمامِ أَبِي حَنِيفَةَ لامْرَأَةٍ عَاصِيَةٍ ادَّعَتْ عِلْمَ الغَيْبِ، وتَكْفِيرُ الإمامِ عَبْدِ العَزِيزِ الكِنَانِيِّ الذِي هُوَ تِلْمِيذُ الإمامِ الشَّافِعِيِّ لِبِشْرٍ المَرِيسِيِّ، وَتَكْفِيرُ الإمامِ السَّكُونِيِّ وَعَبْدِ الوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وكَانَ الخَلِيفَةُ المُقْتَدِرُ باللهِ العَبَّاسِيُّ والإمامُ الصُّوفِيُّ الكَبِيرُ أَبُو يَعْقُوبَ الأَقْطَعُ والإمَامُ القُطْبُ الكَبِيرُ غَوْثُ عَصْرِهِ السَّيِّدُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ وأَبُو مُحَمَّدٍ الجَرِيرُ مِن أَعْيَانِ الصُّوفِيَّةِ والإمَامُ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ كُلُّهُم كَفَّرُوا الحَلَّاجَ.

وَقَد كَفَّرَ الإمامُ الحافِظُ الفَقِيهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الكَافِي السُّبْكِيُّ والشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ البُخَارِيُّ ابنَ تَيمِيَةَ الحَرَّانِيَّ وَكَفَّرَ مَن سَمَّاه شَيْخَ الإسلَامِ، وَمِن ذَلِكَ تَكْفِيرُ يَاقُوتَ الحَمْوِيِّ والحَافِظِ ابْنِ دَقِيقِ العِيدِ والإمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ لأَبِي العَلَاءِ المَعَرِّي.

ثُمَّ إنَّ بَعْضَ المُشَبِّهَةِ كالوَهّابِيَةِ الذِينَ يُحَرِّمُونَ تَكْفِيرَ المُعَيَّنِ هُم أَنْفُسُهم نَسُوا أنَّهُم كَفَّروا أَشْخَاصًا مُعَيَّنِينَ وَكَانَ تَكْفِيرُهُم أَحْيَانًا لِمَن لا يَسْتَحِقُّ التَّكْفِيرَ كَتَكْفِيرِهم للإمامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَمُحْيِي الدِّينِ ابْنِ عَرَبِيٍّ المُفْتَرَى عَلَيْهِمَا فِي بَعْضِ الكُتُبِ المَنْسُوبَةِ لَهُمَا،

بَل وقَد جَزَمَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بِتَكْفِيرِ الإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ نَقْلاً عَنِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَقَالَ عَنِ الرَّازِيِّ إنَّهُ كَافِرٌ بالإِجْمَاعِ علَى زَعْمِهِ، ذُكِرَ ذَلِكَ في الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ فِي الأَجْوِبَةِ النَّجْدِيَّةِ مِن جَمْعِ عَبْدِ الرَّحمنِ القَاسِمِيِّ (المُتَوَفَّى 1392 هـ) وعلَيْهِ تَقْرِيظُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللَّطِيفِ بنِ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ النَّجْدِيِّ أَحَدُ رُءُوسِ الوَهَّابِيَّةِ، والمَوْضِعُ المَذْكُورُ هُوَ فِي الطَّبْعَةِ السَّادِسَةِ، 1417هـ/1996ر، الجُزْءُ العَاشِرُ، ص. 72.

ونُذَكِّرُ أنَّهُ مِن الاحتِياطِ كُلِّ الاحْتِياطِ أنْ يُقَالَ عَنِ المُسْلِمِ مُسْلِمٌ إنْ لَم يَكُنْ تَلَفَّظَ بِكَلامٍ صَرِيحٍ فِي الكُفْرِ وَهُوَ يَفْهَمُ مَعْنَاهُ الكُفْرِيَّ عِنْدَ النُّطْقِ

وأنْ يُقالَ عَنِ الكَافِرِ كَافِرٌ إنْ لَم يَثْبُتْ عِنْدَنَا أنَّهُ دَخَلَ فِي الإسْلامِ، ومِن الخَطَرِ العَظِيْمِ أنْ يُقالَ عَنِ الكَافِرِ مُسْلِمٌ وعَنِ المُسْلِمِ كافِرٌ. فَمَن ثَبَتَ عَلَيهِ قَضِيَّةٌ تَقْتَضِي تَكْفِيرَهُ كَفَّرْنَاهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ.

وهذَا هُوَ العَدْلُ والتَّوَسُّطُ البَعِيدُ عَنِ الغُلُوِّ والتَّقْصِيرِ وعَنِ الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ.

والحَمْدُ للهِ أوَّلاً وءاخِرًا وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ علَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلَى ءاِلِه وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ومَن تَبِعَهُم بإحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.