الجمعة يوليو 26, 2024

المعجزات هي السبيل إلى معرفة صدق النبي

ليُعلم أنّ السبيل إلى معرفة النبيّ هو المعجزة، فما من نبيّ إلا وكان مؤيّدًا بمعجزة. ومعنى المعجزة العلامة الشاهدة التي تشهد أن هذا الإنسان الذي يقول عن نفسه إنه نبيّ الله أنّه نبيّ وأنه صادق، وقد أُعطي نبيُّنا محمد عليه الصلاة والسلام من المعجزات أكثر من غيره حتى قيل: إن المعجزات التي حصلت في حال حياته بين الألف والثلاثة آلافٍ عددًا([1]). وأعظم المعجزات معجزة القرآن الكريم.

وقد قال الشافعيّ([2]) رضي الله عنه: «ما أعطى الله نبيًّا معجزةً إلا وأعطى محمدًا مثلها أو أعظم منها»([3]).اهـ. والمعجزة أمر خارق ومناقض للعادة يأتي على وَفْقِ دعوى من ادَّعَوا النبوّة كانفجار الماء الزُّلال من بين أصابع سيدنا محمّد ﷺ ([4])، وعدم إحراق النار العظيمة سيدنا إبراهيم عليه السلام ([5])، فما لم يكن موافقًا للدَّعوى لا يسمّى معجزة كالذي حصل لمسيلمة([6]) الكذَّاب الذي ادّعى النبوة، وذلك أنّه مسح على وجه رجل أعور فعمِيَت العين الأخرى([7])، فإن هذا الذي حصل مناقض لدعواه وليس موافقًا.

 ويكون هذا الأمر الخارق للعادة سالِـمًا من المعارضة بالمثل، أي: لا يستطيع المكذّبون أن يفعلوا مثله، فإذا ادّعى رجل أنه نبيّ وقارن دعواه خارقٌ ثم ادّعى آخرُ أنّ المدعي ليس بنبيّ وأظهر خارقًا مثله دلّ على أن الأوّل ليس بنبيّ. وليس من شرط المعجزة أن تكون مقرونة بالتحدي وإنما من شرطها أن تكون صالحة للتحدي. فما كان من الأمور عجيبًا ولم يكن خارقًا للعادة فليس بمعجزة، وكذلك ما كان خارقًا لكنّه لم يقترن بدعوى النبوة كالخوارق التي تظهر على أيدي الأولياء أتباع الأنبياء فإنها ليست بمعجزة لهم بل تسمّى كرامة.

وكذلك ليس من المعجزة ما يُستطاع معارضته بالمثل كالسّحر فإنّه يُعارَضُ بسحر مثله، فالسحر لا يُسمى معجزة لأن السّحر يستطيع أن يعمل ساحرٌ آخر مثله، أما المعجزة فلا يستطيع المعارضون أن يفعلوا مثلها.

ثم المعجزة قسمان: قسم يقع بعد اقتراح من الناس على الذي ادّعى النبوّة، وقسم يقع من غير اقتراح. فالأول نحو ناقة صالح عليه السلام التي خرجت من الصخرة، فقد اقترح قومه عليه ذلك بقولهم: إن كنت نبيًّا مبعوثًا إلينا لنؤمن بك فأخرجْ لنا من هذه الصخرة ناقة وفصيلها – أي: ولدها – فأخرج لهم ناقة معها فصيلها فاندهشوا فآمنوا به([8])، والثانية كحنين الجذع للنبي محمد ﷺ وذلك أن النبيّ ﷺ كان يستند حين يخطب إلى جذع نخل في مسجده قبل أن يُعْمَل له المنبر، فلمَّا عمل له المنبر صعد ﷺ عليه فبدأ بالخطبة وهو قائم على المنبر فحنّ الجذع حتى سمع حنينه من في المسجد، فنزل رسول الله ﷺ فالتزمه – أي: ضمّه واعتنقه – فسكت([9]).

وأما ما يحدث للنبيّ من الخوارق قبل دعوى النبوة فهو إرهاص([10]) كإظلال الغمامة([11]) وتسليم الحجر على نبيّنا ﷺ قبل أن يُبْعَث([12]).

قال الحافظ في الفتح عند قول البخاريّ: «باب علامات النبوة في الإسلام ما نصّه: «والفرق بينهما – أي: المعجزة والكرامة – أن المعجزة أخصّ لأنه يشترط فيها أن يتحدّى([13]) النبيّ من يكذبه بأن يقول: إن فعلتُ كذا أتصدّق بأني صادق؟ أو يقول من يتحدّاه: لا أصدّقك حتى تفعل كذا. ويشترط أن يكون المتحدَّى به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة، وقد وقع النوعان للنبيّ ﷺ في عدة مواطن. وسمّيت المعجزة لعجز مَن يقع عندهم ذلك عن معارضتها» ثم قال: «وأشهر معجزات ﷺ القرآن لأنه عليه الصلاة والسلام تحدّى به العرب وهم أفصح الناس لسانًا وأشدّهم اقتدارًا على الكلام بأن يأتوا بسورة مثله، فعجزوا مع شدّة عداوتهم له وصدّهم عنه، حتى قال بعض العلماء: أقصر سورة في القرآن: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، تحداهم الرسول ﷺ أن يأتوا بمثلها.

ثم قال: «ووجوه إعجاز القرآن من جهة حسن والتئام كلماته وفصاحته، وإيجازه في مقام الإيجاز، وبلاغته ظاهرة جدًّا، مع ما انضمّ إلى ذلك من حسن نظمه، وغرابة أسلوبه، مع كونه على خلاف قواعد النظم والنثر، هذا إلى ما اشتمل عليه من الأخبار بالمغيَّبات مما وقع من أخبار الأمم الماضية مما كان لا يعلمه إلا أفراد من أهل الكتاب، ولم يُعلم أن النبيّ ﷺ اجتمع بأحد منهم ولا أخذ عنهم، وبما سيقع فوقع على وَفْق ما أخبر به في زمنه ﷺ وبعده، هذا مع الهيبة التي تقع عند تلاوته، والخشية التي تلحق سامعه، وعدم دخول الملال والسآمة على قارئه وسامعه، مع تيسر حفظه لمتعلّميه وتسهيل سرده لتاليه. ولا ينكر شيئًا من ذلك إلا جاهل أو معاند، ولهذا أطلق الأئمة أن أعظم معجزات النبيّ ﷺ القرآن.

ومِن أظهر معجزات القرآن إبقاؤه مع استمرار الإعجاز، وأشهر ذلك([14]) تحدّيه اليهود أن يتمنّوا الموت([15])، فلم يقع ممن سلف منهم ولا خلف من تصدّى لذلك ولا أقدم مع شدّة عداوتهم لهذا الدين وحرصهم على إفساده والصَّدّ عنه، فكان في ذلك أوضح معجزة. وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه([16])، وتكثير الطعام([17])، وانشقاق القمر([18])، ونطق الجماد([19])، فمنه ما وقع التحدّي به، ومنه ما وقع دالًّا على صدقه من غير سبق تحدّ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده ﷺ من خوارق العادات شيء كثير كما يقطع بوجود جود حاتم – الطائي – وشجاعة عليّ، وإن كانت أفراد ذلك ظنّيَّة وردت مورد الآحاد، مع أنَّ كثيرًا من المعجزات النبوية قد اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير والجَمّ الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار والعناية بالسّير والأخبار»([20]).اهـ. كلام الحافظ ابن حجر.

ثم قال رحمه الله: «وذكر النوويّ في مقدمة شرح مسلم أنّ معجزات النبيّ ﷺ تزيد على ألف ومائتين([21])، وقال البيهقيّ([22]) في المدخل: «بلغت ألفًا»([23]).اهـ. وقال الزاهديّ([24]) من الحنفية: «ظهر على يديه ﷺ ألف معجزة، وقيل ثلاثة آلاف».اهـ.

وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمة كالحافظ أبي نُعَيم([25]) والحافظ البيهقيّ وغيرهما».اهـ. ثم قال: «قوله([26]): «في الإسلام»، أي: من حين المبعث وهلمّ جرًّا دون ما وقع قبل ذلك، وقد جمع ما وقع من ذلك قبل المبعث؛ بل قبل المولد الحاكم([27]) في (الإكليل) وأبو سعد النيسابوريّ([28]) في (شرف المصطفى) وأبو نُعيم والبيهقيّ في (دلائل النبوة) كقصة زيد بن عمرو بن نفيل([29]) في خروجه في ابتغاء الدّين»([30]).اهـ.

[1])) الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم، الهرري، (ص434).

[2])) الإمام الشافعيّ، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشّي المطلبيّ (ت204هـ)، أبو عبد الله، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السُّنَّة وإليه نسبة الشافعية، ولد في غزة بفلسطين على قول، وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين، وقصد مصر سنة 199هـ فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة، وقال الإمام ابن حنبل: «ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعيّ في رقبته منَّة».اهـ. وقال المبرد: «كان الشافعيّ أشعر الناس وأعرفهم بالفقه والقراءات».اهـ. وكان من أحذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك أولًا كما برع في الشعر واللغة وأخبار أيام العرب، ثم أقبل على الفقه والحديث وأفتى وهو ابن عشرين سنة وكان ذكيًّا مفرطًا. له تصانيف كثيرة، أشهرها: (كتاب الأُم) في الفقه، و(المسند) في الحديث، و(أحكام القرآن). حلية الأولياء، أبو نُعيم، (9/63). تاريخ بغداد، البغداديّ، (2/56، 73)، تذكرة الحفاظ، الذهبيّ، (1/329). الأعلام، الزركلي، (6/26، 27).

[3])) آداب الشافعي ومناقبه، ابن أبي حاتم، (ص83).

[4])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب التيمم، باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، (1/94)، رقم 334. وكتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، (4/232)، رقم 3571 وما يليه. صحيح مسلم، مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، (2/138)، رقم 1492. مسند أحمد، أحمد، (4/290).

[5])) قال الله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69].

[6])) مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، مُدَّع للنبوة، من المعمَّرين. وفي الأمثال (أكذب من مسيلمة). ولد ونشأ باليمامة، في القرية المسماة اليوم بالجبيلة، قرب (العيينة) بوادي حنيفة في نجد. ولـمَّا ظهر الإسلام في غربي الجزيرة، وافتتح النبي ﷺ مكة ودانت له العرب جاءه وفد من بني حنيفة قيل كان مسيلمة معهم إلا أنه تخلّف مع الرحال خارج مكة، وهو شيخ هرم، فأسلم الوفد وذكروا للنبي ﷺ مكان مسيلمة فأمر له بمثل ما أمر به لهم، وأكثر مسيلمة من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن (بزعمه). وتوفي النبي ﷺ قبل القضاء على فتنته، فلمَّا انتظم الأمر لأبي بكر انتدب له أعظم قواده خالد بن الوليد على رأس جيش قوي، وانتهت المعركة بظفر خالد ومقتل مسيلمة سنة 12هـ. الأعلام، الزركلي، (7/226).

[7])) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، (4/24).

[8])) المستدرك، الحاكم، (2/567).

[9])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، (4/237).

[10])) سمّي إرهاصًا لأنه تأسيس لقاعة نبوته، قال الزبيدي: «الإرهاص الإثبات، يقال: أرهص الشيء إذا أثبته وأسّسه، وهو مجاز، ومنه إرهاص النبوة».اهـ. تاج العروس، الزبيديّ، مادة: (ر هـ ص)، (4/400).

[11])) سنن الترمذيّ، الترمذي، كتاب المناقب، باب: ما جاء في بدء نبوة النبيّ ﷺ (5/590)، رقم 3620.

[12])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الفضائل، باب: فضل نسب النبيّ ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، (7/58)، رقم 2078.

[13])) قد تقدم أن شرط المعجزة أن تكون صالحة للتحدي ولا يشترط اقترانها بالتحدي، قال الشيخ عبد الله الهرري: «ليس شرطًا أن تكون مقرونة بالتحدي؛ بل تكون صالحة للتحدي».اهـ. الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم، الهرري، (ص435).

[14])) أي: من أشهر ذلك.

[15])) وذلك في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) ولَا يَتَمَنَّونَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة: 6، 7].

[16])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، (4/233)، رقم 3573. صحيح مسلم، مسلم، كتاب الفضائل، باب: في معجزات النبيّ ﷺ، (7/59)، رقم 6080، مسند أحمد، (1/401)، رقم 3807.

[17])) صحيح البخاريّ، البخاري، باب: من أدخل الضيفان عشرة عشرة والجلوس على الطعام عشرة عشرة، (1/2810)، رقم 5449، صحيح مسلم، مسلم، باب: جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك وبتحقّقه تحقّقًا تامًّا واستحباب الاجتماع على الطعام، (10/336)، رقم 3800.

[18])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب المناقب، باب: سؤال المشركين أن يُريَهم النبيُّ ﷺ آية فأراهم انشقاق القمر، (4/251)، رقم 3636. صحيح مسلم، مسلم، صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر، (8/132)، رقم 7249.

[19])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الزهد والرقاق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، (8/232)، رقم 7705.

[20])) فتح الباري، ابن حجر، (6/581، 582).

[21])) شرح صحيح مسلم، النوويّ، (1/2).

[22])) أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقيّ الشافعيّ (ت458هـ)، من أئمة الحديث، قال إمام الحرمين: «ما من شافعيّ إلا وللشافعيّ فضل عليه غير البيهقيّ، فإن له المنّة والفضل على الشافعيّ لكثرة تصانيفه في نصرة مذهبه وبسط موجزه، وتأييد آرائه».اهـ. صنّف زهاء ألف جزء، منها: (السنن الكبرى)، و(الأسماء والصفات)، و(دلائل النبوة). الأعلام، الزركليّ (1/116).

[23])) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي، (11/355).

[24])) مختار بن محمود بن محمد، أبو الرجا، الزاهديّ الغزمينيّ (ت658هـ)، فقيه حنفيٌّ من أهل غزمين (بخوارزم) رحل إلى بغداد والروم. من كتبه: (الحاوي في الفتاوي)، و(المجتبى) شرح به مختصر القدوريّ في الفقه، و(الناصرية) رسالة صنفها في النبوة والمعجزات، و(زاد الأئمة)، و(قنية المنية لتتميم الغنية). الأعلام، الزركلي، (7/193).

[25])) أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهانيّ (ت430هـ)، أبو نعيم، حافظ مؤرخ من الثقات في الحفظ والرواية. ولد ومات في أصبهان. من تصانيفه: (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)، و(معرفة الصحابة)، و(طبقات المحدثين والرواة)، الأعلام، الزركلي، (1/157).

[26])) أي: قول البخاريّ المتقدّم (ص581) من كتاب فتح الباري.

[27])) محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبيّ، الطهمانّي النيسابوريّ (ت405هـ)، الشهير بالحاكم وبابن البَيّع، أبو عبد الله، من أكابر حفاظ الحديث والمصنفين فيه. مولده ووفاته في نيسابور رحل إلى العراق سنة 341هـ، وأخذ عن نحو ألفي شيخ. وولي قضاء نيسابور سنة 359هـ، وهو من أعلم الناس بصحيح الحديث وتمييزه عن سقيمه. صنّف كتبًا كثيرة جدًّا، منها: (تاريخ نيسابور)، و(المستدرك على الصحيحين)، و(الإكليل) و(المدخل) في أصول الحديث. الأعلام، الزركلي، (6/227).

[28])) عبد الرحمن بن الحسن الأصبهانيّ الأصل، النيسابوريّ (ت307هـ)، أبو سعد، من حفاظ الحديث. له: (مسند)، كتاب سماه (شرف المصطفى). الأعلام، الزركلي، (3/304).

[29])) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشّي العدويّ (ت17 ق هـ)، أحد الحكماء. وهو ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لم يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الأوثان ولا يأكل مما ذبح عليها. رحل إلى الشام باحثًا عن عبادات أهلها، فلم تستمله اليهودية ولا النصرانيّة، فعاد إلى مكة يعبد الله على دين إبراهيم عليه السلام. وجاهر بعداء الأوثان، فتألّب عليه جمع من قريش، فأخرجوه من مكة، فانصرف إلى (حراء) فسلط عليه عمه الخطاب شُبَّانًا لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرًّا. وكان عدوًّا لوأد البنات، لا يعلم ببنت يراد وأدها (أي: دفنها وهي حية) إلا قصد أباها وكفاه مؤنتها، فيربيها حتى إذا ترعرعت عرضها على أبيها فإن لم يأخذها بحث لها عن كُفْء فزوّجها به. رآه النبيّ ﷺ قبل النبوة، وسئل عنه بعدها فقال: «يبعث يوم القيامة أمة وحده». توفي قبل مبعث النبي ﷺ بخمس سنين. الأعلام، الزركلي، (3/60). وقال الحافظ ابن حجر: «وكان – أي: زيد بن عمرو – من طلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك، لكنه مات قبل المبعث، فروى محمد بن سعد والفاكهيّ من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال: «قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيًّا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام. قال عامر: فلمَّا أسلمت أعلمت النبيّ ﷺ بخبره قال: فردَّ عليه السلام وترحّم عليه، قال – أي: النبيّ – ﷺ: «ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا». وروى البزار والطبرانيّ من حديث سعيد بن زيد قال: «خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى أتيا الشام، فتن ورقة وامتنع زيد، فأتى الموصل فلقي راهبًا فعرض عليه النصرانية فامتنع»، وذكر الحديث نحو حديث ابن عمر الآتي في ترجمته وفيه: «قال سعيد بن زيد: فسألت أنا وعمر رسول الله ﷺ عن زيد فقال: «غفر الله له ورحمه، فإنه مات على دين إبراهيم»، وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال: «بلغنا أن زيدًا كان بالشام، فبلغه مخرج النبيّ ﷺ، فأقبل يريده فقتل بمَضِيْعَةٍ – أي: مهلكة – من أرض البلقاء» وقال ابن إسحاق: لـمَّا توسَّط بلاد لخم قتلوه، وقيل: «إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة».اهـ. فتح الباري، ابن حجر، (7/143).

[30])) فتح الباري، ابن حجر، (6/581، 582، 583).