الإثنين يونيو 16, 2025

نمضي بإذن الله في المجالس الرفاعية وفي قراءة كتاب البرهان المؤيد للإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه. اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه وسلم.

 يقول مولانا الغوث الرفاعي رضي الله عنه. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمدا يرضاه لذاته، والصلاة والسلام على سيد مخلوقاته، ورضي الله عن الصحابة والأل وأتباعهم من أهل الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

 أي سادة ولنقف هنا انظروا كيف يبدأ الإمام أحمد الرفاعي مقاله ومجلسه معظما لله عز وجل ومصليا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكرا لعباد الله الصالحين. ثم عندما يخاطب يقول أي سادة. قبل أن أزيد من كلام هذا الإمام نستدل من طريقة خطاب الإمام الرفاعي على أخلاقه. ولنقف قليلا عند ذلك، أي سادة من الذي يقول هذا؟ إمام كبير تنتهي إليه الرئاسة والمشيخة. نعم قد تجد الآن في هذا الزمن بعض الناس ما سمع في حياته بالإمام أحمد الرفاعي. لأنه ما عرف علماء الأمة، لكن الرفاعية عند أهل العلم وأهل الطريق علم معروف، وشامخ مرموق. إذا ذكرت الرفاعي كل أهل زمانه يشهدون له هذا الإمام الكبير الذي جمع بين العلم والعمل، كيف يخاطب أي سادة. أنت تخاطب شخصا تظن فيه الخير، يا سيدي- لو كان طالبا من طلابك يقول يا سيدي، يخاطب أهل مجلسه وهو الواعظ لهم والمعلم لهم، أي سادة، لا يقدم نفسه عليهم، لا ينظر إلى نفسه بأنه فوقهم يتواضع لهم. إذن سنجد في أحوال الإمام الرفاعي رضي الله عنه كيف أنه كان يربي بحاله كما يربي بمقاله. أخلاق الرفاعي رضي الله عنه كانت عالية تجمع الأسرار. ستجد فيها ما سيأتي ذكره في البرهان المؤيد. تجد الصفاء والزهد والصدق والتواضع والانكسار والافتقار. نفسه مكسورة، يكسرها روي في الحديث القدسي أنا عند المنكسرة قلوبهم المتواضعون. عنده حال الانكسار وحال الافتقار. فقد أتى الرفاعي بكل أخلاق عصره وعباداتهم، وجمع الله سبحانه وتعالى له من الكرامات ما جمع. جمع الله سبحانه وتعالى له علوم الشريعة، فكان عنده من علوم الشريعة وعلوم الحقيقة من علوم الظاهر وعلوم الباطن ومن الأخلاق. ما كان له سر في قبول كلام الرفاعي لأنه رضي الله عنه كان إذا دعا إلى خلق تجد الرفاعي رضي الله عنه رأسا فيه. كان السيد الرفاعي هين المؤونة غني النفس حسن المعاشرة دائم الإطراق كان حليما كاتما للسر، حافظا للعهد، كثير الدعاء للمسلمين ليس فقط يدعو لنفسه، يكثر من الدعاء لإخوانه المسلمين. هينا لينا، يصل من قطعه ويعطي من منعه ويعفو عمن ظلمه ويحسن مجاورة من جاوره ويصفح عن سيئات الإخوان- يصفح عن إخوانه، يطعم الجائع ويكسي العريان ويعود المريض ويشيع الجنائز، يجالس الفقراء يرى الأكل مع المساكين ويرى الصبر على الأذى، يبذل معروفا، ينصح عدوه، يبدأ من لاقاه بالسلام. إن منع صبر وإن فتح الله عليه بشيء آثر، وإذا دُعي لا يقول للداعي إلى أين؟ يبادر مسرعا، ويكنس الرواق والمسجد بنفسه. يظهر الفرح لفرح الناس والغم لغمهم، يحث على فعل الخيرات، يرشد إلى مكارم الأخلاق. إذا خاطب أحدا وهذا الموضع الذي وقفت عنده يقول أي سيدي إذا خاطب جمعا أي سادة أي جمعا من المسلمين- أي سيدي كبيرا كان المخاطب أو صغيرا، لو كان صغيرا هذا الذي خاطبه وظن فيه الخير يقول له سيدي. وإذا أعجبه شيء تبسم وكان يكره القهقهة ويصل ذوي الرحم، ويقبل عذر المعتذر إليه، وربما عذره قبل اعتذاره. خوفه رضي الله عنه أكثر من فرحه من شدة ما كان الإمام الرفاعي رضي الله عنه في قلبه الخوف من الله والتفكر في خلق الله وتذكر وعد الله ووعيد الله، خوفه أكثر من فرحه يفوح من نفسه رائحة الكبد المحروق من شدة ما كان في قلبه رضي الله عنه من الخوف من الله. من الشوق لرسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا مشى في الطريق لا يلتفت يمينا وشمالا ولا ينظر إلا موضع قدمه لا يكثر من التلفت إذا مشى، يأخذ بأيدي العميان ويقودهم ويخفض جناحه لهم، ويسألهم الدعاء. ويتردد إلى أبواب المساكين ويحمل لهم الطعام ويخرج القربة قربة الماء على كتفه ليلا والناس نيام فيملؤها ويحملها إلى بيوت الأرامل والمساكين. ومن كان ليس له جلد هو يخدمه، يقصد المرضى والمجذومين ويلزمهم ويتعاهدهم ويغسل ثيابهم ويحمل الطعام إليهم ويأكل معهم ويسألهم الدعاء له وللناس. وكان لليتيم كالأب الشفيق. وللأرامل كالزوج الأليف. إذا أراد رضي الله عنه أن يتكلم بكلمة اعتبرها قبل أن يخرجها من فيه، فإن رأى فيها إصلاحا تكلم بها وإلا ردها. وكان يشق عليه تضييع نفس من الأنفاس في غير طاعة الله. معناه كان الرفاعي يراقب نفسه في أنفاسه. هذا النفس فيما ذهب كما كان شيخنا رحمه الله العبدري يقول العاقل لا يتحرك إلا لفائدة. هذا النفس الذي ذهب مني الآن يحاسب نفسه، أنا فيما اذهبت هذا النفس ولا يفرط في شيء من وقته. واسمعوا بليغ كلامه يقول من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يغنيه، من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يغنيه.

وكان ينشد شعرا من بحر السريع. يا أيها المعدود أنفاسه يوشك يوما أن يتم العدد. في كثير من أوقاته رضي الله عنه يتأسف ويقول قد بقي القليل يحاسب نفسه، ماذا بقي لي من العمر؟ بقي القليل، وكان لا يرى الاشتغال بشيء من الدنيا عند دخول وقت الصلاة. طلب مرة ماء يشرب فسمع الأذان فقال حضر حق الحق وتأخر حق النفس، معناه حضر وقت الواجب الذي أوجبه الله تعالى وقت الصلاة المكتوبة. وهذا قاله لأنه كان رضي الله عنه لا ينشغل قلبه في الصلاة بتأخير الشرب، قلبه لا يتعلق بالطعام والشراب، إذا ذهب للصلاة لا يفكر في الشرب أو في الأكل، وإلا فمن كان تأخيره للشرب يشغله عن الخشوع فإنه يشرب أولا، كما لا يخفى.

 هذا الإمام الذي قال هذه الكلمة التي لا زلت أقف عندها في البرهان المؤيد أي سادة. كان يصفر لونه إذا وقف في الصلاة كما قلنا كان كثير الإطراق، دائم التفكر، خوفه أكثر من فرحه، كثير المحاسبة لنفسه يصفر لونه إذا وقف في الصلاة، وإذا صلى صلاة الصبح جلس مكانه حتى تطلع الشمس. ويركع موضعه الضحى والإشراق، هي صلاة الإشراق هي نفسها الضحى. ودموعه رضي الله عنه غزيرة وأوجاعه كثيرة. أليس قلنا كأنك تشم في نفسه رائحة الكبد المحروق؟ بكاؤه طويل فرحه قليل كان ينشد والله لو علمت روحي بما علقت قامت على رأسها فضلا عن القدم.

ومن شدة تعظيمه لكتاب الله وآيات القرآن ولأمر الصلاة- كان يقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة. وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا السأم، أي الموت. معناه من واظب بعد الصلوات الخمس المكتوبة على قراءة آية الكرسي، إذا قبضت روحه قبضها عزرائيل روحه تصعد فورا إلى الجنة. لكن لا يخفى بعد ذلك تنزل هذه الروح وترد إلى الجسد ويحصل عود الإحساس في القبر وما كان من أمر سؤال الملكين ونعيم القبر وحصول الشعور والإحساس والإدراك، فكان يقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة. فإذا مشى في الطريق ماذا يقرأ سيدنا أحمد الرفاعي كان يقرأ أم الكتاب- أفضل صور القرآن الكريم التي روى البخاري في أمرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، فكان الإمام الرفاعي في طرقاته كان يقرأ فاتحة الكتاب ويحافظ على الوضوء ويأمر باستدامته، وبعض الناس يستثقل المحافظة على الوضوء. الإمام الرفاعي كان يحافظ على الوضوء حتى إذا أراد أن ينام توضأ إذا أراد أن يخرج توضأ، وإذا مر بمسجد دخل وصلى فيه حتى لا يفوته أن يصلي في كل أرض مر بها، يدخل فيصلي سواء كان في الحضر أو في السفر، وإذا دخل منزلا أودعه ركعتين.

ذات يوم يمر الإمام الرفاعي بالصغار يتخاصمون خلص بينهم. ثم قال لواحد منهم أي ولد ابن من أنت؟ فقال له الطفل أي شيء مقصودك من هذا؟ يعني أنت لماذا تسألني هذا السؤال ما هو مقصودك؟ فقال صدقت أي ولدي جزاك الله الخير وجبرك كما أدبتني. رأيتم هذا الذي يقول أي سادة، طفل صغير، أطفال صغار يتخاصمون فيما بينهم، يفك الاشتباك بينهم، يسأل واحدا عن اسمه ذاك الطفل يسأله أنت أيش مقصودك؟ لو عرفت ابن من أكون أنت ماذا تريد؟ فماذا يقول له سيدنا أحمد صدقت. هذه أخلاق الصوفية التي نحتاجها اليوم يحتاجها الدعاة إلى الله أهل العلم يحتاجون هذه الأخلاق، لذلك نحن نتكلم الآن في المجالس الرفاعية وفي أحوال أحمد الرفاعي، وفي مقالاته في البرهان المؤيد. لأن طرق الصوفية كلها تحتاج الى هذه الأخلاق. رأى يوما زوجته الصالحة رابعة، جعل الله الفردوس مأواها وبلغها من أعلى الدرجات مناها، تطحن بالرحة فجلس معها وساعدها في الطحن، فكان يجلس أيضا مع أهل بيته ويعين في أمر البيت، اشترى يوما سمكة من السوق فحملها بنفسه ولم يمكن أحدا من حملها. وكان رضي الله عنه إذا وجد شيئا من الأذى في طريقه يزيله بنفسه ويرفعه بيده ثم يمضي ويغسل يديه منه. ويقول له الفقراء في ذلك يعني نحن نحمل عنك يا سيدي فيدعو لهم ويقول هذا شرف يدي. ثم ما أهدي إليه لا يحتقر منه شيئا، ولو كان حشفة مهما كان لا يستصغره ولا يقبض يده عمن أراد مصافحته، ولا يمكن أحدا من تقبيل يده. هو مستحب تقبيل يد الرجل الصالح لكن هذا الإمام الذي كان يخاطب طلابه ومريديه يقول أي سادة فكيف كان يخاطب مشايخه؟ مع ذلك من شدة تواضعه رضي الله عنه كان لا يمكن أحدا من تقبيل يده، ولا يدعو أحدا يحمل معه، ولا يستخدم أحدا من الفقراء في حاجته لنفسه. وكان رضي الله عنه لا يجري ذكر الدنيا في مجلسه، وإذا أراد أن يجلس غالبا يستقبل القبلة كما جاء في الحديث خير المجالس ما استقبل به القبلة. ولا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله تعالى، وسواء كان في حال الرضا أو كان في حال الغضب لا يقول إلا حقا. وفي زمانه ما كان يرى أن يذهب فيشتكي إلى أصحاب السلطان في ذلك الوقت، وإذا انقطع أحد من الفقراء عن الجمعة والجماعة يسأل عنه إن كان مريضا عاده أو بعث من يعود، أي يتفقد إخوانه، وإن كان انقطاعه لحاجته أعانه على قضائها. يحب النفقة على إخوانه ويحب الأكل معهم.

وكان يقول ينبغي للفقير إذا أكل أن يأكل بنية أن يتقوى على طاعة الله تعالى. وكان رضي الله عنه يكره أكل الخبز المحترق، وكان يكره مسح اليد بالخبز. وكان يكره أن يتكلف الشخص لضيفه، وليس معناه أنه لا يحب إكرامه، بل مستحب إكرام الضيف. لكن معنى كلامه أن يتكلف الشخص للضيف ما ليس عنده. وكان ينهى عن الشبع ويقول عن الشبع هو سبب الآفات. كثير من الأمراض سببها الشبع عند الأكل. وكان رضي الله عنه يمسح الآنية ويلعق أصابعه ويلتقط الفتات. وكان رضي الله عنه يكره للآكل أن يمتنع عن غسل يده بعد الطعام. وإذا صنع في بيته طعام كان يرسل منه شيئا إلى الجيران، وإذا رأى شيئا من الخبز ملقى على الأرض يغضب لأنه ورد في الحديث أكرموا الخبز. ليس معنى كلامه رضي الله عنه أنه كان يرى أن مجرد وضع الخبز على الأرض يكون حراما، لا إنما الحرام إتلاف المال إذا كان كمية فأتلف المال، أما لو كان فتاة نزل على الأرض فهذا لا يكون حراما، لكن لأن الحديث الذي ورد ولو كان ضعيفا أكرموا الخبز، فلذلك كان رضي الله عنه كان يغضب إذا رأى الخبز ملقى على الأرض. ويشرب الماء في ثلاثة أنفاس. أكمام ثوبه إلى رؤوس أصابعه. عمامته قصيرة، لا يجمع بين الثوبين.

 يأمر مريديه بالتمسكن التواضع أي التواضع ويأمرهم بالتقلل من الدنيا. وأن يكون لباسهم من الثياب المرقعة، وكان يحثهم على العمل بما علموا ويحثهم على الكسب، ليستغنوا عن الناس، ليس كما كان يقول أحد من ادعى التصوف في هذا الزمن يقول لطلابه أنتم اكفوني أمر الدنيا وأنا أكفيكم أمر الآخرة. كان يقول لجماعته أنتم ما عليكم إذا أنتم نزلتم إلى القبر، وجائكم منكر ونكير فقولوا نحن جماعة الشيخ فلان. ما كان هكذا الإمام الرفاعي. وكان يرغب مريديه بقيام الليل ويوصيهم بعيادة المرضى، وإذا سمع بمريض في قرية ولو على بعد يخرج ماشيا لعيادته وكأن الأرض تطوى له بإذن الله تعالى. كان رضي الله عنه يحذر الفقراء عندما نقول الفقراء الذين قد يسميهم بعض الناس الدراويش المراد أهل الزوايا والربط والتكايا، المراد الصوفية الصادقون هذه التي نحن نذكرها من الأخلاق هي طريق الصوفية لمن لا يعرف عن الصوفية، إني أقدم الطريقة الصوفية من خلال مقالات من الرفاعي وحاله رضي الله عنه. كان يحذر الفقراء الوسواس في الوضوء والصلاة. وكان رضي الله عنه يحرض المرأة على طاعة زوجها، يحرض يعني يحث حثا شديدا لأن أعظم الناس حقا على المرأة زوجها وعلى الرجل أمه. وينهى الفقراء عن النظر إلى الأغنياء، اقنع بما عندك لا تنظر الى من هو فوقك في المال، ويقول إن ذلك يفتن القلب ويحجب، هذا يصير بسببه حجاب على القلب. إذا كان العبد غير قانع بالذي في يديه، فصار ينظر الى من فضل عليه الى من هو فوقه في المال، فعندها يصير في ذلك حجب على قلبه تؤخره. وكان ينهى عن شره الطعام وعن فضول الكلام الذي لا حاجة فيه من الكلام لماذا تتكلم به والذي لا يعنيك لماذا تسأل عنه؟ وينهى عن مصاحبة الظلمة والنظر إليهم والمعونة لهم، ويقول ذلك يقصي القلب ويسخط الرب. وكان رضي الله عنه مجتهدا في الإحسان حتى لمن أساء إليه. وفي الإحسان ابتداء، وكان رضي الله عنه يفرق ما عنده من الغلة العتيقة على الضعفاء والمساكين قبل أن تدخل الغلة الجديدة منزله، الغلة العتيقة تفرق قبل أن يصل الربح الجديد، الربح القديم يوزع. لو أن التجار والأغنياء فعلوا هذا اليوم لبارك الله لهم كثيرا كثيرا في أموالهم، ولجبر كثير من حال إخواننا المحتاجين في هذا الزمن.

 إذا كتب كتابا رضي الله عنه يبتدئ كما هو في الموضع الذي نحن وقفنا عنده في المقدمة بعد بسم الله، وحمد الله يبتدئ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختتمه بما أعطى لسان الحال. فإذا كان هذا الشيخ المربي رضي الله عن الإمام سيدنا الرفاعي يربي بحاله أكثر مما يربي بمقاله. أي سادة، هذا هو الغوث الرفاعي. كل هذه المعاني أذكرها عند هذه الكلمة التي ستتكرر كثيرا في البرهان المؤيد وفي مجالس الرفاعي. كان إذا رأى شخصا وقد شاب في الإسلام يقبل يده وربما مشى نحوه خطوات وربما قال له كرم الله هذه الشيبة، صار فيه الشيب وهو في الإسلام، يمشي إليه سيدنا الرفاعي يقبل يده، يقول كرم الله هذه الشيبة، وإذا رأى شابا مقبلا على الطاعة يقبل يده ويقربه ويدنيه ويقول له ادع لي فأنت شاب تائب. هذا حاله مع من شاب وحاله مع من شب أي في الشباب، فكيف حاله مع الأطفال؟ وإذا رأى طفلا يقربه ويدنيه ويسأله الدعاء ويقول أولاد المسلمين هؤلاء ما لم يبلغوا الحلم لم يكتب عليهم الملك الخطيئة، فكان يسألهم الدعاء، وإذا سأله أحد الدعاء على الظلمة قال اللهم أصلحهم وأرشدهم والهمهم طاعتك وذكرك ووفقهم لما تحب وترضى.

 لقد جمع الحافظ الواسطي ما ذكر متفرقا في كتابه إرشاد المسلمين لطريقة شيخ المتقين، وكذلك في كتاب أم البراهين في تصحيح اليقين بإرشادات الصالحين، وكذا في كتاب شفاء الأسقام في سيرة غوث الأنام، وغيرها من الكتب التي نقلت مناقب سيدنا أحمد الرفاعي.

استخلص كثيرا من هذه المتفرقات الشيخ أبو الهدى الصيادي رحمه الله تعالى ورضي عنه، قال كان السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه يعقل الدابة ويتصدى لكنس الرواق والمسجد بنفسه، ويتخذ النعل من الصوف الأبيض، وما لبس قط ثوبا إلا مرقوعا. يأكل مع المرضى والموجوعين وأصحاب العاهات، وكان لين العريكة هين المؤنة، سهل الخلق، كريم النفس، حسن المعاشرة، بساما من غير ضحك، محزونا من غير عبوس، متواضعا من غير مذله، جوادا من غير صرف. قد جمعت فيه مكارم الأخلاق وسيرة السلف المتقدمين. أي سادة، يقول الرفاعي في البرهان المؤيد. الزهد أول قدم القاصدين الى الله عز وجل وأساسه التقوى وهي خوف الله رأس الحكمة، وجماع كل ذلك حسن متابعة إمام الأرواح والأشباح- الأشباح أي الأشخاص. السيد المكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. الزهد أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل معناه أول قدم القاصدين إلى مرضاة الله. أول الطريق الزهد. يقول الإمام الرفاعي رضي الله عنه إن الزاهد الصالح يوكل الله به ملكا فيزرع له الحكمة في قلبه. الزاهد الصالح، الزاهد الذي انقطع عن المستلذات عن المأكل والمشارب، أي عن الإكثار من ذلك. الزاهد الصالح يقول سيدنا الرفاعي إن الزاهد الصالح يوكل الله به ملكا فيزرع له الحكمة في قلبه. الزهد لا بد معه من التقوى. عبارة الإمام الرفاعي رضي الله عنه في البرهان المؤيد، الزهد أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل، لا بد من الزهد للوصول إلى طريق الولاية، وطريق الولاية لا بد له من العلم والعمل، ومع ذلك العلم والعمل، بالعلم يأتي الزهد ليترقى هذا العبد في الطريق، ليترقى في المقام لا بد للعبد حتى يصير من أولياء الله عز وجل. حتى يصير مستقيما بطاعة الله تبارك وتعالى لأن الولي هو العبد الذي أدى الواجبات واجتنب المحرمات ثم ترك التنعم وزهد في هذه الدنيا فعندها يصير هذا العبد من أولياء الله تعالى. أداء الواجبات واجتناب المحرمات الثبات على ذلك مع الإكثار من النوافل هكذا يصير العبد من أولياء الله الصالحين. لا يصير العبد وليا إذا لم يتعلم ما افترض الله تعالى عليه. لا بد أن يتعلم علم الدين الضروري، لا بد أن يتعلم الفرض العيني أن يتعلم ما فرض الله تعالى عليه من علوم الدين، وأولى ذلك علم التوحيد علم العقيدة، لأن الإيمان بالله عز وجل شرط لقبول العمل الصالح. وبعد أن يتعلم العبد هذا العلم لا بد له من أن يعمل به إذا أراد أن يصير من أولياء الله الصالحين، فإذا أدى الواجبات واجتنب المحرمات ثبت على التقوى من ثبت على التقوى لا بد أن يصير وليا. يوصله إلى ذلك يعينه على ذلك كله أن يزهد في الدنيا لأن زهده في الدنيا يعينه على أداء ما أوجب الله تعالى عليه، وعلى اجتناب ما حرم الله تعالى عليه. ويحبب الله تعالى لهذا العبد النوافل فيقطع نفسه عن الدنيا وملذاتها. هذا شيء من لطائف معنى هذه العبارة، لكننا سنكمل الحديث إن شاء الله تعالى عن الزهد وما معنى الزهد في المجلس القادم من البرهان المؤيد من مقالات السيد الإمام أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه، أمدنا الله تعالى بمدد خير النبيين وصفوة الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام ونفعنا الله بأفضل أوليائه هذه الأمة أبو بكر الصديق وبعمر وعثمان وعلي وبالأئمة الأربعة الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة، وأمدنا الله بأمداد الأقطاب الأربعة والصوفية الصادقين، وببركة سيدنا وشيخ طريقتنا الإمام الرفاعي رضي الله تعالى عنهم أجمعين. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.